كثيرا ما نغالي في تقدير قدرة التكنولوجيا على حل المشكلات العالمية. لكن عندما يتعلق الأمر بإنقاذ العالم من ضربات الكويكبات، قد تثبت بعض سطور الشيفرات أنها منقذنا الحقيقي.

يشرف علماء الفلك على التلسكوبات الفضائية التي تمسح السماء بحثا عن صخور فضائية شاردة، لكن تحركاتها المنتظمة تقوم على الآحاد والأصفار.

وفي ظل شسوع السماء الغائمة، يعتمد العلماء على خوارزميات في رصد الأجسام المريبة والسريعة، ومنها الكويكبات التي قد تمثل تهديدا لكوكب الأرض.

تحتاج الخوارزميات التقليدية إلى أربع صور للجسم المتحرك، يجري التقاطها خلال ليلة واحدة، وذلك للتأكد مما إذا كان صخرة فضائية حقيقية. لكن البرنامج الجديد الذي أنشأه باحثون في جامعة واشنطن يقلل عدد الملاحظات الليلية اللازمة بمقدار النصف، مما يعزز قدرة المراصد على التعرف السريع على هذه المقذوفات الحجرية. وقد تبين بالفعل للبرنامج، المسمى بهليولينك ثلاثي الأبعاد [HelioLinc3D] أن المسوحات القديمة قد غفلت عن كويكب قريب من الأرض.

فمن خلال تحليل البيانات المأخوذة من مسح أطلس الذي تموله وكالة ناسا (وأطلس هو نظام التنبيه الأخير لاصطدام الكويكبات الأرضية)، اكتشف البرنامج كويكبا فشل أطلس والمسوحات المماثلة له في رؤيته، ويبلغ طول الكويكب 600 قدم، وهو من النوع القادر على تدمير مدينة كبيرة.

تم تصنيف الكويكب الذي يحمل اسم س ف 289/2022 [2022 SF289] في فئة الكويكبات «محتملة الخطورة» بناء على حجمه وقربه. ولكن على الرغم من أن أقرب اقتراب لهذا الكويكب يقع على بعد 140 ألف ميل من مدار الأرض، أي نصف المسافة إلى القمر، فلا يوجد خطر اصطدام خلال القرن المقبل ومن المحتمل جدا أن لا يوجد خطر اصطدام خلال عدة آلاف من السنين القادمة.

لن يعزز هليولينك ثلاثي الأبعاد فقط جهود مسوح الكويكبات الموجودة مسبقا. فقد تم تصميمه خصيصا لمرصد فيرا سي روبين في شيلي. وسوف ترى مرآة المرصد الضخمة والكاميرا الضخمة والعين الممتدة كل شيء تقريبا في سماء الليل بتفاصيل غير مسبوقة، من النجوم المنهارة البعيدة إلى الكويكبات التي تسبح في المياه الخلفية لمجرتنا.

على أمل فهرسة أكبر عدد ممكن من الأجسام، تم تصميم تلسكوب روبن لاكتساح السماء بسرعة كل ليلة. ودون هليولينك ثلاثي الأبعاد، لن يتمكن المرصد من الكشف عن حي الكويكبات المحيط بكوكبنا. «والدليل على ذلك هو اكتشاف اسم س ف 289/2022» كما قال آري هاينزي المطور الرئيسي لشركة هليولينك ثلاثي الأبعاد والباحث بجامعة واشنطن.

لقد عثرت عائلة تلسكوبات المسح لصيد الكويكبات على أكثر من اثنين وثلاثين ألف كويكب قريب من الأرض حتى الآن. وأغلب هذه الكويكبات القادرة على إلحاق دمار على نطاق الكوكب كله قد تم العثور عليها لأنه من الأسهل اكتشاف الصخور الكبيرة المتلألئة في ضوء الشمس.

أما الكويكبات التي يبلغ طولها 460 قدما على الأقل -أي تلك القادرة على تدمير المدن أو البلدات الصغيرة في حال اصطدامها بالأرض- فهي أكثر شحوبا بكثير ومن هنا يصعب تحديد موقعها. وفي الغالب لا يجري اكتشافها في الوقت الراهن، حيث تم العثور على حوالي 10500 من إجمالي العدد المتوقع البالغ 25000 تقريبا.

الصور الأربع في الليلة الواحدة اللازمة لخوارزميات المسح التقليدية لاكتشاف الكويكبات لم تكن تتيسر دائما بسبب الظروف الجوية القاسية أو الشحوب الشديد للجسم أو حضور وهج نجم أو مجرة أكثر إشراقا. وبالتالي يمكن التقاط كويكب في صور استقصائية متعددة عبر ليال عديدة دون أن يتم التعرف عليه ـ وليس هذا بالمثالي للدفاع عن كوكبنا.

