لجريدة عمان:
2024-11-17@08:02:00 GMT

الأقمار الصناعية تسرد أسرار الفضاء والأرض

تاريخ النشر: 20th, September 2023 GMT

الأقمار الصناعية تسرد أسرار الفضاء والأرض

قبل عقود ليست بالكثيرة، ومع بداية استخدام الصواريخ في الحروب المستعرة، فكّر بعض أصحاب الخيال العلمي والمهندسين في إمكانية استخدام هذه الصواريخ لوضع جهاز إلكتروني ليدور حول الأرض مستغلا الميكانيكا المدارية، التي كانت مفهومة تقريبا ولكن دون تطبيق عملي لها، وذلك ليقوم هذا الجهاز بالتصوير أو تبادل الاتصالات اللاسلكية مع نقاط متفرقة في أنحاء الكوكب، وهو ما اتضح لاحقا أنه أحد أعمدة التطور البشري في العصر الحديث، وستلامس تطبيقاته مختلف جوانب حياة البشر بشكل يومي، ويكون مجالا للتنافس وإظهار مدى التطور التقني للدول.

فلِكي تصنع قمرا صناعيا بإمكانيات ذاتية عليك أن تكون عالما بشكل عميق للكثير من العلوم والتخصصات الدقيقة، بدءًا من مختلف تقنيات التصنيع، ومعرفة خصائص المعادن والمواد المركّبة، والاتصالات اللاسلكية، والأنظمة الإلكترونية، والديناميكا الحرارية، والدفع النفاث وغيرها.

وهذا هو الجانب الأسهل في الأمر، أما الجانب الأصعب فهو إيصال هذا القمر إلى الفضاء ووضعه بشكل دقيق في مدار الأرض؛ كي يدور حولها وفق حسابات رياضية دقيقة تطوّع ميكانيكا المدارات، وهذا غير ممكن -حاليا على الأقل- سوى من خلال الصواريخ، وهي أجهزة معقدة بشكل يصعب على أغلب الناس تخيله، وليس أصدق على ذلك من العادة التي جرت في ضرب المثل بصناعة الصواريخ عند محاولة القيام بشيء صعب. فالصواريخ يجب أن تكون قادرة على توليد دفع نفاث قوي جدا، وهذا الدفع يتطلب استهلاك كميات مهولة من الوقود تصل لبضعة أطنان في كل ثانية، ولتحقيق ذلك يجب ضخه بعنف بالكميات المطلوبة، وخلطه بنسب دقيقة ومحسوبة مع المادة المؤكسدة، ثم احتواء الحرارة الهائلة والاهتزازات العنيفة الناتجة عن حرقه، ثم التأكد من أن هذا الصاروخ سيتبع مسارا محددا أثناء صعوده إلى الفضاء ويقطع من خلاله بيئات تختلف بشكل جذري على طول مساره حتى وصوله لمداره. كل هذه العوامل -التي لم نذكر سوى قليل منها- تجعل صناعة الصواريخ حكرا على عدد قليل من الأمم حتى الآن، بل إلى وقت قريب، لم يكن من الممكن صناعة الصواريخ سوى بواسطة مؤسسات الحكومات؛ لأنها كانت الوحيدة التي تستطيع المغامرة برؤوس أموال ضخمة في سبيل تطويرها، وذلك بعد الإيمان بأهميتها في التفوق العلمي.

من الحرب إلى السلم والاستدامة

الشيء الملفت -كحال الكثير من التقنيات المتطورة- هو أن الاستخدام العسكري لأغراض التجسس وتصوير مواقع العدو، والتواصل الراديوي بين أماكن متباعدة على الأرض هو الغرض الأساسي والأول الذي طُورت لأجله تقنيات الأقمار الصناعية، ولكن الحال مختلف الآن، فأغلب الأقمار الصناعية التي تعوم في فضاء الأرض الآن لها استخدامات علمية ومدنية مختلفة، وكثير من هذه الاستخدامات يعرفها أغلب الناس، كالملاحة بنظام تحديد المواقع العالمي، واستقبال البث التلفزيوني، والتخطيط العمراني. أما هنا فسنسرد بعض الاستخدامات التي ربما لا يعرفها كثير من الناس، التي توضح الاستخدامات المتنوعة والواسعة لهذه الأجهزة المتطورة التي أصبحت تراقب الأرض من منظور جديد لم يعهده البشر.

