جريدة الوطن:
2025-01-10@17:00:39 GMT

تفتيت أم تكامل؟

تاريخ النشر: 20th, September 2023 GMT

في ظلِّ التكتُّلات الإقليميَّة المُتعدِّدة وتوسُّعها، وسَعيِ القوى الصَّاعدة في العالَم لِتجاوز الهيمنة الأميركيَّة كقوَّة عظمى وحيدة، والدَّفع باتِّجاه عالَم مُتعدِّد الأطراف، تبرز مقولات بأنَّ عصر العولمة قَدْ بلغ ذروته وآخذٌ في الانحدار. وهناك كثير من الأدلَّة التي تُعزِّز ذلك الرأي، لعلَّ أبرزها كان في فترة أزمة وباء كورونا التي ضربت العالَم كُلَّه وخلالها اختفت فكرة «عالَم واحد» و»قرية كونيَّة» و»اعتماد متبادل» وغيرها من شعارات العولمة.

وتُركت كُلُّ دَولة لِتواجِه المُشْكلة وحدها، بل إنَّ التهافت على مستلزمات الوقاية من قفَّازات وكمامات وأجهزة تنفُّس وقتها أدَّى إلى ممارسات غير مسبوقة. فقَدْ سطت بعض الدوَل على شحنات متوجِّهة لغيرها، وسرقت سُفنًا تحمل مستلزمات وقاية وتخلَّت دوَل أوروبيَّة عن جاراتها التي تُعاني من سقوط الضحايا بالآلاف. كان ذلك من أعراض توجُّهات قوميَّة ومغالية في الوطنيَّة صاعدة منذ فترة أدَّت إلى إجراءات حمائيَّة وسياسات انعزاليَّة ضربت أهمَّ أُسُس العولمة. من القيود الجمركيَّة في الولايات المُتَّحدة على منتجات الصلب والألمنيوم الأوروبيَّة إلى إجراءات الحدِّ من الصادرات الصينيَّة وعرقلة الاستثمارات الأميركيَّة في الصين. ولَمْ يقتصر الأمْرُ على أميركا، بل إنَّ دوَلًا أوروبيَّة وغيرها مستمرَّة في ذلك التوجُّه. حتَّى الهند التي فرضت قانونًا قَبل بضع سنوات بعنوان «صنع في الهند» زادت بموجبه الرسوم على المنتجات غير المحلِّية ما لَمْ تصنعها شركاتها الأجنبيَّة في الهند.
في مقابل مقولة إنَّ العولمة وصلت إلى ذروتها، هناك مَن يرى أنَّ في التكتُّلات الإقليميَّة الجديدة ما يعني استمرار العولمة والتكامل بَيْنَ الدوَل وإن كان بشكلٍ مختلف. يرى هؤلاء أنَّ مبادرة الحزام والطريق، التي طرحتها الصين قَبل عشر سنوات وتضمُّ الآن ما يقرب من مئة وخمسين دَولةً، ويُتوقَّع أن تضيفَ نَحْوَ سبعة تريليونات دولار سنويًّا للاقتصاد العالَمي في أقلَّ من عقدٍ من الزمن، تُمثِّل تكاملًا بَيْنَ تلك الدوَل وتعزيزًا للاستثمارات في البنية التحتيَّة ونُموًّا للتجارة العالميَّة. حتَّى ما أُعلن عَنْه مؤخرًا من ممرٍّ اقتصادي يربط الهند بأوروبا عَبْرَ الشرق الأوسط، وإن كان الأميركيون يعدُّونه مواجهة للمبادرة الصينيَّة، إلَّا أنَّه في النهاية مشروع لتعزيز التعاون والتكامل بَيْنَ الدوَل المشاركة فيه. حتَّى ما يبدو من تفتُّت بتوسيع مجموعة (بريكس) لِتضمَّ ستَّ دوَل جديدة وربَّما توسيع مجموعة العشرين في المستقبل، إضافة إلى تكتُّلات أخرى أغلبها في آسيا ودوَل المحيط الهادئ ليس سوى نتاج للعولمة بالأساس وربَّما تعزيزًا لها. من وجهة نظر هؤلاء المتفائلين بأنَّ العولمة لَمْ تصلْ إلى قمَّتها بعد، فتلك التطوُّرات تُعزِّز التكامل العالَمي والاعتماد المتبادل، وإن كان بَيْنَ تكتُّلات إقليميَّة أكثر مِنْه بَيْنَ دوَل. وأنَّ هذا المسار هو عمليَّة في إطار العولمة، وإن كان يسمح بصعود أقطاب أخرى في العالَم دُونَ اقتصار مركز الريادة على أميركا وما تَقُودُه من تحالف غربي.
تحمل وجهتا النظر بشأن ذروة العولمة أو استمرار صعودها قدرًا من المنطق، لكن ما يُمكِن استخلاصه من التطوُّرات حَوْلَ العالَم في السنوات القليلة القديمة أنَّ الولايات المُتَّحدة والغرب، كدافع أساسي نَحْوَ العولمة منذ الربع الأخير من القرن الماضي، أدركوا أنَّ الصين وقوى صاعدة أخرى استفادت من العولمة أكثر من تعزيز الدَّوْر الريادي للقوى التقليديَّة، وفي مقدِّمتها أميركا. وليست الاستراتيجيَّة الأميركيَّة بالتصدِّي لصعود الصين وروسيا وغيرهما سوى ردِّ فعلٍ واضحٍ نتيجة ذلك الإدراك بدأ حتَّى من قِبل الإدارة الأميركيَّة الحاليَّة. وعلى ذات الخُطى تسير قوى تقليديَّة في أوروبا واليابان وغيرها، ولا يُمكِن تفسير الإجراءات الحمائيَّة والنزعات المغالية في الوطنيَّة سوى أنَّها نيل من العولمة وتراجع عَنْها. وعلى الأرجح ستتصاعد تلك النعرات الانعزاليَّة في ظلِّ التباطؤ الاقتصادي الحالي المرشح للاستمرار مع تجذُّر الخلل الهيكلي في الاقتصاد العالَمي كُلِّه وتشوُّه النموذج التقليدي للدَّوْرة الاقتصاديَّة. في الوقت نَفْسِه، فالمشروعات الإقليميَّة من مبادرة الحزام والطريق إلى الممرِّ الاقتصادي الجديد ستضيف للنشاط التجاري والاستثماري بَيْنَ تلك الدوَل التي تُشكِّل أكثر من نصف دوَل العالَم. وكذلك تعزيز وصول تلك التكتُّلات إلى الأسواق التقليديَّة في الغرب وغيره. وبالتَّالي سيحافظ ذلك التوجُّه على منحنى العولمة ربَّما في خطٍّ مستقيم لفترة طويلة. أي أنَّ العولمة قَدْ تكُونُ بلغت ذروتها بالفعل، لكنَّها ليس في طريق التراجع والانحدار قريبًا.
الأهمُّ هنا، أنَّه في هذه الفترة القادمة هناك فرصة لاستفادة الدوَل الصَّاعدة والنَّامية من الفرص التي يتيحها هذا التحوُّل، خصوصًا تلك التي حظِيَت بفرصة جيِّدة في المراحل الأولى لعولمة الاقتصاد، فلا تزال الفرصة أمامها للاستفادة من هذا التفتيت والتكامل في آنٍ واحد. وإذا كانت القوى الكبرى التقليديَّة قادت عمليَّة صعود العولمة، فإنَّ فترة التفتُّت الحاليَّة والمستقبليَّة على المدى القصير ليست موَحَّدة القيادة. فلا هي أميركيَّة تمامًا ولا صينيَّة بالقدر نَفْسِه ولا حتَّى هنديَّة فيما بعد.
وفي تعدُّد مراكز القيادة تلك، وتنافسها القوي أيضًا، ما يفيد الدوَل والكيانات التي عدَّت طرفًا في النظام العالَمي طوال الوقت. إنَّما يعتمد ذلك أيضًا على مدى قدرة تلك الدوَل لإمكاناتها الذاتيَّة للاستفادة من الفرص المتاحة وتعظيم مصالحها الوطنيَّة، سواء من خلال تلك الشراكات المعلنة أو طرح شراكات جديدة.

