لجريدة عمان:
2024-11-23@04:45:06 GMT

النانو وتقنية المواد المتناهية في الصغر

تاريخ النشر: 20th, September 2023 GMT

النانو وتقنية المواد المتناهية في الصغر

تسارع وتيرة العلوم في القرنين الماضيين، كان نتاج كم هائل من الأبحاث المتخصصة والدقيقة في المجالات المعروفة والمغمورة، ولأن من أهم لبنات منهجية البحث العلمي وبخاصة التجريبي منه هو دراسة العلاقات بين المتغيرات الخارجية بين المواد فإن دراسة البنية الداخلية للمواد وتأثير ذلك على خصائص المادة حسب حجمها أو نظم ترتيب ذراتها الداخلية وتفاعلها مع محيطها يعد ثورة مهمة في التحكم بهذه المواد والقدرة على إنتاج خصائص مذهلة وتطبيقات رائعة.

ترتيب الذرات في المواد التي يستخدمها الباحث يلعب دورا أساسيا في النتيجة المرجوة؛ لأن خصائص كل مادة تعتمد على انتظام ونوع وحجم ذراتها داخل نظام يسمى بالبلورة، فمثلا يتكون الفحم (Graphite) والماس (Diamond) من ذرات الكربون رباعية التكافؤ نفسها ولكن يمكن سحق الفحم بسهولة بعكس الماس الصلب، بالإضافة إلى أن الماس شفاف في حين أن الفحم معتم أسود اللون.

وتتميز بعض المواد بجودة توصيل الكهرباء كالنحاس والحديد والبعض تستخدم كعوازل مثل السيراميك ومنها ما هو شبه موصل كالسيليكون والجرمانيوم التي يصنع منها الترانزستور وهذه المواد توصيليتها للتيار الكهربائي ليست عالية لذلك تتم إضافة مواد أخرى للزيادة التوصيلية بما يسمى بعملية التطعيم (Doping)، فمثلا يعتبر السيليكون (Si) رباعي التكافؤ ولكي يرفع من توصيليته للتيار الكهربائي ينبغي أن يطعم بذرات خماسية كذرات الزرنيخ (Ar) أو الفسفور(P).

ومع استمرار حركة البحث العلمي أصبح الهدف هو تصنيع الأصغر والأكفأ والأرخص، فمثلا الذاكرة الأم في الحاسوب (Mother Board) تقلصت مساحتها بشكل كبير خلال الثلاثين سنة الماضية، وتضاعفت قدرة المعالجات بصورة كبيرة، حيث كان الهدف دائما حجم أصغر لعدد كبير جدا من الدوائر المتكاملة.

والسؤال الكبير هل تصغير المواد أي تقليل عدد الذرات المترابطة والتحكم بها ممكن أن ينتج مواد ذات مواصفات خاصة؟

وللإجابة على هذا السؤال جاء هذا المقال الذي يضع بين يدي القارئ الكريم في هذا العدد في جزئه الأول التعريف بتقنية النانو بذكر تاريخها العلمي والإشارة إلى بعض مواد النانو الموجودة في الكائنات الحية، وبإذن الله سنناقش في العدد القادم الجزء الثاني الذي يحوي طرق تصنيع وفحص مواد النانو وذكر بعض التطبيقات المهمة لهذه المواد في الصناعة، وفي النهاية سنتحدث عن مستقبل هذا العلم ودوره في قيادة التكنولوجيا الحديثة.

ولفهم أهمية هذه التقنية لنلق نظرة تاريخية حول استخدام مواد النانو حتى قبل أن يحددها العلماء.

الرومان صنّاع الزجاج -مثلا- قاموا بصنع كأس زجاجية أسموها بكأس لايكورجس (Lucurgur) لتخليد ذكراه في القرن الرابع الميلادي وهذه الكأس معروضة الآن في المتحف البريطاني بلندن كما بشكل (1)، إن الذي يميز هذه الكأس هو أن لونها يتغير من الأخضر إلى الأحمر الداكن عندما تضاء من الداخل، وعند دراسة مكوناتها حديثا وجد أنها تتكون من جير الصودا (Soda Lime Glass) بالإضافة إلى مواد دقيقة من الفضة والذهب ذات الحجم النانومتري.

