الخليج الجديد:
2025-03-15@05:28:40 GMT

في ذكرى 11 سبتمبر.. أمريكا أضعف وأعداؤها أكثر

تاريخ النشر: 20th, September 2023 GMT

في ذكرى 11 سبتمبر.. أمريكا أضعف وأعداؤها أكثر

في ذكرى 11 سبتمبر.. الولايات المتحدة أضعف وأعداؤها أكثر

عادت المنافسة الاستراتيجية بين القوى العظمى كمحدد للنموذج العالمي مع بروز مواجهة مع الصين تبشّر بحرب باردة جديدة بين واشنطن وبكين.

تحديات أخرى لأمريكا بجانب الإرهاب، تمثل تهديداً لمكانة أمريكا العالمية: تهديدات متنوعة داخلية وخارجية، أهمها تنامي قوة دول منافسة وتحدي الدول المارقة!

تجد أمريكا نفسها في ذكرى 11 سبتمبر في وضعية هشة وضعيفة، فلم تحقق الحرب على الإرهاب غاياتها وأهدافها، لا تزال الجهادية العالمية تشكل تهديداً للأمن الأمريكي.

تبدّلت أولويات أمريكا الاستراتيجية والمصالح الحيوية، عقب تفاقم مخاطر تهدد مكانتها المستقبلية وغدا "الإرهاب" تهديدا ثانويا رغم أنه أكثر انتشاراً وتنوعاً وتعقيداً.

تشير حصيلة الحرب على الإرهاب بعد عقدين إلى أن الاستراتيجية العسكرية الأمريكية لخفض تهديد الإرهاب فشلت بل فاقمت الأمور فلم تحرز تقدماً يُذكر لضمان سلامة أمريكا.

أدى الانشغال الأمريكي بحرب الإرهاب لبروز تحديات الإرهاب الداخلي مع تنامي حركات التفوق العرقي البيضاء وتحديات جيوسياسية دولية بعودة روسيا كمنافس استراتيجي وفرض الصين نفسها قوة عالمية.

* * *

لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية تحتفي بذكرى هجمات 11 أيلول/ سبتمبر بحماسة شديدة، فبعد مرور أكثر من عقدين من الزمن تبدلت الاهتمامات والأولويات الأمريكية، وبرزت تحديات حقيقية أكثر خطورة وجدية في النظام العالمي؛ مع حلول الذكرى الـ22 للهجمات التي نفذها تنظيم القاعدة وأودت بحياة نحو 3 آلاف شخص وسوّت ما كان يعرف بمركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك بالأرض، وفي حقبة كانت الولايات المتحدة تعتبر نفسها بمنأى عن أي تحد جدي أو تهديد حقيقي عقب خروجها منتصرة من الحرب الباردة.

بددت كارثة 11 أيلول/ سبتمبر وهم الأمن والسلم الأمريكي، وسرعان ما سيتبدد معها حلم ديمومة التفرد والهيمنة، حيث دفعت غطرسة القوة الولايات المتحدة إلى شن حروب "العبرة" في أفغانستان والعراق التي أفضت إلى قتل أكثر من 800 ألف مدني، ومقتل نحو 6200 من الجنود الأمريكيين، وإنفاق نحو سبعة تريليونات دولار.

وحوّلت الولايات المتحدة العالم إلى ساحة معركة وتدخلت في أكثر من 50 دولة تحت ستار الحرب على الإرهاب، التي طغت على بنية العلاقات الدولية على مدى عشرين عاما، وبذريعة الأمن والاستقرار أهملت حقوق الإنسان وأهدرت الحريات، وتراجعت الديمقراطية وشاع الاستبداد.

واليوم مع بروز تحديات جيوسياسية دولية بعودة روسيا كمنافس استراتيجي وفرض الصين نفسها قوة عالمية، واختلال موازين القوى في الشرق الأوسط، وصلت واشنطن إلى قناعة بضرورة وضع حد ونهاية لتلك الدورة الاستراتيجية وطي صفحة من التاريخ كان فيها الجهاد العالمي العدو المعلن الوحيد.

وعادت المنافسة الاستراتيجية بين القوى العظمى كمحدد للنموذج العالمي مع بروز مواجهة مع الصين تبشّر بحرب باردة جديدة بين واشنطن وبكين.