من هذه الاستخدامات غير المألوفة هي مراقبة صحة النباتات ومعرفة ما إذا كانت تقوم بعملية التحليل الضوئي بشكل طبيعي أم لا قبل أن تظهر عليها حالة الإجهاد وتبدأ بالموت أو التحول للون الأصفر، وهذا يفيد المزارعين على معرفة ما إذا كانت المياه والأسمدة تصل بشكل مناسب إلى كل المساحة المزروعة، والطريقة تتم من خلال مراقبة الأشعة تحت الحمراء المنبعثة من الشمس والمنعكسة عن أوراق النباتات.

وفي مجال المحيطات يختص أحد الأقمار الصناعية في مراقبة ملوحة البحار، حيث إنها تختلف من مكان لآخر، وهذا يسهم في معرفة مقدار تدفق مياه الأنهار إلى المحيطات، ومعرفة معدل ذوبان الجليد في المناطق القطبية، وأيضا كمية المياه التي تتبخر من البحار، كما أن هناك قمرا صناعيا مخصصا لقياس ارتفاع سطح البحر من مكان لآخر، والغرض هو فهم حركة تيارات البحر، ومراقبة مدى ارتفاع مستوى سطحه، وهو أمر أصبح يؤرق المدن الساحلية حول العالم.

وفي الدول التي يشيع فيها حدوث العواصف الترابية، تشكل مراقبة رطوبة التربة أهم عامل للتنبؤ بحدوث هذه العواصف، وتفيد كذلك في التنبؤ بحدوث الانهيارات الطينية المدمرة في حالة تشبع التربة بالرطوبة.

أما على مستوى قياس التغيرات التي تحدث في الكوكب نتيجة انبعاثات الكربون، فهناك أكثر من قمر صناعي تم إطلاقه لدراسة أماكن انبعاث الكربون وأماكن امتصاصه، ومعرفة ما هي أفضل الوسائل التي يمكن أن تتبعها الدول لخفض هذه الانبعاثات.

وقبل حوالي عقدين من الزمن أطلقت الولايات المتحدة بالتعاون مع ألمانيا زوجين من الأقمار الصناعية، كان الغرض العلمي لهما هو قياس التغيرات في مجال الجاذبية في كوكبنا؛ لأنه من المعلوم لدى المجتمع العلمي أن قوة الجاذبية تحددها الكتلة المولدة لها، لذلك كان قياس اختلاف الجاذبية مفتاحا مهما لمعرفة كيفية توزيع الكتل حول العالم وكيفية انتقالها من مكان لآخر على مدى السنين.

كشف الألغاز العلمية

وهناك الكثير من الإجابات العلمية التي أجابت عليها الأقمار الصناعية من الفضاء بعد أن شكلت لغزا محيرا لفترات طويلة، فمثلا، تمثل غابات الأمازون رئة كوكب الأرض بسبب خصوبتها الشديدة التي تحتضن ملايين الأنواع من النباتات، لكن الغريب هو أن تربة هذه الغابات لا تحتوي على عنصر غذائي مهم، وهو الفوسفور، فلم يكن معروفا من أين تحصل أشجار الأمازون على حاجتها منه، حتى أوجدت الأقمار الصناعية إجابة أكيدة وغير متوقعة، وهو أن الرياح تحمل سنويا ملايين الأطنان من غبار الصحراء الكبرى في شمال أفريقيا الغني بالفوسفور لآلاف الكيلومترات وتلقيه في حوض الأمازون، لتتلخص الإجابة في أن أخصب بقعة على وجه الأرض تغذيها في الواقع أفقر بقعة عليها.

وفي بحث نشرته وكالة ناسا مؤخرا، وجدت فيه أنها استنتجت من خلال بيانات أرصاد الأرض المتراكمة منذ سبعينيات القرن الماضي أن هناك ظروفا جوية معينة تسبق انتشار أسراب الجراد المدمرة في شمال شرق أفريقيا، وهذا الاستنتاج يتيح معرفة موعد انتشار هذه الأسراب قبل مدة لا تقل عن ثلاثة أسابيع، وهي مدة كافية للقضاء على الأسراب في مهدها قبل انتشارها وتسببها في تدمير الغطاء النباتي لمساحات شاسعة.

