أكد عضو مجلس النواب، علي التكبالي، أن حالة التلاحم بين الليبيين في أعقاب كارثة الإعصار أخافت القوى المتصارعة.

وقال التكيالي في تصريحات صحفية: “الحديث عن الانتخابات توارى بسبب حالة الحزن والصدمة جراء ارتفاع أعداد الضحايا، وحجم الدمار في المدن المتضررة، خصوصاً درنة، وهناك محاولات توظيف واضحة من قبل القوى المتصارعة للكارثة الإنسانية لترحيل أي حديث عن الشأن السياسي، وليس الانتخابات فقط، وذلك للحيلولة دون حدوث تغيير ما بخريطة النفوذ الحالية”.

وأضاف “حالة التلاحم الإنساني، وتجاوز الانقسامات التي تشكلت بين الليبيين في أعقاب الكارثة، أخافت تلك القوى من تطور هذا التلاحم، خصوصاً في صفوف الشباب، لمظاهرات كبيرة غاضبة ورافضة للوضع الحالي، وبعض الأحاديث المتداولة عن مخاوف من عدم وصول المساعدات إلى مستحقيها قد تؤدي إلى إعصار من نوع آخر”.

وتابع “الأمر الآن يعتمد على مدى قدرة عبد الله باتيلي على إعادة الاهتمام بالعملية السياسية، والمضي قدماً نحو الانتخابات، دون تأثير على ملف إغاثة المناطق المنكوبة من إعصار (دانيال)، ومتابعة تقديم المساعدات للضحايا”.

الوسومالإعصار التكبالي التلاحم الليبيين ليبيا

المصدر: صحيفة الساعة 24

كلمات دلالية: الإعصار التكبالي التلاحم الليبيين ليبيا

إقرأ أيضاً:

النعجة دُولّي.. التي تمنع ظهور مبعوث أممي جديد في ليبيا! (الجزء الثاني)

الجزء الثاني من ورقة حول مآلات صعود ستيفاني خوري!!

واهم من يعتقد بأن صعود خوري لبعثة الوصاية في ليبيا كان بريئا.. وسيكون طارئا ومؤقتا:

حين انطلق مشروع واشنطن للاستحواذ على ليبيا بالعام 2011، والذي ما يزال يمر بمرحلة إنهاك لليبيين حتى تحقيق استسلامهم، فإن هذه الواشنطن لم تكتفي (بانتهاز فرصة لطالما انتظرتها منذ العام 1801، بل وعملت عليها لإغراق الليبيين بأول انتفاضة يُقدمون عليها) بممارسة كل ما أتيح لها من ضغوط باتجاه توحيد كلمة الأمم المتحدة والعالم نحو دفع ليبيا إلى الهاوية، بل أن أول كيان دولي بدأت واشنطن باستغلاله تضليلا وترغيبا، لضمان دفع الأزمة الليبية إلى مصيرها المحتوم، كان مجلس الأمن الدولي نفسه، حيث سارعت واشنطن (منتهزة فرصة أخرى نادرة جدا وهي ضعف روسيا وتماهي مدفيديف مع السياسات الأمريكية حد الاستسلام) لتضغط باتجاه دفع المجلس إلى حشر الدولة الليبية بين ألواح جنازير فصله السابع المروع.

ولقد كانت هذه الضربة الأمريكية (وخاصة لجهة حسن استغلالها للهوان الروسي) هي التي أوصلت واشنطن إلى الحصول على سند إسقاطها للدولة الليبية وتفكيكها برغي برغي، وهو ما نفذته واشنطن بتحالف عسكري حمل اسم فجر الأوديسا، الاسم الذي لم ينجو هو الآخر من توظيفات الخداع و التدليس الأمريكي، حيث إن التباعد الشنيع الذي ينطوي عليه الفارق بين حقيقة تحالف واشنطن الانتهازي الانتقامي الذي أغرق ليبيا بأوحال العنف والفوضى، وبين المدلول التاريخي لاسم “فجر الأوديسا” الذي يرمز في التراث الحضاري الإغريقي إلى انقشاع المحن وحيازة مستقبل حكيم ورصين، لا بد وأن يدفع بكل عارف لخلفية هذا التمسح الأمريكي بالأوديسا، إلى الشعور بالقرف من محاولة جوقة من مجرمي الحرب من أصحاب “فجر النيتو” مسح رجسهم بعباءة هوميروس أو بصحائف أوديسته العظيمة، وهم الذين كانوا السبب الرئيس بخسارة الليبيين لاستقلالهم واستقرارهم، بل والذين جعلوا فداحة هذه الخسارة تزداد وتكبر يوما بعد آخر، بسبب استمرار نخرهم بشؤون الليبيين.

ورغم أن البحث عن أدلة تؤكد إصرار واشنطن على إفساد الانتفاضة الليبية حد التعفن تمهيدا لافتكاك البلاد من أهلها، إنما يشبه البحث عن مكان الشمس بنهار صيفي قائظ، إلا أنه يبدو أن هيلاري كلينتون لم تشأ ترك من يبحثون عن مكان هذه الشمس دون تطوعها بأخذهم إليها، حيث قامت كلينتون برفعهم إليها فعلا من فوق جبال نُسخ كتابها المنتشرة في العالم  تحت عنوان “خيارات صعبة”، والذي ركزت فيه على احتفاء نرجسي معجون بشماتة منقطعة النظير بعبارة (استخدام كل ما يجب استخدامه من أجل حماية المدنيين في ليبيا)، والتي زرعتها واشنطن بقلب القرار 1973، الذي صنعت به أول “نموذج لدولة نزاع مسلح” تتورط الأمم المتحدة بصنعه، وذلك بعد أن انتزعت واشنطن هذه العبارة نزعا من قلب أحشاء موسكو وبكين وأضافت إليها باقي أصفاد الليبيين من جملة مواد أحكام الوصاية الأخرى التي ضمنتها للقرار 1973، والذي حولته فور صدوره إلى السكين الذي نحرت به ليبيا من الوريد إلى الوريد، وصنعت من بقايا خردته البوصلة الخدّاعة التي وجهت بها انتفاضة الليبيين نحو أسوأ الاتجاهات وأكثرها دموية وعنفا، بينما كان الليبيون ما يزالون تحت تأثير سكرات الإصابة بمتلازمة “العدوى الثورية”، بحسب وصف علماء السياسة والاجتماع لعدوى انتفاضات الجوار.

ولم تمض ساعات على صدور القرار الأممي بتفويض واشنطن بتفكيك الدولة الليبية، حتى بدأت واشنطن بتتويج مخططها الاستحواذي بتنفيذ هجوم الأوديسا على البلاد، والذي انتهى إلى تحقيق ما انتوته تماما، وهو تعفن الانتفاضة الليبية، وتحول البلاد برمتها إلى كيان فاشل وأكوام من ركام، ما يزال قادة الأوديسا يمنعون الليبيين منعا باتا حتى هذه اللحظة إزالته والبناء عليه.

