بعيدًا عن صور الحزن، وما رافقه من تضامنٍ إنساني غمر شبكات التَّواصل الاجتماعي، فإنَّ اِلتقاطَ ظاهرةٍ غيرِ عادية، خلال الزِّلزال الذي ضرب المغرب بقوة 7 درجات على مقياس ريختر أمر مثيرٌ للانتباه. وتتمثَّل هذه الظَّاهرة في تجلِّي ضوءٍ أزرق بسماء المغرب قبل لحظات قليلة من وقوع الزِّلزال.

شاهد الكثيرُ ممن اهتمَّ بأخبار زلزال تركيا الذي وقع خلال شهر فبراير من هذا العام الظَّاهرة نفسها، كما لاحظ سكَّان المكسيك خلال زلزال 2017 برقًا انتشر في سمائها لحظات قبل وقوع الكارثة.

ولقد تمَّ رصدُ هذه الظَّاهرة المتكرِّرة بين عامي 1965 و1967 باليابان، حيث لاحظ الكثيرون انتشار ضوءٍ بارقٍ بسماء الجبال المجاورة لماتسوشيرو؛ المدينة التي وقعت بها الهزَّات الأرضيَّة.

وفي الواقع، فإنَّ هذه الظاهرة تبدأ في شكل إضاءةٍ سماويةٍ ثمَّ تنتهي في الأخير في شكلٍ كالبرق حسب ما تُظهره مقاطع الفيديو. وبطبيعة الحال، فإنَّ هذه الظاهرة لن تكون مجهولة لدى العلماء، الذين يطلقون عليها اسم «أضواء الزَّلازل» «برق الزَّلازل» أو «اللَّمعان الزِّلزالي».

وإذا كانت هذه الظَّاهرة تمثِّلُ حقًّا فرصة جيِّدةً للتَّذكير بالمقولة الرَّاسخة التي تقول إنَّ «الارتباط بين الأحداث لا يعني بالضَّرورة وجود علاقة سببية»، فإنَّ تكرارها يجعلنا نبحث في الواقع عن هذه السَّببيَّة المحيِّرة. فعلى الرغم من ملاحظة هذه الإضاءات المثيرة للاهتمام بشكل خاص عند منابع المياه أو بالقرب من الأحداث الزِّلزالية، إلَّا أن المجتمع العلمي لا يزالُ منقسمًا في إصدارٍ إجماع بشأنها.

يوجد من بين الباحثين من يُرجع ذلك إلى حدوث تماسٍّ كهربائي في المحطَّات الكبرى لتوليد الطَّاقة الكهربائية، وهو ما يعطي وهجًا يصبح أقوى ليلًا. ويوجد من جهةٍ أخرى من يعتقد غير ذلك، فلقد نشر باحثون من أمريكا الشمالية عام 2014 دراسة في مجلة Seismological Research Letters أطلقوا على هذه المظاهر الضَّوئية اسم «اللَّمعان الزِّلزالي». وعلَّلوا هذه الظَّاهرة بكونها ناتجة عن الشُّحنات الكهربائية للصُّخور المنصهرة التي ترتفع إلى السَّطح أثناء الهزَّات الزِّلزالية. ستقوم الكهرباء بعد ذلك بشحن ذرَّات الأوكسجين الموجودة في الهواء، ممَّا يعطي لاحقا الأضواء البرَّاقة.

في هذا السِّياق نفسه، يفسِّر البروفيسور يوجي إينوموتو من جامعة «شينشو» هذه الظَّاهرة بكونها ناتجة عن انزلاق الصُّخور عن بعضها البعض ثمَّ دخولها في تصادم عنيف أثناء حدوث الزِّلزال. ويعمل هذا الانزلاق والتَّصادم على انبعاث ضوءٍ بارقٍ يُسمَّى بالانقداح.

