جريدة الوطن:
2024-07-07@04:52:09 GMT

تفتيت أم تكامل؟

تاريخ النشر: 20th, September 2023 GMT

في ظلِّ التكتُّلات الإقليميَّة المُتعدِّدة وتوسُّعها، وسَعيِ القوى الصَّاعدة في العالَم لِتجاوز الهيمنة الأميركيَّة كقوَّة عظمى وحيدة، والدَّفع باتِّجاه عالَم مُتعدِّد الأطراف، تبرز مقولات بأنَّ عصر العولمة قَدْ بلغ ذروته وآخذٌ في الانحدار. وهناك كثير من الأدلَّة التي تُعزِّز ذلك الرأي، لعلَّ أبرزها كان في فترة أزمة وباء كورونا التي ضربت العالَم كُلَّه وخلالها اختفت فكرة «عالَم واحد» و»قرية كونيَّة» و»اعتماد متبادل» وغيرها من شعارات العولمة.

وتُركت كُلُّ دَولة لِتواجِه المُشْكلة وحدها، بل إنَّ التهافت على مستلزمات الوقاية من قفَّازات وكمامات وأجهزة تنفُّس وقتها أدَّى إلى ممارسات غير مسبوقة. فقَدْ سطت بعض الدوَل على شحنات متوجِّهة لغيرها، وسرقت سُفنًا تحمل مستلزمات وقاية وتخلَّت دوَل أوروبيَّة عن جاراتها التي تُعاني من سقوط الضحايا بالآلاف. كان ذلك من أعراض توجُّهات قوميَّة ومغالية في الوطنيَّة صاعدة منذ فترة أدَّت إلى إجراءات حمائيَّة وسياسات انعزاليَّة ضربت أهمَّ أُسُس العولمة. من القيود الجمركيَّة في الولايات المُتَّحدة على منتجات الصلب والألمنيوم الأوروبيَّة إلى إجراءات الحدِّ من الصادرات الصينيَّة وعرقلة الاستثمارات الأميركيَّة في الصين. ولَمْ يقتصر الأمْرُ على أميركا، بل إنَّ دوَلًا أوروبيَّة وغيرها مستمرَّة في ذلك التوجُّه. حتَّى الهند التي فرضت قانونًا قَبل بضع سنوات بعنوان «صنع في الهند» زادت بموجبه الرسوم على المنتجات غير المحلِّية ما لَمْ تصنعها شركاتها الأجنبيَّة في الهند.
في مقابل مقولة إنَّ العولمة وصلت إلى ذروتها، هناك مَن يرى أنَّ في التكتُّلات الإقليميَّة الجديدة ما يعني استمرار العولمة والتكامل بَيْنَ الدوَل وإن كان بشكلٍ مختلف. يرى هؤلاء أنَّ مبادرة الحزام والطريق، التي طرحتها الصين قَبل عشر سنوات وتضمُّ الآن ما يقرب من مئة وخمسين دَولةً، ويُتوقَّع أن تضيفَ نَحْوَ سبعة تريليونات دولار سنويًّا للاقتصاد العالَمي في أقلَّ من عقدٍ من الزمن، تُمثِّل تكاملًا بَيْنَ تلك الدوَل وتعزيزًا للاستثمارات في البنية التحتيَّة ونُموًّا للتجارة العالميَّة. حتَّى ما أُعلن عَنْه مؤخرًا من ممرٍّ اقتصادي يربط الهند بأوروبا عَبْرَ الشرق الأوسط، وإن كان الأميركيون يعدُّونه مواجهة للمبادرة الصينيَّة، إلَّا أنَّه في النهاية مشروع لتعزيز التعاون والتكامل بَيْنَ الدوَل المشاركة فيه. حتَّى ما يبدو من تفتُّت بتوسيع مجموعة (بريكس) لِتضمَّ ستَّ دوَل جديدة وربَّما توسيع مجموعة العشرين في المستقبل، إضافة إلى تكتُّلات أخرى أغلبها في آسيا ودوَل المحيط الهادئ ليس سوى نتاج للعولمة بالأساس وربَّما تعزيزًا لها. من وجهة نظر هؤلاء المتفائلين بأنَّ العولمة لَمْ تصلْ إلى قمَّتها بعد، فتلك التطوُّرات تُعزِّز التكامل العالَمي والاعتماد المتبادل، وإن كان بَيْنَ تكتُّلات إقليميَّة أكثر مِنْه بَيْنَ دوَل. وأنَّ هذا المسار هو عمليَّة في إطار العولمة، وإن كان يسمح بصعود أقطاب أخرى في العالَم دُونَ اقتصار مركز الريادة على أميركا وما تَقُودُه من تحالف غربي.
تحمل وجهتا النظر بشأن ذروة العولمة أو استمرار صعودها قدرًا من المنطق، لكن ما يُمكِن استخلاصه من التطوُّرات حَوْلَ العالَم في السنوات القليلة القديمة أنَّ الولايات المُتَّحدة والغرب، كدافع أساسي نَحْوَ العولمة منذ الربع الأخير من القرن الماضي، أدركوا أنَّ الصين وقوى صاعدة أخرى استفادت من العولمة أكثر من تعزيز الدَّوْر الريادي للقوى التقليديَّة، وفي مقدِّمتها أميركا. وليست الاستراتيجيَّة الأميركيَّة بالتصدِّي لصعود الصين وروسيا وغيرهما سوى ردِّ فعلٍ واضحٍ نتيجة ذلك الإدراك بدأ حتَّى من قِبل الإدارة الأميركيَّة الحاليَّة. وعلى ذات الخُطى تسير قوى تقليديَّة في أوروبا واليابان وغيرها، ولا يُمكِن تفسير الإجراءات الحمائيَّة والنزعات المغالية في الوطنيَّة سوى أنَّها نيل من العولمة وتراجع عَنْها. وعلى الأرجح ستتصاعد تلك النعرات الانعزاليَّة في ظلِّ التباطؤ الاقتصادي الحالي المرشح للاستمرار مع تجذُّر الخلل الهيكلي في الاقتصاد العالَمي كُلِّه وتشوُّه النموذج التقليدي للدَّوْرة الاقتصاديَّة. في الوقت نَفْسِه، فالمشروعات الإقليميَّة من مبادرة الحزام والطريق إلى الممرِّ الاقتصادي الجديد ستضيف للنشاط التجاري والاستثماري بَيْنَ تلك الدوَل التي تُشكِّل أكثر من نصف دوَل العالَم. وكذلك تعزيز وصول تلك التكتُّلات إلى الأسواق التقليديَّة في الغرب وغيره. وبالتَّالي سيحافظ ذلك التوجُّه على منحنى العولمة ربَّما في خطٍّ مستقيم لفترة طويلة. أي أنَّ العولمة قَدْ تكُونُ بلغت ذروتها بالفعل، لكنَّها ليس في طريق التراجع والانحدار قريبًا.
الأهمُّ هنا، أنَّه في هذه الفترة القادمة هناك فرصة لاستفادة الدوَل الصَّاعدة والنَّامية من الفرص التي يتيحها هذا التحوُّل، خصوصًا تلك التي حظِيَت بفرصة جيِّدة في المراحل الأولى لعولمة الاقتصاد، فلا تزال الفرصة أمامها للاستفادة من هذا التفتيت والتكامل في آنٍ واحد. وإذا كانت القوى الكبرى التقليديَّة قادت عمليَّة صعود العولمة، فإنَّ فترة التفتُّت الحاليَّة والمستقبليَّة على المدى القصير ليست موَحَّدة القيادة. فلا هي أميركيَّة تمامًا ولا صينيَّة بالقدر نَفْسِه ولا حتَّى هنديَّة فيما بعد.
وفي تعدُّد مراكز القيادة تلك، وتنافسها القوي أيضًا، ما يفيد الدوَل والكيانات التي عدَّت طرفًا في النظام العالَمي طوال الوقت. إنَّما يعتمد ذلك أيضًا على مدى قدرة تلك الدوَل لإمكاناتها الذاتيَّة للاستفادة من الفرص المتاحة وتعظيم مصالحها الوطنيَّة، سواء من خلال تلك الشراكات المعلنة أو طرح شراكات جديدة.