ورغم أن كلينتون لم تتعرض بكتابها هذا لما اسمته بثورات الربيع العربي إلا بفصلين فقط، إلا أنها خصصت أحدهما وبصورة شبه كاملة تقريبا للاحتفاء “بجوهرة الربيع العربي في ليبيا” على حد  وصفها، وهي عبارة (استخدام كل ما يجب استخدامه من أجل حماية المدنيين في ليبيا)، والتي قرنتها بعبارة جعلتها رديفة لها وهي: (التي قدمت لنا رأس القذافي)، مع أن كلينتون لم تكن تقصد حقيقة ألا رأس ليبيا نفسها، لكون رأس القذافي كانوا قد قطعوه وانتهوا منه قبل حتى أن يُتموا عام أوديستهم الأول ويغسلوا أيديهم مما علق بها من أديم الدماء ورائحة البارود، (بل أن الأمر الموثق صوتا وصورة هو أن كلينتون نفسها قد زارت طرابلس بيوم التاسع عشر من أكتوبر من العام 2011 لتعطي أوامرها  بقتل القذافي على رؤوس الأشهاد، ولم ينتصف نهار اليوم التالي الواقع في العشرين من أكتوبر، إلا وقد صار الرجل مقتولا شر قتلة)، وبذلك فإن رأس ليبيا، والذي هو رأس الليبيين جميعا، هو الذي ما يزال مداسا عليه بنعال قادة الأوديسا حتى لحظتنا هذه، وذلك انتظارا لسنوح أقرب فرصة لتهشيمه عظما عظما.

ورغم العدد الكبير نسبيا من كتب السياسة والمذكرات السياسية، التي استطيع الادعاء بأني قد طالعتها شخصيا، إلا أنه لم يصادفني فيها تعظيما وتمجيدا واحتفاء بعبارة سياسية بقصد الشماتة والتشفي، كما فعلت كلينتون مع هذه (العبارة)، التي احتفت بها كما لو كانت قطعة من ذهب مرصع بألماس باركتها مريم البتول ومنحتها إلى كلينتون هذه لتستعيد بها أمجاد بلادها الغابرة في ليبيا، التي أدغمتها كلينتون بعبارة “أمجادنا بشمال أفريقيا”، بدلا من ذكر ليبيا نصا، بيد أن سعي واشنطن الحثيث واللحظي حتى ساعتنا هذه لتهميش وتحقير دور الليبيين كليا بإدارة شؤون بلادهم، من خلال فرضها لهيمنتها العسكرية والسياسية على السلطات المحلية حد تنصيبها بنفسها لهذه السلطات، وإعادة سيطرتها المطلقة على قطاعات النفط والبنوك والاستثمار فيها، بل وتخطيطها لإعادة الوجود الاستيطاني الأجنبي على ترابها، هو الذي كانت تقصده كلينتون حتما باستعادة أمجادهم القديمه بشمال أفريقيا.

بل ولقد ارتفعت زغاريد كلينتون فرحا واحتفاء بهذة العبارة (التي تنبأت لها بكتابها، بأنها ستكون من بين أعظم الإنجازات السياسية لبلادها بالقرن الـ21)، حد إصرارها على تقديم شرح تفصيلي – ربما لأنها هي التي قامت بإنجاز تمرير هذه العبارة – لجهود حكومتها، التي انتهت إلى إيقاع باقي العالم بشرك هذه العبارة التي وصفتها بالخلابة، ما يجعل المطالع لنثر تغزلها بهذه العبارة وتقديمها لها كوثن يستحق العبادة، يظن وكأنها أية من الإنجيل أنزلها الله عليها أو على البيت الأبيض ليمنحهما بها الرب رقاب الليبيين ليقوموا بقطعها متى  شاؤوا، وكيفما شاؤوا، وإذلال ما بقى من أعناقهم حيا استعبادا وقهرا، ولعل التدخل الكارثي والمشين بأدق تفاصيل الشؤون الليبية الذي تتحضر له واشنطن بإطلاقها لما سماه البيت الأبيض بـ(قانون دعم الاستقرار في ليبيا)، والذي يشمل الحق الأمريكي بمحاكمة الليبيين وتحديد من يمكنه أن يحكم منهم ومن الذي يجب إقصاءه عن المشاركة السياسية ببلاده، يمكنه أن يقدم لمن بقي في قلبه شك، الشرح الأوثق والأوفي لنية واشنطن بمواصلة حربها اللانهائية ضد الليبيين وإصرارها على تحدي اسقلالهم واستقرارهم حتى النهاية.

بيد أن كلينتون لم تكتف في إطار احتفالها (بعبارتها) بإظهار روح احتقارية ضد ثلة من الليبيين وإخوة لهم في الدم والدين من العرب والمسلمين الذين شاركوا كلينتون بتقديم ليبيا قربانا لفجر الأوديسا فحسب، بل ولقد نالت حتى روسيا والصين نصيبهما من التشهير، وذلك بتلميح كلينتون، الذي عبرت عنه في صورة تموجات من قهقهات ساخرة – تُعرف بلحن القول – من كل الذين صدّقوا صلاحية واشنطن لحماية حتى الضفادع فما بالك بمدنيين عرب ومسلمين، وذلك بالغمز إلى انتصار واشنطن عليهم جميعا بجرهم من أنوفهم إلى الوقوع بفخ إصدار هذه العبارة الانتقامية والشديدة البأس، والتي لم تستخدمها واشنطن بتفكيك الدولة الليبية فحسب، بل وبإخضاع البلاد لقانون التحلل البيولوجي للجثث، حيث خرجت ليبيا اليوم من حالة التفكك إلى حالة تحلل أعضاءها، وبكل ما في الكلمة من معنى، وذلك مقابل (بحسب تلميح كلينتون) السماح لبكين بالإغراق التجاري الحر للأسواق الأمريكية، وهو ما جاء ترمب لاحقا واسترده منها “ثالث ومثلث”، ومنح “موسكو مدفيدف” امتياز الدولة الأولى بالرعاية.

ولقد كان من الطبيعي أن تكون أولى وأهم مكاسب “عبارة” كلينتون المبيتة التي أحاطت هذه الأخيرة الاحتفاء بها بتمجيد يشبه تراتيل الصلاة كما لو أنها أية إنجيلية، هو تحويل ليبيا برمتها إلى مجرد ملجأ بائس لشعب كامل من الأيتام القصر المحتجزين تحت سلطة وصي أممي شكلا، وأمريكي جوهرا ومضمونا، يختص، خص نص (بإنهاك) هؤلاء الأيتام، لأجل تقريب يوم انهيارهم والاستحواذ عليهم بين قتيل ومستعبد!!.