لم تعد أخبار وأنشطة وعمليات الجهادية العالمية على سعتها وانتشارها تجذب اهتمام العالم، ذلك أن الولايات المتحدة هي من تتحكم في تحديد الأولويات والتحديات والمخاطر الجيوسياسية الكونية، فعقب انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك المنظومة الاشتراكية وجدت الولايات المتحدة ضالتها باختراع عدو غير مرئي أطلقت عليه "الإرهاب الإسلامي".

وبعد هجمات 11 سبتمبر أصبح مفهوم الحرب الأبدية على "الإرهاب" استراتيجية راسخة وأداة ثابتة لشن حروب الهيمنة والسيطرة، ورغم أن معظم حالات ما يسمى "الإرهاب" هي مسألة عنف سياسي محلي، تجاهلت الولايات المتحدة الأسباب الجذرية للعنف والتي كانت هي أحد أكبر صنّاعة.

تبدّلت اليوم الأولويات الاستراتيجية الأمريكية وأعيد تعريف المصالح الحيوية، فعقب زيادة وتنوع المخاطر التي تهدد مكانة الولايات المتحدة المستقبلية تحوّل "الإرهاب" إلى مصاف التهديدات الثانوية، رغم أن ما يسمى "الإرهاب" أصبح أكثر انتشاراً وتنوعاً وتعقيداً.

فقد برزت تحديات أخرى في وجه الولايات المتحدة إلى جانب الإرهاب، تشكل تهديداً لمكانة أمريكا العالمية، وتتكون هذه التهديدات من مجموعة متنوعة داخلية وخارجية، ومن أهمها تنامي قوة الدول المنافسة كالصين وروسيا، إلى تحدي الدول المارقة كإيران وكوريا الشمالية، ومن توسع الحروب التقليدية إلى مكافحة الانتشار النووي، ومخاطر التغير المناخي.

وقد شكل عام 2021 نقطة تحول في كل من الإرهاب المحلي والدولي، حيث شهد الهجوم على مبنى الكابيتول الأمريكي من جماعات يمينية وفاشية، والنهاية الفوضوية لأطول حرب أمريكية في أفغانستان، إذ تعرضت حملة مكافحة الإرهاب الأمريكية لضربة مزدوجة مدمرة في عام واحد، وكلا الحدثين يشيران إلى أن الولايات المتحدة تتجه إلى مستقبل أكثر قتامة وأكثر غموضا في مجال مكافحة الإرهاب.

في خطاب ألقاه الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال إحياء الذكرى رقم 22 لهجمات 11 أيلول/ سبتمبر، في حفل متواضع في قاعدة عسكرية بولاية ألاسكا، دعا الشعب الأمريكي للوحدة رغم الخلافات السياسية التي تشهدها الولايات المتحدة، وحثّ بايدن في خطابه الشعب على إحياء ذكرى الهجمات بتجديد إيمان مكوناته ببعضها، مضيفا: "يجب ألا نفقد حسّنا بالوحدة الوطنية، فلتكن هذه القضية المشتركة في زمننا هذا"، وقال: إن الإرهاب، بما في ذلك العنف السياسي والأيديولوجي، نقيض لكل ما تدافع عنه الولايات المتحدة.

وتأتي دعوة بايدن لنبذ الإرهاب والعنف السياسي والأيديولوجي، في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة تحدي تنامي الجماعات اليمينية المتطرفة التي تؤمن بنظرية تفوق العرق الأبيض، والتي باتت تشكل تحديا أمنيا في البلاد.

وفي ظل استقطاب سياسي حاد تشهده الولايات المتحدة، وسط توقعات باتساع هوة الانقسام بين الأمريكيين مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة التي قد يتنافس فيها بايدن مع الرئيس السابق دونالد ترامب؛ الذي يُحاكم بعدة قضايا من بينها محاولة التلاعب بنتائج الانتخابات الرئاسية.

تجنب بايدن إعطاء تقييم لحصيلة الحرب الكارثية على الإرهاب، فكل شيء هو منافسة انتخابية، وأشار إلى مخاطر الإرهاب الداخلي وصعود حركات التفوق العرقي البيضاء، في إشارة إلى ما شهدته الولايات المتحدة، في 6 كانون الثاني/ يناير 2021، من أعمال شغب لم تألفها من قبل، عندما اقتحم المئات من أنصار ترامب مبنى الكونغرس وعاثوا فيه فسادا.

