٢٦ سبتمبر نت:
2025-04-02@11:56:39 GMT

21 من سبتمبر .. ثورة الحرية والاستقلال

تاريخ النشر: 20th, September 2023 GMT

21 من سبتمبر .. ثورة الحرية والاستقلال

توفرت في ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر الأركان التي يجب أن تتوفر في أي ثورة نقية وعظيمة وهي القائد العلم المؤيد بالحكمة والقوة ، والمشروع العظيم الذي يحمل كل مضامين الحرية والتطور والبناء ، وكذا التأييد الجماهيري المؤمن بالقيادة والمشروع . هذه الأركان الثلاثة هي التي تشكل على أساسها أدوات المواجهة والقيام بالفعل الثوري الهادر المحطم لكل القيود والمواجه لكل أعداء الثورة  حتى تصل الى إنجاز أهدافها ولتطلعات جماهيرها وتضحياتهم وترسيخ مبادئ العدل والحق والإنصاف.

ومن واقع الحال الذي كان يعيشه اليمن، قبل الواحد والعشرين من سبتمبر جاءت ثورة 21/ سبتمبر2014 بقيادتها الواعية والبصيرة، لتنتشل اليمن من التبعية والارتهان، وحملت لواء الدفاع عن وحدة اليمن وحريته واستقلاله، وقطع يد الوصاية التي عاثت فساداً فيه طوال ستة عقود من الزمن..

 

ثورة الـ21 من سبتمبر انطلاقة التغيير والإصلاح واسقاط النظام المرتهن والعاجز

لم تكن ثورة 21 سبتمبر 2014م انقلاباً على نظام قائم لغرض الاستحواذ على السلطة وإلغاء للآخر .. ثورة 21 سبتمبر جاءت كضرورة فرضتها كثير من العوامل والأحداث التي عصفت بالبلاد، وجعلته مرتهنا للخارج بقراره السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، ولم يعد يملك من أمره شيئا دفع اليمنيين ثمنها غاليا حتى اليوم ، ثورة الواحد والعشرون من سبتمبر كما يراها سياسيون تمثل ثورة تصحيحية تعيد للإنسان اليمني حريته المفقودة وكرامته المسلوبة . وما أن تفجرت حتى تكالب الأعداء عليها من الداخل والخارج لمواجهتها بعدوان غاشم لوأدها ، وتدمير لكل مقومات الحياة في الوطن ، والمسارعة لاحتلال الجنوب ، والسيطرة على كل الثروات.

يشير سياسيون إلى أن الواحد والعشرين من سبتمبر انطلاقة حقيقية للتغيير والإصلاح للوضع في الوطن الذي كان قد وصل الى مستوى الحضيض من الارتهان ، وتحولت منظومة الحكم إلى مجرد أداة ودمى تحركها قوى الخارج كيفما تشاء .. وهو ما أشار إليه قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في كلمة له :  بأن الوطن وصل إلى مرحلة خطيرة لم يكن بالإمكان الصبر عليها ولا التغاضي عنها ولا التجاهل لها تتمثل بفقدان السيادة وفقدان القرار وذلك خطر يتهدد البلد واستقلاله ، وكان يتجه نحو الفقدان الكامل للاستقلال ونحو التحكم الكامل في كل شؤونه، وفي كل أموره لصالح تلك القوى المعتدية والطاغية والمتجبرة والمستكبرة وعلى مستوى القرار السياسي كانت منظومة الحكم قد تحولت إلى مجرد أداة لا تمتلك بشأنها هي لا أمرا ولا نهيا أصبحت مجرد دمى يتحرك بها أو تتحرك بها قوى الخارج لتفرض كل ما تشاء وتريد على هذا الشعب وفق مصالح تلك الدول وفق مصالح الأمريكي ووفق مصالح الإسرائيلي ووفق مصالح السعودي والضحية، الكل ذلك هو شعبنا اليمني العزيز الذي كانت مصالحه وأولوياته واستحقاقاته خارج الاهتمام وخارج الأولويات بالكامل .

 

التغيير الثوري الاقتصادي في ثورة 21 سبتمبر :

الواقع الاقتصادي قبل ثورة الواحد والعشرون من سبتمبر كان مجرد مصطلح يتم تداوله و لم يكن منظومة لها آليات وبرامج على الأرض مطلقاً ،  وكان الفساد هو عنوان الاقتصاد اليمني في البلاد الذي وصل الى أعلى مستوى له ، تحكمت فئة محدودة في كل المقدرات والثروات لصالحها على حساب كل أبناء الشعب اليمني ، فكان الاقتصاد من أهم المنطلقات لهذه الثورة المباركة التي استطاعت أن تحرك الأرض من تحت الفاسدين الذين بادروا الى تهريب أموالهم للخارج وكان أول فعل ثوري إقتصادي هو إسقاط الجرعة التي كانت حكومة السعودية قد فرضتها على أبناء الشعب .

وهو ما أكده قائد الثورة في خطابات كثيرة بهذه المناسبة بقوله ”كان الفساد يتعاظم ويزداد ويفتك بمقدرات وثروة البلد لصالح فئة قليلة مستأثرة متخمة تزداد أرصدتها في البنوك، تزداد ثروتها، تنمو شركاتها بينما تتسع رقعة الفقر وتتعاظم المعاناة في معيشة الناس، في احتياجاتهم الغذائية حتى تتسع وتزداد رقعة الفقر والمعاناة بين أوساط هذا الشعب ، وغياب كامل لأي مشروع يهدف إلى بناء الاقتصاد الوطني.