فلقد بدا واضحا أن كلينتون لم يرف لها جفن وهي تطلق ألعابها النارية بين سطور كتابها احتفاء  بعبارتها، قصد تسليط أضواءها لكشف كل وجوه المساهمين من الليبيين والعرب والمسلمين والعجم الذين تلحفوا بالسواد لتسهيل مخاض ميلاد عبارتها التي لم تزد ولم تقل عن حكم بإعدام ليبيا، ورغم أنه من الصعب نسبيا الجزم  بـ إذا ما كانت مهاجمة روسيا والصين للولايات المتحدة لاحقا، واتهامهما لها رسميا بإساءة استخدام القرار 1973 بتفكيك ليبيا وقتل القذافي وتحويل دولة عضو بالأمم المتحدة إلى دولة فاشلة تعج بالعنف والفوضى، هي اتهامات ناشئة عن حقيقة مباغثة واشنطن لهما بإساءة استخدام القرار بتحويل انتفاضة شعب إلى حالة تدمير واحتلال له باسم حماية وإنقاذ المدنيين، أم إنها كانت مجرد محاولة منهما للتملص من مسؤوليتهما الضمنية والتضامنية مع واشنطن بتدمير ليبيا، وتحقيق الاستفادة من غموض دورهما بخلق هذه العبارة، للانتقام من واشنطن بسبب إخلالها بتنفيذ وعود لصالحهما مقابل تسليمها رأس القذافي وتراب ليبيا وأعناق شعبها مجتمعة، بيد أن المؤكد جدا – وإن كان بعد فوات الأوان – هو قيام عدد مهم من الدول البارزة بينها الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل  وعدد من الشخصيات العالمية المهمة الأخرى، بينها اندرياس راسموسن الأمين العام للنيتو، الذي سُحقت ليبيا بعهده، بتوجيه لومهم وانتقادهم لطبيعة تورط النيتو باستخدام القوة المجردة التي انتهت إلى انهيار ليبيا بسبب إساءة واشنطن لاستخدام القرار 1973، بانتهازها له بتصفية حساباتها مع القذافي إرضاء لغريزة الانتقام والتشفي، وتحقيق وإحياء روحها الاستعمارية القديمة في ليبيا، بل ولعله من بين أقوى مساخر السياسة الأمريكية، إقرار باراك أوباما نفسه، وهو الذي كان قائد غزو الأوديسا من الخلف كما كان يفضل أن يلقب، بمذكراته التي صدرت من جزأين، بخطأ ما ارتكبه النيتو في ليبيا والتلميح إلى ندمه على المشاركة بهذا الخطأ، الذي رد تورطه فيه إلى نيكولاي ساركوزي صراحة، وإلى وزيرة خارجيته تلميحا، التي وصفها بالمتحمسة لانتهاز ما رأته أفضل الفرص للتخلص من القذافي، معتبرا بأن تسرع ساركوزي بالهجوم على ليبيا لا يعود إلى وجود حاجة ملحة لحماية مدنيين يتطلب حمايتهم كل ذلك القدر من التدخل، رادا هجوم ساركوزي برمته إلى وجود علاقات شخصية مضطربة بينه والقذافي، تحولت بلحظة مؤاتية إلى رغبة فرنسية جامحة بقتل الرئيس الليبي.

وهنا، دعونا نعود إلى السؤال الذي توقفنا عنده بالجزء الأول من هذه الورقة، وهو: أي تكلفة هي تلك التي يمكن  لواشنطن أن تتكبدها بحال سمحت بانهيار مشروع استنساخها العملياتي لنعجتها دُولّي على رأس جهاز الوصاية الأممي على ليبيا، وقبولها بالتورط بالمشاركة المخلصة بتعيين وصي أممي جديد يمثل الإرادة الجماعية لمجلس الأمن الدولي، قبل إتمام “دُولّي أو خوري” للمخطط الأمريكي الذي جيء بها من أجله؟.

إن وجود العديد من الخطوات التأسيسية التي تحتاج واشنطن إلى تحقيقها قبل انتهاءها من مشروع استحواذها على ليبيا، إنما تنفي وجود أقل احتمال ممكن لاستعداد واشنطن للتخلي عن استخدام الفيتو ضد المرشحين الثلاثة الذين بشر بهم موقع فرانس إنتليجنس الاستخباراتي بحال تجرؤوا على دخول حلبة المنافسة لخلافة باتيلي، بل وتؤكد استعداد واشنطن لاستخدام الفيتو وفورا ضد كل من يجرؤ على التقدم لخلافة باتيلي خلال الفترة الزمنية التي قدرت واشنطن بأنها تحتاجها لإتمام خوري لما استنسختها لأجله على رأس بعثة الوصاية على ليبيا، بل وإلى درجة تحضير واشنطن – بحسب أحد العاملين بالبعثة نفسها – لسياسات لاصطياد الرغبات وهي ما تزال مجرد وشوشات طموحة بين شفاه أصحابها، ويؤكد هذا الموظف أو الخبير كما يصف نفسه، بأنه لدى واشنطن من سياسات الاحتواء والإغراء، بل وحتى الوعيد، لمن يشكل تهديد حقيقي على كرسي خوري في ليبيا قبل حلول أوان رحيلها المحدد سلفا، ما هو أكثر من كاف لتحقيق تراجع واختفاء هؤلاء الطامحين من تلقاء أنفسهم، بل ومنذ إطراق وشوشاتهم الأولى – حول رغبتهم في المنصب – لمسامع واشنطن.

بيد أننا وقبل أن نخوض باستعراض أهم استخدامات واشنطن الانتهازية للأمم المتحدة وبعثة وصايتها بمشروع استحواذها على ليبيا، بل والذي تعد بعثة الوصاية في ليبيا أهم حجرة فيه على الإطلاق، دعونا نفتتح هذا الجزء من هذه الورقة بأبسط الأسئلة المتصلة بما بذلته واشنطن من جهود كبيرة لاستنساخ مدام خوري على رأس بعثة الوصاية على ليبيا وهي: هل يمكن لعاقل أن يتصور بأن واشنطن الأخطر إمبرياليا بين القوى الدولية الكبرى، يمكنها أن تكون سفيهة فعلا، وإلى درجة أن تضرب بعرض الحائط  نتائج ما حققته من مخاطر ضغوطها على غوتيريش للحصول على تعيين انتهازي مبكر لخوري يؤهلها (نصا) للاستيلاء على البعثة فور رحيل باتيلي منها، رغم وجود العشرات من خبراء البعثة الأقدم والأعلم بالشأن الليبي والأقدر والأحق من خوري بقيادة البعثة بصورة طارئة، لو أن واشنطن قد جاءت بخوري ليكون وجودها وجودا طارئا فعلا، ولبضعة أسابيع تقضيها بالسياحة والتسوق في ليبيا إلى أن يجد العالم بديلا لباتيلي.. هل يمكن أن تكون واشنطن بهذا السخف فعلا!؟.

وهل يمكن لواشنطن التي خاطرت مرة أخرى بممارسة ضغوطها على باتيلي نفسه ليترك منصبه لحساب ابنتها – وهي الفعلة الوخيمة العواقب لو أن باتيلي قام بفضحها – أن تضحي بهذه المخاطرة لحساب وصي جديد، خاصة وأنه لا يوجد لدى واشنطن أي ضمانات قد تمنع غوتيريش وباتيلي من فضح واقع هذه الضغوط لاحقا بمذكراتهما، ليتحول فضح هذه الضغوط السرية والمُجرّمة قانونا، إلى أدلة جديدة تضاف إلى تراكمات سابقة تتهم واشنطن بخيانة النظام الدولي باستغلاله لحسابه، لتزيد من شعبية الدول المؤيدة للضغوط التي تمارسها مجموعة بريكس على واشنطن لإجبارها على القبول بنظام عالمي جديد، وإنزال الدولار من عليائه المزيف ودكه كما غيره من العملات بسلة حلبة الصراع العادل مع الروبل والإيوان والروبية!؟ وهل يمكن لعاقل أن يقبل فعلا بمنطق مغامرة واشنطن بالسماح بظهور خليفة لباتيلي (عن إرادة دولية جامعة) بعد كل الذي فعلته لأجل تنصيب خوري، ليضعها هذا المبعوث الجديد تحت تهديد مخاطر احتمال تخريبه لكل المخططات التي نُصبت خوري لأجلها وخاصة ببعد تخطيط واشنطن استغلال بعثة الوصاية لاستخدامها ضد الوجود الروسي في ليبيا!؟.

إن ليبيا التي تتقدم اليوم بسرعة مرعبة لتحتل مركز ثالث أخطر “بؤر الاحتدام في العالم” بين واشنطن وموسكو، بعد أوكرانيا وغزة، لا يمكنها أبدا أن تظل بوضعها هذا بمنأى عن سباق كسر العظم، الذي تخوضه القوى الدولية الهائجة لأجل امتلاك أكبر قدر ممكن من مراكز القوة والنفوذ على الأراضي الليبية، ولأن بعثة الوصاية في ليبيا تشكل اليوم أهم مركز امتياز استحواذي متعدد الوظائف لحساب واشنطن، وحيث إن هذه الأخيرة لم تنفذ سياسة واحدة من سياسات إدارة الإنهاك والتوحش في ليبيا ومنذ الـ2011 وحتى اليوم إلا عبر هذه البعثة، فإن واشنطن هذه لا يمكنها أبدا إلا أن تتمسك وحتى الموت بمركز نفوذها الخطير والاستثنائي هذا، وخاصة في ظل حقيقة تفوق الانتشار الروسي جغرافيا في ليبيا والدول الإفريقية الجارة لها، والذي جرى مؤخرا على حساب كلا من واشنطن وباريس.

