الحياد والموضوعية في سياق ينضح بالانحياز والعنصرية.

الإسلام فى موسوعة كامبردج لتاريخ الإسلام (1970) سلسلة لا نهائية من الحروب والصراعات.

هل كان الدين هو العامل الحاكم لفهم المنطقة أم أنه لابد من الإشارة لأثر الهيمنة الثقافية والاقتصادية؟

يستغل المستشرقون أفكار باحثين غربيين لم يدرسوا الإسلام أو يكتبوا عنه بل كتبوا موضوعات أخرى، لإضفاء الشرعية على منطقهم وانحيازاتهم.

«موسوعة كامبردج لتاريخ الإسلام»، 1970، تقول عن نفسها إنها تتناول «تاريخ الإسلام»، وغاب عنها تمامًا أى شرح لماهية الإسلام كدين وعقيدة أصلًا.

استخدم المستشرقون وأتباعهم أفكار فيبر ليؤكدوا وجهات نظرهم بالقفز من كتاباته لنتيجة لم يقلها: بسبب الإسلام، لا يفهم المسلمون التجارة وعاجزون عن الرشادة الاقتصادية!

«لماذا عنوان (أساليب القتال الإسلامية) رغم أن الفصل يدور حول سوسيولوجيا بعض الجيوش الإسلامية؟ وهل معنى ذلك أن هناك أساليب قتال (مسيحية) و(شيوعية) وأخرى رأسمالية؟»

* * *

مازلتُ فى هذه السلسلة أعرض أهم ما جاء فى كتاب إدوارد سعيد «الاستشراق»، وتناول المقال السابق النقد اللاذع الذى وجهه للغربيين الذين يدرسون «الشرق» أو «الإسلام»، الذين يزعمون الحياد والموضوعية بينما تنضح لغة خطابهم ومنطقهم الفكرى بالانحياز والعنصرية.

فى هذا السياق، يضرب «سعيد» مثالًا بالغ الأهمية حول الكيفية التى يستغل بها المستشرقون أفكار باحثين غربيين لم يدرسوا الإسلام أبدًا ولا كتبوا عنه وإنما كتبوا فى موضوعات أخرى، وذلك من أجل إضفاء الشرعية على منطقهم وانحيازاتهم.

فهو شرح كيف استخدموا كتابات عالم الاجتماع ماكس فيبر. و«فيبر»، عالم الاجتماع الذى عاش فى نهايات القرن الـ19 وبدايات القرن الـ20، يعرفه القاصى والدانى من الباحثين فى العلوم الاجتماعية، فهو نشر كتابًا شهيرًا فى الستينيات حول العلاقة بين البروتستانتية والرأسمالية.

وفيه يربط «فيبر» بين صعود الرأسمالية فى الغرب والقيم الموجودة فى البروتستانتية تحديدًا (لا المسيحية عمومًا) مثل «ضبط النفس والمنطق الرشيد».

ورغم أن لكاتبة السطور نقدها الخاص لأفكار «فيبر» ليس فقط فى ذلك الموضوع وإنما دراساته حول العلاقة بين القيم والتقدم الاجتماعى، فإننى سأقتصر هنا على تقديم أفكار إدوارد سعيد عن استخدام المستشرقين كتابات «فيبر»، ويشرح كيف تم تطويعها لخدمة انحيازاتهم.

فرغم أن الرجل لم يكن مستشرقًا ولم يكتب عن الإسلام، فقد استخدم المستشرقون وأتباعهم أفكاره على نطاق واسع ليؤكدوا وجهات نظرهم المسماة «علمًا» ويضفوا المزيد من الشرعية عليها، عبر القفز من كتاباته لنتيجة لم يقلها «فيبر»، مؤداها أن المسلمين، وبسبب الإسلام، لا يفهمون فى التجارة، وعاجزون عن الرشادة الاقتصادية!

وحتى يدلل «سعيد» على أن العلاقة بين الأكاديميا والمعانى المتخيلة عن الشرق ظلت ثابتة منذ القرن الثامن عشر، يقوم بتحليل وافٍ لـ«موسوعة كامبردج لتاريخ الإسلام»، الصادرة عام 1970.

فيقول «سعيد» إن موسوعة تقول عن نفسها إنها تتناول «تاريخ الإسلام»، وغاب عنها تمامًا أى شرح لماهية الإسلام كدين وعقيدة أصلًا. فلا يوجد فيها فصل يتناول ذلك الموضوع وإنما تركت القارئ الغربى ليخمن المعنى مما تقدمه الموسوعة. ثم إنه غاب عنها المنهج أيضًا. فالإسلام فى الموسوعة عبارة عن سلسلة لا نهائية من الحروب والصراعات.

ويعطى مثالًا بتاريخ الخلافة العباسية، فيقول إن أى شخص عنده معرفة ولو بسيطة بتلك المرحلة يعرف أنها كانت أوج النهضة فى الحضارة الإسلامية. «إلا أنك على مدار أربعين صفحة لا تجد إشارة لذلك مطلقًا، وإنما تجد صراعات قصر الخلافة. ثم تنتقل الموسوعة إلى الانحدار فى الزمن المعاصر دون أى إشارة للاستعمار أو الصهيونية».

ثم يقدم لنا «سعيد» ملاحظة لامعة بخصوص فصل عنوانه «أساليب القتال الإسلامية»، فيسأل: «لماذا ذلك العنوان رغم أن الفصل يدور حول سوسيولوجيا بعض (وليس كل) الجيوش الإسلامية؟ وهل معنى ذلك أن هناك أساليب حرب (مسيحية)، وأساليب حرب (شيوعية) وأخرى رأسمالية؟».