 

فكان الاقتصاد من أهم الملفات التي احتلت قائمة الأولوية واتجهت القيادة الثورية والسياسية بخطوات جادة لوضع الأسس التي من شأنها النهوض بالاقتصاد والسيطرة على الوضع الاقتصادي الذي كان متسارعاً في الانهيار وبالفعل كانت الجهود كبيرة نتج عنها صدور قرار رئيس المجلس السياسي الأعلى بشأن تنفيذ الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة , وتطوير الجهاز الإداري للدولة والقضاء على الاختلالات ومكامن الفساد , ووضع الخطط للنهوض بالقطاع الاقتصادي وفق الإمكانات المتاحة ,

ويشير خبراء اقتصاديون أن إجراءات الإصلاح الاقتصادي مثلت معجزة اقتصادية في بلد يواجه تحالف كوني ومحاصر جواً وبراً وبحراً ومع ذلك استطاع في واقع العمل التنفيذي تحقيق الكثير من النتائج الإيجابية على الأرض منها إعادة الاعتبار لقطاع الزراعة , وحماية العملة الوطنية من الانهيار رغم الحرب الاقتصادية القذرة لدول تحالف العدوان , وخير دليل على ذلك ما أصبحنا نشاهده اليوم من استقرار في أسعار صرف العملات في مناطق حكومة الإنقاذ الوطني , فيما تشهد العملة المحلية انهيار غير مسبوق في المناطق المحتلة , وكل هذا يؤكد أن ثورة 21 سبتمبر قد نجحت في تنفيذ الكثير من أهدافها خلال فترة زمنية قياسية وصعبة.

 

التغيير الثوري في المجال الأمني لثورة 21 سبتمبر :

الوضع الأمني قبل الواحد والعشرون من سبتمبر عنوان لقصة مرعبة كانت فصولها مأساوية بكل ما في الكملة من معنى ، فقد وصلت البلاد إلى الحضيض مع تصاعد وتيرة التفجيرات الإرهابية التي كانت تستهدف الأبرياء في المساجد والمدارس والجامعات والساحات وأفراد الأمن وتزايدت الاغتيالات التي استهدفت أكاديميين ومسؤولين وغيرهم في أمانة العاصمة وغيرها من المحافظات واختراق للأجهزة الأمنية وتفكيك للجيش ، وانتشار كبير ومخيف للجريمة والسرقة والنهب والسلب العلني في وضح النهار ، وكانت العصابات الإجرامية تصول وتجول في العاصمة صنعاء ، ولم تكن تتجرأ الوحدات الأمنية في أي مكان على مواجهتها.

وقد أحاط بذلك وأشار اليه قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في أكثر من خطاب بقوله : كان هناك تصاعد لوتيرة الاغتيالات حتى في العاصمة بشكل كبير وتفجيرات وانتشار متزايد مقصود ومدروس ومدعوم للقاعدة في كثير من المحافظات اليمنية وفي نفس الوقت كان هناك اختراق كبير للأجهزة الأمنية وتقييد لها عن القيام بدورها كما ينبغي في حماية الناس من القتل وحماية الناس من الذبح وحماية الناس من التفجيرات التي استهدفتهم في المساجد والأسواق واستهدفت الجيش واستهدفت قوى الأمن واستهدفت النخب واستهدفت الأكاديميين واستهدفت مختلف مكونات وفئات هذا الشعب”.

وبالنظر للإحصائيات والأرقام لحصيلة الفوضى الأمنية قبل ثورة 21 سبتمبر، تبين ان أعداء الوطن، لم يكونوا يدركوا النتيجة العكسية، التي سيتلقونها، جراء تصعيدهم في خلخلة الأمن الداخلي، وتوسيع دائرة الفوضى، فقد بلغت حجم الاغتيالات والإخفاء القسري ثمانية آلاف و132 عملية اغتيال وإخفاء قسري وهذه الأرقام من إحصائية أمنية للفترة من 1990 حتى 2014م من بينها 138 من الإعلاميين وفيها العشرات من الأكاديميين والمئات من القيادات العسكرية والأمنية والمشائخ والشخصيات الدينية والتربوية.

وفي حصيلة للفترة مابين 2012-2014، كان عدد عمليات الاغتيال (300 عملية) كان ضحيتها (500 مستهدف) ، وسجلت العمليات الانتحارية خلال تلك الفترة (630) راح ضحيتها (3800 مستهدف) ، كما دمرت واسقطت (40) طائرة عسكرية ، خلفت (50 قتيلا) بين طيارا ومدربا.

كان الكثيرون في الداخل والخارج يتوقعون أن تكون تكلفة التحرك الثوري كبيرة وباهظة وانه سيحصل سلب ونهب للممتلكات العامة والخاصة وسفك للدماء ، وأن نتائجها ستكون وخيمة كما تم الترويج له آنذاك من قبل المغرضين وأعداء الثورة والوطن ، لكن ما حصل فاجأ الجميع .. وفي ذلك قال قائد الثورة ”كان الكثير يتوقع أن تكون الكلفة كبيرة جداً لتلك الخطوة أن تسفك الدماء ويقتل الآلاف وتدَّمر الأمانة صنعاء، وتحدث مجازر كبيرة وأحداث كارثية ونهب لكل المتاجر والمستودعات والبنوك ونهب لمباني ومُؤَسّسات الدولة و… و… إلخ. ولكن لأن الموقفَ شعبيٌّ بكل ما تعنيه الكلمة وتعاون فيه كُلّ أبناء هذا الشعب ودخلت في ذلك معهم المُؤَسّسة العسكرية والأمنية، كان النجاح كبيراً وعظيماً وحاسماً وبأقل كلفة ، فكانت عملية اندهش منها كُلّ العالم وتوجت تلك الخطوة الكبيرة التي أعادت الاعتبار للشعب اليمني في مقابل كُلّ أولئك الذين أرادوا النيلَ من عزة هذا الشعب وحريته واستقلاله”.