واستخدم الحرفيون -في فترة ترجع إلى القرن التاسع الميلادي في بلاد ما بين النهرين- بعضا من أنابيب النانو دون قصد في السيوف الدمشقية مما يعتقد أنه هو الذي أكسبها قوة وحدة لا نظير لها، حيث اشتهرت هذه السيوف في الحروب الصليبية، هنا لا نقول إن تقنية النانو كانت معروفة ولكن من خلال التجارب الكثيرة على تسخين الحديد في الفحم وطرقه عدة مرات يتوصل الحدادون إلى طرق توصلهم إلى السيف الأكثر حدة، ولكن مؤخرا، وفي دراسة علمية تم فحص نصل أحد السيوف، وتم الكشف عن وجود أنابيب الكربون النانوية.

وقد ألقى البروفيسور ريتشارد فاينمان3 (P. Richard Feynman) الحاصل على جائزة نوبل عام 1965 محاضرته الشهيرة المعنونة بـ(There is plenty of room at the bottom) في اجتماع الجمعية الفيزيائية الأمريكية قبل حصوله على نوبل بست سنوات، حيث تحدث عن احتمال تصنيع مواد نانومترية ذات تأثيرات خاصة، كما واقترح فاينمان إمكانية التحكم بالذرات بشكل منفرد وذلك لصنع مواد جديدة ذات خصائص مميزة ومختلفة كليا عما هو معروف، ومن الجدير بالذكر أن البعض سخر من محاضرة فاينمان آنذاك وهذا ما أكده بنفسه في كتابه الشهير (أكيد أنك تمزح يا سيد فاينمان) (Surely you’re Joking, Mr Feynman).

أما في عام 1981م فاستخدمت طريقة الليزر المركز عالي الطاقة (High powered focused laser) لتبخير الفلزات إلى أيونات أو بلازما ساخنة (Hot Plasma) ثم تبرد هذه البلازما ببخار الهيليوم السائل وتتكثف إلى الحالة الصلبة مرة أخرى مكونة عناقيد نانوية (Clusters).

وفي 1985م استخدمت هذه الطريقة لإنتاج الفلورين (Fullerene) وهو عبارة عن 60 ذرة من الكربون مترابطة على شكل كرة قدم (C60)، وفي الفترة نفسه تم اختراع جهاز (Scanning Tunneling Microscope) ويرمز له (STM) بواسطة (G. K. Binnig) و (H. Roher) وكان هذا الاختراع سببا في حصولهما على جائزة نوبل عام 1986م، حقيقة أن اختراع (STM) ومجهر القوى الذرية (Atomic Force microscope) ويختصر -(AFM) السابق له- كان لهما الدور الكبير في رؤية ودراسة خصائص المواد النانومترية بالإضافة إلى التحكم بتحريك الذرات وتشكيل بلورات جديدة.

وفي هذا الإطار وبعيدا عن الحواسيب كان العالم لجيما (1Iijima) في عام 1991م يقوم بتجربة علمية على قضيبين من الكربون (Graphite) حيث أوصل كليهما بجهد عال تحت ضغط معين، ثم وجد تراكم كمية بسيطة من الكربون عند القطبين فأخذها للمعاينة تحت المجهر الإلكتروني، هناك لم يصدق عيناه حينما رأى أنابيب صغيرة جدا من الكربون سموها Carbon nanotubes قطرها أقل من 100 نانومتر.

إن المدهش في الأمر أن أنابيب الكربون النانوية لديها خصائص تختلف تماما عن الكربون في الحجم العادي، حيث إنها تتميز بقدرة عالية لتوصيل التيار الكهربائي يفوق 10 مرات توصيلية النحاس وكذلك تتميز بأن لها صلابة تفوق الفولاذ بمائة مرة.