إن واشنطن التي تعتبر ليبيا (بحسب تصريحات كبار السياسيين الأمريكيين) المفتاحين اللوجستي والتمويلي الأهم للتأسيس الروسي لوجود عميق وطويل بالقارة الإفريقية، وهو الوجود الذي يتوقع خبراء عسكريين استراتيجيين تطوره إلى شراكات استراتيجية عسكرية واقتصادية بعيدة المدى لن تكون الصين (الكابوس الحقيقي لواشنطن) بمنأى عنها، إنما تحضر اليوم وبقوة بحسب شواهد رصينة تمتد عل كلا من التراب الليبي وتنتشر على واجهات وسائل الإعلام المقربة من مراكز صناعة القرارات الدولية لمواجهة عسكرية طويلة وواسعة مع الروس في ليبيا، والتي لم يبق منها بحسب متابعين إلا تحديد طبيعة حرب الوكالة التي سيبتلي بها الطرفان الشعب الليبي المنكوب، وهذا طبعا بحال لم يسبق التحضير لهذه المواجهة انفجار حرب عالمية بينهما، في ظل ما يجري من تصعيد خطير بين الغرب وموسكو بإجماع المراكز المختصة برصد تطورات السياسة الدولية، ولقد بلغت خطورة تحضير واشنطن لهذه المواجهة مع الروس في ليبيا، حد حصر السفيرة الأمريكية الجديدة في ليبيا جنيفر جافيتو لمشكلة ليبيا الرئيسية، عند تقديمها لإحاطتها أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، والتي جرت قبل أيام، بما وصفته بزيادة وتمدد النشاطين الروسي والصيني في ليبيا، بل ولعل المؤشر الأخطر على الأولوية القصوى التي توليها واشنطن لمواجهة ما تعتبره تمددا روسيا صينيا في ليبيا، هو حقيقة أنه لم يعد يفصلنا سوى أيام قليلة على الاجتماع الحاسم (بحسب وصف مسؤولين بالبنتاغون) الذي تحضر واشنطن لعقده على ترابها بين يومي 9 و11 يوليو الجاري وعلى مستوى قادة دول النيتو أنفسهم، وهو اللقاء الذي لم تجد واشنطن حرج من الإعلان بأنه سيكون مخصصا بالجانب الأهم منه للنظر بسبل التصدي للتهديدات الروسية بليبيا وأفريقيا.

بل ولقد بدأت واشنطن بالسعي جديا بحسب تلميحات لسفيرتها الجديدة في ليبيا بالإعداد (للخطة البديلة) وهي مواجهة الجنرال حفتر والروس معا بحرب وكالة بدأت واشنطن التحضير لها جديا بحال انهيار الجهود الأمريكية الموجهة لاحتواء حفتر، الذي شددت جافيتو على ضرورة إيلاء مسألة اجتذابه إلينا اهتماما كبيرا، ويرى مصدر ديبلوماسي تركي بأن واشنطن عازمة على فك ارتباط حفتر بالروس بأي ثمن، وإلى حد احتمال اجتذابها له بالذهاب إلى سياسة (المقابِلات) التي اشتهرت بها واشنطن، وهي بهذه الحالة وضع الجنرال أمام عرض (الرئاسة مقابل الروس)، فواشنطن مصرة أشد الإصرار على منع الجنرال حفتر من المضي قدما بإقامة علاقات عسكرية استراتيجية واسعة مع موسكو، خاصة مع توقع مصادر بنتاغونية أن يكون بينها – إذا ما تركته واشنطن ليتم مسيرته مع موسكو – إبرام  اتفاقية دفاع مشترك وإقامة قواعد عسكرية روسية في ليبيا، بل إن مصادر سياسية وصحفية أمريكية اتهمت موسكو بالبدء فعلا بإقامة هذه القواعد بعدد من المناطق الاستراتيجية بوسط وشرق ليبيا، وهي القواعد التي باتت تشكل تهديد كبيرا لواشنطن وحلفائها قبل حتى أن يكتمل بنيانها في ظل تهديدات بوتين الواضحة بسعيه لاستخدام “أراض صديقة” لضرب أهداف غربية، وتعتقد ذات المصادر بأن كل القواعد العسكرية الأمريكية وقواعد النيتو بجنوب أوروبا، ستكون دون شك هدفا ميسورا لوجود عسكري روسي قار ومنظم في ليبيا.

كما جاء من بين مساعي واشنطن لاحتواء الوجود الروسي في ليبيا الاحتفاء الكبير والخاص الذي يشبه احتفاء أب بابنيه، الذي قدمه الجنرال مايكل لانغلي قائد قوات الأفريكوم، لكلا من الجنرالين الناظوري والحداد، الرئيسين الافتراضيين لأركان قوات كلا من الرجمة والدبيبة، واللذين يمثلان – رغم التهميش الوظيفي العميق الذي يعانيه كلا منهما – الوجه الأخطر لتفكك وتشرذم المؤسسة العسكرية الذي خلقته الولايات المتحدة منذ العام 2011 وما تزال ترعاه وبقوة حتى يومنا هذا، ولقد دار هذا الاحتفاء عند لقاء لانغلي بهما على هامش اجتماع أفريكوم مع وزراء دفاع 30 دولة أفريقية بالعاصمة البوتسوانية “غابورون” ضمن محاولات واشنطن الحثيثة للبحث عن حلفاء ضد الوجود والتقدم الروسي في أفريقيا.

ولقد عكس استدعاء لانغلي للجنرالين المهمشين (اللذين يجسد ويقدم ما يبدو ويظهر بينهما دائما من قبول وتعاون سلس وتفاهم وود، أقوى الأدلة وأشد العلامات صدما واستفزازا على حقيقة المأساة الليبية التي يفرضها التدخل الأجنبي المباشر وخاصة الإنجلوسكسوني منه، بإجبار حتى أكثر القادة تفاهما وانسجاما ورغبة بتوحيد مؤسساتهم على الخضوع لسياسة التقسيم وتقطيع الأوصال المؤسسي) واحتفائه بهما بصورة ظهر فيها الجنرال ذي الأصل الإفريقي، كما لو أنه الأب الطيب ديزموند توتو، وليس عسكريا أمريكيا ينام ويصحوا على حلم الاستحواذ على ليبيا، شدة إصرار واشنطن على عمل كل ما يمكنها عمله لأجل خلق تحالف انتهازي بين القوى المسلحة الليبية – ضمن بقاء الفيتو الأمريكي على عودة الجيش – وذلك علها تنجح بأن تصنع من تكتل انتهازي للسلاح المتشرذم مقاول الموت الليبي المناسب للقيام بالتفريط بنفسه ووطنه، من أجل تنظيف ليبيا من الروس لحساب واشنطن، لتهنأ هذه الأخيرة حصرا بليبيا واستعباد شعبها، بيد أن هذه واشنطن تشبه هنا تماما ذلك الأحمق الذي يحرث البحر ليزرع قمحا، حيث أنه لا الناظوري يتمتع بتأثير يذكر على الرجمة وقواتها، ولا الحداد يملك أصلا جيشا أو حتى قوات ولو بالمفهوم المليشيوي للتنظيمات المسلحة الشائعة بالبلاد، ما يجعل رهان واشنطن على الرجلين لا يذهب سُدا فحسب، بل ويبدو مثيرا للسخرية في ظل علاقة موسكو بالمقابل، مع قادة عسكريين أكثر نفوذا وتأثيرا على الأرض، وعليه فإن المتوقع هو أن لا تحقق واشنطن أي نفع من هذين الرجلين إلا إذا كانت تخطط لتنصيبهما على رأس قيادة الفيلق الأوروبي الذي تخطط لابتلاء الليبيين به، أو كانت تبرمج لدفعهما للقيام بانقلابين عسكريين على حفتر والدبيبة، بيد أن هذا الكأس سيكون هو الآخر حامضا على أسنان واشنطن، لكون واقعي التشظي المسلح وتمرد ما يسمى بالمدن الثائرة واستحواذها على امتيازات انهيار البلاد، وهما الواقعين اللذين فرضتهما واشنطن على ليبيا منذ العام 2011 بتفكيكها للجيش والدولة ومواصلتها إجبار الليبيين على التعايش مع هذين الواقعين الجحيميين، قد جعل من قيام انقلاب عسكري جزئي أو كلي في ليبيا، أشبه بعودة ليبيا نفسها إلى الوضع  الذي كانت عليه بالعام 2010.