د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
mustafahmed@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: وإن کان العال م الدو ل

إقرأ أيضاً:

الأرقام المذهلة التي أعلنتها عمان

#الأرقام_المذهلة التي أعلنتها عمان _ #ماهر_ابوطير


ذات مساء كنت برفقة صديق يقود سيارته، وإذا بسائق متهور يتعداه بطريقة جنونية، ويحاول قلب السيارة بنا، وكاد صديقي يُجن، وأراد أن يلاحقه، حتى هدأت من روعه.

قلت له، أنت لا تعرف ما بال الرجل وماهي أحواله، هل هو تحت الادمان، او تأثير المخدرات او المسكرات، وما به من تقلبات، وقد يكون يحمل سلاحا، ولا يرى ولا يبصر سوى الخيالات والهذيان المرضي في هذه الحالة، واشتباكك به سيؤدي الى كارثة لا تعرف حدودها.

قلت له أيضا إننا بتنا نسمع ونقرأ عن جرائم من نوع غريب، لم نكن نسمع ونقرأ عنها سابقا، لان الأردن تغير عن الأردن الذي نعرفه، زاد عدد مواطنيه وسكانه، وتدفقت اليه آفات وعلل لم يكن يعرفها سابقا، والسلوك الاجتماعي تغير كثيرا ما بين الشعور بالغضب، او الضنك، او ضغط الديون الفردية، او اليأس، والرغبة بالاقتتال مع الآخرين، وربما بعضنا يقع تحت تأثير مواد ممنوعة مثل المخدرات، ولا يعي ما يفعل، بما يفرض عليك التأني في رد فعلك ايضا.

