خلال 10 أيَّام.. هذا ما سيجري في عين الحلوة
تاريخ النشر: 20th, September 2023 GMT
خلال لقائه يوم أمس مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المُتحدة في نيويورك، كان الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس واضحاً في موقفه بشأن أحداث مُخيم عين الحلوة حينما أكّد حرصه على تحقيق التهدئة هناك، ومعالجة الأمور وفق القانون اللبناني وبالتنسيق مع الدولة اللبنانية.
"الكلامُ الحاسم" من عباس يُشير إلى أنَّ ما تقرِّرهُ الدولة في لبنان بشأن أحداث المُخيم سيكونُ سارياً على الجميع، وبالتالي فإنَّ أيَّ خطواتٍ سيجري اتخاذها على صعيد مركز القرار في الدولة، سيتوجّبُ على كافة الفصائل الفلسطينيّة داخل عين الحلوة الإلتزام بها.
حالياً، تطغى الإيجابيةُ على الإتصالات المُتواصلة للحفاظ على التهدئة في المُخيم منذ الخميس الماضي، ووسط ذلك تتحدّثُ "حركة فتح" عن أنَّ المُهلة لإنهاء ملف تسليم المطلوبين بجريمة إغتيال القيادي في الحركة أبو أشرف العرموشي باتت ضيقة ويجب إنجاز ما يجب إنجازهُ قبل نهاية شهر أيلول الجاري، أي في غضون 10 أيام. هنا، فإنّ مضمون هذا الكلام جاءَ على لسانِ المُشرف على السّاحة اللُّبنانية في "فتح" عزَّام الأحمد، وقد فسرتهُ مصادر متقاطعة بأنّه إيذانٌ بإمكانية تجدُّد التوتر إن لم تنجح المفاوضات على صعيد التهدئة وتسليم المطلوبين للدولة اللبنانية. بشكلٍ جازم، تقولُ مصادر مُقرّبة من "فتح" لـ"لبنان24" إنَّ "الوقت بدأ ينفد للمُهل التي أعطيت لتسوية الملف بالطريقة المطلوبة"، وقالت: "الحركة لن تتراجع بتاتاً عن خياراتها ومطلبها واضح: تسليم قتلة العرموشي للقضاء. الضغطُ لإتمام هذا الأمر مطلوب كي لا نشهد على تراخٍ ومماطلة في القضية، ونؤكد أنّ المُهل ليست مفتوحة كما يظنّ البعض وفي طليعتهم حركة حماس". أمام ما يُقال، يمكن القول إن مُخيم عين الحلوة يقفُ عند مُفترق طرق خلال الأيام الـ10 المقبلة، فإما إن تنجح الوساطات أو تتدحرج الأمور مُجدداً نحو إشتباك آخر. بدورها، لم تستبعد مصادر فلسطينيَّة أخرى أن ينهارَ وقف إطلاق النار جزئياً خلال وقتٍ قريب في حال وصلت الأمور على صعيد تسليم المطلوبين إلى "حائطٍ مسدود" قبل نهاية أيلول، في وقتٍ تقول فيه معلومات "لبنان24" إنَّ العمل على هذا الملف قائمٌ وبسريّة تامة، ومن يتولى التنسيق مع المسلحين في المخيم هي حركة "حماس" ولكن عبر وسطاء أبرزهم "الحركة الإسلاميّة المُجاهدة" و "عُصبة الأنصار".
الأمرُ الأكثر بروزاً أيضاً في ما قاله عزام الأحمد كان في إتهام "حماس" بالمُشاركة في الإقتتال الأخير داخل المخيم، وتقولُ مصادر مُقربة من "فتح" إنَّه كانت للحركة عناصر مقاتلة في منطقتين أساسيتين هما الرأس الأحمر وحطين، مشيرة إلى أنَّ مقاتلي الحركة "إندمجوا" في المعارك وأطلقوا النار على مُسلحي "فتح" بشكلٍ علني وواضح.