فقد بايدن تجنب الحديث عن الكارثة الأخرى التي تسبب بها في نفس العام بقرار الانسحاب الكارثي من أفغانستان في آب/ أغسطس 2021 وعودة طالبان للحكم، مرة ثانية وتحول أفغانستان إلى ملجأ آمن للقاعدة، تماما مثلما كانت في 11 أيلول/ سبتمبر 2001.

وهو ما يدحض ما طرحه الرئيس جو بايدن في آب/ أغسطس 2021 من مبررات الانسحاب، حين قال: "أي مصلحة لنا في أفغانستان بعد رحيل القاعدة؟"، في محاولة لتبرير قراره الانسحاب من ذلك البلد.

وأضاف: "ذهبنا إلى أفغانستان لهدف واضح وهو التخلص من القاعدة هناك، وقد فعلنا"، وهو زعم غير صحيح، فقد ذكر تقييم للأمم المتحدة أنه "لا تزال طالبان والقاعدة متحالفتين، ولا إشارة على انهيار العلاقة"، وهو ما يتفق مع كافة التقييمات الاستخبارية والبحثية.

وتشير حصيلة حرب الإرهاب بعد أكثر من عشرين عاماً بصورة جلية؛ إلى أن الاستراتيجية العسكرية التي ما تزال الولايات المتحدة تنتهجها لخفض تهديد الإرهاب لم تفشل وحسب؛ بل إنها جعلت الأمور أسوأ على الأرجح، فالولايات المتحدة لم تحرز تقدماً يُذكر نحو ضمان سلامة أمريكا على المدى الطويل من الإرهاب العالمي.

فقد وجدت أمريكا نفسها تعود مرة أخرى إلى نقطة البداية مع عودة سيطرة طالبان على أفغانستان وتوفير ملاذ آمن للقاعدة، وأدت حرب الإرهاب الأمريكية إلى بروز نهج جهادي عالمي أكثر خطورة مع تنظيم الدولة، وأصبحت الجهادية العالمية شبكة عالمية ممتدة وأكثر خطورة ليس من أولوياتها النكاية ومهاجمة أمريكا والغرب، وإنما باتت أولوياتها تتمثل بالسيطرة المكانية والتمكين وإقامة خلافة محلية.

برهنت السنوات العجاف للحرب على الإرهاب على أن إلحاق هزيمة نهائية بالحركة الجهادية غير واقعي ولا ممكن، فلا زالت الجهادية العالمية تتمتع بجاذبية كافية، إذ لا يتعلق الأمر بمقاربة عسكرية لمجموعات تعمل خارج سياقات الدولة والمجتمع، فتستند الجهادية إلى أسباب جذرية عميقة سياسية واقتصادية واجتماعية، وهي تأخذ أبعاداً متغيّرة ومرنة، وتتمتع بالقدرة على التكيّف مع التحولات.

وبعد أن كانت القاعدة تنظيماً نخبوياً طليعياً مركزياً في أفغانستان، أصبحت الآن أكثر انتشاراً، وباتت تتنافس فيما بينها على النفوذ والسيطرة، وأصبحت أشد خطورة بعد انقسامها إلى ثلاث مدارس جهادية، حيث شهدت الجهادية العالمية انشطاراً وانقساماً، عقب ثورات الربيع العربي، إلى ثلاث مدارس رئيسة:

الأولى: تتمسك بأجندة القاعدة التقليدية، والتي تنص أولويّاتها على قتال العدو البعيد ممثلاً بالغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً، باعتبارها حامية للأنظمة العربية الاستبدادية وراعية لحليفتها الاستراتيجية "إسرائيل"، وتبنت نهجاً قتالياً واستراتيجياً يقوم على تنفيذ عمليات قتالية انتقامية تستند إلى مفهوم جهاد "النكاية"، من خلال طليعة مهمتها الوصول إلى خلق حالة إسلامية تصل إلى جهاد الأمة.