وعلى ضوء هذه النَّظريَّة، يقسِّمُ فريق البروفيسور يوجي إينوموتو أنواع البرق بحسب أنواع تضاريس الجبال والسُّهول وبحسب طبيعة الصُّخور التي تتوزَّع بين الجرانيت وصخور الحمم البركانية والريوليت والحجر الجيري والسربنتينيت.

وتفيد النَّتائج التي توصَّل إليها الفريق بأنَّ الغلافين الصَّخري والمائي واقترانهما بالجوي قد يساهم في شحن نطاقٍ واسعٍ يدفعُ بالبرق للظُّهور، وهو أمرٌ يساعدُ مستقبلًا على اقتراح طريقةٍ يتمُّ من خلالها تفعيل عملية رصد مسبقة للزِّلزال وكذلك تعزيز الوقاية منه.

كيف يمكن للأقمار الصِّناعية تسريعُ عمليات الإغاثة؟

لم تتوقَّف الإحصائيات بعدُ عن عدِّ الضحايا الذين سقطوا تحت أنقاض الزلزال، ولا يزال متطوِّعون حتَّى اللَّحظة يبحثون عن ناجين بالمغرب.

وإنَّه لَمِن غير الممكن لا سيما في حالة الكوراث (العواصف، الأعاصير، الفيضانات، والزلازل...)، توجيه جهود الإغاثة والمساعدات الإنسانية كالماء والغذاء والأفرشة والخيام بالشكل السَّريع إلَّا باستخدام الطائرات للأجواء، خلافا للمساحة البرِّيَّة التي تمنع الوصول إلى المناطق المتضرِّرة. ولحصول هذا الغرض، يتضمن ذلك مبدئيًّا رسم خرائط لحالة الطُّرق والجسور والمباني، مع تحديد السُّكان الذين يتجمَّعون في مناطق يُعتقد أنَّها آمنة من الهزَّات الارتدادية المحتملة كالملاعب أو الأماكن المفتوحة. ومن أجل توجيه أعين الأقمار الصِّناعية بسرعة نحو المناطق المعنية، طلبت منظمة الأمم المتحدة صباح يوم السَّبت 9 سبتمبر ونيابة عن المنظمة الإنسانية الدولية، والاتحاد الدولي لجمعيات الصَّليب الأحمر والهلال الأحمر تفعيل الميثاق الدُّولي «الفضاء والكوارث الكبرى».وفي هذه العملية، تتمُّ برمجة الأقمار الصِّناعية البصرية والرَّادارية الأكثر تلاؤمًا لثماني وكالات فضائية. وبمجرِّده قيامها بالمسح الضَّوئي، توفر هذه الوكالات الصَّور الأولى للصباح الموالي، بعد مرورها فوق المنطقة، وهو الوقت المناسب لتحميل خارطة طريق لكيفيَّة استغلال الأجواء والوصول إلى المناطق المتضررة.

تعمل الأقمار الصِّناعية الرَّادارية من جهةٍ أخرى على استكمال المعلومات الواردة من الأقمار الصِّناعية الضوئية، لأنها تعمل أيضًا في الليل وعبر السُّحب، ويمكنها نقلُ الانهيارات الأرضية صورةً مع رصد التغيرات التي طالت التَّضاريس من حيثُ العلوُّ والانخفاض.

ولقد تمَّ إنشاء هذا الميثاق من قبل المركز الوطني لدراسات الفضاء ووكالة الفضاء الأوروبية عام 1999، وسرعان ما انضمَّت إليه وكالة الفضاء الكندية. وتجتمع اليوم 17 وكالة فضاء معًا لتوفير صور الأقمار الصِّناعية مجَّانًا وفي أسرع وقت ممكن للمناطق المتضرِّرة. ولقد تم تفعيل الميثاق لـ837 مرة منذ عام 2000 في أكثر من 134 دولة.

ويُعرّف الميثاق الدُّولي «الفضاء والكوارث الكبرى» الكارثة بأنَّها حدثٌ واسع النِّطاق ومفاجئ وفريدٌ من نوعه ولا يمكن السَّيطرة عليه، ويؤدِّي إلى خسائر في الأرواح البشرية أو أضرار في الممتلكات وفي البيئة ويتطلب استجابة طارئة، كما يتطلَّب اتِّخاذ إجراءاتٍ عاجلة لتوفير البيانات والحصول عليها أيضًا.