د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
mustafahmed@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: وإن کان العال م الدو ل

إقرأ أيضاً:

أقدم تصوير فني بشري.. رسم يعود إلى 50 ألف سنة في كهف إندونيسي

خلصت دراسة حديثة إلى أنّ رسما يمثّل خنزيرا أحمر كبيرا محاطا بـ3 شخصيات بشرية أُنجز على جدار كهف في إندونيسيا، هو أقدم عمل فني تصويري في العالم، بما أنّه يعود إلى أكثر من 51 ألف عام.

وقال عالم الآثار آدم بروم، أحد معدّي الدراسة المنشورة الأربعاء في مجلة "نيتشر"، إنّ الرسم، وعلى الرغم من أنّ مظهره بسيط فإنه "يجسّد بوضوح قصة تشكل أقدم دليل معروف على السرد" ضمن عمل فنّي، وهو أقدم حتى من الرسوم في كهفي لاسكو وشوفيه في فرنسا.

ويعود الرقم القياسي السابق لأقدم رسم تصويري إلى عمل فني يمثّل مشهد صيد اكتشفه فريق الباحثين نفسه عام 2019 داخل كهف إندونيسي، وأشارت التقديرات إلى أنّه يعود إلى قرابة 44 ألف عام.

وأكّد المشارك في إعداد الدراسة ماكسيم أوبير من جامعة غريفيث الأسترالية، أنّ الاكتشاف الأخير داخل كهف في ماروس-بانكيب في جزيرة سولاويسي، يؤكد أننا أمام عمل "يتجاوز عمره الـ50 ألف عام للمرة الأولى".

وأضاف أنّ قدرة الممثلين الأوائل لجنسنا البشري على رواية قصة "بهذا التعقيد" من خلال الفن، قد تعيد صياغة فهمنا للتطور المعرفي للإنسان العاقل.