ورغم كثرة الأنباء والتحليلات التي تجزم بقرب توسع النسخة الثانية من الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو، وهي النسخة التي أطلق عليها محللين عسكريين اسم “الحرب الجليدية” لشدة أهوالها مقارنة مع نسخة الحرب الباردة التي ذهبت مع انهيار السوفييت بالقرن الماضي، إلا أن ما يهمنا من تلك الأنباء والتحليلات هو تأكيدها على إصرار واشنطن على توريط وجر ليبيا وعدد من الدول الإفريقية إلى سلسلة من حروب الوكالة الضارية ضد موسكو، ولقد تكهن الجانب المحترف من تلك الأنباء والتحليلات بأن مرتزقة الجيوش الشركاتية الخاصة، هي التي ستلعب الدور الأبرز في ليبيا بإراقة الدماء وإضرام النيران بالمدن والقرى ولعل أخطر الأنباء الداعمة لما جاءت به مرافعات تلك التحليلات بالنسبة لليبيا، هو نبأ الاجتماع التنظيمي – اللوجستي – العسكري الذي أعلن عن عقده أواخر مايو الماضي بين ممثلين فنيين عن دول النيتو الرئيسية – أو قل دول النيتو الأكثر تورطا بالشأن الليبي – والذي أعلنوا رسميا بأنه سيخصص لمناقشة إقامة ما أسماه المجتمعون بالفيلق الأوروبي في ليبيا، والذي ردوه إلى جهودهم الجارية لإعادة توحيد الجيش الليبي، في الوقت الذي لا يشي فيه العمل على بعث هذا الفيلق الغريب، والذي يتم ذكره لأول مرة بحسب مصادر ديبلوماسية وعسكرية وصحفية، إلا بشروع واشنطن عمليا بالتحضير “للخطة البديلة” التي ستعتمد عليها بمحاربة الروس في ليبيا، بحال فشل جهودها بإبعاد الجنرال حفتر عن الروس، وهي المساعي التي أكدت السفيرة الأمريكية الجديدة في ليبيا على أن نتيجتها – التي يأمل الأمريكيون فعلا بأن تأتي إيجابية – ستكون هي خيارهم الأول الذي سيراهنون عليه حتى الرمق الأخير، ولقد ردت بوليتكو الإصرار الأمريكي على هذا الرهان لأسباب بينها تمتع الجنرال حفتر بالجنسية الأمريكية التي تجعل واشنطن غير راغبة بالدخول بحرب ضد أمريكي يقف بصف الروس، إلى جانب – وهذا الأهم – الصعوبة الشديدة بإشعال حرب وكالة بالقدر المخلخل لموسكو الذي تريده واشنطن للوجود العسكري الروسي في ليبيا، وذلك بسبب بُعد ليبيا كليا عن التصنيف السيسيولوجي المركب، ما يحرمها من توفر الشرط الرئيس لإشعال حروب الوكالة الضارية وهو توفر المظالم التمييزية واستعداد التكوينات الإثنية والطائفية لخوض صراعات ضارية بينها، ولئن كان دس وإخفاء أهداف وهويات أصحاب حروب الوكالة الحقيقيين بين أحقاد وغبار وبارود معارك الصراعات الإثنية والطائفية هو من بين أهم شروط لجوء الدول الإمبريالية لتصفية الحسابات بينها وتحقيق تمدداتها الجيو سياسية عبر حروب الجيل الرابع، فإن نقاء الليبيين من البنى الطائفية والإثنية – بحسب بوليتكو – لا بد وأن يقلب سحر أي محاولة لتوريطهم بحروب وكالة من النوع الاستراتيجي الثقيل، على صاحبه، ولعل هذا ما دفع بوليتكو إلى الاعتقاد بأن أي محاولة اعتماد من واشنطن على الليبيين بتمثيلها بأرواحهم ودماءهم بمعارك وكالة ضد الروس، ستكون شديدة الصعوبة إن لم يكن مستحيلة، خاصة مع زيادة وعي الليبيين بخطورة الدور الأمريكي ببلادهم وتصاعد شدة انتقادهم للسياسات الأمريكية بليبيا، التي تحملها الأغلبية منهم في ظل الظروف القاسية التي باتوا يعيشونها، مسؤولية انتشار الفقر والعنف والفوضى والفساد وتأخير استقرار بلادهم، بل ولعل الأهم هو تفطن الليبيين إلى نية واشنطن بتوريطهم بحرب وكالة مدمرة قبل حتى أن تُخلق هذه الحرب فيهم، حيث إن الجماعات المليشيوية نفسها قد سبق لها وأن سارعت صيف العام الماضي، ومع أول تسرب لأخبار اتصالات يجريها أمريكيين وسماسرة يعملون لحسابهم لإقناع أمراء حرب بالاستعداد للانضمام إلى جهود لتحرير البلاد من الروس، إلى إصدار بيانات موسعة وشديدة اللهجة حول رفضهم لخوض حروب نيابة عن قوى أجنبية، ورغم وقوع عدد من التصفيات الجسدية الغامضة لأمراء حرب عقب ظهور موجة رفض المليشيات الواسعة تلك لتوريطهم وبلادهم بحروب وكالة، إلا أن معظم أمراء الحرب المحليين ما يزالون يرصدون وبتوتر شديد – ليس بصالح واشنطن – لأي تجدد لهذا الأمر، ويبدو أن هذه الحقيقة هي التي دفعت واشنطن إلى الاتجاه نحو الاعتماد على المرتزقة، الذين يبدو أن الفيلق الأوروبي شكلا والأمريكي جوهرا سيكون هو الوكر الذي ستجمعهم فيه واشنطن قبل انطلاقهم بحرب حرق العباد والبلاد في ليبيا، بيد أن هذا الخيار يظل – بحسب تقرير لمجلة السياسة المصرية – مقلقا أيضا لواشنطن، بسبب انطواءه على تهديد اكتشاف الليبيين مبكرا لمرامي هذه الحرب، ما سيتسبب حتما ليس بحرمان هذه الحرب من الحواضن الشعبية الشديدة الأهمية لحروب الوكالة فحسب، بل وبتعريض المرتزقة أنفسهم الذين تتصاعد شدة كراهيتهم بين الليبيين، إلى خطر انقلاب الأهالي الذين سيتأذون منهم عليهم، ما سيخلق أخطر التهديدات على واشنطن وموسكو معا، وهو توحد الليبيين تحت ضدهما تحت راية الجهاد التي يمكن لرفعها أن تكون جذابة جدا للعشرات من الجماعات المتطرفة الضارية التي يعج بها كلا من المغرب العربي ضمن خلايا نائمة وإقليم الساحل والصحراء ضمن تكوينات صريحة ومتحدية.