كيف تردّ "حماس" على ذلك؟
في حديثٍ عبر "لبنان24"، يقولُ ممثل "حماس" في لبنان أحمد عبد الهادي إنَّ الحركة تُتابع وبجدية بالغة، تنفيذ إتفاق وقف إطلاق النار في عين الحلوة بكافة بنوده، وذلك بالتنسيق مع "فتح" و حركة أمل"، وذلك إستناداً لتوجيهات من رئيس مجلس النواب نبيه بري، ويقول: "كذلك، فإن تركيزنا يتمحور حول ملف تسليم المشتبه بهم بجريمة إغتيال العرموشي، والعملية العسكرية لا تُحقق الهدف المرتبط بتسليم المطلوبين بل هي ستُساهم بتدمير المخيم وهذا ما حصل. لذلك، فالجميع لبنانياً وفلسطينياً رفضَ العملية العسكرية بعدما رأينا أن ما جرى لم يسفر سوى عن التدمير والتهجير لسكان المخيم وأبنائه". ورداً على ما يُقال عن "إعطاء مُهل" لتسوية الملف، يردّ عبد الهادي قائلاً: "لم يتم الاتفاق على أي مهل، لكن العمل يجري بجدّية تامّة، ولا يوجد شيء سهل وسلس كما لا يوجد شيء مستحيل، ونحنُ نتحرك بهذا الجهد لمعالجة الملف القائم إنطلاقاً من مسؤوليتنا ومنعاً لاستمرار تدمير المخيم وتهجير أهلنا منه، وليس لأنَّ حماس تمون على المجموعات المُسلحة أو تغطيها". ورداً على سؤال عن سبب تحرّك "حماس" العلني بقوة على خط ملف المخيم بعد الجولة الثانية تحديداً وليس منذ الجولة الأولى للقتال، أجاب عبد الهادي: "حماس تحرّكت بفاعلية منذ اللحظة الأولى وبشكلٍ غير مُعلن والدولة والمرجعيات الفلسطينية واللبنانية كانت على علمٍ بذلك، لكننا لم نأخذ وقتنا بسبب استمرار المعارك".
كذلك، نفى عبد الهادي ما يُقال عن أنّ "حماس" تسعى للسيطرة على المُخيّم، واصفاً هذا الكلام بـ"الكذبة التي من خلالها يتم تبرير إستهداف الحركة والتحريض عليها"، وقال: "لا نية لنا في لبنان لإضفاء أي سيطرة أمنية، كما أنه لا يُمكن لأي طرفٍ فلسطيني أن يُسيطر على المخيمات، ونحنُ نؤمن بالعمل الفلسطيني المشترك، ونسعى دوماً لتفعيله، كما نُؤمن بالشراكة الوطنية والدولة اللبنانية لا تسمح ولا تقبل بحدوث عمليات إلغاء بين الأطراف". وخلال حديثه، يُفسّر عبد الهادي سبب رفض "حماس" للإشتباكات الأخيرة في عين الحلوة، ويقول: "الحركة إستنكرت الجرائم التي ارتكبت سواء بقتل عبد الرحمن فرهود أو بقتل أبو أشرف العرموشي، وهي طالبت بتسليم المشتبه بهم بجريمة إغتيال الأخير. إلا أن ما حصل هو أنّ الإخوة في حركة فتح بادروا إلى شن عمل عسكريّ وبشكل منفرد فوراً بعد اغتيال العرموشي للاقتصاص ممن فعل ذلك ومن دون الرجوع إلى هيئة العمل الفلسطيني المشترك كما هو متفق عليه في ميثاقها الذي وقعنا عليه جميعاً". وأضاف: "الخيار العسكري كما حصل لا يؤدي إلى أيّ نتائج عملية سوى الدمار والتهجير وذلك مثلما حصل في حي الطيري عام 2017 حينما تم شن عملية أمنية لإنهاء بلال بدر وفي النهاية لم يجر إعتقاله.. الآن تكرر سيناريو الإشتباكات ولم يتم تحقيق أي نتيجة. الأهم أيضاً هو أننا متفقون على توصيف الجماعات المُسلحة، وفي بياننا المشترك مع حركة فتح عندما التقينا معها في السفارة الفلسطينية، قمنا بتبيان موقفنا من تلك الجماعات بشكلٍ واضح وشفاف".