ولتحديد تاريخ اللوحة، استخدم الباحثون طريقة جديدة تستند إلى أشعة الليزر وبرامج كمبيوتر لإنشاء "خريطة" لعينات صخور.

وأشار أوبير إلى أنّ تقنية الليزر هذه أكثر دقة وأسهل وأسرع وأرخص وتتطلب عينات صخرية أصغر بكثير من الطريقة السابقة.

ولا تتيح التقنية الجديدة تحديد تاريخ اللوحة بشكل واضح، بل تحدد تاريخ كل طبقات المعادن التي تراكمت عليها مع مرور الزمن. وتمكّن الباحثون من الوصول إلى الطبقة الأقرب إلى الطلاء وبالتالي تحديد الحد الأدنى لعمرها بدقة.

واختبر الفريق التقنية الجديدة للمرة الأولى على الرسم الذي يحمل الرقم القياسي السابق لأقدم رسم تصويري في العالم. وأشار إلى أنّ الرسم الذي يمثل نشاط صيد يعود أقله إلى 48 ألف سنة، أي أقدم بـ4 آلاف سنة مقارنة بما أفضت إليه طريقة التأريخ التي استُخدمت عام 2019.

ثم اختبر الفريق طريقة الليزر على لوحة غير مؤرخة، رُصدت للمرة الأولى داخل كهف في جزيرة سولاويسي عام 2017. وتوصّلوا إلى أنّ الحد الأدنى لعمرها هو 51 ألفا و200 عام.

وتمثل اللوحة التي كانت في حالة سيئة، 3 شخصيات حول خنزير بري.

ومن الصعب فهم معنى هذه الرسوم ذات اللون الأحمر، لكنّها تصف بوضوح حدثا ما، على غرار رسم غامض في كهف لاسكو يعود إلى 21 ألف عام ويمثل رجلا برأس طائر أوقعه جاموس.

الرسوم البشرية الأولى

ويفترض أوبير أنّ هذا العمل ربما أنجزته المجموعات الأولى من البشر الذين عبروا جنوب شرق آسيا قبل وصولهم إلى أستراليا، قبل نحو 65 ألف سنة. وقال "ربما تكون مسألة وقت فقط قبل أن نجد رسوما أقدم".

وتمثل الرسوم الأولى التي أُنجزت على أيدي بشر والمعروفة حتى الآن، خطوطا وأنماطا بسيطة مصنوعة في أحجار مغارة، اكتُشفت في جنوب أفريقيا ويعود تاريخها إلى مئة ألف سنة.

وأشار أوبير إلى "فجوة كبيرة" بين هذا النوع الأوّلي من الفن ورسوم الكهوف الإندونيسية التي أُنجزت بعد 50 ألف سنة.

وقبل هذه الاكتشافات في إندونيسيا، كان يُعتقد أنّ الأعمال الفنية التي تجسّد أولى الروايات قد ظهرت في أوروبا الغربية، خصوصا مع اكتشاف تمثال عاجي لرجل برأس أسد في ألمانيا، يعود تاريخه إلى 40 ألف سنة.

وقال كريس سترينغر، وهو عالم أنثروبولوجي في متحف التاريخ الطبيعي في لندن لم يشارك في الدراسة، إنّ التاريخ التقديري للفن الصخري الإندونيسي "مذهل بشكل كبير"، لأنه أقدم بكثير مما تم اكتشافه في أماكن أخرى بينها أوروبا.

وتبدو الاستنتاجات التي خلصت إليها الدراسة المنشورة في مجلة "نيتشر" قوية، لكن ينبغي تأكيدها من خلال تأريخ أكثر تعمقا، بحسب سترينغر.

وقال لوكالة الصحافة الفرنسية "في رأيي، يعزز هذا الاكتشاف الفكرة القائلة بأنّ الفن التصويري تم إنجازه للمرة الأولى في أفريقيا قبل 50 ألف سنة، وأن هذا المفهوم انتشر بصورة أكبر مع انتشار جنسنا"، مضيفا "إذا كان ذلك صحيحا، فستكون هناك أدلة جديدة كثيرة في مناطق أخرى وخصوصا أفريقيا، لم تظهر بعد".

مقالات مشابهة

  • د. أحمد عبد العال يكتب: عهد مشرق للاعلام المصري
  • "مركز البحوث" يفتتح الصوبة الزراعية السلوفينية بالنوبارية
  • أحمد عبد العال يكتب: «حياة كريمة».. نموذج رائد لتحقيق التنمية
  • حرب التجويع
  • هيباتيا
  • محافظ قنا: تنمية المنطقة الصناعية واستكمال المشروعات القومية أولى أهدافنا
  • مِنَ الزُّهد إلى الأدب
  • حلم الانتخابات
  • أقدم تصوير فني بشري.. رسم يعود إلى 50 ألف سنة في كهف إندونيسي
  • موظفون حزبيون خارج إعلامهم