أكثر من ذلك، فإن الموسوعة تقدم الإسلام باعتباره ثقافة قائمة على السرقة والاقتباس، فالأدب العربى كتبه الفارسيون، «دون أى دليل»، على حد تعبير «سعيد».

ويختم «سعيد» ذلك الجزء بالقول إن «الإسلام فى تلك الموسوعة» لا توجد فيه شعوب ولا حضارة. ثم يطرح السؤال الأكثر عمقًا وأهمية، وهو ما إذا كان الدين هو العامل الحاكم لفهم المنطقة أم أنه لابد من الإشارة لأثر الهيمنة الثقافية والاقتصادية؟ قائلًا إن تلك هى المسألة التى تحتاج للدراسة والتحليل، بل وللرؤى المختلفة.

*د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية، خبيرة في الشأن الأمريكي

المصدر | المصري اليوم

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الاستشراق المستشرق الإسلام التجارة إدوارد سعيد تاريخ الإسلام

إقرأ أيضاً:

خبير سياسي: أفكار ترامب بشأن الشرق الأوسط خيالية وغير مدروسة (فيديو)

قال محمد كمال، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن قضية الشرق الأوسط تُعد من "أغرب الأحاديث" التي صدرت عن رئيس أمريكي في التاريخ المعاصر.

مستشار ترامب: الرئيس الأمريكي يرغب بضم غزة ولا يستبعد اللجوء للقوة العسكرية(فيديو) حزب الله يعلق على تصريحات ترامب بشأن غزة

وأوضح كمال، خلال مداخلة هاتفية ببرنامج "على مسئوليتي" المذاع عبر قناة "صدى البلد"، أن فكرة ترامب حول قضية الشرق الأوسط هي "فكرة خيالية وغير مدروسة"، مشيرًا إلى أنها "صعب جدًا تطبيقها في الواقع".

وأضاف أن هذه التصريحات تكشف عن التوجهات الغريبة للإدارة الأمريكية الجديدة في عهد ترامب، مشيرا إلى أن هناك اختلافًا كبيرًا بين "ترامب1" و"ترامب 2".

ترامب يتمتع بسلطات شبه إمبراطورية

 وأوضح أن الرئيس الحالي يتمتع بسلطات شبه إمبراطورية، فقد همّش المؤسسات بشكل كبير وأصبح هو صانع القرار الوحيد، مشددًا على أن مثل هذه الأفكار لم تكن لتقبلها أي مؤسسة أمريكية، وأنها تمثل "فكرة خاصة" له.

كشف جابريل صوما، عضو المجلس الاستشاري للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن تفاصيل عمله في صفقة القرن في عام 2019 ورؤية الرئيس الأمريكي تجاه قضية غزة، مشيرًا إلى أن الرئيس ترامب كان لديه اهتمام خاص بإعادة إعمار غزة، إلا أن حل مشاكلها لم يكن بالأمر السهل.


وأكد صوما في مداخلة عبر الفيديو كونفرانس مع الإعلامي أحمد موسى في برنامج "على مسئوليتي"، على قناة "صدى البلد"، أن ترامب كان يهدف إلى بناء غزة، ولكن هناك تحديات كبيرة مثل نقص المياه والكهرباء والمنازل التي تتطلب حلولًا جذرية.

وأشار صوما إلى أن مسألة حل الدولتين لم يكن متوفر في الوقت الراهن، موضحًا أن ترامب يدرس هذه القضية جيدًا، وهو مهتم بإعمار غزة أكثر من أي وقت مضى.

وأضاف أن الرئيس الأمريكي يرى ضرورة أن يتوجه سكان غزة إلى الدول العربية، خاصة مصر والأردن، لحين استقرار الأوضاع.

ترامب يفكر في ضم غزة إلى الولايات المتحدة
وأوضح مستشار الرئيس الأمريكي أن ترامب كان دائمًا يرى غزة من أجمل المناطق في العالم، ويرغب في ضمها إلى الولايات المتحدة، وهو لا يستبعد أن يلجأ إلى القوة العسكرية إذا تطلب الأمر، حسب قوله.

وأشار صوما إلى أن الرئيس الأمريكي يرى أنه من الضروري أن تستقبل مصر والأردن سكان غزة البالغ عددهم مليون و700 ألف شخص، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة.

وأتابع: “ترامب غير وجهة نظره بشأن ضم غزة إلى الولايات المتحدة بعد الهجمات المسلحة التي شنها الفلسطينيون على الإسرائيليين، ما دفعه إلى الاعتقاد بأن غزة مدمرة بالكامل ولا يمكن العيش فيها في الوقت الحالي”

مقالات مشابهة

  • حظك اليوم برج الميزان الجمعة 7 فبراير 2025.. تنشغل في أفكار الحب
  • بينها تهجير الفلسطينيين.. أفكار غريبة طرحها ترامب تثير تساؤلات
  • تحدي الإمارات للفرق التكتيكية يدخل موسوعة غينيس
  • تحدي الإمارات للفرق التكتيكية يدخل موسوعة «غينيس»
  • وكيل كلية الدراسات الإسلامية: مصر لها نصيب من حب رسول الله ﷺ وآل بيته
  • أفكار أنيقة ومميزة لتزيين سفرة رمضان
  • خبير سياسي: أفكار ترامب بشأن الشرق الأوسط خيالية وغير مدروسة (فيديو)
  • أستاذ علوم سياسية: أفكار ترامب بشأن الشرق الأوسط خيالية وغير مدروسة
  • 3 وجهات مطروحة في سياق مقترح ترامب لتهجير سكان غزة
  • بالتحريض على الكراهية والعنصرية.. السويد تدين رجلا أثار موجة غضب بإحراقه مصحفا