سودانايل:
2024-06-30@01:21:15 GMT

بكائية في رحيل عمر السّورى

تاريخ النشر: 20th, September 2023 GMT

siddiqmeheasi20@gemail.com

فى ستينات القرن الماضى زارنا فى صحيفة السودان الجديد وفد ّاريترى برئاسة الراحل عثمان صالح سبى خليفة حامد عواتى مفجّر الثورة الأريترية ضد الأحتلال الأثيوبى والمبشّر بها فيما بعد .
جاء الوفد للتعارف وفتح الباب لنشر بيانات العمليات العسكرية التى كان يقوم بها الثوار ضد الجيش الأثيوبى , كان برفقة الوفد شاب قمحى اللون رقيق العود هامس الصوت عرّف نفسه بعمر جعفر السّورى وهو من اب سودانى هو جعفر السّورى اول رئيس تحرير لصحيفة الجزيرة الناطقة بأسم مشروع الجزيرة ومن ام ارتيرية من مصوع .


ظل عمر يزورنا من وقت لآخر حاملا بيانات العمليات العسكرية التى كان يقوم بها الثوار ضد الجيش الأثيوبى فأزدادت اواصر الصداقة بيننا حتى فاتحنا برغبته فى الأنضمام الينا كمحرر فى اسرة التحرير وقد كان , صار عمر زميلا لنا يغطى اخبار البرلمان فنجح ايما نجاح حتى صرنا نتميزعلى الصحف الأخرى بمانشتيات مثيرة زادت من عدد القراء للصحيفة ,ويومذاك اكتشفنا انه لم يكن يهتم كثيرا بمداولات النواب داخل الجمعية التأسيسة ولكنه كان يسعى من داخل كافتيريا الجمعية لمعرفة ماتخبيه تلك الخطب الحماسية ,فيحصل على ماوراء الكواليس للمواقف الحقيقية للمعارضة والحكومة معا ,وكان بذلك يجعل الصحيفة سباقة على الصحف المنافسة " فيزداد توزيعها فنضطرفى كثير من الأحياين لطباعة نسخ ليلية لتلبية حاجة القراء ,وتلك كانت صفة الصحفى الذى ينظر الى ماوراء الحدث وليس الحدث نفسه.
كان فى قيادة السودان الجديد فضل بشير رئيس التحرير , ويحى العوض مدير التحرير ثم محمود محمد مدنى ديسك الأخبارالداخلية,وعمرالسورى البرلمان ,وكمال الجزولى "صفحة مشاتل الفيروز"وشخصى الأخبارالخارجية.