وفي الواقع، فإنَّه يتمُّ تتم برمجة الأقمار الصناعية، بمجرد وقوع الكارثة، وذلك لالتقاط صور للمناطق المتضررة خلال فترة زمنية قصيرة جدًا. كما يمكن تعبئة أكثر من ستين قمرًا صناعيًا بصريًا أو راداريًا في أيِّ وقت.

وبالاعتماد على تحديد نوع الكارثة، ستتم تعبئة أقمار صناعية مختلفة، بناءً على سيناريوهات الأزمة المحددة مسبقًا من بينها: TerraSAR-X/Tandem-X, QuickBird-2, Radarsat, Landsat-7/8, SPOT, Pléiades, Sentinel-2 notamment.

تشبه الصُّور البصرية تلك التي تتم مشاهدتها من الفضاء، وهي صورٌ سهلة التَّفسير في مقابل صور الرَّادار، على سبيل المثال، التي يصعب تفسيرها من قِبل المبتدئين. وهكذا، وفي أعقاب الكارثة، تتمُّ إعادة صياغة معلومات الأقمار الصِّناعية لجعلها واضحة. فعلى سبيل المثال، يتمُّ تحويل هذه الصُّور إلى خرائط للتَّدخل لرجال الإنقاذ، وخرائط تسمح للسُّكان بالبقاء في يقظة وحيطةٍ وحذر، وخرائط أخرى للمناطق المحروقة أو المغمورة بالفيضانات تقدِّمُ تقديرات للأضرار لصانعي القرار.

ويعدُّ العمل التَّعاوني بين المستخدمين الميدانيِّين ومشغِّلي الأقمار الصناعية أمرًا ضروريًا. فلقد تم إحراز تقدُّمٍ بفضل الابتكارات في مجال تقنيات مراقبة الأرض (لا سيما بخصوص أداء الدِّقة البصرية (التي تتراوح من 50 إلى 20 مترا ثم بعد ذلك إلى 30 سنتيمترا حاليا) وفي برامج معالجة البيانات ثلاثية الأبعاد، وذلك بفضل الأدوات الرَّقمية المتطوِّرة التي يمكن أن تربط بين الأقمار الصِّناعية والبيانات المتوفِّرة بالموقع المعني. فضلًا عن كلِّ هذا، ساهمت الاحتياجات الميدانيَّة في تطوير عمليات التَّدخل التي رسمها الميثاق من حيث وقت تسليم المنتجات والأغراض المقدَّمة للمتضرِّرين وجودتها.

وينبغي الإشارة إلى أنَّه في بعض الحالات، لا يمكن تفعيل الميثاق، إمَّا لأن الهدف المعني بالتَّدخُّل يقع خارج نطاق الميثاق (حيث الحروب والنِّزاعات المسلحة)، أو لأن الصُّور لا يحظى اِلتِقاطُها في بعض الأحيان باهتمام كبير (كصور موجات الحرِّ والأوبئة)، أو لأن الظَّواهر تتطوَّر ببطء شديد (كالجفاف مثلًا) وهو ما يتعارض مع مضمون حالة الطَّوارئ التي لأجلها وُضِعَ الميثاق.

__________________________

الهواري غزالي، أستاذ محاضر بجامعة باريس

منشور بمجلة «sciences et vie»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ة التی

إقرأ أيضاً:

بقوة قنبلة نووية.. الصين تختبر سلاح ميكروويف يدمر الأقمار الصناعية

زعم باحثون صينيون أنهم طوروا سلاحاً جديداً عالي الطاقة، يعمل بالميكروويف، يتمتع بقوة تعادل الطاقة الكهرومغناطيسية المنبعثة من انفجار نووي.

