بعد صفقة تبادل السجناء.. ما هي رسائل الغرب "المختلطة" تجاه إيران؟
تاريخ النشر: 20th, September 2023 GMT
قالت رئيسة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز تشاتام هاوس للبحوث، سنام وكيل، إن السياسة الغربية تجاه إيران تفتقر إلى الأهداف والمقاصد، وذلك في أعقاب الصفقة الأمريكية الإيرانية أخيراً والتي تنج عنها إطلاق سراح 5 سجناء وفك تجميد أموال طهران.
وأضافت وكيل في مقال لصحيفة "فايننشال تايمز"، أن إيران على الصعيد المحلي، قمعت مواطنيها خلال عام الاحتجاجات التي أعقبت وفاة مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاماً بينما يتم احتجاز الأجانب والمواطنين مزدوجي الجنسية في السجون الإيرانية للحصول على فدية.
وعلى الصعيد الإقليمي، فإن طهران مفترسة أيضاً، من خلال دعمها بالوكالة للجماعات الإرهابية مثل حزب الله اللبناني، فضلاً عن برنامجها النووي المتقدم.
ومع ذلك، أضافت الخبيرة في الشأن الإيراني، أنه وعلى الرغم من مجموعة هذه التحديات التي طال أمدها، فإن السياسة الغربية تجاه إيران غير مقيدة ولا اتجاه لها. إذ فشلت الحكومات الغربية في صياغة أو نشر استراتيجية متسقة ومتوازنة وموحدة تغير أو تقيد أنشطة طهران.
انقسامات تكتيكيةوتوضح وكيل، أن الجمع بين الحرب في أوكرانيا، وتحديد أولويات التحديات الجيوسياسية مع روسيا والصين، وأزمة الشرق الأوسط بعد الحربين في أفغانستان والعراق، قلل بالتأكيد من رغبة الغرب في التحرك. كما أدى انسحاب إدارة الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني في عام 2018 إلى خلق انقسامات تكتيكية.
وأصبحت سياسة إيران قضية سياسية حزبية ليس فقط في واشنطن، ولكن أيضاً في المملكة المتحدة وأوروبا، إذ كانت هناك سياسة رجعية وغير متسقة تهدف إلى احتواء الأزمات الإيرانية، بدلاً من حلها.
وكان هذا واضحاً في الأسبوع الماضي، كما تشير وكيل، عندما تداخل الإفراج الذي طال انتظاره عن 5 مواطنين أمريكيين-إيرانيين مزدوجي الجنسية محتجزين ظلماً في إيران مع الذكرى السنوية الأولى لمقتل أميني. أثارت وفاتها في حجز الشرطة شهورا من الاحتجاجات الوطنية تحت شعار "المرأة، الحياة، الحرية".
Nazanin Zaghari-Ratcliffe: a political hostage in Iran finally returns home https://t.co/b2NTCq6TTU | opinion
— Financial Times (@FT) March 18, 2022ودعمت الحكومات الغربية بقوة الاحتجاجات التي اجتاحت إيران بعد ذلك، وأخرجت النساء والطلاب والمجموعات العرقية وأطفال المدارس. وأدانوا القمع الإيراني وفرضوا موجات من العقوبات على حقوق الإنسان وحاولوا تسهيل الوصول إلى الإنترنت.
تباطؤ الإداناتوفي التحركات التي أشعلت وميض الأمل في أن يأتي المزيد من الدعم، التقى الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بقادة المعارضة الطموحين.
ثم، على الرغم من الزيادة في عمليات الإعدام والتقارير عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والتعذيب والاغتصاب وحتى قتل تلميذات المدارس بالغاز، تباطأت الإدانات الغربية.
وبدلًا من ذلك، تأرجحت السياسة لصالح المشاركة البراغماتية من أجل مواجهة الأزمات الأمنية المتعلقة بالإفراج عن الرهائن، وبرنامج إيران النووي المتقدم، وصادرات طهران من الطائرات بدون طيار لدعم حرب روسيا ضد أوكرانيا. مثل هذا التواصل مع إيران في وقت الاضطرابات الداخلية كشف بوضوح عن رسائل السياسة الغربية المختلطة.
وبالنسية لاتفاق تبادل السجناء، هذا ليس أول تبادل من هذا القبيل. ففي مارس (آذار) 2022، تم إطلاق سراح الرهائن البريطانيين الإيرانيين نازانين زغاري راتكليف وأنوشه عاشوري بعد مفاوضات حول سداد ما يقرب من 400 مليون دولار من الديون البريطانية المستحقة لإيران منذ ما قبل ثورة 1979.