وتابع: "الخلافُ مع فتح كان على الطريقة للوصول الى تسليم المشتبه فيهم، فنحن بوضوح ضد استخدام المعارك العسكرية لتحقيق ذلك. إن مواقفنا من المسلحين واضحة منذ البداية، لكن الخلاف على الآلية، كما أن الحملة الإعلامية السياسية التي شُنت ضدنا هي التي حرّفت الحقائق واتهمت الحركة زوراً بأنها تغطي هذه المجموعات". "الدولة تعلم كل شيء"
لم يتوانَ عبد الهادي خلال حديثه في التطرق إلى الجماعات المسلحة والحديث عنها من دون الكشف عن مصادر تمويلها ودعمها، ويقول: "المعنيون في الدولة يعلمون كل شيء. هذه الجماعات ليست وليدة اليوم، وإنّما تجمّعت عبر سنوات طويلة وهي ليست جماعة واحدة، وإنما عدة مجموعات متفرقة بل متباينة عقدياً وفكرياً ومصلحياً، وما يوحدها هو التهديد والمصيبة". وكشف عبد الهادي أنَّ تلك المجموعات المسلحة "إستفادت من الحرب في سوريا"، مشيراً إلى أنّ هناك عناصر غريبة دخلت وخرجت من المخيم، وقال: "هناك عددٌ لا يُذكر من اللبنانيين والسوريين ما زالوا في عين الحلوة ضمن الجماعات المسلحة، فيما الجزء الأكبر من العناصر هو من أبناء عين الحلوة وعائلاته المعروفة".
وانتقدَ عبد الهادي الكلام عن دعم "حماس" لتلك الجماعات، وقال: "ما قيل يندرج في إطار الإدعاءات الباطلة وأوضحنا ذلك للإخوة في حركة فتح، ولو كان هناك معلومات لدى الأجهزة الأمنية عن أي دعم من حماس لتلك الجماعات سواء بالمال أو بالسلاح، لما ترددت الدولة في مراجعتنا ومفاتحتنا بالأمر، لكن هذا الأمر لم يحصل أبداً".
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: فی عین الحلوة عبد الهادی حرکة فتح ما حصل
إقرأ أيضاً:
الهادي إدريس لـ«الشرق الأوسط»: حكومتنا لإبعاد «شبح الانقسام» في السودان
لندن: (الشرق الأوسط) في ظل الأوضاع المتأزمة التي يعيشها السودان منذ اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) 2023، برزت خطوة إنشاء حكومة «موازية» في مناطق سيطرة «قوات الدعم السريع»، لتثير مزيداً من القلق والمخاوف، والرفض داخلياً وإقليمياً ودولياً، والخوف على مستقبل السودان وتمزقه، ومواجهة خطر تقسيم ثانٍ، لكن داعمي هذه الخطوة الذين وقعوا دستوراً جديداً ووثيقة ترسم خريطة طريق للحكم، أخيراً، يرون أنها فرصة كبرى نحو سودان جديد يتمتع بالحرية والديمقراطية والعدالة، وينقذ البلاد من شبح التشرذم والفوضى.
تهدف الحكومة الجديدة، التي تُعرف بـ«حكومة السلام والوحدة»، حسب القائمين عليها، إلى إعادة بناء الدولة على أسس العدل والمساواة، وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين في جميع أنحاء السودان، وليس في مناطق «الدعم السريع» فحسب. وأرسلوا رسائل طمأنة للسودانيين ودول الجوار، بأن الهدف هو الحفاظ على وحدة السودان.
هذه المبادرة، التي تأتي في وقت حرج، تطرح نفسها كحكومة موازية للحكومة التي يساندها الجيش، وتتخذ من مدينة بورتسودان، عاصمة مؤقتة لها، تأمل في كسب ثقة السودانيين ودعم المجتمع الدولي من خلال إثبات جديتها في إنهاء الحرب وإعادة بناء الدولة على أسس ديمقراطية وعلمانية لا مركزية.