وبحسب ما ورد في موقع "إنترستينغ إنجينيرنغ"، فإن هذا السلاح يتميز بحجم صغير نسبياً، مما يجعله قد يغير قواعد اللعبة في العمليات العسكرية المضادة للطائرات المسيرة والأقمار الصناعية.

ولا يزال السلاح قيد التطوير ولم يخرج من المختبر، لذلك لم يتم اختباره ميدانياً بعد.
ويمكن للأسلحة مثل هذا السلاح أن تسبب أضراراً كبيرة، وحتى تدمر المكونات الإلكترونية، مما يجعلها لا تقدر بثمن للعمليات العسكرية الحديثة.
وتعمل العديد من الدول في جميع أنحاء العالم على تطوير أسلحتها عالية الطاقة، حيث أفادت التقارير أن الولايات المتحدة تخطط لنشر بعضها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ قريباً.
وفي معظم الحالات، وإن لم يكن كلها، تتألف أسلحتها عالية الطاقة من هوائي من نوع طبق القمر الصناعي بدرجات متعددة من الدوران، لاستهداف الأهداف حسب الرغبة.
ومع ذلك، تستخدم الأسلحة عالية الطاقة الصينية الجديدة تقنية الإرسال المصفوفة الطورية، بدلاً من ذلك، حيث الجهاز عالي الطاقة بمستويات طاقة القنبلة النووية يسمح بتركيز الطاقة بدقة، وزيادة نطاقها الفعال وتعزيز تأثيرات الضرر، وتمكين الهجمات المتزامنة على أهداف متعددة، وفقاً للباحثين المشاركين في المشروع.
غير أن أن هذا الإعداد كان يُعتبر غير عملي لفترة طويلة، لأنه يميل إلى أن يكون غير مستقر نسبياً.

ويزعم الباحثون الصينيون تغلبهم على التحديات مع التكنولوجيا، وتمكنهم من إنتاج موجات ميكروويف تقترب من 1 غيغاوات (GW) في الطاقة.
ووفقاً للباحثين من الجامعة الوطنية لتكنولوجيا الدفاع في تشانغشا ومعهد نورث ويست للتكنولوجيا النووية في شيان، تنتج التكنولوجيا موجات كهرومغناطيسية دوارة يمكن تحويلها إلى حالات أكثر استقراراً

كما طوروا وسيلة لتوزيع الموجات الكهرومغناطيسية في 8 قنوات مستقلة لهوائيات المصفوفة الطورية.
وتم تحقيق ذلك، وفقاً لتقارير صحيفة ساوث تشاينا مورنينجغ بوست (SCMP)، باستخدام مقسم طاقة فريد بحجم مروحة قاعدة منزلية، ومن خلال القيام بذلك، يمكن للجهاز عالي الطاقة إخراج 80000 فولت لكل متر، وهذا مماثل للنبضات الكهرومغناطيسية التي تولدها انفجارات الأسلحة النووية.

مقالات مشابهة

  • الإمارات تحييّ الذكرى الثالثة لهجوم الحوثيين على أبوظبي وتعتبره امتحاناً
  • «فورسايت 2» خطوة استراتيجية في تطوير برنامج الفضاء الإماراتي
  • القليوبية .. السيطرة على حريق شب فى عقار سكنى دون خسائر فى الأرواح
  • الأقمار الاصطناعية تظهر شكل غزة قبل وبعد الحرب (صور)
  • تفاصيل وقوع حادث تصادم «تريلا» بسيارتين في مصر الجديدة
  • السيطرة على حريق شب بشاحننين تبريد بالدقهلية
  • وقوع امرأة ضحية لمنتحلي شخصية النجم براد بيت
  • «سبيس 42» تُطلق المرحلة الثانية من كوكبة «أقمار فورسايت»
  • بقوة قنبلة نووية.. الصين تختبر سلاح ميكروويف يدمر الأقمار الصناعية
  • لحظة مرعبة: راكب يوثق زلزالًا قوته 6.8 درجة على متن طائرة في اليابان .. فيديو