وتأسيسا على ما سبق، يتكهن أحد الملحقين العسكريين الغربيين الذي يعمل بسفارة بلاده بدولة مغاربية بارتفاع احتمال لجوء واشنطن وشركاءها الغربيين إلى تكوين فيلقهم الأوروبي في ليبيا بخليط من المرتزقة والمليشيات المحلية، وتحت قيادة شخص – ما تزال  واشنطن تبحث عنه وتفضل أن يكون من أبناء القذافي بحال يأسهم من حفتر – مطلوب منه أن يكون زعيما محليا له حاضنته الشعبية وبمستوى إعطاء حرب الوكالة صفة الحرب الوطنية، وأن يكون ندا لحفتر بتنافس الاستقطاب الاجتماعي، بيد أن شركات عسكرية خاصة بينها شركة امنتيوم الأمريكية هي التي ستقود حروب المواجهه ضد الروس من خلف الكواليس، ولعل قيام واشنطن بترتيب اجتياح شركة امنتيوم العسكرية الخاصة لغرب ليبيا، والتي تعد أحد أهم المقاولين الخواص الذين يعتمد عليهم البنتاغون بتنفيذ البنيات التحتية لانتشاراته العسكرية خارج الولايات المتحدة، هو أحد أهم العلامات القوية على ما تخطط له واشنطن في ليبيا، بيد أن هذا المصدر توقع أن تشارك بحروب الوكالة هذه، شركات سبق لها وأن لعبت أدوارا بارزة بحروب الجيل الرابع بلبنان وأفغانستان والعراق وسوريا، وهي البلاك ووتر وشركة هاليبيرتون العسكرية الخاصة، وشركة سادات العسكرية التركية الخاصة، إلى جانب الـ جي فور اس  G4S أو الجيش الإنجليزي الشركاتي الخاص، وقرينته سكوبيكس Scopex الفرنسية.

كما أن واشنطن التي تسعى اليوم وبإصرار شديد، وهيمنة معلنة غير مسبوقة لإجبار القادة الليبيين على إنتاج ميزانية ليبية موحدة، في ظل استمرار إجبار القوى الأجنبية للقادة الليبيين، وعلى رأسهم واشنطن، بمواصلة ممارسة تمزقهم الحكومي والمؤسسي، والإعلان عن ترتيبها لتقطيع أوصال هذه الميزانية بين حكومتين متوازيتين وإلى درجة جرجرت بعثة الوصاية نفسها للتورط بهذه الضغوط، باستخدام واشنطن لخوري – بأول سفور لأسباب تنصيبها على رأس البعثة – بدفعها للصراخ بعلو صوتها  بإحاطتها الأولى أمام مجلس الأمن مطالبة بضرورة العمل على انتصار آخر السياسات الانتهازية الأمريكية في ليبيا وهي فرض (ميزانية موحدة على حكومتين!!)، ولعل أغرب المستغرب لدى الكثيرين  هو اندفاع واشنطن اليوم، التي سبق لها وأن منعت الليبيين منعا بات وعبر استخدام بعثة الوصاية نفسها من حيازة ميزانية لهم منذ حكومة علي زيدان وحتى اليوم، وإصرارها على توريطهم بالإنفاق عبر قاعدة 12/1 التي أشاعت الفساد بالبلاد، إلى جعل حيازة الليبيين لميزانية لحكومتين على رأس أهم وأولى أولوياتهم في ليبيا!!؟ بيد أن هؤلاء المستغربون لا بد وأنهم لا يعرفون، بأن هذه السعي الأمريكي الجديد في ليبيا لا يرتبط بتحقيق مصالح الليبيين كما جرت العادة مع كل سياسات واشنطن في ليبيا وإنما يرتبط بسعيها لتحقيق ثلاث مصالح مثلت غايات استراتيجية لها بهذا الوقت وهي: تعطيل الماكينات الروسية التي سبق وأن تورطت بطباعة أموال ليبية، كان لها دورا بارزا بتوفير تمويلات مالية مهمه للفيلق الأفريقي الروسي في ليبيا، بالإضافة إلى سعيها الأخطر وهو توفير التمويلات المطلوبة من أموال الليبيين لتأسيس فيلقها الأوروبي في ليبيا وتمويل جحيم حرب الوكالة التي تنوي خوضها ضد الروس بحال اضطرت إليها في ظل حقيقة الجنون الذي سيواجه به الكونجرس الأمريكي المتورط بتمويل المذابح بأوكرانيا والإبادة الجماعية، البيت الأبيض بحال تجرأ هذا الأخير على المطالبة بأي تمويلات لحربهم ضد الروس في ليبيا، ورغم أن أطرافا ليبية كانت قد اقترحت على واشنطن تمويل الفيلق الأوروبي من الأرصدة الليبية المجمدة، ورغم قبول واشنطن بدراسة هذه الفكرة، إلا أنها سرعان ما عادت وأعلنت تمسكها بفكرة الميزانية ورفض فكرة استخدام الأرصدة المجمدة جملة تفصيلا، ورغم تبريرها لرفض استخدام أجزاء من الأموال الليبية المجمدة بسبب الحاجة لموافقة مجلس الأمن التي ستضع هذا الطلب تحت خطر الفيتو الروسي طالما أن موسكو تعلم بأن هذه الأموال ستذهب إلى تأسيس الفيلق الأوروبي الموجه ضدها، إلا أنه وبالرغم من منطقية هذا التهرب، فإن الحقيقة التي تؤكدها مصادر حكومية روسية، هي أنه لم يعد هناك أموال ليبية مجمدة أصلا لدى الولايات المتحدة، لأنه سبق لواشنطن وأن أنفقت كل هذه الأموال على تمويل حرب أوكرانيا، كما أن نفوذ واشنطن القاهر على الأمم المتحدة عموما وعلى بعثة الوصاية على ليبيا على وجه الخصوص، قد يسر لها فعلا خلق ما يسمى بعملية صوفيا التي طورتها لاحقا إلى عملية إيريني، الواقعة برمتها تحت السيطرة المباشرة لقائد القوات الأمريكية بإيطاليا، والتي تسيطر بدورها على المياه الاقتصادية الليبية، وترعى أكبر حملة نهب للثروة السمكية فيها، كما أن نفوذ واشنطن على الأمم المتحدة وبعثة الوصاية قد قادها أيضا إلى الاستفادة من نظام الوصاية على ليبيا إضافة بخلق ما يسمى بمنظمة يوبام الأوروبية والسيطرة على إدارتها وتوجيهها  كليا بواسطة أفريكوم، وهي المنظمة الغريبة والغامضة التي تسيطر بدورها على أقل القرارات شأنا بتحديد مصير ومستقبل الحدود الليبية، بل والمتورطة عمليا بحكم حقيقة وواقع استمرار نزيف تدفق الهجرة غير الشرعية نحو ليبيا، رغم الوجود المبكر لهذه المنظمة الأوروبية الحليفة للنيتو بحكم تكوينها الغربي، والتي تدعي بأنها ما بعثت إلا لحماية الحدود الليبية، بينما تقول الحقائق الشاهدة على الأرض بأن هذه المنظمة ما وجدت إلا لتعطيل كل خطوة حقيقية لوقف هذا نزيف الهجرة غير الشرعية نحو التراب الليبي.