وأصبح اليوم الأمن عنوان للطمأنينة لكل أبناء الشعب الذين يثقون كثيراً بالقوة والإقتدار للأجهزة الأمنية التي وبقدر تلك الفوضى ، والتعمد الفوضوي ، لزعزعة الأمن ، حققت ثورة 21 سبتمبر الكثير من الإنجازات والنجاحات، وكانت أهمها تطهير اليمن من الأوكار والخلايا الإرهابية، التي كانت تهدد حياة المواطنين والسكينة العامة للمجتمع، واستطاع رجال الأمن القضاء على جيوب هذه العناصر الظلامية في أمانة العاصمة وجميع المحافظات الحرة ، والحد من الجريمة وتأمين المواطن في ماله وممتلكاته ، وآخر هذه المنجزات المعلن عنها هو الآليات والمعدات الأمنية يمنية الصنع التي كان آخرها المدرعة الجديدة بأس 2 .

ولم تتوقف الإنجازات الأمنية، بل عمدت إلى تحقيق مفهوم الشرطة في خدمة الشعب، بمعناها الصحيح ، وفتحت مراكز للشكاوى لضبط مخالفات وتجاوزات رجال الشرطة بما يحقق الأمن لكم وليس عليكم ولمصلحة المواطن بالدرجة الأولى، وهو ما كان غائبا في الأنظمة السابقة ، ولم يطبق حرفيا حتى في الدول التي تفاخر بأمنها في هذا العالم ، مما يؤكد بأن ثورة 21 سبتمبر رقما صعبا فاق التوقعات .

 

التغيير الثوري في الجانب السياسي لثورة 21 سبتمبر :

مثلت ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر نقطة انطلاق لإيقاف المؤامرات الخطيرة التي كان يتعرض لها اليمن بعد أن وصلت البلاد إلى حالة استلاب القرار السياسي فانطلقت في تكريس مفهوم الشراكة الحقيقية في الداخل واحتواء كل المكونات السياسية الوطنية ، فكان من أهم وأكبر المنجزات للثورة استقلال الشعب اليمني بقراره السياسي والسيادة والحرية ، وقد أشار إلى ذلك قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بقوله : أن مشكلة قوى الاستعمار والاستكبار وعملائها بالمنطقة مع اليمن لا لشيء وإنما لرفضه الخضوع والتبعية، واستكثار هذه القوى على الشعب اليمني أن يكون مستقلًا في قراره السياسي وحقه المشروع في إدارة شؤونه بعيدًا عن التدخل الخارجي.

وأشار رئيس المجلس السياسي الأعلى المشير الركن مهدي المشاط في أحد خطاباته إن “ثورة 21 سبتمبر مثلت الخيار الذي يليق باليمن الكبير وإن كان الثمن باهظاً، لكنها خيار الضرورة، والتصحيح الشجاع ضمن إرادة شعب قرر أن يتحرر من كل صيغ الضعف والارتهان، ويخلع عن كاهله وطأة الهيمنة الخارجية”.

وأشار إلى أن ثورة 21 سبتمبر غلَبت من أول يوم قيم التسامح العفو، و انحازت للغة السلام، لتصبح بحق أول ثورة في التاريخ تحاور خصومها، ولم تنصب المشانق.

 

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

كلمات دلالية: ثورة 21 سبتمبر قائد الثورة هذا الشعب الذی کان التی کان

إقرأ أيضاً:

ثورة في علم الفيزياء.. هل كل ما نعرفه عن الزمن الكوني خاطئ؟!

مقدمة للترجمة

يفترض فريق من علماء الكونيات أن الكون لا يتميز ببنية مكانية فحسب (حيث تتوزع المجرات في خيوط تفصل بينها فراغات*)، بل يتمتع أيضًا ببنية زمنية، حيث لا يتدفق الزمن بالوتيرة ذاتها في كل مكان، بل يختلف من مكان لآخر. تُعَد هذه الفكرة خروجًا جذريًّا عن المألوف، بل إن وصفها بالخروج عن المألوف سيكون تقليلًا من شأنها. فلطالما اعتقدنا أن الزمن يسير بالوتيرة ذاتها في جميع أنحاء الكون على المقاييس الكبيرة. ولكن وفقًا لهذا النموذج المعروف باسم "علم الكونيات الزمني"، توجد مناطق شاسعة في الكون تشهد على تدفق الزمن بمعدل أسرع مما نفترض، وهو ما يعني أن تلك المناطق شهدت مليارات السنين الإضافية مقارنة بما افترضناه سابقًا.

نص الترجمة

تخيّل أن أمامك الآن منظرًا خلابًا حيث تُلقي الشمس بظلالها على قمم جبال مُغطاة بالثلوج في الأفق البعيد، بينما يتعرج نهرٌ عبر تلالٍ متدحرجة. ثمة ما هو رائع في تأمل تضاريس هذا المشهد الطبيعي البديع الذي يُثير في نفوسنا شعورا بالجلال والروعة.

