ميلاد رسول الله «دراسة تربوية بلاغية لبعض آي الذكر الحكيم» «1»
تاريخ النشر: 20th, September 2023 GMT
أعزائي القراء.. نقدم ـ في هذه المناسبة الإسلامية المباركة ـ مولد رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم)،سلسلة مقالاتنا هذه بالكشف عن آيات كريماتٍ وردت في حقه الشريف، تبدأ بالقسم تمجيدًا وإجلالًا وتقديرًا لمقام ومكانة وأوصاف الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، وبهذه المناسبة الجليلة، والذكرى العطرة، نأخذها آياتٍ تلوَ آياتٍ، وندور حولها؛ لنستكشف جمالها، وكمالها، وجلالها، منزلة، ومكانة حبيبنا محمد (صلى الله عليه وسلم) يقول الله تعالى:(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (آل عمران ـ 164)، ويقول الله عزوجل:(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (التوبة 128 ـ 129)، ويقول ـ جل شأنه:(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب ـ 21)، ويقول ـ عزَّ من قائل:(وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى، وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) (الضحى 1 ـ 5)، ويقول ـ جلَّ جلاله:(وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) (الطور ـ 48)، ويقول ـ عزَّشأنه:(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الفتح ـ 29)، ويقول تبارك وتعالى:(رسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً، فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) (البّينة 2 ـ 3).
ونبدأ أولًا بما ورد في آيات سورة التوبة، حيث تبدأ الله بالقسم الذي ظهرت لامه في:(لقد)، وحرفُ التحقيق فيه، وهو (قد)، وجملة جواب القسم:(جاءكم رسول من أنفسكم..)، ولم يُحذَف من جملة القسم غيرُ المقسَم به؛ وذلك للعلم به، ولأن أهل الإيمان يعرفون مَنِ المستحِقُّ أن يقسم به، وأن يعظَّم في كونه، وهو الله رب العالمين، أي:(واللهِ، أو وعِزَّتي، وجلالي، لقد جاءكم رسول من أنفسكم..)، والفعل:(جاءكم) فيه مَدٌّ متصل من حيث التجويد، ويعني أنه (صلى الله عليه وسلم) قد فَعَلَ لأمته الكثيرَ، والكثيرَ، ومدَّهم من سيرته العطرة، وسنته المباركة مَدًّا كبيرًا، وكان يسعى بكل ما يملك لرفعهم إلى ربهم، وسيرهم إليه بخطى واسعة كالمدِّ المتصل الذي لا يفتأ يمضي حتى يصلَ إلى غايته، وتقديم المفعول هنا(جاءكم)؛ لبيان أهميته، والمسارعة في تبشيرهم، وتأخير الفاعل(رسولٌ)؛ للتشويق إلى معرفته، وقوله:(من أنفسكم) هو كناية عن بشريته، وبلوغه قمةَ الكمال، وفي قراءة أخرى: (من أنفَسِكُمْ) (بفتح الفاء، وكسر السين) من النفاسة،وهي الكمالُ، والسمُوُّ، وهو كذلك (صلى الله عليه، وسلم)، فهو أنفسُنا، ونفديه بأنفسِنا، وأهلينا، وكل ما نملك، لكن القراءة تعني أنه منا، وبشر مثلنا، ولكن الله تعالى اختاره ليكون سيد الأنبياء قاطبة، وسيد الخلق أجمعين (صلى الله، عليه وسلم)، وليكون خاتمة الرسل، وكونه من أنفسنا دليل على أننا كبشر يمكن أن نرتقي لنكون أهلا لتحمل أمانة السماء، فلم يشأ الله أن يجعل رسله ملائكة، وإنما اختارهم من البشر؛ ليكون منجنسهم، فربما قيل: الرسل ملائكة، وهم غير بشر، فهم يتحملون أكثر مما يتحمله البشر، ويتخذونها تكأة، وسببًا في المعصية وعدم الالتزام، فشاءت إرادة الله أن يجعل الرسل والأنبياء من جنس البشر، والفارق هو الوحي الذي ينزل عليهم، واختيار الله لهم، قال تعالى:(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (الكهف ـ 110)، فقوله:(من أنفسكم) كناية عن الاستطاعة في تنفيذ مطلوب السماء، وتكاليف الدين، فهو منهم ومن أغمارهم، وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، وعاملوه، وعاملهم، ورأوه أمينا ومأمونا حتى سموه بتلك الصفات، يقولون:(حضر الأمين، وذهب المأمون، ورضينا بالمأمون حكمًا عدلًا).
د.جمال عبدالعزيز أحمد
كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة – جمهورية مصر العربية
Drgamal2020@hotmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم من أنفسکم ویقول ـ
إقرأ أيضاً:
هل يجوز ترديد آيات قرآنية في السجود؟.. دار الإفتاء تجيب
قالت دار الإفتاء المصرية، إنه من المقرر شرعًا أن الركوع والسجود محلان لتعظيم الرب- سبحانه وتعالى- بالتسبيح والذكر والدعاء، وأنهما ليسا محلًّا لقراءة القرآن.
وأوضحت دار الإفتاء في إجابتها على سؤال: هل يجوز ترديد آيات قرآنية في السجود؟، أن العلماء أجمعوا على عدم جواز قراءة القرآن في الركوع والسجود، مستشهدة بقول الإمام ابن عبد البر في "الاستذكار" (1/ 431، ط. دار الكتب العلمية): [أما قراءة القرآن في الركوع فجميع العلماء على أن ذلك لا يجوز.. وأجمعوا أن الركوع موضع لتعظيم الله بالتسبيح وأنواع الذكر] اهـ.
وأوضحت أن الأصل في هذا الإجماع ما ثبت من النهي عنهما فيما أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كشف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر رضي الله عنه، فقال: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ؛ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَهُ، أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ».
أما إن قصد المصلي -بقراءته بعض الآيات القرآنية التي جاء فيها الدعاء في ركوعه وسجوده- الدعاءَ والذكر والثناء على الله تعالى ولم يقصد تلاوة القرآن، فيجوز بلا كراهة؛ كدعاء المصلي في سجوده بنحو ما جاء في قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان: 74].