والثانية يقودها الفرع العراقي المعروف بـ"الدولة الإسلامية" وترتكز أجندته على أولوية مواجهة العدو القريب، في إطار عقيدة شمولية تقوم على دمج الأبعاد الجهادية المحلية والإقليمية والدولية، والجمع بين أنماط وأساليب الجهاد المختلفة، وفي مقدمتها جهاد "التمكين" من خلال فرض السيطرة المكانية على الأرض، وفرض حكمه وتطبيق الشريعة، وإعلان الخلافة.

والثالثة تتشكل من مجموعات جهادية تتبنى مواقف محلية أقرب إلى الفرع السوري المنشق عن القاعدة بقيادة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، وهي قريبة من نهج حركة طالبان في أفغانستان، حيث سعت الهيئة للتخلص من إرث القاعدة والدولة باعتبارها تتوافر على أجندة متشددة على الصعيدين الأيديولوجي والاستراتيجي، وشرعت بتقديم نفسها كمجموعة جهادية محلية دون أي أجندة جهادية عالمية.

إن التجاهل الأمريكي لما أطلقت علية الحرب على الإرهاب، هو نتيجة بروز تحديات جيوسياسية أخرى، إذ لم يعد الشعب الأمريكي ينظر إلى الجهادية العالمية بتنظيميه "القاعدة" و"الدولة" كتهديد وخطر، وتراجعت التغطية الإعلامية، وحلت مكان الجهادية العالمية مخاطرُ وتهديدات أخرى.

فقد اعتبرت إدارة بايدن الصين "التحدي الجيوسياسي الأكبر في القرن الحادي والعشرين" على حساب مكافحة الإرهاب، وذلك في انسجام مع الغالبية العظمى من المسؤولين والدبلوماسيين والمثقفين الأمريكيين. وأمريكا تنحرف باتجاه حرب باردة جديدة مع الصين، بهدف المحافظة على مكانتها أو استعادة التفوق الأمريكي، لكن ما هو متفق عليه أن الولايات المتحدة أصبحت أكثر ضعفاً وتواجه مخاطر متنوعة ومعقدة داخلية وخارجية.

خلاصة القول أن الولايات المتحدة تجد نفسها في الذكرى 22 لهجمات أيلول/ سبتمبر في وضعية هشة وضعيفة، إذ لم تحقق الحرب على الإرهاب غاياتها وأهدافها، فلا تزال الجهادية العالمية تشكل تهديداً للأمن الأمريكي، وهي تتمدد في مناطق عدة في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط.

وقد أفضى الانشغال الأمريكي بحرب الإرهاب إلى بروز تحديات الإرهاب الداخلي مع تنامي حركات التفوق العرقي البيضاء، وبروز تحديات جيوسياسية دولية بعودة روسيا كمنافس استراتيجي وفرض الصين نفسها قوة عالمية، وباتت سردية الجهاد العالمي كعدو معلن وحيد من الماضي، حيث عادت المنافسة الاستراتيجية بين القوى العظمى كمحدد للنموذج العالمي مع بروز مواجهة مع الصين تؤذن بحرب باردة جديدة بين واشنطن وبكين.

*حسن أبوهنية كاتب وباحث في الحركات الاجتماعية

المصدر | عربي21

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: أمريكا الصين الإرهاب 11 سبتمبر أولويات الحرب على الإرهاب أن الولایات المتحدة الحرب على الإرهاب حرب باردة جدیدة فی أفغانستان حرب الإرهاب مع الصین أکثر من

إقرأ أيضاً:

أمريكا والإرهاب في الشرق الأوسط.. اليمن نموذج لمقاومة الهيمنة والفوضى

يمانيون/ تقارير استخدمت الولايات المتحدة شعار “الحرب على الإرهاب” أداة دعائية لتبرير تدخلاتها العسكرية في الشرق الأوسط، لكن الوقائع أثبتت أنها لم تحارب الإرهاب يوما، بل كانت صانعته.

فمنذ أن رفعت واشنطن هذا الشعار، تحولت إلى الراعي الأول للجماعات الإرهابية، مستغلة وجودها لخلق الفوضى، وإعادة رسم خارطة النفوذ في المنطقة، ونهب ثرواتها، وتبرير احتلالها العسكري لدول الشرق الأوسط.