فهل ستنجح هذه الحكومة في تحقيق السلام المنشود، أم أن التحديات ستكون أكبر من قدرتها على التغيير؟ هذا ما سنحاول استكشافه في لقاء مع الدكتور الهادي إدريس، القيادي البارز في تحالف «تأسيس»، الذي يقف وراء إنشاء «حكومة موازية».
يقول إدريس، وهو عضو سابق في مجلس «السيادة» السوداني، إبان حكومة الثورة الثانية، التي كان يرأسها الدكتور عبد الله حمدوك، إن «الحكومة التي نريد تكوينها هي حكومة سلام ووحدة... نحن، كقوة سياسية وعسكرية، كنا حريصين منذ البداية على حل الأزمة السودانية التي اندلعت في 15 أبريل 2023 بشكل سلمي، وبذلنا جهوداً كبيرة لدفع القوى المساندة لاستمرار الحرب، نحو الحوار والتعاطي مع المبادرات السلمية المختلفة بشكل إيجابي، (جدة والمنامة وجنيف)، لكن للأسف، فإن الجيش وسلطة الأمر الواقع في بورتسودان، رفضا التفاوض. فكان لزاماً علينا، التفكير في وسائل أكثر فاعلية لدفع الأطراف نحو الحوار وإيقاف الحرب، فكان إنشاء حكومة موازية تسعى للقيام بواجباتها نحو قطاع كبير من الناس لا يجدون العناية الكافية».
أسباب رفض الجيش للحوار
ويرأس إدريس أيضاً تحالف «الجبهة الثورية» الذي يضم حركات مسلحة من دارفور وتنظيمات سياسية خارج دارفور، مثل مؤتمر البجا المعارض بقيادة أسامة سعيد، وحركة «كوش» السودانية من أقصى الشمال، يقول: «نحن نعرف جيداً لماذا يرفض الجيش الذهاب إلى طاولة المفاوضات، السبب الرئيسي هو وقوعه تحت تأثير الحركة الإسلامية وأنصار وفلول النظام البائد، الذين يرون أن أي عملية سياسية ستخرجهم من المشهد وتقلص نفوذهم. لذلك، هم حريصون على استمرار الحرب رغم ما تسببه من كوارث وآلام وتشريد للمواطنين، كما أن هناك حركات مسلحة متحالفة مع الجيش ترى في استمرار الحرب مصلحة شخصية لها، حيث تعتمد هذه الحركات على استمرار الصراع لضمان بقائها، وبقاء مصالحها. وبعضها يقوم بعمليات سلب ونهب لممتلكات المواطنين، في وسط الفوضى الضاربة بأطنابها في السودان حالياً».
سياسات التقسيم
ويتهم إدريس قادة الجيش السوداني باتخاذ إجراءات تعرض البلاد للتقسيم من خلال إصدار عملة جديدة في مناطق سيطرتهم، وحرمان مناطق أخرى، وإعلانهم عن بدء الدراسة في مناطق دون أخرى، وفتح المجال لإصدار وثائق السفر والهوية لبعض الأشخاص وحرمان الآخرين. إضافة إلى إصدار قانون غريب يعرف باسم (الوجوه الغريبة). وأشار إلى أن «هذه الإجراءات قد تؤدي إلى تقسيم البلاد، وهو ما نرفضه تماماً».
وتابع إدريس «الحركة الإسلامية لديها مشروع لتقسيم البلاد، وقد قسمت الجنوب من قبل. نحن الآن نقوم بإجراءات لتأمين وحدة السودان. نحن نؤمن بوحدة الوطن، ويجب أن يبقى دولة موحدة، وأن أي حل يجب أن يأخذ في الاعتبار مصالح جميع السودانيين، بغض النظر عن انتماءاتهم الجهوية أو العرقية أو الثقافية... وحتى نوقف عملية التقسيم الجارية، طرحنا إنشاء حكومة السلام والوحدة الوطنية».