قد لا يبدو ذلك واضحًا عندما ترنو إلى السماء ليلًا، إلا أن للكون مشهدًا خاصا به حيث تتشكل خيوط من المجرات تفصل بينها فراغات شاسعة تكاد تكون خالية تمامًا. وهذه حقيقة توصل إليها العلماء منذ زمن بعيد.

إعلان

ونتيجة لذلك، قرر فريق من علماء الكونيات سبر أغوار هذه الحقيقة بدرجة أعمق مفترِضين أن الكون لا يتميز ببنية مكانية فحسب (حيث تتوزع المجرات في خيوط تفصل بينها فراغات*)، بل يتمتع أيضًا ببنية زمنية، حيث لا يتدفق الزمن بالوتيرة ذاتها في كل مكان، بل يختلف من مكان لآخر.

تُعَد هذه الفكرة خروجًا جذريًّا عن المألوف، بل إن وصفها بالخروج عن المألوف سيكون تقليلًا من شأنها. فلطالما اعتقدنا أن الزمن يسير بالوتيرة ذاتها في جميع أنحاء الكون على المقاييس الكبيرة. ولكن وفقًا لهذا النموذج المعروف باسم "علم الكونيات الزمني"، توجد مناطق شاسعة في الكون تشهد على تدفق الزمن بمعدل أسرع مما نفترض، وهو ما يعني أن تلك المناطق شهدت مليارات السنين الإضافية مقارنة بما افترضناه سابقًا.

قد يبدو الأمر غريبًا، لكن ما يجذب بعض الفيزيائيين إليه هو أن جمال هذه النظرية يكمن في بساطتها، فهي لا تتطلب أي فيزياء غريبة، بل تنبع تلقائيًّا من نظرية معروفة، يقول عنها مبتكرها ديفيد ويلتشير من جامعة كانتربري بنيوزيلندا: "إنها جزء من بنية النسبية العامة، لكنها ببساطة لم تكن جزءًا من الأفكار التي طرأت على أذهان الناس سابقًا".

قد يكون هذا الافتراض مفتاحًا لحل أحد أكبر الألغاز في الفيزياء، بل وقد يُفضي إلى تغيير جذري في الطريقة التي يعتمدها الفلكيون لوصف هيكلة الكون. والآن، مع تدفق البيانات الجديدة من عمليات المسح الفلكي، بدأت تظهر إشارات توحي بأن هذه الفكرة قد يعتريها شيء من الصحة.

يقدر العلماء عمر الكون بنحو 13.8 مليار سنة (غيتي) "لامدا- سي دي إم"

منذ ما يقرب من قرن من الزمان، توصل علماء الفلك إلى أن الفضاء يتمدد. فأيّ شيء لا يرتبط بالجاذبية مع غيره يبتعد عن كل الأشياء الأخرى. وهذا أمر متوقع باعتبار أن الكون بدأ بانفجار عظيم أدى إلى انطلاق عملية من التوسع. لكن في منتصف التسعينيات، توصلت مجموعتان بحثيتان مستقلتان إلى اكتشاف أساسي ومفاجئ للغاية، لدرجة أنهما فازتا بجائزة نوبل بسببه.

إعلان

توصلت المجموعتان إلى أن الكون لا يتمدد فحسب، بل إن معدل تمدده يتزايد بمرور الوقت. ونظرًا إلى عدم وجود تفسير واضح لهذا الأمر، افترض علماء الكونيات أن الفضاء زاخر بـ"طاقة مظلمة" غامضة تدفع الكون إلى التوسع بوتيرة أسرع فأسرع.

غير أن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم وجود تفسير طبيعي واضح لماهية هذه الطاقة المظلمة رغم العقود الطويلة التي بُذلت في سبيل البحث والتفكير فيها. ومع غياب أي بديل أفضل، أصبحت الطاقة المظلمة ركيزة أساسية في علم الكونيات.

ينطبق هذا الأمر أيضًا على فرضية تُعرف باسم "المبدأ الكوني" قدّمها عالم الفيزياء الفلكية البريطاني إدوارد آرثر ميلن عام 1933. وينص المبدأ على أن الكون متجانس، أي أنه يبدو متشابهًا في كل مكان، ولا يوجد مكان مميز عن غيره. بمعنى آخر، إذا كنت في مجرة بعيدة بدلًا من الأرض، فسترى الكون بالطريقة التي نراه بها نحن على الأرض.

لنأخذ على سبيل المثال عمر الكون الذي يُقدِّره علماء الفلك بنحو 13.8 مليار سنة، وذلك بناءً على قياسات أُجريت من الأرض. لكن وفقًا للمبدأ الكوني، لو أجرينا الحسابات ذاتها من أي نقطة عشوائية في الفضاء، لحصلنا على النتيجة نفسها.

ويرجع ذلك إلى أن الكون -على المقاييس الكبيرة – يتمتع بخاصيتين أساسيتين، وهما التجانس، بمعنى أن خصائصه متشابهة في كل مكان، والتناظر، أي أنه يبدو متماثلًا في جميع الاتجاهات. وتأكيدًا على ذلك، يقول جوشوا فريمان، عالم الكونيات من جامعة شيكاغو: "عندما أنظر إلى توزيع المجرات على نطاق واسع، أرى تقريبًا نفس العدد من المجرات بغض النظر عما إذا نظرت شمالًا، أو جنوبًا، أو شرقًا أو غربًا".

وبتطبيق هذا المبدأ الكوني إلى جانب نظرية النسبية العامة لأينشتاين -التي تُفسِّر كيف تؤثر الجاذبية في الزمان والمكان- سنحصل على نموذج كوني يحتاج إلى عناصر إضافية لتفسير الكون كما نراه اليوم، وهي المادة المظلمة والطاقة المظلمة.