لم تكن استراتيجية الولايات المتحدة تهدف إلى محاربة الإرهاب، بل إلى استخدام الجماعات الإرهابية كأدوات لتبرير تدخلاتها العسكرية، فبدلاً من القضاء عليها، كانت واشنطن تساهم في نموها وتمويلها لتحقيق أهدافها السياسية والعسكرية.

من خلال هذه السياسات، أصبحت الجماعات الإرهابية أداة بيد أمريكا لإعادة رسم الخارطة السياسية وتوسيع نفوذها، ومع مرور الوقت، اتضح أن الإرهاب لم يكن عدواً لأمريكا، بل كان وسيلة لفرض السيطرة على الدول ونهب الثروات تحت ستار محاربة خطر صنعته بنفسها.

على مدار عقود، أثبتت الأحداث أن أمريكا المستفيد الأول من انتشار الإرهاب، حيث تتبنى استراتيجية مزدوجة تقوم على توظيف الجماعات الإرهابية لتحقيق أهدافها السياسية والعسكرية، ثم التدخل بحجة مكافحتها، فلم يكن ظهور الجماعات الإرهابية، مثل القاعدة وداعش، مجرد نتيجة لصراعات محلية، بل كان امتداداً لسياسات أمريكية بدأت منذ الحرب الباردة، عندما استخدمت واشنطن الجماعات المتطرفة لمحاربة الاتحاد السوفيتي، ثم أعادت توظيفها لاحقاً لإعادة تشكيل الخارطة السياسية وفق مصالحها.

في العراق، مثّل الغزو الأمريكي عام 2003 خطوة لإعادة تشكيل المشهد السياسي والعسكري، حيث أدت هذه الحرب إلى تفكيك الدولة، وخلق بيئة خصبة لظهور الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم داعش، الذي شكل امتدادا مباشرا للسياسات الأمريكية في المنطقة.

بعد انسحابها من العراق، تركت أمريكا فراغاً أمنياً سمح لداعش بالتمدد بسرعة غير منطقية، ما دفع واشنطن إلى العودة مجدداً تحت ذريعة مكافحته، لكن الواقع كشف أن توسع داعش لم يكن إلا مبرراً للتدخل العسكري، وليس نتيجة ضعف الحكومة العراقية وحدها.

أما في سوريا، فقد دعمت الولايات المتحدة الجماعات المسلحة تحت مسمى “المعارضة المعتدلة”، لكن هذه الجماعات كانت مجرد غطاء للفصائل الإرهابية التي استخدمت الدعم الأمريكي والخليجي لإشعال الحرب وتدمير البنية التحتية للبلاد، ذلك الدعم ساهم في تحويل سوريا إلى ساحة للفوضى، خدمة للمصالح الأمريكية والصهيونية، حيث أصبح التدخل العسكري الأمريكي جزءاً من استراتيجية أوسع لتوسيع نفوذ واشنطن في المنطقة.

وفي هذا السياق، لم يكن صعود الجولاني إلى قمة المشهد السوري مجرد تطور داخلي، بل جاء نتيجة دعم أمريكي مباشر وغير مباشر، حيث وفرت واشنطن وحلفاؤها الغطاء السياسي واللوجستي لتحركات الجماعات المسلحة، وسهلت حصولها على الأسلحة تحت مسمى “المعارضة المعتدلة”، ما سمح لها بالتمدد والسيطرة على الأرض.

أصبح الجولاني قائداً لجميع الأراضي السورية عبر عصابة “هيئة تحرير الشام”، التي تحولت إلى القوة الحاكمة للبلاد، ومارست أبشع الجرائم بحق المدنيين، في إطار مشروع أمريكي لإعادة رسم خارطة النفوذ في المنطقة.

لم يقتصر دعم الولايات المتحدة للإرهاب على الجماعات المتطرفة، بل كانت شريكاً أساسياً في رعاية الإرهاب الصهيوني ضد الفلسطينيين، فمنذ احتلال فلسطين، قدمت أمريكا للكيان الصهيوني كل أشكال الدعم العسكري والسياسي، وأصبحت شريكة في الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، من خلال تمويل جيش الاحتلال، وتزويده بأحدث الأسلحة، وتوفير الغطاء الدبلوماسي في الأمم المتحدة لتمكينه من مواصلة جرائمه دون مساءلة.