حكومتنا لكل السودانيين
يقول القيادي في «تأسيس»: «حكومتنا ليست لدارفور وحدها أو (الدعم السريع) أو إقليم بعينه، بل هي لكل السودان، من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب. أعددنا دستوراً يضمن حقوق الجميع، ووقع عليه أشخاص وكيانات مختلفة من جميع مناطق السودان». وأوضح أن الحكومة المقبلة ستكون مسؤولة عن إعادة بناء الدولة وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، بما في ذلك التعليم والصحة والأمن».
مخاوف محلية وإقليمية
وعلى الرغم من أن دولاً في الجوار السوداني ومنظمات دولية وإقليمية رفضت وبشكل قاطع أي حكومة موازية في السودان، بما فيها الأمم المتحدة ومنظمة «إيغاد» في القرن الأفريقي، فإن إدريس الذي يرأس أيضاً حركة تحرير السودان/المجلس الانتقالي، يقول إن مخاوف الناس في غير محلها، مع حقهم في أن يشعروا بالقلق، «ولكن عندما ترى حكومتنا النور، سيرون أننا مع الوحدة والسلام والاستقرار، وليس العكس».
ويضيف: «نحن نعمل على طمأنة دول الجوار بالتأكيد على أننا دعاة وحدة ولسنا مع تقسيم السودان. ونعتقد أن تقديم الخدمات للناس المحرومين منها، حتى الذين في مناطق الجيش، والعمل على حماية حقوقهم، سيكسبنا ثقة المجتمع الدولي، ودول الجوار القلقة. وإذا قمنا بفتح الحدود للمساعدات وحمينا الناس من الانتهاكات التي تحدث على الأرض، فإن نظرة العالم لنا ستتغير، وسيتعامل معنا بشكل إيجابي».
قضية الاعتراف
ويرى إدريس أن قضية الاعتراف بالحكومة الجديدة «لا تشغل لنا بالاً»، ويشير إلى زيارات قاموا بها في السابق إلى أوغندا وكينيا، وإثيوبيا وتشاد، حيث لمس تعاطفاً مع قضيتهم. وقال: «هذه الدول لديها مصلحة في استقرار السودان»، بدليل أنهم استُقبلوا في أوغندا من قبل الرئيس يوري موسيفيني نفسه، وفي كينيا فتحت لهم أبواب الاستضافة، ورحب بهم الرئيس ويليام روتو.
«في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، قابلنا رئيس الوزراء آبي أحمد. وذهبنا إلى تشاد واستقبلنا رئيسها محمد إدريس ديبي، بالإضافة إلى عدد آخر من الدول». وقال: «لا يعني ذلك أنهم يريدون الاعتراف بنا، ولكن يعكس اهتمامهم بالأوضاع في البلاد؛ لأن استمرار الصراع في السودان قد يؤدي إلى أزمات كبرى في بلادهم والمنطقة بأكملها». وأضاف: «لذلك، هم حريصون على استقرار السودان. ومن المؤكد عندما ننشئ حكومتنا، سنزور هذه البلدان، مرة أخرى وسيستقبلونا هذه المرة بوصفنا سودانيين ندير شأن السودان».
فشل الدولة القديمة
يقول إدريس إن «العالم يتغير من حولنا... ظهر عهد جديد في لبنان، ونظام جديد في سوريا، في أعقاب النظام القمعي القديم. ومن وجهة نظري، أن الأنظمة القديمة لم يعد لها مستقبل. ومنذ الاستقلال عام 1956، لم تنجح أيٌّ من هذه الأنظمة في تأسيس دولة وطنية تحفظ البلاد وتعلي شأنها. فتاريخ السودان منذ الاستقلال هو تاريخ صراعات واضطرابات. الناس تسأل: لماذا يهرب المواطن من بلده منذ عام 1956؟ لأنه لا يوجد استقرار. يوضح هذا أن هناك خللاً في تركيبة الدولة الوطنية. أنا أرى موجة جديدة من التغيير في الطريق... هناك دول ستنهض على أنقاض الدولة القديمة... لذلك، نحن في اجتماعاتنا في نيروبي تحدثنا عن ضرورة قيام دولة ديمقراطية علمانية لا مركزية، تحفظ حقوق جميع المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم الإقليمية أو العرقية».