إعلان

يفترض النموذج القياسي لعلم الكونيات أن المادة المظلمة تتكون من جسيمات ثقيلة وبطيئة تُعرف باسم المادة المظلمة الباردة (CDM)، في حين تُعتبر الطاقة المظلمة مجال طاقة ثابتًا يُرمز إليه بالحرف الإغريقي λ (لامدا). ومن هنا جاء اسم النموذج الكوني "لامدا- سي دي إم"، وهو الإطار الذي يعتمد عليه معظم علماء الفلك والكونيات في دراسة الكون. ويوضح فريمان ذلك قائلا: "يوفر لنا هذا النموذج إطارًا لفهم كيفية تشكل وتطور البنية الكونية، وهو ما يتوافق مع عمليات الرصد الفلكية".

تكمن مشكلة المبدأ الكوني في أن الكون يبدو متجانسًا فقط على المقاييس الكبيرة، أي على مسافات تبلغ نحو 400 مليون سنة ضوئية أو أكثر. أما عند المقاييس الأصغر، فتختلف الأمور اختلافًا كبيرًا من مكان لآخر. فعلى هذه المقاييس، نجد تجمعات ضخمة من المجرات تضم كميات هائلة من المادة؛ مما يجعلها مترابطة بفعل الجاذبية ولا تتأثر بتمدد الكون.

وفي المقابل، توجد فراغات كونية شاسعة تكاد تخلو من المادة، لذلك يستمر التمدد فيها بوتيرته الطبيعية (بخلاف المناطق التي تحتوي على تجمعات مجرية ضخمة*). يشبه هذا الأمر شكل الأرض من الفضاء، حيث تبدو كأنها كرة مثالية، لكن عند الاقتراب، تكشف التفاصيل عن جبال ووديان تُخِلّ بتوازن هذا الشكل المنتظم.

وتيرة أسرع مما افترضنا

في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لفتت انتباه ويلتشير تلك الأبحاث التي أجراها توماس بوخارت في مختبر فيزياء الجسيمات "سيرن" بالقرب من جنيف في سويسرا.

أدرك بوخارت أن عدم تجانس الكون يمثل مشكلة كبيرة، خاصة مع افتراض أن الفراغات الكونية تشكل ما يصل إلى 95% من حجم الكون. لذلك، بدأ في تطوير طريقة أفضل للتعامل معها. فبدلًا من الاكتفاء بافتراض صحة المبدأ الكوني، تبنى ويلتشير أساليب بوخارت وطبقها على نظرية النسبية العامة، ليولد في عام 2007 نموذج "المشهد الزمني"، الذي يُعيد النظر في كيفية تدفق الزمن في مختلف مناطق الكون.

إعلان

تعتمد فكرة نموذج المشهد الزمني على ظاهرة غريبة تُعرف باسم "تمدد الزمن الجذبوي". وفقًا لهذه الظاهرة، فإن الجاذبية القوية للأجسام الضخمة تعمل على تشويه الزمكان، وهو ما يُفضي إلى بطء مرور الزمن بالقرب من هذه الأجسام مقارنة بالمناطق الأبعد عنها. وكلما زادت شدة الحقل الجذبوي، زاد بطء الزمن.

صحيح أن هذا المفهوم لا يُعتبر جديدًا، إلا أن علماء الكونيات افترضوا عمومًا أن هذه التأثيرات تتلاشى على المقاييس الكبيرة، لأن المبدأ الكوني ينص على أن المادة موزعة بالتساوي تقريبًا في جميع أنحاء الكون.

بمعنى آخر، على الرغم من وجود مناطق ذات جاذبية قوية حيث يمر الزمن أبطأ (مثل المجرات)، ومناطق ذات جاذبية ضعيفة حيث يمر الزمن أسرع (مثل الفراغات الكونية)، فإن هذه الفروق تتوازن عند النظر إلى الكون على نطاق واسع، بحيث لا يكون لها تأثير كبير في التوسع الكوني أو عمر الكون المحسوب. لكن نموذج المشهد الزمني يرى أن هذا الافتراض قد يكون خاطئًا، وأن هذه التأثيرات لا تتلاشى كليًّا، بل قد تؤثر في طريقة فهمنا لتمدد الكون وعمره.

إذا تخلّينا عن المبدأ الكوني كما يقترح ويلتشير وزملاؤه، فلن يعود بإمكانكَ افتراض أن تأثيرات تمدد الزمن الجذبوي تتلاشى على المقاييس الكبيرة. وبدلًا من ذلك، يصبح من الضروري بناء نموذج كوني جديد يأخذ هذه الفروق الزمنية في الحسبان.

ولتحقيق ذلك، لابد من الخوض في التفاصيل الدقيقة لمعادلات أينشتاين، التي تربط بين خصائص الزمكان وكمية المادة والطاقة الموجودة داخله. تحدد هذه الخصائص ما إذا كانت منطقة معينة من الكون تتمدد، وإذا كان الأمر كذلك، فبأي معدل يحدث هذا التمدد، وبأي سرعة يمر الزمن في تلك المنطقة مقارنة بغيرها.

ونظرًا إلى وجود كمية ضئيلة جدًّا من المادة داخل الفراغات الكونية، فإن مرور الزمن يختلف تمامًا هناك. وكما يوضح ريان ريدن-هاربر، أحد أعضاء الفريق بجامعة كانتربري بنيوزلندا: "قد يكون عمر الفراغات الكونية أقدم من عمر التجمعات المجرية بما يصل إلى 4 مليارات سنة".