As the U.S. and Iran pursue a possible prisoner exchange, President Biden could soon face a decision about whether to release billions of dollars in funds to Iran. https://t.co/ScjPidDoYx
— NBC News (@NBCNews) June 16, 2023 حلقة الرهائنوبحسب المقال، فإن إيران تحتجز العديد من الرعايا الأجانب والمواطنين مزدوجي الجنسية. وفي حين أنه ينبغي أن يكون واضحاً أن الحكومات الغربية ستعمل على تأمين إطلاق سراح مواطنيها، فإن هناك حاجة ماسة إلى موقف موحد واستراتيجية لكسر هذه الحلقة المفرغة من أخذ الرهائن.
ولتأجيل الأزمات المحتملة مع انطلاق الحملة الانتخابية الأمريكية، يقال أيضاً، بحسب "فايننشال تايمز"، إن إدارة بايدن تفاوضت بهدوء على تفاهم غير مكتوب حول برنامج إيران النووي. وقد تباطأت طهران تدريجياً في تخصيب اليورانيوم وخفضت مخزوناتها. في المقابل، ما سمح لها بزيادة مبيعات النفط على الرغم من العقوبات.
وهذه بالتأكيد مناورة محفوفة بالمخاطر عندما لا يكون هناك اتفاق رسمي لمنع إيران من تزويد روسيا بطائرات بدون طيار. في حين أن الاقتصاد المتدهور هو حافز واضح لطهران للإمساك بالكرة، لا سيما مع وصول التضخم رسمياً لحوالي 40% والعملة التي عانت من انخفاض خطير في قيمة العملة، ليس هناك ما يضمن أن حساباتها لن تتغير.
وترى وكيل أنه من شأن اتباع نهج أكثر فعالية أن يؤدي إلى قيام الدول الغربية بتطوير توازن بين الدبلوماسية والردع. وهذا يتطلب استمرار المشاركة للحصول على اتفاقيات سياسية موثقة لاحتواء برنامج إيران النووي ومبيعات الصواريخ والطائرات بدون طيار، مع وضع خطوط حمراء قابلة للتنفيذ من خلال العقوبات والضغط وحتى الخيار العسكري.
واختتمت الخبيرة في الشأن الإيراني مقالها بالقول: "يجب تنسيق الدفاع عن حقوق الإنسان والوقوف في وجه أخذ الرهائن بين الشركاء الغربيين. فقط بالوضوح والوحدة يمكن تخفيف أزمة احتجاز طهران للرهائن محلياً أو إقليمياً أو نووياً".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني إيران أمريكا
إقرأ أيضاً:
هندسة الانتصار الرمادي: صراع إيران والولايات المتحدة وإسرائيل
في الأدبيات التقليدية للعلاقات الدولية، ارتبط مفهوم النصر بالقدرة على تحقيق تغيير جوهري في ميزان القوى عبر الوسائل العسكرية أو الاقتصادية المباشرة، إلا أن التطورات الأخيرة التي شهدها الصراع الإيراني-الأمريكي-الإسرائيلي تفرض إعادة التفكير في هذا المفهوم.
لقد استطاعت إيران، بقيادة هيكل سياسي مركب، أن تحقق مكاسب استراتيجية صلبة دون أن تدخل حربا مباشرة أو أن تتعرض لانهيار داخلي. لم ينتج هذا الإنجاز من "مواجهة" كما تفترض الأدبيات الكلاسيكية، بل من عملية أعقد وهي هندسة مستمرة للبيئة الاستراتيجية بطريقة جعلت الحرب خيارا مكلفا أكثر من أي تسوية أخرى.
في هذا الإطار، يتحتم علينا أن نقرأ ما جرى كـ"انتصار رمادي"، ليس انتصارا عسكريا صريحا ولا هزيمة سياسية واضحة لخصوم إيران، بل حالة وسطى تميزت بقدرة طهران على إعادة تعريف حدود اللعبة دون الحاجة إلى كسر القواعد القائمة. ما نفعله هو معرفة محددات السياسة الخارجية الإيرانية في الأزمات وليس تمجيدها، وهذا ما يجعلنا قادرين على تفسير المشهد الإقليمي في الشرق الأوسط من التهديدات الإسرائيلية باستهداف المنشآت النووية الإيرانية إلى طاولة المفاوضات التي يقودها ترامب مع الإيرانيين.