يستطيع مرصد روبن، الذي ينتظر أن يبدأ في عام 2025 مسحه للسماء طوال 10 سنوات، أن يرى أجساما شديدة الشحوب، ومنها الكويكبات القادرة على تدمير المدن. وباستخدام هليولينك ثلاثي الأبعاد، يحتاج المرصد إلى صورتين فقط كل ليلة، عبر ثلاث ليال مختلفة وغير متتالية، لتأكيد وجود كويكب.

قال ماريو جوريتش، عالم الفلك في جامعة واشنطن ورئيس فريق مشروع هليولينك ثلاثي الأبعاد: «إننا احتجنا إلى مائتي عام لننتقل من كويكب واحد معروف إلى مليون، وبناء على الموعد الذي نبدأ فيه، سوف نحتاج إلى ما بين ثلاثة أشهر وستة لمضاعفة هذا الرقم».

قالت ميج شوامب، عالمة الفلك بجامعة كوينز بلفاست، وغير المشاركة في هذا العمل، إن أدوات الجيل القادم من روبن لن تصنف الكويكبات فحسب، بل و«جميع الأجسام المتحركة»، ومنها المذنبات والعوالم الجليدية من وراء نبتون والكيانات بين النجمية.

وأضافت أن مرصد روبن سيكون آلة للاكتشافات، وأن هليولينك ثلاثي الأبعاد «هو محرك هذه الآلة التي ستعيد كتابة النظام الشمسي» وأملنا هو أن نكتشف عددا لا يحصى من الجزر، داخل ذلك البحر الخالي المظلم، وأن نكتشف جميع البقايا الخادعة من لحظة خلق النظام الشمسي.

جريدة «نيويورك تايمز»

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الخيال يخرج إلى الواقع.. هولوجرام يمكن لمسها وتحريكها

بفضل التطور الكبير في تقنيات الواقع المختلط، أصبح الخيال العلمي حقيقة على أرض الواقع، ولوقت قريب كان حكراً على أفلام الخيال العلمي. في دراسة حديثة نُشرت على أرشيف HAL ​​المفتوح، بحث العلماء في إمكانية لمس الهولوجرامات ثلاثية الأبعاد والتفاعل معها باستخدام مواد مرنة كعنصر أساسي في شاشات العرض المجسمة.مايعني أنه بات بالإمكان لمس مكعب افتراضي وتحريكه بيدك كأنه شيء حقيقي، وعرض العلماء هذه التقنية بفيديو يوضحها.بحسب موقع "Live Science".



وبذلك انتقل التصوير المجسم القابل للتحكّم المادي من عالم الخيال العلمي إلى عالم الواقع بفضل طفرة في تقنية الواقع المختلط.

في هذه الدراسة الجديدة، استكشف العلماء كيفية لمس الصور المجسمة ثلاثية الأبعاد باستخدام مواد مرنة كمكون أساسي في شاشات العرض المجسمة.

هذا الابتكار يعني إمكانية التفاعل مع الرسومات ثلاثية الأبعاد من دون الإضرار بنظام الصور المجسمة. ومازال هذا الابتكار في طور الدراسة.

وفق الدكتور أسيير مارثوو، الباحث الرئيسي في الدراسة وأستاذ علوم الحاسوب في جامعة نافارا العامة؛ فقد أصبح  التفاعل المباشر مع الهواتف معتاداً، مثل الضغط على زر أو سحب مستند مباشرة بإصبع اليد على الشاشة- وهذا التفاعل طبيعي وبديهي بالنسبة لنا-.. تمكننا هذه التقنية الجديدة من استخدام هذا التفاعل الطبيعي مع الرسومات ثلاثية الأبعاد لتعزيز قدراتنا الفطرية على الرؤية ثلاثية الأبعاد والتحكم بها، مايعني أن التقنية الجديدة ستسمح لنا بالتحكم بالعالم الافتراضي وكأنه شيء ملموس.

وسيعرض الباحثون نتائجهم في مؤتمر CHI حول العوامل البشرية في أنظمة الحوسبة في اليابان، والذي يُعقد بين 26 أبريل و1 مايو.

ماهو الهولوجرام ؟
الهولوجرام أو ما يعرف بالصورة المجسّمة، هو تقنية تصويرية تقوم بتسجيل الضوء المنبعث من جسم ما، ومن ثم عرضه بطريقة تظهر أبعاده الثلاثة.

 تشمل أشكال التفاعل الممكنة مع الهولوجرامات الإمساك وسحب الأجسام الافتراضية ثلاثية الأبعاد، بطريقة مشابهة للنقر وسحب الأيقونات على شاشة الهاتف الذكي ثنائية الأبعاد.
إنجاز علمي
 الصور المجسمة ليست جديدة في الوقت الحاضر، حيث يُمثّل البحث الجديد المرة الأولى التي يُمكن فيها التحكم في الرسومات ثلاثية الأبعاد في الهواء بأيدي البشر. ولكن لتحقيق ذلك، احتاج الباحثون إلى التعمق في كيفية عمل الهولوجرام في المقام الأول.