إعلان

بمعنى آخر، سيكون الزمن قد مرّ -منذ الانفجار العظيم- بوتيرة أسرع في المناطق الفارغة مقارنةً بالمناطق ذات الكثافة العالية، مثل مجرة درب التبانة؛ مما سيؤدي إلى نتيجة غير متوقعة، وهي أن عمر الكون ليس ثابتًا، بل يختلف اعتمادًا على الموقع الذي نقيس منه داخل الكون. وبالتالي، لا يمكن اعتبار أن للكون عمرًا واحدًا مطلقًا يشمل جميع أجزائه.

هذا يعني أيضًا أن الفضاء داخل الفراغات الكونية يتمدد لمدة تصل إلى أربعة مليارات سنة أكثر مما كنا نفترض لو اعتمدنا فقط على عمر الكون المحسوب من داخل مجرة درب التبانة. لكن عند تصحيح هذا الاختلاف الزمني بين المواقع المختلفة باستخدام نموذج الزمن المتغير، يدّعي الباحثون أن الحاجة إلى افتراض وجود الطاقة المظلمة تختفي تمامًا. (بمعنى آخر، قد لا يكون هناك طاقة مظلمة تدفع الكون إلى التوسع المتسارع، بل يكون التفسير ببساطة أن الزمن يمر بمعدلات مختلفة عبر مناطق الكون المختلفة*).

منذ طرحها لأول مرة، واجهت هذه الفكرة صعوبة في إقناع المجتمع العلمي، ولم يكن ذلك مقتصرًا على مجموعة ويلتشير فقط، بل ظهرتْ محاولات سابقة ومناهج مختلفة لمعالجة عدم التجانس الواضح في بنية الكون. ومع ذلك، لم تنجح هذه الفكرة أيضًا في تغيير الرأي السائد في الأوساط العلمية.

لا يتدفق الزمن بالوتيرة ذاتها في كل مكان في الكون (ناسا) الفراغات المتمددة

ما زال بعض العلماء غير مقتنعين بهذه الفكرة ومن بينهم فريمان الذي يقول معلِّقًا على ذلك: "توجد أبحاث كثيرة حول نظريات الكون غير المتجانسة. وعند أخذ هذه البُنى الكونية الضخمة في الاعتبار، هل يُمكن أن تُؤثّر فعليًّا في توسّع الكون بطريقةٍ تُحاكي تأثيرات الطاقة المظلمة؟ من وجهة نظري، تُشير غالبية الأبحاث إلى أن هذا ليس هو الحال، مما يعني أن تأثير عدم التجانس في بنية الكون لا يبدو كافيًا لاستبدال فكرة الطاقة المظلمة".

إعلان

كما أن فريمان ليس الوحيد الذي يشكك في هذه الفكرة، إذ يرى ويلتشير أيضًا أن المحاولات السابقة لبناء نماذج كونية غير متجانسة لم تكن كاملة، لأن الباحثين استمروا في افتراض أن للكون عمرًا ثابتًا في كل مكان.

ويؤكد ويلتشير أن ما لم يُدركه الكثيرون هو أن نموذج المشهد الزمني يختلف عن تلك النماذج السابقة، لأنه يأخذ في الاعتبار تفاوت عمر الكون من مكان لآخر. وهذا ما يجعل الفكرة أكثر منطقية، وذلك لسماحها بتمدد الفراغات الكونية لمليارات السنين أكثر مما كنا نتوقع عند الاعتماد على الحسابات المحلية. ويضيف ويلتشير: "عندما تجتمع هذه التأثيرات على مدى مليارات السنين، تصبح الفروق هائلة".

قد تكون لدى ويلتشير الآن فرصة جديدة لإقناع زملائه بوجهة نظره، وذلك بفضل مجموعة بيانات جديدة تُعرف باسم "بانثيون+". تحتوي هذه البيانات على ملاحظات خاصة بـ1535 مستعرًا أعظم (سوبرنوفا) من نوع خاص يُعرف باسم المستعر الأعظم من "النوع 1 إيه". وتتميز هذه النجوم المتفجرة بأنها تُطلق نفس كمية الطاقة تقريبا، لذا فإن أي اختلاف في سطوعها هو نتيجة بعدها عن الأرض. وبفضل هذه الخاصية، تُعد هذه المستعرات العظمى أداة دقيقة جدًّا لقياس تمدد الكون.

وتكمن القيمة الحقيقية لمجموعة بيانات ويلتشير في أن جميع عمليات الرصد قد فُحصت بدقة لإزالة أي أخطاء محتملة ناتجة عن تسجيل المستعرات العظمى باستخدام تلسكوبات مختلفة. وبفضل هذا الحجم الكبير والدقة العالية للبيانات، أصبح من الممكن إجراء مقارنة حقيقية بين نموذج المشهد الزمني، والنموذج الكوني القياسي (مما قد يساعد في تقييم مدى صحة الفرضية التي تقترح عدم الحاجة إلى الطاقة المظلمة*).

وفي يناير/كانون الثاني 2025، نشر ويلتشير وزملاؤه أحدث تحليل لهم استخدموا خلاله بيانات المستعرات العظمى من "بانثيون+" لمقارنة مدى توافق النموذج الكوني القياسي مع البيانات، مقابل نموذج المشهد الزمني.