من الخطأ اختزال الأداء الإيراني في مواجهة إدارة ترامب بأنه مجرد "صبر استراتيجي"؛ ما فعلته إيران كان أكثر تعقيدا، لقد مارست إدارة الشك بين خصومها، أي جعلت النوايا الإيرانية ضبابية إلى درجة أضعفت الحسابات الغربية
من الخطأ اختزال الأداء الإيراني في مواجهة إدارة ترامب بأنه مجرد "صبر استراتيجي"؛ ما فعلته إيران كان أكثر تعقيدا، لقد مارست إدارة الشك بين خصومها، أي جعلت النوايا الإيرانية ضبابية إلى درجة أضعفت الحسابات الغربية.
لم تتصرف إيران كفاعل يسعى إلى الصدام، لكنها في ذات الوقت لم تقدم مؤشرات استسلام أو انكسار. كل عملية (مثل إسقاط الطائرة المسيرة أو الرد على اغتيال قاسم سليماني أو العمليات التي عرفت بالوعد الصادق ضد إسرائيل) كانت مصممة لإبقاء هامش الشك مفتوحا؛ هل سترد إيران برد شامل أم محسوب؟ هل ستغلق مضيق هرمز أم لا؟
هذا التردد المنهجي لم يكن علامة ارتباك، بل أداة استراتيجية أضعفت قدرة الولايات المتحدة وإسرائيل على اتخاذ قرارات حاسمة، حيث إن الخيارات باتت تقوم على تخمينات لا على معطيات صلبة. بالتالي، الانتصار الإيراني هنا لم يكن في امتلاك القوة، بل في إدارة إدراك الخصم لهذه القوة.
وبدلا من الرضوخ للعقوبات القصوى، اتبعت إيران سياسة تقوم على استثمار الزمن لإضعاف فاعلية العقوبات ذاتها. من خلال الصبر المدروس، سمحت إيران بأن تظهر التكاليف الثانوية للعقوبات (التضخم في الغرب من ارتفاع أسعار الطاقة، تآكل شرعية الحصار دوليا، نمو المقاومة الاقتصادية محليا).
مع مرور الوقت، لم تعد العقوبات أداة ضغط فاعلة، بل تحولت عبئا على من فرضها، مما أجبر بعض القوى الأوروبية على التراجع التدريجي أو البحث عن قنوات خلفية للحوار مع طهران. بكلمات أخرى، لم تسعَ إيران لإسقاط العقوبات فورا، بل لجعل استمرارها أكثر كلفة من رفعها، وهو منطق مختلف جذريا عن نماذج "المواجهة المباشرة" أو "التفاوض التقليدي".
وفي مقابل الرغبة الإسرائيلية في حسم عسكري سريع، والإصرار الأمريكي على فرض اتفاق استسلام اقتصادي، اتبعت إيران استراتيجية "التآكل البطيء"، فهي لم تهدف إلى كسر أعدائها بضربة مفاجئة بل إلى إنهاك إرادتهم على مدى زمني طويل عبر مجموعة مركبة من الضغوط النفسية، والدبلوماسية، والعسكرية المحدودة، والاقتصادية.
وهكذا، لم تحقق إيران نصرا عسكريا كلاسيكيا، لكنها فرضت تحولا استراتيجيا؛ خصومها وجدوا أنفسهم يتراجعون عن سقوفهم القصوى دون تحقيق أي مكسب جوهري.
بعيدا عن التصورات التقليدية للصراع، نجحت إيران خلال فترة المواجهة مع إدارة ترامب في إدارة بيئة معقدة من القوى المتنافسة، مستغلة ما يمكن تسميته بتشظي الأولويات الإقليمية. فقد كانت الأطراف المحيطة بالصراع تتباين في حساباتها بشكل حاد، إسرائيل تدفع باتجاه الحسم العسكري السريع مهما كان الثمن، مدفوعة بمخاوف وجودية، بينما بدا أن دول الخليج، رغم خصومتها التقليدية مع طهران، أكثر ميلا إلى تجنب سيناريوهات الحرب الشاملة التي قد تهدد استقرار أنظمتها الاقتصادية والسياسية. في الوقت ذاته، كانت أوروبا، من موقع مختلف، ترى أن الحفاظ على الاتفاق النووي، رغم تعثره، لا يزال الخيار الأقل كلفة لمنع الانزلاق إلى فوضى إقليمية أوسع.
هذا التباين في أولويات اللاعبين الأساسيين لم يمر دون أن تستثمره إيران ببراعة محسوبة، بل سعت ضمن استراتيجية مدروسة إلى إبراز التناقضات القائمة وتعميقها بطريقة تمنع بناء جبهة معادية موحدة. فبينما استمرت طهران في إرسال رسائل تطمينية لبعض دول الخليج عبر القنوات الخلفية، فإنها عمدت إلى توظيف التصعيد الإعلامي ضد إسرائيل بشكل مدروس، مما وضع الأخيرة في موقف المتشدد الوحيد أمام عواصم دولية باتت أكثر حذرا من مغامرات عسكرية مفتوحة. أما مع أوروبا، فقد حافظت إيران على الارتباط بالحد الأقل، مستخدمة الخطاب الدبلوماسي الرسمي كوسيلة للإبقاء على فكرة أن طهران ما تزال تؤمن بالحلول الدبلوماسية، ما وفر غطاء سياسيا ساعد في كبح جماح الضغوط التصعيدية الأمريكية.