دور متوقع للإدارة الأميركية
يقول إدريس: «كان للولايات المتحدة دور مهم منذ اندلاع الحرب في السودان عام 2023، وبذلت إدارة الرئيس جو بايدن السابقة الكثير لمساعدة السودان، لكنها لم توفق في إيقاف الحرب. ونحن نأمل أن تلعب الإدارة الأميركية الجديدة والرئيس دونالد ترمب دوراً أكثر فاعلية، باستخدام سياسة الجزرة مع كل الأطراف حتى يتحقق السلام. نحن منفتحون، وحكومتنا حكومة سلام. وجاهزون للتعامل مع أي طرف يمكن أن يقود إلى حل الأزمة. نتطلع إلى أن تأتي الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة بسياسات جديدة وواضحة وقوية تستطيع أن تضغط على الأطراف كلها لوقف هذه الحرب اللعينة».
حماية المدنيين من القصف الجوي
يقول القيادي في «حركة تحرير السودان»: «من مسؤولية أي حكومة أن تحمي مواطنيها... وإلا فستكون بلا قيمة. سيكون لدينا وزير دفاع مهمته البحث عن آليات دفاعية تهدف في الأساس إلى حماية المواطنين المدنيين. بكل السبل وبكل الوسائل الممكنة. كما نعمل على إنشاء نواة للجيش الجديد من القوات الموجودة المؤيدة لحكومتنا؛ من الحركات المسلحة و(الدعم السريع)، والحركة الشعبية/شمال، ومن حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي، وكل الفصائل المسلحة. سنؤسس لهيئة أركان مشتركة. وبعد إيقاف الحرب، سيكون هذا الجيش نواة للجيش الجديد. هذا الجيش سيكون مسؤولاً عن حماية الحدود والحفاظ على الأمن الداخلي، ولا دخل له بالسياسة».
ويضيف: «لن يكون هناك جيشان منفصلان بعد الآن، بل جيش واحد موحد. نحن ضد تعدد الجيوش كما تفعل حكومة بورتسودان الحالية، حيث يوجد العديد من الميليشيات والجيوش المتعددة. نحن نرى أن أحد أسباب اندلاع الحرب كان تعدد الجيوش، لذلك لن نكرر هذه التجربة. ومن اليوم الأول لتشكيل الحكومة، سنعمل على جمع كل هذه القوات في جيش واحد، بما في ذلك (قوات الدعم السريع)».
العملة ووثائق السفر
يؤكد إدريس أن «الحكومة الجديدة ستكون لديها عملة ووثائق سفر وجوازات، مشيراً إلى أن قضية العملة كانت أحد أهم الأسباب وراء التفكير في قيام حكومة جديدة. وأضاف في العديد من مناطق السودان، يعتمد الناس على نظام المقايضة، لأن حكومة بورتسودان جففت العملة من المناطق التي لا توجد فيها، حيث يتم تقايض السلع مثل الملح والسكر والقمح بسبب عدم وجود عملة متداولة. في بعض المناطق، لا توجد أموال متوفرة، مما يجعل الحياة صعبة للغاية... لذلك، ستكون إحدى المهام الأساسية للحكومة هو إصدار عملة جديدة. سيتم تحديد اسمها لاحقاً، وستعكس المبادئ والقيم التي نؤسس عليها الدولة الجديدة والميثاق الذي وقعناه». وقال إنه سيتم إصدار الجوازات والوثائق الثبوتية، وستكون متاحة لجميع المواطنين.
موعد إعلان الحكومة
وبشأن موعد إطلاق الحكومة الجديدة، يقول القيادي البارز في «تأسيس»، إن «مشاورات مكثفة جارية حالياً لتحديد موعد الإطلاق. ونتوقع أن يتم في غضون شهر، وسيتم الإعلان من داخل السودان». وقال إن لديهم العديد من الخيارات بشأن المواقع والمدن التي يمكن أن يتم فيها الإعلان، سيتم الكشف عنها خلال الأيام المقبلة.