لفت تميّز عمر السّورى فى الحصول على الأخبارالنوعية نظر الصحفى الكبير الراحل سعد الشيخ صاحب وكالة انباء الخرطوم واحد اساطين صحافة ذلك العصر فعرض عليه العمل معه بالوكالة ففارقنا تحريريا ولكنه لم ينقطع عنا كصديق ,وظل يباشرنا يوميا فى امسياتنا عندما كانت "الخرطوم جميله وليلا يسهر بالكهارب" كما يصفها صديقنا الشاعر كامل عبد الماجد لم يشغل كل ذلك الراحل عن الثورة الاريترية التى كان يحملها فى وجدانه كقضية حرروطنى نذر لها نفسه دون اى شىء اخر.
لم يمكث عمر طويلا فى السودان ففى عام 9711 بعد انقلاب هاشم العطا والهجمة الشرسة التى شنها جعفرالنميرى ضد كل اليساريين بما فيهم الثوارالأرتريين ,هاجر عمر الى خارج السودان قاصدا سوريا فعّين مسئولا عن الجهازالاعلامى للثورة الآرتيرية وكان جهاز الأعلام و مقره دمشق وله مكاتب فى بغداد ,وبيروت , وروما تابع للمجلس الثورى بقيادة ادريس احمد ادم واحمد ناصر.
كوّن عمر السورى شبكة علاقات واسعة مع كبار المسئولين فى حزب البعث العربى الحاكم فى كل من دمشق وبغداد ,وكذا المثقفين السوريين من ادباء وشعراء وباحثين وامتد نشاطه الى لبنان ليقيم صلات قوية مع كل رموزها السياسية والأدبية ,فساعد ذلك على تسليط مزيد من الضوء على الثورة الأريترية وهو جهد فردى تعجزعن القيام به مؤسسات ومراكز بحوث سياسية واجتماعية ,ليس ذلك وحده بل أن نشاط الراحل امتد حتى الى اوربا بدولها المختلفة شرقية وغربية رسولا للثورة محاضرا عن تاريخها صعودها ,وهبوطها ,انتصاراتها وأنكساراتها ساعده فى ذلك انه كان يتقن ثلاثة لغات ,الانجليزية ,والايطالية ,والألمانية.
في منتصف سبتمبرعام 1980 وصل عمر جعفر السّوري الأمين العام المساعد الى الخرطوم مندوبا من اتحاد الصحفيين العرب ليبحث مع المسئولين السودانيين عملية التشريد الواسعة التى طاولت عددا كبيرا من الصحفيين المعارضين للنظام فى وكالة السودان للانباء والصحف الأخرى .
وكان الآتحاد قد تلقى مذكرة مسهبة من نقابة الصحفيين السودانيين تشرح فيها الظروف والملابسات التي تمت فيها عملية التشريد الجماعية التي قام بها يومذاك اسماعيل الحاج موسى وزير اعلام النميرى ضد المعارضين للنظام , وكان موضوع النقابة السودانية قد طرح في جدول أعمال المكتب الدائم لاتحاد الصحفيّين العرب وأمانته العامة في أكثرمن اجتماع فى بغداد .
جاء عمر السّوري إلى الخرطوم ليبحث الأزمة مع المسؤولين في السودان وفي مقدمتهم وزير الإعلام، وعلى غير ما توقع مندوب الاتحاد كانت مقابلة الوزير له صاخبة وعدائية في مجملها وحاول عمر أنْ يُهدّئ من انفعالات الوزير وتوتره طيلة المقابلة التي استمرت حوالي الساعتين ونصف دون جدوى استمعَ خلالها إلى الوزير وهو يقرأ على مسامعه مقالات مطوّلة كتبها في جريدة الأيّام حول الصحافة ودورها فى المجتمع , وهي مقالات وصفها مندوب الاتحاد بالسطحية والفجة والمثيرة للغثيان، ولولا أنّه هضم إفطاره الَّذي تناوله مبكراً لتقيأ على مكتب الوزير الَّذي كان يثير الشفقة و الازدراء .
وقبل نهايّة الاجتماع بخمس دقائق، دخل إلى مكتب الوزير كلٌّ من الفاتح التيجاني الَّذي كان يشغل منصب وكيل وزارة الإعلام آنئذ، ومصطفى أمين المدير العام لوكالة السودان للأنباء وقتذاك ,وطه المجمّر المدير الإداري للوكالة, كانوا يحملون ملفات وأوراقاً معهم استغرب مندوب الاتحاد دخولهم قبيل انتهاء الاجتماع,حيّاهم عمر السوري و تبادل معهم أحاديث قصيرة فقد عمل معهم مِنْ قبل وتربطه بهم صداقات ولكنه لم يخطر بباله أنّ تلك الملفات كانت مراسيم إقالة لأعضاء لجنة النقابة التنفيذية من عملهم الصحفي وليس النقابي, لم تستغرق إذاعة أخبارالإقالة وقتا طويلاً. فلم يكد يصل عمر السوري الى الفندق الكبير القريب من وزارة الإعلام حتى تلقى تأكيدا للنبأ في مكالمة تلفونية من يوسف الشنْبَلي.الأمين العام الشرعى للنقابة .

كانت مجزرة الصحفيّين إهانة لاتحاد الصحفيّين العرب وإعلاناً لرفض الحكومة لأيّة وساطة وتصعيداً في الموقف,صارح الوزير مندوب الاتحاد أثناء الاجتماع أنّ السلطة ستمضى في معركتها ضد من اسماهم بالعناصر الشيوعية التي تسيطر على النقابة ,واتهم الوزير اتحاد الصحفيّين العرب نفسه بأنّه أداة عراقية، وأنّ ما يحدث الآن هو تدخل في شؤون السودان الداخلية، وأنّه يرفض المناقشة في هذا الموضوع، كانت القضية بالنسبة للحاج موسى قضية كرسي أو لا كرسي، وإذا لم يُظهر هذا التشدد ويوغل في إجراءاته التعسفية ضد المُعارضَة الصحفية فأن النميرى كان حتما سيطيح به وهوحريص على كرسيه وليذهب المفصولين الى الجحيم .
لم يتوصل مندوب الاتحاد إلى شيء، وقد خرج بانطباع أنّ وزيرالإعلام مُصِرٌّعلى استمرار معركته ضد نقابة الصحفيّين الشرعية التى اتهمها بالشيوعية .
رحم الله عمر جعفر السوّرى واسكنه فسيح جناته والهمنا واسرته واصدقاؤه ومجايليه الصبر والسلوان فقد رحيله ثقيلا ثقيلا على النفوس .  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