رسمت إيران معادلة جديدة للصراع الإقليمي والدولي، معادلة تحتم على كل من يفكر بمستقبل الشرق الأوسط أن يتعامل مع طهران لا باعتبارها مجرد لاعب عنيد، بل بوصفها مركز ثقل استراتيجي مستقل بذاته
في موازاة ذلك، برز سلوك إيران في إعادة تعريف معادلة القوة بعيدا عن النماذج التقليدية للردع. فعوضا عن الاعتماد على الحشود العسكرية التقليدية أو عرض عضلات مكشوف، لجأت إيران إلى ممارسة نوع من استعراض القوة الرمزية، قوامه الكشف التدريجي عن عناصر قوة غير مرئية بالكامل. بناء المدن الصاروخية تحت الأرض، والحديث عن برامج أسلحة متقدمة مثل أنظمة البلازما، كانا موجهان ليس لإشعال الحرب، بل لصناعة بيئة إدراكية مشوشة تجعل من حسابات الخصوم مليئة بالثغرات والاحتمالات غير المؤكدة. هذا التكتيك المدروس زاد من صعوبة بناء نماذج حاسمة للرد العسكري ضد إيران، مما ساعد في ترسيخ حالة ردع غير متوازن ولكن فعّال.
ولعل الأهم من ذلك، أن إيران استطاعت أن تحول هذه البيئة التي تتصف بالضبابية إلى منصة تفاوضية متقدمة. لم تذهب طهران إلى أي مفاوضات بوصفها الطرف المهزوم الباحث عن مخرج، بل دخلت المفاوضات غير المباشرة، وكأنها شريك قادر على فرض شروطه أو على الأقل التمسك بثوابته الأساسية. فلم يكن شعار العودة إلى الاتفاق النووي مجرد محاولة للعودة إلى الوراء، بل كان وسيلة لدفع الخصم إلى الاعتراف بالوقائع الجديدة التي فرضها صمود إيران: أن العقوبات لم تسقط النظام، وأن التهديدات العسكرية لم تكسر إرادته، وأن الجبهة الداخلية رغم كل الضغوط ما تزال قادرة على التكيف مع تحدياتها في الاقتصاد والمجتمع.
بهذه الطريقة، استطاعت إيران أن تتحول من موقع الدفاع إلى موقع الفعل. فعلى عكس الرهانات الغربية التي اعتبرت أن الضغوط القصوى ستدفع النظام الإيراني إلى تقديم تنازلات حيوية، بدا أن من اضطر إلى مراجعة حساباته هي الأطراف الأخرى، بدءا من واشنطن وانتهاء ببعض العواصم الأوربية.
هنا بالضبط تتجلى عبقرية الانتصار الرمادي الذي حققته طهران. لم يكن هذا الانتصار واضح المعالم بالمعنى الكلاسيكي؛ لم يرفع أحد رايات النصر، ولم ينهزم طرف بشكل معلن، ولكن في أعماق بنية القوة والسياسة في المنطقة، فرضت إيران نفسها لاعبا لا يمكن تجاهله أو فرض الإملاءات عليه. تحولت الحرب من خيار قائم إلى خيار مستبعد، وتحول الضغط الأقصى إلى ورقة مفاوضات بأثمان متناقصة.
في النهاية، ما أنجزته إيران لا يمكن اختزاله في مفردات "الصبر الاستراتيجي" أو "الممانعة"، بل هو حالة متقدمة من إدارة ديناميات القوة في بيئة معادية متعددة الأقطاب، قائمة على استثمار الزمن، والتلاعب بالإدراك، وصناعة الشكوك، وتكريس مفهوم أن التغيير الإقليمي لا يمكن أن يتم دون أخذ مصالح طهران بعين الاعتبار.
بهذا الإنجاز، رسمت إيران معادلة جديدة للصراع الإقليمي والدولي، معادلة تحتم على كل من يفكر بمستقبل الشرق الأوسط أن يتعامل مع طهران لا باعتبارها مجرد لاعب عنيد، بل بوصفها مركز ثقل استراتيجي مستقل بذاته.
x.com/fatimaaljubour