يوجد في قلب شاشات العرض الحجمية التي تدعم الهولوجرام ناشر. وهو عبارة عن صفيحة سريعة التذبذب، صلبة عادةً، تُعرض عليها آلاف الصور بشكل متزامن على ارتفاعات مختلفة لتشكيل رسومات ثلاثية الأبعاد. يُعرف هذا باسم الهولوجرام.

أخبار ذات صلة جوجل تتحدث مع الدلافين.. ذكاء اصطناعي يفك شيفرة تواصل عالم المحيطات باحثون صينيون يطرحون طريقة جديدة للتنبؤ الذكي بالرياح قصيرة المدى

ومع ذلك، فإن الطبيعة الصلبة للمذبذب تعني أنه في حال ملامسته يدًا بشرية أثناء تذبذبه، فقد ينكسر أو يُسبب إصابة. كان الحل هو استخدام مادة مرنة – لم يكشف الباحثون عن تفاصيلها – يمكن لمسها دون إتلاف المذبذب أو التسبب في تدهور الصورة.

هذا الحل مكن المستخدمين من التحكم في الصورة المجسمة، مع أن الباحثين احتاجوا أيضًا إلى التغلب على مشكلة تشوه المادة المرنة عند لمسها. ولتجاوز هذه المشكلة، طبّق الباحثون تصحيحًا للصورة لضمان عرض الهولوجرام بشكل صحيح.

تطبيقات مذهلة في التعليم والمتاحف:

هذا الاكتشاف لا يزال في مراحله التجريبية، وهناك العديد من الطرق المحتملة لاستخدامه في حال تسويقه تجاريًا؛خاصة في البيئات الجماعية مثل الصفوف الدراسية أو الورش التعليمية.

 

ففي مجالات التعليم، مثلاً: يمكن تفكيك محرك سيارة وتجميعه يدويًا داخل الفصل، من دون الحاجة لنظارات أو أدوات خاصة.

أما في المتاحف فيمكن أن تكون هذه الشاشات مفيدة بشكل خاص، على سبيل المثال، يمكن للزوار ببساطة الاقتراب من المحتوى والتفاعل معه.ما يخلق زيارة تفاعلية وممتعة للكبار والصغار.

وصرح الباحثون في بيانهم بأن شاشات العرض، كالشاشات والأجهزة المحمولة، لها استخدامات عديدة في حياتنا للعمل والتعلم والترفيه. والرسومات ثلاثية الأبعاد القابلة للمعالجة المباشرة  لها  أيضاً تطبيقات واسعة في عدة مجالات.علاوة على ذلك، يمكن لعدة مستخدمين التفاعل بنفس اللحظة من دون الحاجة إلى نظارات الواقع الافتراضي.

أحد أهم ميزات التقنية الجديدة إنها لا تحتاج إلى نظارات واقع افتراضي، ولا أجهزة إضافية، فقط شاشة العرض والتحريك بيدك، فهي واعدة جدًا، وتفتح أبواباً ضخمة لمستقبل جديد في التعليم الطبي والتدريب الجراحي والتصميم الهندسي ثلاثي الأبعاد والألعاب التفاعلية الواقعية والتسوق التجريبي داخل المتاجر الافتراضية.

لمياء الصديق (أبوظبي)

مقالات مشابهة

  • والي العيون: العالم الآخر يضغط لمقاطعة الانتخابات في الصحراء التي نبنيها دون السعي لنصبح قوة ضاربة
  • وزير الصحة الإيطالي يزور “التخصصي” ويطّلع على برامج رعاية القلب وزراعة الأعضاء
  • ابن حزم الأندلسي.. العالم والفقيه والشاعر الذي أُحرقت كتبه
  • رئيس الجمعية العامة: يجب مكافحة العبودية الحديثة التي يرضخ لها 50 مليون شخص حول العالم
  • الأبعاد الدبلوماسية.. نهج "عُمان المتجددة"
  • وليد مختار: السوق العقاري في حاجة لتنظيم عاجل وتصنيف واضح للمطورين
  • الخيال يخرج إلى الواقع.. هولوجرام يمكن لمسها وتحريكها
  • تيلستار.. القمر الصناعي الذي غيّر شكل كرة القدم
  • أفضل مشروبات طبيعية لأيام شم النسيم
  • رابطة العالم الإسلامي تُدين الهجمات التي تعرّضت لها مخيمات النازحين حول مدينة الفاشر بالسودان