وشهد بعدها العالم نقلة نوعية عام 2004 باكتشاف غاية في الأهمية وهو القدرة على عزل طبقة واحدة من الجرافيت وهذه الطبقة تسمى الجرافين Graphene على يد أندريه جايم وكونستانتين نوفوسيلوف -اللذين حازا نظير ذلك على جائزة نوبل بالفيزياء في عام 2010 وهما عالمان إنجليزيان من أصل روسي.

مواد النانو في الكائنات الحية

خلق الله تعالى مدرسة قائمة يتعلم منها الباحثون والأمثلة التي سنذكرها هنا هي غيض من فيض، فكثير من الأوليات والنباتات والحيوانات مسلحة بكثير من الممكنات والخصائص التي تجعل العقل البشري يقف عندها متأملا ومتعلما ومستفيدا في كثير من التطبيقات النافعة.

فعلى سبيل المثال الفراشة الظاهرة في الشكل (2) ذات الألوان الجميلة والبراقة والمتداخلة يوجد في سطح جناحها فراغات مسافاتها بين 100-1000 نانومتر وتسمى بلورات ضوئية طبيعية ينتج عنها اللون الأزرق اللامع. لا وجود للأصباغ هنا ولكن تقوم الهياكل النانوية كوسيلة للتحكم في تدفق الضوء ومعالجته وهو أمر مهم جدًا في تدرج الألوان حسب زوايا سقوط الضوء ومسافات هذه الفراغات.

وقد أثار أبو بريص أو ما نسميه بالدارجة «اللغة» كما في الشكل (3) اهتمام الباحثين لفترة طويلة بسبب قدرته على التشبث بالأسطح الملساء، فقدم هذا المخلوق تستطيع أن تلتصق بأي سطح بقوة بدون وجود أي غراء أو لصق وتتحرر أيضًا منه بسهولة. مؤخرًا أظهرت الدراسات أن للقدم أنها مغطاة بنتوءات صغيرة طويلة تسمى شعيرات، وكل شعيرة مغطاة بآلاف من الواقيات الطويلة التي يبلغ طولها 200 نانومتر. ترجع قدرة أبو بريص على التسلق على طول الجدران والأسقف إلى مزيج من هذه الإسقاطات النانوية الصغيرة جدا التي تجد مساحات دقيقة في السطح تلتصق بها بسبب القوى الكهروستاتيكية الفيزيائية مثل قوى فان دي فال (القوى بين الجزيئات) بين القدم والسطح!

وبعد هذه المقدمة العامة والعرض التاريخي لتقنية النانو وذكر بعض خصائص المواد النانوية وأمثلة من الكائنات الحية سيشمل العدد المقبل -إن شاء الله- الجزء الثاني الذي سيسعى لتوضيح كيفية تصنيع مواد النانوية، وأهم التطبيقات الصناعية بالإضافة إلى مستقبل التقنية في التقدم العلمي والصناعي.

د. ماجد بن سالم الرقيشي

أستاذ الفيزياء المساعد ورئيس شعبة الفيزياء بجامعة نزوى

تقنية النانو Nanotechnology

تعريف مبسط:

دراسة خصائص المواد متناهية الصغر ذات قطر أقل من 100 نانومتر وتطبيقاتها العملية، تتميز هذه المواد بزيادة الذرات السطحية مقارنة بالذرات الداخلية المكونة لجسم مادة النانو وهذا ما يرفع من تفاعل المادة مع محيطها وكذلك يزيد من خصائصها الإلكترونية والميكانيكية والبصرية.

النانومتر:

رقم يساوي جزء من المليار من المتر أو m 10-9 أو 1nm ، ولكي نتخيل هذا المقياس المتناهي في الصغر فإننا لو قسمنا المتر الواحد إلى مليار جزء فإن الواحد نانو هو ذلك الجزء الواحد من هذا المليار.