الاتصالات مع قيادة «الدعم السريع»
يقول الهادي إدريس: «نحن على اتصال مستمر مع قيادة (الدعم السريع)، وعلى وجه الخصوص مع القائد محمد حمدان دقلو (حميدتي)». أضاف: «أنا شخصياً أتحدث معه بشكل يومي تقريباً، وكان آخر اتصال لي معه قبل يومين، وقد نتواصل معه مرة أخرى هذه الليلة (ساعة إجراء الحوار)». نتعاون معه في العديد من القضايا، ونناقش معه الاتفاقيات والوثائق المطلوبة. نعمل معه بشكل جيد، ولا توجد مشاكل في التواصل. وهو بخير وصحة جيدة، بعكس ما يروجون».
وبشأن الانتهاكات التي تُتهم «قوات الدعم السريع» بارتكابها، وما إذا كانت ستنعكس على الاعتراف بالحكومة الجديدة، يقول إدريس: «الانتهاكات مرفوضة تماماً، نحن ندين أي انتهاكات تحدث. لا أحد فوق القانون، وأي شخص يرتكب جرائم يجب أن يحاسب. هذا ينطبق على جميع الأطراف، بما في ذلك (الدعم السريع). العقوبات الأميركية وجهات دولية أخرى اتهمت كلا الطرفين المتحاربين بارتكاب انتهاكات ولم تستثنِ أحداً».
ويضيف: «نحن همنا الآن إيقاف الحرب. وبعد الحرب، سنعمل بوصفنا سودانيين على إنشاء آلية وطنية تكشف الحقائق للناس: من الذي ارتكب الجرائم؟ ومن الذي بدأ الحرب؟ ومن الذي تسبب في موت الناس وهجرتهم؟ وإلا فإن هذا البلد لن ينعم بالاستقرار».
العلاقات مع «صمود»
وعن العلاقات مع نظرائهم المدنيين في تنظيم «صمود» التي يرأسها الدكتور عبد الله حمدوك، يشير القيادي السوداني البارز إلى أنهم متفقون في الأهداف الكبرى والتوجهات السياسية، وفي قضية إيقاف الحرب، ومواجهة الحركة الإسلامية التي أشعلت الحرب، ومختلفون فقط في الوسائل: هم يرون أن إيقاف الحرب يجب أن يتم بالوسائل السلمية والمناشدات. نحن نرى أننا ناشدنا بما فيه الكفاية، والبلد يسير في طريق الانهيار بسبب تعنت الطرف الآخر، وبالتالي رأينا مواجهة الطرف المتنطع بإنشاء حكومة تنتزع منهم الشرعية».
وتابع: «نحن على تواصل دائم معهم... والاختلاف في الوسائل لا يفسد للود قضية. وسيكون بيننا تعاون في المستقبل كبير، خاصة في سبيل حل الأزمة».
لا خوف من الفشل
يرى إدريس أن القادة الحزبيين وزعماء القوى المسلحة يمتلكون الخبرة والدراية الكافية، ويتمتعون بخبرة واسعة في إدارة الدولة، وشارك معظمهم في وظائف في الدولة. وقال: «أنا كنت عضواً في مجلس السيادة، وآخرون كانوا وزراء. لو كنا نشك في إمكانية الفشل، ما كنا أقدمنا على هذه الخطوة. كثيرون عبروا عن مخاوفهم... بينهم الأمم المتحدة وغيرها... نحن نتفهم المخاوف الدولية... والتجربة ستثبت العكس، والانتقادات ستتحول إلى إشادات، وسيتعاملون معنا».
المشاركة في المفاوضات
وبشأن المشاركة في أي مفاوضات جديدة في المستقبل، يقول إدريس: «نحن منفتحون لأي مبادرة جادة ومسؤولة لحل الأزمة، سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية... لكننا لن نتعاطى معها إلا بصفتنا الجديدة بصفتنا حكومة سلام وحكومة شرعية».