جريدة الوطن:
2025-03-15@19:31:47 GMT

تفتيت أم تكامل؟

تاريخ النشر: 20th, September 2023 GMT

في ظلِّ التكتُّلات الإقليميَّة المُتعدِّدة وتوسُّعها، وسَعيِ القوى الصَّاعدة في العالَم لِتجاوز الهيمنة الأميركيَّة كقوَّة عظمى وحيدة، والدَّفع باتِّجاه عالَم مُتعدِّد الأطراف، تبرز مقولات بأنَّ عصر العولمة قَدْ بلغ ذروته وآخذٌ في الانحدار. وهناك كثير من الأدلَّة التي تُعزِّز ذلك الرأي، لعلَّ أبرزها كان في فترة أزمة وباء كورونا التي ضربت العالَم كُلَّه وخلالها اختفت فكرة «عالَم واحد» و»قرية كونيَّة» و»اعتماد متبادل» وغيرها من شعارات العولمة.

وتُركت كُلُّ دَولة لِتواجِه المُشْكلة وحدها، بل إنَّ التهافت على مستلزمات الوقاية من قفَّازات وكمامات وأجهزة تنفُّس وقتها أدَّى إلى ممارسات غير مسبوقة. فقَدْ سطت بعض الدوَل على شحنات متوجِّهة لغيرها، وسرقت سُفنًا تحمل مستلزمات وقاية وتخلَّت دوَل أوروبيَّة عن جاراتها التي تُعاني من سقوط الضحايا بالآلاف. كان ذلك من أعراض توجُّهات قوميَّة ومغالية في الوطنيَّة صاعدة منذ فترة أدَّت إلى إجراءات حمائيَّة وسياسات انعزاليَّة ضربت أهمَّ أُسُس العولمة. من القيود الجمركيَّة في الولايات المُتَّحدة على منتجات الصلب والألمنيوم الأوروبيَّة إلى إجراءات الحدِّ من الصادرات الصينيَّة وعرقلة الاستثمارات الأميركيَّة في الصين. ولَمْ يقتصر الأمْرُ على أميركا، بل إنَّ دوَلًا أوروبيَّة وغيرها مستمرَّة في ذلك التوجُّه. حتَّى الهند التي فرضت قانونًا قَبل بضع سنوات بعنوان «صنع في الهند» زادت بموجبه الرسوم على المنتجات غير المحلِّية ما لَمْ تصنعها شركاتها الأجنبيَّة في الهند.
في مقابل مقولة إنَّ العولمة وصلت إلى ذروتها، هناك مَن يرى أنَّ في التكتُّلات الإقليميَّة الجديدة ما يعني استمرار العولمة والتكامل بَيْنَ الدوَل وإن كان بشكلٍ مختلف. يرى هؤلاء أنَّ مبادرة الحزام والطريق، التي طرحتها الصين قَبل عشر سنوات وتضمُّ الآن ما يقرب من مئة وخمسين دَولةً، ويُتوقَّع أن تضيفَ نَحْوَ سبعة تريليونات دولار سنويًّا للاقتصاد العالَمي في أقلَّ من عقدٍ من الزمن، تُمثِّل تكاملًا بَيْنَ تلك الدوَل وتعزيزًا للاستثمارات في البنية التحتيَّة ونُموًّا للتجارة العالميَّة. حتَّى ما أُعلن عَنْه مؤخرًا من ممرٍّ اقتصادي يربط الهند بأوروبا عَبْرَ الشرق الأوسط، وإن كان الأميركيون يعدُّونه مواجهة للمبادرة الصينيَّة، إلَّا أنَّه في النهاية مشروع لتعزيز التعاون والتكامل بَيْنَ الدوَل المشاركة فيه. حتَّى ما يبدو من تفتُّت بتوسيع مجموعة (بريكس) لِتضمَّ ستَّ دوَل جديدة وربَّما توسيع مجموعة العشرين في المستقبل، إضافة إلى تكتُّلات أخرى أغلبها في آسيا ودوَل المحيط الهادئ ليس سوى نتاج للعولمة بالأساس وربَّما تعزيزًا لها. من وجهة نظر هؤلاء المتفائلين بأنَّ العولمة لَمْ تصلْ إلى قمَّتها بعد، فتلك التطوُّرات تُعزِّز التكامل العالَمي والاعتماد المتبادل، وإن كان بَيْنَ تكتُّلات إقليميَّة أكثر مِنْه بَيْنَ دوَل. وأنَّ هذا المسار هو عمليَّة في إطار العولمة، وإن كان يسمح بصعود أقطاب أخرى في العالَم دُونَ اقتصار مركز الريادة على أميركا وما تَقُودُه من تحالف غربي.
تحمل وجهتا النظر بشأن ذروة العولمة أو استمرار صعودها قدرًا من المنطق، لكن ما يُمكِن استخلاصه من التطوُّرات حَوْلَ العالَم في السنوات القليلة القديمة أنَّ الولايات المُتَّحدة والغرب، كدافع أساسي نَحْوَ العولمة منذ الربع الأخير من القرن الماضي، أدركوا أنَّ الصين وقوى صاعدة أخرى استفادت من العولمة أكثر من تعزيز الدَّوْر الريادي للقوى التقليديَّة، وفي مقدِّمتها أميركا. وليست الاستراتيجيَّة الأميركيَّة بالتصدِّي لصعود الصين وروسيا وغيرهما سوى ردِّ فعلٍ واضحٍ نتيجة ذلك الإدراك بدأ حتَّى من قِبل الإدارة الأميركيَّة الحاليَّة. وعلى ذات الخُطى تسير قوى تقليديَّة في أوروبا واليابان وغيرها، ولا يُمكِن تفسير الإجراءات الحمائيَّة والنزعات المغالية في الوطنيَّة سوى أنَّها نيل من العولمة وتراجع عَنْها. وعلى الأرجح ستتصاعد تلك النعرات الانعزاليَّة في ظلِّ التباطؤ الاقتصادي الحالي المرشح للاستمرار مع تجذُّر الخلل الهيكلي في الاقتصاد العالَمي كُلِّه وتشوُّه النموذج التقليدي للدَّوْرة الاقتصاديَّة. في الوقت نَفْسِه، فالمشروعات الإقليميَّة من مبادرة الحزام والطريق إلى الممرِّ الاقتصادي الجديد ستضيف للنشاط التجاري والاستثماري بَيْنَ تلك الدوَل التي تُشكِّل أكثر من نصف دوَل العالَم. وكذلك تعزيز وصول تلك التكتُّلات إلى الأسواق التقليديَّة في الغرب وغيره. وبالتَّالي سيحافظ ذلك التوجُّه على منحنى العولمة ربَّما في خطٍّ مستقيم لفترة طويلة. أي أنَّ العولمة قَدْ تكُونُ بلغت ذروتها بالفعل، لكنَّها ليس في طريق التراجع والانحدار قريبًا.
الأهمُّ هنا، أنَّه في هذه الفترة القادمة هناك فرصة لاستفادة الدوَل الصَّاعدة والنَّامية من الفرص التي يتيحها هذا التحوُّل، خصوصًا تلك التي حظِيَت بفرصة جيِّدة في المراحل الأولى لعولمة الاقتصاد، فلا تزال الفرصة أمامها للاستفادة من هذا التفتيت والتكامل في آنٍ واحد. وإذا كانت القوى الكبرى التقليديَّة قادت عمليَّة صعود العولمة، فإنَّ فترة التفتُّت الحاليَّة والمستقبليَّة على المدى القصير ليست موَحَّدة القيادة. فلا هي أميركيَّة تمامًا ولا صينيَّة بالقدر نَفْسِه ولا حتَّى هنديَّة فيما بعد.
وفي تعدُّد مراكز القيادة تلك، وتنافسها القوي أيضًا، ما يفيد الدوَل والكيانات التي عدَّت طرفًا في النظام العالَمي طوال الوقت. إنَّما يعتمد ذلك أيضًا على مدى قدرة تلك الدوَل لإمكاناتها الذاتيَّة للاستفادة من الفرص المتاحة وتعظيم مصالحها الوطنيَّة، سواء من خلال تلك الشراكات المعلنة أو طرح شراكات جديدة.