إعلان

ويؤكد الباحثون أن التحليل الإحصائي الذي أجروه يُقدّم "أدلة قوية جدًّا لصالح نموذج المشهد الزمني مقارنة بالنموذج القياسي"؛ مما قد يشير إلى إمكانية الاستغناء عن فرضية الطاقة المظلمة إذا كان هذا النموذج صحيحًا.

ومع ذلك، فإن هذا التطور الأخير لا يزال غير كافٍ لإقناع فريمان، الذي يشغل منصب مدير مشروع التحليل الطيفي للطاقة المظلمة، وهو مشروع تعاوني يضم أكثر من 400 عالم من مختلف أنحاء العالم. تكمن المفارقة في أن بيانات مشروع التحليل الطيفي للطاقة المظلمة الخاصة بالمستعرات العظمى، التي جُمعت بين 2013 و2019، أظهرتْ تفضيلًا لنموذج الزمن المتغير على حساب النموذج القياسي، تمامًا مثل نتائج ويلتشير.

غير أن السبب وراء استمرار شكوك فريمان، يكمن في قياسات ظاهرة كونية أخرى تُعرف باسم تذبذبات باريون الصوتية. فقد أجرى مشروع التحليل الطيفي للطاقة المظلمة أيضًا قياسات لهذه التذبذبات، وعندما دُمجت مع بيانات المستعرات العظمى، جاءت النتائج معاكسة تمامًا، حيث فضلّت النموذج القياسي على نموذج المشهد الزمني.

يمكن التفكير في تذبذبات باريون الصوتية على أنها تموجات في البنية الكونية واسعة النطاق. وهي مرتبطة بالموجات الصوتية التي انتشرت في البلازما البدائية، وهي الحوض الكوني الساخن الذي احتوى على جسيمات شديدة الحرارة ملأت الكون في مراحله الأولى، قبل أن تبرد تدريجيًّا وتندمج لتشكل المجرات التي نراها اليوم.

وقد تركت هذه الموجات اختلافات في الكثافة؛ مما أدى إلى تشكيل أنماط مميزة في توزيع تجمعات المادة والفراغات الكونية. وسرعان ما أصبحت هذه التفاوتات في الكثافة هي المخطط الأساسي الذي يُحدد الشكل العام لبنية الكون، بما في ذلك أماكن تكتل المجرات والفراغات الواسعة التي نراها اليوم.

عندما استخرج رايان كاميليري من جامعة كوينزلاند بأستراليا وزملاؤه بيانات تذبذبات باريون الصوتية من ملاحظات مشروع التحليل الطيفي للطاقة المظلمة، وقارنوا هذه البيانات بتوقعات كل من النموذج الكوني القياسي، ونموذج المشهد الزمني، توصلوا إلى أن النموذج القياسي تفوق بوضوح. ومع ذلك، لا يزال فريق ويلتشير غير مقتنع تمامًا بهذه النتيجة، ويرغب في التحقق منها بدرجة أعمق.

إعلان

وعن ذلك، يقول رايان ريدن-هاربر، أحد أعضاء الفريق: "أهم ما يمكننا فعله حاليًّا هو إعادة النظر في مسألة تذبذبات باريون الصوتية، والتحقق مما إذا كان صحيحًا أن النموذج القياسي لعلم الكونيات يتفوق بطبيعته على هذا النموذج الجديد".

ترتبط الموجات التي تركت هذه البصمة الكونية بسرعة الصوت في البلازما البدائية، التي حُسبتْ بدقة شديدة ضمن النموذج القياسي، لكنها لم تُحسب بعد لنموذج المشهد الزمني. لهذا يعمل ويلتشير وفريقه حاليًّا على هذه الحسابات لمحاولة اختبار مدى دقة نموذجهم في تفسير البيانات.

إن الوصول إلى الإجابة الصحيحة أمر في غاية الأهمية، لأن هناك الكثير مما يمكن أن يتأثر بناءً على هذه النتيجة. يُعتبر النموذج القياسي لعلم الكونيات الأساس الذي نبني عليه فهمنا للكون، ورغم أنه حقق نجاحات كبيرة بلا شك، فإنه مع ذلك يواجه عدة تحديات ظهرت من أبحاث علم الكونيات الحديثة، ولا تقتصر هذه التحديات على نموذج المشهد الزمني فحسب.

مستقبل علم الكونيات

الخلاصة هي أن النموذج القياسي لعلم الكونيات لم يعد يتوافق مع جميع ملاحظاتنا الكونية. ففي عام 2005، بدأ آدم ريس من جامعة جونز هوبكنز في ماريلاند -وهو أحد العلماء الذين حصلوا على جائزة نوبل لاكتشاف الطاقة المظلمة- تسليط الضوء على لغز علمي يُعرف باسم "توتر هابل".

يشير هذا اللغز إلى أن الطريقتين الرئيسيتين لحساب معدل التمدد الحالي للكون، المعروف باسم "ثابت هابل" لا تعطيان النتيجة ذاتها. فمثلًا تُعطي الطريقة الأولى، التي تعتمد على ملاحظات المستعرات العظمى في الكون القريب نسبيًّا، قيمة تبلغ حوالي 73 كيلومترًا في الثانية لكل ميغا فرسخ فلكي (وهو وحدة قياس المسافات الكبيرة في الفضاء ويساوي 3.26 سنوات ضوئية*).

أما الطريقة الأخرى لحساب ثابت هابل فتعتمد على رصد إشعاع الخلفية الكونية الميكروي، وهو الإشعاع الخافت الباقي من الانفجار العظيم، ومن ثم استخدام النموذج القياسي لتتبع تطور الكون على مدى 13 مليار سنة وصولًا إلى قيمته الحالية.