ثمار اقتصادية

أما في الوقت الحالي وبعد أن تطورت الأقمار الصناعية وأصبحت هناك الكثير من الشركات التي توفر بياناتها أو تهتم بتحليل هذه البيانات، ظهرت استخدامات لا حصر لها تدر المليارات لأصحاب هذه الشركات، فمثلا، أطلقت إحدى الشركات حوالي 200 قمر صناعي صغير لتوفير تصوير متواصل لكامل كوكب الأرض كل يوم، وهذه البيانات الهائلة فتحت شهية المختصين في مجالات الأعمال والبيئة والأمن وغيرها على استخدامها واستثمارها. فمثلا، قامت إحدى الشركات بتوفير خدمة التأمين على البذور للمزارعين في إحدى الدول الأفريقية كي تعوضهم بقيمتها في حالة عانوا من نقص الأمطار خلال موسم الزراعة. كما أن هناك شركة أصبحت توفر خدمة لأصحاب الأحواض المائية لمراقبتها من الفضاء وإشعارهم بموعد تعقيمها في حالة وجود أي بوادر على ظهور الطحالب أو الملوثات فيها.

كل هذه الاستخدامات هي عينة بسيطة من أفق استخدام بيانات الأقمار الصناعية التي باتت أحد أكبر محركات الاقتصاد العالمي في العصر الحديث، التي من الواضح أنه لا يوجد سقف محدد لاستخداماتها وما يمكن أن توفره من حلول وأجوبة لمختلف مشاكل الكوكب وألغازه.

عيسى سالم آل الشيخ

مؤسس مبادرة ناسا بالعربية

عضو مجلس إدارة الجمعية الفلكية العمانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الأقمار الصناعیة من خلال

إقرأ أيضاً:

هيئة الاستشعار: مصر تمتلك تكنولوجيا وطنية تؤثر على مستقبل تصنيع الأقمار الصناعية ومداراتها

 أكد القائم بأعمال رئيس قسم ديناميكا لأجسام الفضائية والتحكم، والقائم بأعمال رئيس شعبة علوم الفضاء والدراسات الإستراتيجية بالهيئة القومية للاستشعار عن بُعد وعلوم الفضاء الدكتور تامر مكي، امتلاك مصر العديد من التكنولوجيات الوطنية بالكامل الخاصة بخوارزميات المُستشعر المغناطيسي والتي تُستخدم على الأقمار الصناعية، والتي تؤثر على مستقبل تصنيع نظام التحكم في وجهة الأقمار الصناعية المصرية ومداراتها.


وكشف مكي، في التقرير الذي رفعه للدكتور إسلام أبو المجد رئيس الهيئة لاستعراض عدد من إنجازات القسم خلال الفترة الماضية، عن فائدة استخدام تلك التكنولوجيات الحديثة الخاصة بخوارزميات المُستشعر المغناطيسي والتي تؤدي إلى خفض كبير في تكلفة نظام التحكم في وجهة الأقمار الصناعية، وزيادة دقة توجيه الأقمار الصناعية بشكل كبير، وإطالة العمر الافتراضي والاعتمادية لنظام تحديد الوجهة بشكل كبير مما يُطيل من العمر الافتراضي للقمر الصناعي ككل.


وأضاف أن تلك التكنولوجيا تساهم في خفض كبير في استهلاك الطاقة بالأقمار الصناعية، وخفض وزن الأقمار الصناعية مما يعني خفض تكلفة الإطلاق وتكلفة مُحركات الأقمار الصناعية، وزيادة قدرة القمر الصناعي على إجراء مناورات دوران كبيرة دون أي مشاكل، وتحسين أداء الحاسب الآلي الموجود بالقمر الصناعي.