المواد النانوية:

المواد التي تتغير خصائصها بتغير حجمها وعادة ما يحدث هذا في حجم 1-100 نانومتر.

هل تعلم:

• تنمو أظافر أصابع الإنسان 1 نانومتر يوميا وكذلك يبغ قطر DNA المادة الوراثية 2.5 نانوميتر.

• القوانين التي تحكم المواد في القياس العادي تختلف عن القوانين التي تحكم مواد النانو فمثلا نحتاج لاستخدام فيزياء الكم لفهم حركة الإلكترونات ودراسة خصائصها الكهربية والبصرية في عالم النانو.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بالإضافة إلى هذه المواد من الکربون

إقرأ أيضاً:

الوكالة الدولية: المحطات النووية تنتج ربع الطاقة منخفضة الكربون في العالم

أكد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل ماريانو جروسي، أن المؤتمر التاسع والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (cop29) في باكو شهد مناقشات مثمرة، وتبنى تحديث العلوم والتكنولوجيا النووية وتطبيقاتها للتخفيف من التحديات الأكثر أهمية التي نواجهها والتكيف معها.


وقال جروسي، في كلمته اليوم الأربعاء، خلال افتتاح أعمال مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية - "إن لدينا الأدوات المهمة في قضية المناخ، ومنها محطات الطاقة النووية التي تنتج ربع الطاقة المنخفضة الكربون في العالم إلى العلوم النووية التي خلقت مئات من أصناف المحاصيل الجديدة القادرة على النمو بشكل موثوق ووفرة الإنتاج حتى في المناخ القاسي". 


وأضاف: "عندما أنظر إلى تقدم المبادرات الرئيسية للوكالة الدولية للطاقة الذرية التي أطلقناها معا في السنوات الخمس الماضية، وإلى عمل برنامج التعاون الفني لدينا، فأنا متفائل، وأعلم أنكم كذلك"، مشيرا إلى أنه خلال الأسبوع المقبل، سيستضيف مقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا المؤتمر الوزاري للعلوم والتكنولوجيا النووية وتطبيقاتها وبرنامج التعاون الفني.


ونوه جروسي بأن المؤتمر سوف يبين تأثير عملنا في مجال البحث العلمي وبناء القدرات وخلق الوعي بأهمية العلوم والتكنولوجيا النووية في التنمية، وبالتالي تشجيع الشراكات وتعبئة الموارد، موضحا أن الغذاء والزراعة والصحة والتغذية يشكل نصف برنامج التعاون الفني الأساسي للوكالة الدولية للطاقة الذرية لعام 2025.. وشدد على ضرورة تحقيق مستويات السلامة الأساسية للاستخدام المستدام للتكنولوجيا النووية.

مقالات مشابهة

  • وكيل «تضامن كفر الشيخ»: منح قروض لمشروعات التمكين الاقتصادي متناهية الصغر
  • 19 علاجا طبيعيا لحساسية الجلد والحكة في الشتاء.. حلول آمنة للكبار والأطفال
  • وزير التجارة يصدر قرارا بتنظيم صرف مواد البناء المدعومة وتحقيق أقصى استفادة للمواطنين
  • الكويت .. قرار مهم من وزارة التجارة بشأن دعم مواد البناء
  • على هامش "كوب-29".. كازاخستان تقدم مبادرة جديدة لتطوير زراعة الكربون
  • «الكهرباء» و«كاوست» تطلقان أول مشروع عالمي لاحتجاز الكربون
  • منتدى "الابتكار والمباني الخضراء لإزالة الكربون" يجمع الخبراء في COP 29
  • الوكالة الدولية: المحطات النووية تنتج ربع الطاقة منخفضة الكربون في العالم
  • النقل والاتصالات وتقنية المعلومات .. مشروعات حيوية واستراتيجية في كافة محافظات سلطنة عُمان
  • خصائص صاروخ أتاكمز الأميركي الذي قصفت به أوكرانيا روسيا