طارق الخولي يكتب: 11 سنة ثورة

تمر فى عمر الأوطان دهور وأعوام لا تتوقف إلا قليلاً عند أيام يتغير فيها مجرى تاريخها، فتسطر أمجاداً لا تمحى أبداً من ذاكرة الشعوب، قبل ثورة الـ30 من يونيو كانت حقب ومراحل كثيرة، شهدت انتصارات وانكسارات، أمجاداً وإحباطات، لنتوقف جميعاً ونترقب ماذا سيحدث يوم 30 يونيو 2013؟!

فقد مرت أيام ثقيلة على الوطن من المعاناة فى ظل نظام المرشد، الذى حاول أن يستخدم الزيف والكذب باسم الدين على البسطاء من الناس، لترجع مصر إلى عصور الظلمات، ويهدم حلم المصريين حينها فى إقامة الدولة القوية الديمقراطية الحديثة.

لقد ابتلينا فى عامى 2012 وحتى منتصف عام 2013 بنظام قادته لا يترددون رغم مظهرهم الدينى فى أن يرتكبوا كل ما يخالف الإسلام، فيكذبون ويظلمون ويقتلون باسم الدين، ويستخدمون أعضاء جماعتهم الذين لا يفهمون أو يدركون شيئاً سوى أوامر قيادتهم، الذين سيطروا عليهم بمعتقدات نصرة الإسلام، والجهاد فى سبيل الحق.

فقد بات واضحاً أننا وصلنا قبل 30 يونيو 2013 إلى عنق الزجاجة، فى الصراع ما بين قوى الحق التى ضحت كثيراً بالعرق والدماء من أجل مصر، وقوى الباطل التى استخدمت الدين، فقدمت التنازلات وعقدت الصفقات مع شياطين الأرض للبقاء فى الحكم لمئات السنين.

فالطريق إلى 30 يونيو مهده المصريون، لنحمل فوق أعناقنا مصر الحبيبة، ونصل بها إلى بر الأمان، فنخلصها من الاحتلال الإخوانى الماسونى، وتسقط دولة النفاق والعجز، لتقام الدولة الوطنية الحديثة، فماذا لو كان قد انتصر نظام الإرهاب والرجعية، لتنحدر مصر إلى نفق مظلم من الصراعات التى لا تنتهى، لنشهد يوماً تقسم فيه الدولة.

فكل ما كنا نسعى إليه هو بناء الجمهورية الجديدة، دولة قائمة على قيم العدل والمساواة، فقد تعلم الثوار من أخطائهم السابقة، ووضعوا تصورات لما بعد سقوط حكم الإخوان، بإسناد رئاسة الجمهورية لرئيس المحكمة الدستورية العليا، وتشكيل حكومة تكنوقراط وطنية واسعة الصلاحيات، لإدارة الدولة خلال المرحلة الانتقالية، وتشكيل جمعية تأسيسية، تُخرج دستوراً توافقياً للبلاد، يتم من بعده إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.

فخروجنا فى 30 يونيو لم يكن لإسقاط شرعية مرسى، التى قال إنها أتت بالصناديق، وإنما لاستعادة الشرعية التى اغتصبها مرسى، حينما خالف وعوده بإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية، وأصدر إعلاناً دستورياً اعتدى به على كل الأعراف الدستورية والقانونية، ليخرج لنا دستوراً مشوهاً وُضع خلسة فى جنح الظلام، ويحاصر المحكمة الدستورية العليا، وتبدأ قيام شرعية الغاب، ليغتصب الوطن وينتهك أبناؤه. فقد خرجنا فى الـ 30 من يونيو 2013 وأرواحنا على أكفنا، لإنقاذ الوطن من الخائنين، فلم ترهبنا تهديدات القتل التى كانت تطلق من جماعة الخزى والخيانة، فكنا قد كسرنا حاجز الخوف، ولم يستطيعوا أن يشيدوه بعدها.