وأوضح أن مصر هي أول دولة في العالم تمتلك تكنولوجيا تحديد وجهة الأقمار الصناعية بشكل عالي الدقة باستخدام المُستشعر المغناطيسي، وقد تلقى ذلك الإنجاز دعمًا من عدة جهات أجنبية بعد إنجازه نظرًا إلى أهميته وجودته العالية، كما تعد مصر ثالث دولة في العالم تمتلك تكنولوجيا وطنية بالكامل؛ لتحديد مواقع الأقمار الصناعية باستخدام المُستشعر المغناطيسي، مؤكدا أن هذه التكنولوجيا لا يمكن شراؤها.


ونوه إلى إنجازات القسم على صعيد تكنولوجيا الأقمار الصناعية القريبة من الأرض، والتي تستخدم في أغراض الدولة التنموية المختلفة، حيث تمتلك مصر العديد من التكنولوجيات المُتقدمة الوطنية الخاصة بخوارزميات الذكاء الاصطناعي الذي يُمثل مُستقبل تصميم نظام التحكم في وجهة الأقمار الصناعية ومدارها في العالم.


وأوضح أن هذه التكنولوجيا تؤدي إلى تحسين كبير في أداء نظام التحكم في وجهة الأقمار الصناعية ومدارها كما تؤدي إلى تحسين كبير في أداء الحاسب الآلي الموجود على متن الأقمار الصناعية أثناء التشغيل، حيث يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين تصميم نظام التحكم في وجهة القمر الصناعي، وتحسين تصميم نظام التحكم في مدار القمر الصناعي، والتنبؤ بوجهته ومداره إلى جانب مُحاكاة مدار القمر الصناعي.


ومن جانبه، أكد الدكتور إسلام أبو المجد رئيس الهيئة أهمية دور المراكز البحثية الوطنية كبديل فاعل لاستيراد التكنولوجيا من الجهات التكنولوجية الأجنبية خاصة مع التقدم العلمي العالمي المُتسارع، وحجب بعض التكنولوجيات التي لا يمكن شراؤها مهما عُرض مقابلها من مبالغ مالية، وهو ما يؤكد أهمية استمرار تقديم الدعم للبحوث العلمية المتميزة التي يكون لها مردود علمي واقتصادي، وذلك بما يدعم جهود الدولة المصرية لإحداث طفرة تنموية شاملة بمختلف القطاعات لتحسين حياة المواطنين ودعم الصناعة والاقتصاد الوطني.


وأشار إلى قيام الباحثين في الهيئة بنشر أحد الأبحاث التي تتناول استخدام الذكاء الصناعي في الأقمار الصناعية، لافتًا إلى نشر أحد الأبحاث الخاصة بالمستشعر المغناطيسي والتي تحظى بالدعم على المستوى الدولي.


وأكد تشجيع ودعم الهيئة القومية للاستشعار من البُعد وعلوم الفضاء للباحثين لنشر الأبحاث العلمية في كُبرى المجلات العلمية المرموقة، وذلك بما يتماشى مع تحقيق أهداف الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي.
 

مقالات مشابهة

  • «عدسة عمان»: إطلاق كوكبة من الأقمار الصناعية العمانية خلال السنوات الـ5 القادمة
  • صعوبة في التكيف.. رواد الفضاء يتعلّمون العيش على الأرض مجددًا
  • السودان يرد على الإمارات أمام الأمم المتحدة ومجلس الأمن ببيانات الأقمار الصناعية الأمريكية
  • صور الأقمار الصناعية تكشف مفاجأة حوثية في مطار وميناء الحديدة
  • الأقمار الصناعية ترصد الفيضانات المدمرة في إسبانيا من الفضاء
  • سبيس إكس تطلق 24 قمرا صناعيا جديدا من طراز ستارلينك إلى الفضاء
  • رسالة أريسيبو.. 50 عاماً على أول نداء كوني للبشرية
  • الأقمار الصناعية ترصد إنشاء الاحتلال منطقة عازلة بالجولان.. والأمم المتحدة تعدّه انتهاكا
  • هيئة الاستشعار: مصر تمتلك تكنولوجيا وطنية تؤثر على مستقبل تصنيع الأقمار الصناعية ومداراتها
  • الأقمار الصناعية تكشف تعديًا للاحتلال على المنطقة العازلة مع سوريا