لم تكتفِ واشنطن بدعم الكيان الصهيوني عسكرياً واقتصادياً، بل كانت الحامي السياسي له، مستخدمة حق الفيتو عشرات المرات لإجهاض أي قرار يدين جرائمه في مجلس الأمن، وهذا الدعم جعل إسرائيل تمضي في انتهاكاتها دون خوف من أي عقوبات دولية.

على مدى العقود الماضية، استخدمت واشنطن ملف “مكافحة الإرهاب” كذريعة لإسكات أي صوت مقاوم، فكل من يرفض الهيمنة الأمريكية، أو يواجه الاحتلال الإسرائيلي، يوصف بالإرهاب، بينما تصنف الجماعات المتطرفة، التي تخدم المصالح الأمريكية، بأنها “معارضة مشروعة” تستحق الدعم، هذا الانحياز الأمريكي الفاضح كشف زيف ادعاءاتها حول محاربة الإرهاب، وكشف أن واشنطن لا تكافح الإرهاب، بل تحميه، وتستخدمه أداة لتحقيق أهدافها الاستعمارية.

لم يكن اليمن بمعزل عن هذه المشاريع الأمريكية، فقد ظلت واشنطن لعقود تستخدم النظام السابق أداة لتمرير مخططاتها، وتثبيت وجودها العسكري، من خلال قواعد سرية، وسياسات تدميرية، أسهمت في إضعاف الدولة، وفتح المجال أمام الجماعات الإرهابية للنشاط بحرية في بعض المناطق، لتكون أداة ضغط يتم استخدامها عند الحاجة.

غير أن المعادلة تغيرت مع ثورة 21 سبتمبر 2014، التي شكلت ضربة قاصمة لمشاريع واشنطن، حيث تمكن الشعب اليمني من إسقاط الوصاية الأمريكية، وطرد الأدوات العميلة، وإنهاء النفوذ الأمريكي الذي كان متغلغلا في مؤسسات الدولة.

هذه الثورة مثلت تحولاً استراتيجياً أفقد واشنطن واحدة من أهم ساحات نفوذها في المنطقة، وجعل اليمن نموذجاً فريداً في مواجهة المشاريع الأمريكية، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى شن حرب عدوانية، عبر أدواتها في المنطقة، بهدف إعادة اليمن إلى مربع الهيمنة، لكن هذه الحرب، رغم قساوتها، لم تحقق أهدافها، بل زادت من صلابة الموقف اليمني، وأثبتت أن الشعب قادر على الصمود، وإفشال كل المخططات الخارجية.

اليمن اليوم ليس مجرد ساحة مواجهة، بل نموذجاً حياً لإفشال الهيمنة الأمريكية، حيث تمكن من كسر أدواتها وفضح زيف شعاراتها، ومع استمرار صمود الشعوب الحرة، يتضح أن المشروع الأمريكي في المنطقة يواجه نهايته المحتومة، وأن الهيمنة التي بنيت على الإرهاب ستنهار أمام إرادة الشعوب ووعيها المتزايد.

مقالات مشابهة

  • الولايات المتحدة تعتزم إلغاء عقودها مع وكالات الأنباء العالمية الكبرى
  • «التجارة العالمية»: كندا تشتكي الولايات المتحدة بشأن الرسوم على الصلب والألمنيوم
  • أمريكا والإرهاب في الشرق الأوسط.. اليمن نموذج لمقاومة الهيمنة والفوضى
  • كندا تشكو أمريكا في منظمة التجارة العالمية بسبب الرسوم الجمركية
  • من أمريكا.. مؤسسة النفط تطلق «جولة الاستكشاف» أمام كبرى الشركات العالمية
  • مساء اليوم.. انطلاق حملة تغريدات أمريكا أم الإرهاب
  • أمريكا أم الإرهاب في حملة تغريدات مساء اليوم
  • وزير الخارجية الأمريكي يشعل تفاعلا برد على قضية محمود خليل وتأييد حماس داخل أمريكا
  • مساء اليوم.. حملة تغريدات “أمريكا أم الإرهاب”
  • بعد انسحاب أمريكا.. «الصحة العالمية» تتخّذ سلسلة إجراءات لـ«خفض التكاليف»