د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
mustafahmed@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: وإن کان العال م الدو ل

إقرأ أيضاً:

الأحلام الشائعة التي تبدأ بحرف "الألف".. وتفسير حلم الأب والأخ والأذان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

لطالما كانت الأحلام مرآةً لما يختلج في النفس البشرية، فهي إما رؤى صادقة تحمل بشائر المستقبل، أو انعكاسات للعقل الباطن تُترجم كحديث نفس. وفي كلتا الحالتين، تبقى الأحلام لغزًا يحاول الكثيرون فك رموزه لفهم رسائله المخفية.

في هذا التقرير، نستعرض بعض الأحلام الشائعة التي تبدأ بحرف "الألف" وتفسيراتها المختلفة، والتي قد تكون مبشّرة أو تحذيرية وفقًا لسياقها.

الأب: يُفسَّر ظهوره في المنام بأنه رمز للخير والرزق غير المتوقع، كما قد يكون دلالة على مسؤولية يجب على الرائي إتمامها.الأخ: رؤيته في الحلم تشير إلى الشراكة والمساندة، لا سيما فيما يتعلق بالدعم المالي.الأذان: يحمل معاني مختلفة، فقد يرمز إلى المنصب والرفعة، ولكن إذا أذّن الرائي فوق بيت جاره، فقد يكون ذلك تحذيرًا من خيانة أو تجاوز للحدود.

الأحلام عالم واسع من الدلالات، بعضها يبعث الطمأنينة، وبعضها يدعو إلى التأمل والحذر، ويبقى التفسير رهينًا بالتفاصيل والسياق الذي يحيط بالرؤيا.

مقالات مشابهة

  • محافظ الغربية: تكامل بين التنفيذيين والنواب لتحقيق التنمية وتلبية احتياجات المواطنين
  • كيكل: الوحدة التي حدثت بسبب هذه الحرب لن تندثر – فيديو
  • فاسدة وغسر شرعية..ترامب يهاجم ووسائل الإعلام التي تنتقده
  • سوريا التي وقعت في الكمين
  • الأم التي أبكت السوريين تطل ثانية .. (كلكم ولادي)
  • معهد أبحاث صهيوني : الإجراءات التي اتخذها التحالف الدولي لم تنجح في ردع اليمنيين
  • من هي الفنانة التي تمنى محمد سامي أن تقع ضحية «رامز إيلون مصر»؟
  • الأحلام الشائعة التي تبدأ بحرف "الألف".. وتفسير حلم الأب والأخ والأذان
  • اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات بين مصر والسعودية.. أحزاب: خطوة نحو تكامل اقتصادي أقوى
  • احتكار العال المؤقت يحقق أرباحًا قياسية وسط أزمة السفر إلى إسرائيل