بيد أن انتهازية واشنطن حيال استغلال الأمم المتحدة وبعثة وصايتها في ليبيا لم تقف عند هذا الحد، حيث إن واشنطن هي التي تخطط وتشرف على إرسال من تسميهم بخبراء تابعين للجنة العقوبات الدولية الخاصة بليبيا، والتي تسيطر واشنطن كليا على توجيهها، للقيام بزيارات دورية مفاجئة للمؤسسة الوطنية للنفط، وتحديدا لإدارة التسويق الدولي، وعلى طريقة زيارات لجان التفتيش المفاجئة لوكالة الطاقة الذرية، وذلك لتعقب مصير كل سنت وكل قطرة نفط من مبيعات موارد الطاقة الليبية، إلى جانب استفادة واشنطن بلا حدود من نتائج الزيارات المفاجئة للمؤسسات المحلية التي تقوم بها بعثة الوصاية في ليبيا لكل القطاعات والمؤسسات المحلية لتفتش أوراقها وسجلاتها، بل وتفتيش حتى بنواياها، منذ الـ2011، وضمن ما يمكن تسميته بأكبر عملية هتك عرض ونهب لأسرار وخصوصيات دولة مستقلة، وتكستب هذه الزيارات الدورية صورة شبه فجائية وشبه تفتيشية، ولطالما قامت هذه الزيارات على معلومات وصلت إلى البعثة (من أو عن) هذا القطاع أو ذاك عن حالة تتطلب دك أنفهم بأمر من الأمور، وتشمل هذه الزيارات التي غالبا ما يصطحب فيها أعضاء البعثة غرباء معهم يقدمونهم باعتبارهم يتبعون المنظمة الفولانية أو مراكز الدراسات العلاني أو (حي الله) اسم من الأسماء التي ما أنزل الله بها من سلطان، كافة القطاعات دون استثناء بما فيها العسكرية والأمنية العلنية والسرية والكيانات المليشيوية، بل أني شهدت شخصيا ذات مرة إغلاق قطاع كليا بوجه المواطنين، وطرد من فيه منهم، وقبل وصول موكب البعثة بأكثر من ساعتين، أغلق خلالها ذلك القطاع كليا بوجوه المراجعين بعد أن تمت محاصرته بأشخاص مسلحين شديدي الغلظة والفظاظة، يصعب الجزم إذا ما كانوا ليبيين أم أجانب.

ويتذمر الكثير من الخبراء وكبار الموظفين المحليين – حد فيضان غضبهم بالمجالس والمحافل الاجتماعية – من استغلال بعثة الوصاية لهذه الهجمات المنظمة بجمع المعلومات، وما وصفوه بعمليات السطو على قواعد بيانات القطاعات من خلال ممارسة الفرق الأجنبية الزائرة والمجهولة والمتغيرة الوجوه للسيادة المتغطرسة على القطاعات الليبية، على اختلاف أنماطها، باسم أوهام الدعم ونقل الخبرة وتقديم المساندة الفنية، التي لطالما تعلمها خبراء البعثة من الخبراء الليبيين، بل ويتهم خبراء ليبيين بأن بعثة الوصاية قد أقامت ما يشبه حكومة الظل من خلال الجيش الجرار من العاملين فيها ممن تسميهم بالخبراء، والذين لا يوجد أي ضمانات لدى القطاعات الوطنية التي تمنحهم معلومات موسعة عنها وتفتح أمامهم قواعد بياناتها، عن انقطاع صلة هؤلاء الغرباء بأعمال التجسس، في ظل دور البعثة المتشعب والهلامي، وتقاطع أعمالها مع كثير من الدول والمنظمات المجهولة الأصل، وانعدام  الرقابة على أنشطة هؤلاء الخبراء من أي جهات موثوقة لدى الليبيين، إلى جانب طبيعة علاقات هؤلاء الغرباء الشبكية، وتنوع جنسياتهم، وتميز رواتبهم وامتيازاتهم التي تجعلهم على استعداد للدفاع عنهما بأي ثمن، خاصة مع انتماء جل هؤلاء إلى دول ضعيفة وغير قادرة على حمايتهم ضد التسلط الأجنبي، بل وغالبا ما ينحدرون من دول مأزومة أصلا كالسودان والعراق وسوريا ولبنان واليمن ودولا إفريقية تقع حكوماتها إما تحت الهيمنة الفرانكفونية أو الإنجلوسكسونية، كما عبر كثير من التكنوقراط الليبيين عن مخاوفهم من حجم ما  يتجمع ويتوفر لدى بعثة الوصاية من معلومات وبيانات وخطط ومخططات وبرامج وعناية بمصالح استراتيجية لدول، وبما يفوق ما توفر من معلومات وبيانات وقدرات لكل حكومات فبراير من أولها إلى آخرها، بل واعتبر هؤلاء بأن هذه القدرات الحكومية الضخمة المتجمعة لدى بعثة الوصاية يمكنه هز الإقليم (وليس ليبيا فحسب) هزا، بل ويصر هؤلاء على اعتبار أن ما يتكدس ببعثة الوصاية من معلومات بارزة وحساسة لا بد وأنه قد جعلها هدفا لكل أجهزة المخابرات الإقليمية والدولية ما يشكل خطرا شديدا على استقرار ليبيا لزمن بعيد، ولأن واشنطن هي المستفيد الأول والأوحد والأقوى من الأمم المتحدة ومن أمينها العام ومن كل وجود وخدمات بعثة الوصاية الأممية في ليبيا التي تسيطر من خلالها على الحكام المحليين وأدوات الحكم وتجمع من بينهم المعلومات والبيانات دون أن يسمح لهم بالاعتراض أو التحجج بالتصنيف السري للبيانات، ولأن واشنطن تحتاج وبشدة إلى توظيف إمكانات دولة بحجم وأهمية ليبيا بتصفية حساباتها مع دول، بل ومكافأة دول أخرى من اتباعها من موارد الليبيين القُصر، وهو ما بلغت خطورته حد إجبار وكيلها بالبنك المركزي على منح قروض وودائع صفرية لدول هي أفضل حالا على كل الصعد من ليبيا، بل إن بين هذه الدول من تعد دولا عظمى عند مقارنتها بليبيا الفاشلة والمنهارة والمحتلة، لتصبح هذه الأموال المهدورة (والتي بات مشكوكا باستردادها أصلا، بل إن بعضها قد تمت تسويته فعلا بفواتير تعج بالفساد والأرقام المزورة لتوريد معدات حربية وتقديم خدمات قتالية وعلاج مقاتلين) من بين أهم أسباب انهيار الوضع الاقتصادي في ليبيا، إن كل هذه وغيره مما يصعب جدا حصره، من مظاهر النفوذ الأمريكي على بعثة الوصاية على ليبيا، لن يشكل لها تغيير خوري بشخص آخر غير موال لواشنطن برئاسة بعثة الوصاية في ليبيا، إلا كابوسا حقيقيا، وخاصة بحال وقوع تهديد نجاح موسكو وبكين وباريس بالمجيء برئيس بعثة يلتزم ولو الحياد النسبي تجاه كافة القوى الأجنبية المتدخلة بليبيا، ومن هنا كانت حقيقة أنه ما استنسخت النعجة دُولّي ليسمح لجزار غبي بذبحها قبل أن يحقق منها مستنسخها ما أراد تحقيقة من علو ونصر.