مقالات ذات صلة المعالجة الأمنية في الضفة الغربية 2025/01/09

في الارقام الرسمية حول عام 2024 نقرأ ان الجهات الرسمية تعاملت مع 25260 قضية تورط فيها 38782 شخصاً في قضايا متنوعة بين تعاطي المخدرات وقضايا الترويج والاتجار بالمواد المخدرة، وضبطت ما يزيد على 27 مليون ونصف المليون حبة كبتاجون، و3 آلاف كغم من مادة الحشيش المخدر، و262 كغم من الماريغوانا، و62 كغم من الكريستال، و33 كغم من الحشيش الصناعي و11 كغم ونصف من بودرة الجوكر ، كما تم ضبط 13.5 كيلوغرام من مادة الهيروين، و2 كغم و965 غرام من مادة الكوكائين.

هذه الارقام اعلنها مدير إدارة مكافحة المخدرات العميد حسان القضاة في حديثه لإذاعة الأمن العام، الذي يبذل وفريقه جهودا جبارة، مع بقية المؤسسات، لكننا ندرك ان هناك مساحات رمادية ومخفية لم يتم الوصول اليها، في هذه الحرب المفتوحة على الأردن، بما يجعل دعم وتعزيز هذه المؤسسات امرا اساسيا، في ظل الاستهدافات، والسعي لخلخلة بنية الأردن.

ارقام مذهلة، وهي ترتفع عاما بعد عام ولو عدنا الى ارقام السنوات الماضية، لوجدنا بكل بساطة ان ارتفاع الارقام بات سنويا، والسبب في ذلك يعود الى حرب المخدرات على الأردن عبر الحدود السورية، والكلام عن شبكات اسرائيلية تريد اغراق الأردن بالمخدرات، وليس ادل على ذلك من محاولات تهريب المخدرات من فلسطين المحتلة، وما يتردد عن احتمالات وصول المخدرات الى الأردن من ايران عبر العراق، والجبهات مفتوحة، وعدد المتورطين والمدمنين في تزايد بما يعنيه ذلك من خطر امني، على صعيد الجرائم، والتورط في كل الافعال المشينة.

هذه حرب من نوع آخر، لان الحروب ليست بالرصاص وحده، وعلينا ان نستقرئ منذ الآن تأثير سقوط النظام السوري على الشبكات المحلية التي كانت ترسل المخدرات من سورية الى الأردن، وتأثير ذلك على سوق المخدرات المحلي، حيث من المؤكد ان اسعارها سوف ترتفع، وقد يتم اللجوء الى التصنيع المحلي، او بدائل من دول مجاورة، بما يؤشر على الحمل الثقيل والصعب على المؤسسات الرسمية، خصوصا، مع الكلام عن رؤوس متنفذة ترعى هذه الشبكات من حيتان المخدرات، والشبكات التي تأسست خلال السنوات القليلة الماضية في غير موقع.

ما يقال هنا يرتبط بأمرين، اولهما ان هذه الحرب لن تتوقف بل ستشتد اكثر خلال الفترة المقبلة، وثانيهما ان على كل انسان في البلد، التنبه لما يجري على صعيد عائلته، وجواره، لأن محاربة المخدرات، هنا تعد عملا جماعيا، وليس فرديا، حتى لا نصحو على انفسنا وقد تم اغراق الأردن بالمدمنين، بما يعنيه ذلك سياسيا، واجتماعيا، وامنيا، واقتصاديا من اخطار ليست مسبوقة.

تغير الأردن ايجابا وسلبا، وعلينا ان نقر بهذه الحقيقة.

الغد

مقالات مشابهة

  • الأرقام المذهلة التي أعلنتها عمان
  • ديالى تكشف عن أبرز المشاريع التي ستنفذ خلال هذا العام
  • «أخلاقه تعبر عن أسرارك» .. كيف تربي ابنك في ظل العولمة والفضاء الرقمي؟| فيديو
  • رضا عبد العال يفتح النار على إمام عاشور: احتفاله بالبالونة "فلس فني"
  • سامح عيد: مخطط إسرائيل يستهدف تفتيت المنطقة والقضاء على الجيوش العربية
  • د. محمد بشاري يكتب: الأخلاق في عملية الإفتاء: تكامل الفقه والقيم
  • آخر المعلومات عن جريمة الهرمل... من هي الإمرأة التي قتلت أحد الشبان؟
  • خلال أيام.. إقرار حزمة التحفيزات الضريبية الأولي
  • السيسي: التعاون بين مصر واليونان وقبرص خطوة محورية تجاه تكامل الدول الثلاث
  • رضا عبد العال يهاجم الأهلي بسبب إمام عاشور