فقد حسم الـ30 من يونيو مصير مصر ومسارها على مدار عشرات بل مئات الأعوام المقبلة، فماذا لو فشلت هل كنا سنشهد بعدها حملات اعتقال للثوار، وتنكيل بالإعلام، وعصف بالقضاء؟ لكن انتهت الجماعة التى جثمت على أنفاس الوطن، ونما سرطانها فى جسد مصر، ليودع الإخوان وأتباعهم فى السجون من جراء ما اقترفت أيديهم من جرائم، وإن كان يجب أن يتم إيداعهم فى مصحات الأمراض النفسية، ليعالجوا من كل الأمراض التى تمكنت منهم.

لنتخلص من شخوص أرادوا لأنفسهم متع الدنيا وسلطانها باسم الدين، أرادوا الشهرة والمال والحكم، ليتحولوا إلى فاسدين جدد غلبوا فى أفعالهم وأقوالهم كل ما سبق، فهم التلاميذ الذين تفوقوا على الأساتذة، ليعطوا دروساً فى كيفية نهب الوطن، وإسكات المعارضين، وإنهاء أحلام الملايين، بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.

لقد خرج علينا محمد مرسى، دمية جماعة الإخوان المتأسلمين، ليتحدث على مدار ما يقرب من ساعتين ونصف فى خطابه الشهير فى عام 2013، ليطلق علينا كل عقده، ويصف نفسه أكثر من مرة، بأنه رئيس الجمهورية، وأحياناً بأنه القائد الأعلى للقوات المسلحة والرئيس الأعلى لجهاز الشرطة، فهو لم يكن ليتوقع يوماً أن يصبح رئيس دولة بحجم مصر، فقد كانت أقصى طموحاته وهو منحنٍ أمام مرشده ومقبل يده، أن يصير رئيس قسم فى الجامعة التى يدرس بها.

فتعظيم سلام إلى الشعب المصرى، صانع المعجزات، حائط الصد لكل المؤامرات عبر الأزمان، سند الوطن وشريان حياته، فقد كنا فى مفترق طرق من التاريخ إما الدخول فى نفق مظلم من الحكم الثيوقراطى البغيض المنافق الذى فيه تبعية لدول إقليمية، وإما أن ننقذ مصر كدولة وطنية بهويتها ومكانتها، فما صنعه المصريون فى الـ30 من يونيو غير وجه التاريخ فى المنطقة ككل.

فالتاريخ لمئات السنين سيذكر موقف الجيش المصرى العظيم فى 2013 من الاستماع لصوت الجماهير الغفيرة وإنفاذ إرادة الشعب، التى أنقذت مصر والمنطقة من السقوط فى براثن حكم سيطرت فيه الجماعة التى كانت تتعامل بمنطق الاستبداد الدينى، وكان الأخطر للمصريين أنه كان يجلس فى الاتحادية رجل ارتكب جرائم توصف بالخيانة العظمى وتحول إلى دمية يتحكم فيها مكتب الإرشاد.

فجماعة الإخوان كانت تدفع الدولة لمصير تتقاتل فيه عناصر الأمة، وكانوا يزعمون الأقاويل الاستبدادية تحت شعار الدين والدين منهم براء، فـ 30 يونيو هى ثورة الهوية المصرية التى أنقذت مصر كمنارة وسطية، لتأتى تضحيات الجيش المصرى استجابة لإرادة المصريين فى حماية الثورة والدولة ومواجهة تخريب جماعات الإرهاب والتطرف، فلولا شجاعة وتضحيات أبناء الشعب والجيش والشرطة فى التصدى لمستقبل مظلم لكانت مصر فى طريق ثان الآن 

مقالات مشابهة

  • عاجل.. التموين: سداد 45 مليار جنية للموردين والمزارعين للقمح المحلي هذا العام
  • التموين: استلام 3 ملايين و551 ألف طن
  • الفقر والبطالة.. والوزير السياسى
  • الوزير الراحل والوزير القادم!
  • طارق الخولي يكتب: 11 سنة ثورة
  • الإمارات تنفي الاتهامات التي قدمها مندوب السودان أمام مجلس الأمن
  • الإمارات تدحض ادعاءات مندوب السودان المفبركة أمام مجلس الأمن
  • الأبواب الخلفية
  • عام على التمرد.. أين فاغنر من المشهد الروسي بعد رحيل قائدها بريغوجين؟
  • السينما المتجولة .. ليت ايامك تعود !