ما هي الحالة الوحيدة التي يمكن لواشنطن أن تخضع فيها لتعيين وصي أممي خلفا لباتيلي!؟

لا بد من التأكيد بداية على أن واشنطن قد قامرت فعلا بمستقبل بعثة الوصاية على ليبيا بتحويلها “للمستنسخة خوري” إلى وصية جدلية، تنظر إليها كلا من موسكو وبكين وربما باريس أيضا بل وربما قوى دولية أخرى تعول على تطوير مصالحها في ليبيا وتواجه بعداء شديد من نفوذ واشنطن على البعثة من نوع الحديث الشائع بين نافذين ليبيين عن لعب البعثة لدور مباشر بإغلاق كل الأبواب بوجه الحضور الاقتصادي الصيني، حيث إن كثيرا من القوى الأجنبية باتت تنظر إلى بعثة الوصاية على ليبيا على أنها مجرد خادمة للسياسات الأحادية الأمريكية الموجهه برمتها للاستحواذ الكامل على ليبيا، وعليه فإنه من غير المستبعد أبدا أن تواجه البعثة تهديدا حقيقيا لوجودها نفسه، حيث إنه من غير الطبيعي أبدا أن ترى موسكو وبكين عدوتهم واشنطن وهي تستخدم بعثة الوصاية في ليبيا استخداما حادا ضد مصالحهما فيها دون أن يحركا ساكنا، وهما اللذين يمتلكان زرا بإمكان أحدهما أو كليهما، كبسه مجرد كبسة لتنطفيء كل أضواء بعثة الوصاية وتذهب نحو العدم والفناء، بل ولعل ما لا بد وأنه يقلق واشنطن وبشدة، هو يقينها بأهمية الشعبية الجماهيرية التي يمكن لصاحب هذه الكبسة أن يحظى بها في ليبيا بسبب تنامي شدة كراهية الليبيين لبعثة الوصاية عليهم وتحميلهم لها (وهم محقون) لكل ما يجتاحهم من مظاهر عجز وفشل دولتهم ولكل ما يفسد استقلالهم ويخرب استقرارهم من فتن وفساد وعنف.

وعليه فإننا إذا ما أضفنا عبارة «في أقرب وقت ممكن»، التي وردت في أول بيان حاسم صدر عن مجلس الأمن الدولي فور إعلان غوتيريش عن قبوله لاستقالة باتيلي، وهي العبارة التي قصد بها المجلس تعيين خلفاً لهذا الأخير بأسرع الآجال، إلى موقف موسكو المبكر من خوري، والذي ظهر  فور الإعلان عن تعيين غوتيريش لها على طريقة الهجرة غير الشرعية وأهداف التسلل ببعثة الوصاية على ليبيا، وضمن منصب صمم سلفا وعمدا ليؤهلها لقيادة البعثة فور غياب باتيلي بصورة طارئة أو دائمة، والذي وصفته وسائل إعلام روسية مقربة من الكرملين بالتنصيب المتلاعب بالإرادة الدولية، واتهام واشنطن بعودتها إلى ضلالها القديم، في إسقاط مباشر على إعادة استنساخها لما سبق وفعلته مع ستيفاني وليامز، وإذا ما زدنا على هذا تلميح أحد الكُتَّاب المقربين من بوتين إلى أن موسكو قد تجد نفسها بوضع تعتبر فيه بعثة الوصاية في ليبيا مجرد قسم من أقسام السفارة الأمريكية بطرابلس، بل والتهديد – وهذا ما سبق لموسكو وأن لوحت به فعلا بمناسبات سابقة – برفض روسيا وربما الصين أيضا، التجديد لولاية جديدة لأنسميل في ليبيا، فإن واشنطن التي تعتبر البعثة إحدى أهم (أذن لها في ليبيا) من بين جملة (وذانها) التي تجر البلاد منها بأسنانها عضا من الـ2011، وحتى ساعتنا هذه، فإننا هنا، وهنا فقط، علينا الاطمئنان إلى حتمية خضوع واشنطن للقبول بإجراء مداولات جادة حول تعيين مبعوث أممي جديد يكون خلفا لخوري فور تحول تهديد موسكو جديا بإلغاء بعثة الوصاية في ليبيا.

ورغم الاحتمال المرتفع لمواصلة واشنطن استهتارها بالنطام الدولي واستمرارها بتجاهل عواقب محاولاتها التفرد المتغطرس بالنظام الدولي، الذي بلغ مداه بإحالتها بوتين للجنائية الدولية، برفضها للاستجابة لأي إجراءات روسية لإنهاء وجود بعثة الوصاية في ليبيا، بمطالبة البعثة على الأرجح بالاستمرار بأداء مهامها، إلا أن واشنطن حتى لو فعلت هذا فإنه ستفعله لمجرد اكتساب بعض الوقت قد تنجح فيه دول موالية لها بإقناع روسيا ولو بالتمديد المؤقت للبعثة، فواشنطن تعلم يقينا بأنها ستكون واهمة جدا بحال تصورت قدرة البعثة على مواصلة نشاطها في ليبيا في ظل الانقسام الدولي الحاد الذي سيجري حولها بحال أعلنت موسكو رفض وجودها واعتبارها كيانا ملغيا، بل إن واشنطن ستكون هنا قد وجهت واحدة من أعنف ضرباتها لتهشيم النظام الدولي الذي تتربع وثنا منفردا على سدته حتى اليوم، بيد أن الحقيقة التي لا تقبل الشك، هي أن واشنطن التي تعتبر ليبيا كنزها الثمين الذي لطالما لاحقته منذ ظهور قواتها البحرية لأول مرة بالخامس والعشرين من أكتوبر من العام 1775 بحسب المؤرخ الأمريكي فريدريك تورن، والتي تعتبر قرار حماية المدنيين وبعثة الوصاية في ليبيا من بين أهم أدوات صيدها التاريخية لليبيا لتحقيق الاستحواذ على هذا الكنز العظيم، فإنها لن تسمح لموسكو بدفن بعثة الوصاية في ليبيا (التي تعد حقيقة ومنذ ظهورها قسما من أقسام السفارة الأمريكية في ليبيا كما وصفها ديميتري ارتكين ذات مرة) ولو كلفها ذلك القبول بوضع شقيق بوتين أو شي جين بينغ على رأس بعثة الوصاية في ليبيا.. فالمهم الأهم هو بقاءها كيان احتلال على رؤوس الليبيين وكل ما يأتي بعد هذا يهون على واشنطن.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

مقالات مشابهة

  • النعجة دُولّي.. التي تمنع ظهور مبعوث أممي جديد في ليبيا! (الجزء الثاني)
  • اندلاع اشتباكات في أعقاب الفوز المفاجئ لليسار في الانتخابات الفرنسية
  • إيقاف يسران المقطري عن العمل وتعيين بديل له في أعقاب اختطاف عشال في عدن!
  • البعثة الأممية: نأمل أن يضع العام الهجري الجديد ليبيا على طريق الانتخابات
  • بايدن يحث مؤيديه على التلاحم من أجل توحيد أمريكا مرة أخرى
  • بايدن يحث مؤيديه على "التلاحم" من أجل توحيد أمريكا مرة أخرى
  • البيان الختامي لمؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية: الأزمة في السودان تسببت في كارثة إنسانية "مريعة"
  • نائب رئيس «المؤتمر»: الحوار الوطني أثرى الحياة السياسية والحزبية في مصر
  • عقيل: لا يجري الحديث عن الانتخابات إلا لإشغال الليبيين عن الانتباه لما يخطط لبلادهم من سوء
  • التكبالي: ما حدث في منفذ رأس اجدير يؤكد عدم امكانية إجراء أي انتخابات في أمد قريب