إعلان

وفقًا لهذه الطريقة، ينبغي أن يكون ثابت هابل اليوم 67.7 كيلومترًا في الثانية لكل ميغا فرسخ فلكي. لكن التباين بين هذه النتيجة والنتيجة التي نحصل عليها من ملاحظات المستعرات العظمى يمثل مشكلة كبيرة. ويرى ريس أن هذا الاختلاف قد يكون "إشارة إلى وجود خلل ما في النموذج الكوني القياسي".

يعتقد ويلتشير أن نموذج المشهد الزمني قد يكون الحل لمشكلة "توتر هابل". فعندما انبعث إشعاع الخلفية الكونية الميكروي بعد حوالي 380,000 سنة من الانفجار العظيم، كانت البلازما البدائية التي ملأت الكون متجانسة تقريبًا. ولكن مع مرور الوقت، أدت الجاذبية إلى تجمع المادة؛ مما خلق بنية غير متجانسة تتألف من عناقيد مجرية وفراغات كونية.

إضافة إلى أن ما يميز نموذج المشهد الزمني هو أنه يأخذ هذا التطور في الحسبان، في حين أن النموذج الكوني القياسي لا يفعل ذلك بدرجة كافية. والنتيجة هي أن النموذج الجديد يتوقع ثابت هابل أعلى مما يتوقعه النموذج القياسي، لأن الفراغات الكونية قد توسعت أكثر مما يفترضه النموذج القياسي.

إن الوقت الحاسم لنموذج المشهد الزمني يقترب بسرعة. فخلال السنوات الخمس القادمة، ستتوفر بيانات أدق وأفضل لعلماء الكونيات. في السياق ذاته، يقول ويلتشير إن هذه البيانات ستكون قادرة على حسم الجدل نهائيًّا بين هذا النموذج الجديد والنموذج القياسي. وتشمل هذه البيانات المنتظرة نتائج من أداة التحليل الطيفي للطاقة المظلمة في أريزونا، التي تعمل على إنشاء خريطة للكون من المتوقع اكتمالها بحلول عام 2026. كما أننا في انتظار بيانات جديدة من تلسكوب "إقليدس" الفضائي التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، وكذلك من التلسكوب العملاق "فيرا روبين" في تشيلي.

أما تلسكوب روبين الذي سيعمل على اكتشاف المستعرات العظمى، فمن المفترض أن يبدأ مسحه السماوي الواسع هذا العام. وعن ذلك، تقول إيموجين ويتام من جامعة أكسفورد، التي تبحث في تطور المجرات: "هذان المسباران سيُحدثان نقلة نوعية في مجال مسوحات المجرات الكونية، وسيمثلان نقلة نوعية في هذا المجال".

إعلان

تتمحور وظيفة تلسكوب إقليدس حول رسم خريطة ثلاثية الأبعاد لبنية المجرات؛ مما سيوفر معلومات أكثر تفصيلًا حول تذبذبات باريون الصوتية BAO (وهي آثار لموجات الصوت البدائية التي ساعدت في تشكيل بنية الكون*).

أما تلسكوب روبين، الذي سيبدأ مسحه الشامل للسماء هذا العام، فسيكون بمثابة آلة لاكتشاف المستعرات العظمى (السوبرنوفا). وعن ذلك، تقول إيموجين ويتهام، الباحثة في جامعة أكسفورد والمتخصصة في تطور المجرات: "هذان التلسكوبان سيغيران قواعد اللعبة، فهما يمثلان قفزة نوعية كبيرة في هذا المجال".

كل هذا يعني أن مستقبل علم الكونيات لا يزال غير محسوم. لكن ويلتشير لا يمانع في الانتظار، فقد قضى ما يقرب من عشرين عامًا في تطوير فرضية "المشهد الزمني"، وهو على استعداد للانتظار بضع سنوات أخرى لمعرفة ما إذا كان قد اكتشف سرًّا من أسرار الكون التي تجاهلها الآخرون. وفي النهاية يختتم حديثه قائلًا: "بحلول نهاية هذا العقد، سنعرف حتمًا الإجابات".

____________
* إضافة المترجم

هذه المادة مترجمة عن نيوساينتست ولا تعبر بالضرورة عن الجزيرة نت

مقالات مشابهة

  • 26 مارس: يوم التحرير والاستقلال الحقيقي للسودان
  • وفد من قيادات وزارة الاقتصاد والمؤسسات والهيئات التابعة لها يزورون المرابطين في جبهات مقبنة
  • ثورة في علم الفيزياء.. هل كل ما نعرفه عن الزمن الكوني خاطئ؟!
  • تصدر 66 ألف طن من النباتات الطبية والعطرية خلال الفترة من سبتمبر وحتي يناير الماضي
  • الحرية المصري: وقفات الشعب المصري بساحات المساجد تؤكد رفض مصر القاطع لجرائم إسرائيل أمام العالم
  • الحرية المصري: الحراك الشعبي ضد التهجير يؤكد موقف مصر التاريخي تجاه القضية الفلسطينية
  • قائد كتائب الوهبي يهنئ قائد الثورة والرئيس المشاط بحلول عيد الفطر المبارك
  • زيارة الجرحى في مستشفى الثورة العام ومركزي ٢٦ سبتمبر والمجد
  • الاطلاع على أحوال الجرحى في عدد من المستشفيات بالأمانة
  • بالصور.. آلاف المصلين يؤدون صلاة عيد الفطر في ساحة الحرية بتعز