حكايتي مع ” الورَّاق ، مقال للروائي الأردني جلال برجس عبر “أثير”
تاريخ النشر: 20th, September 2023 GMT
أثير- جلال برجس
هبطت ذات يوم شتائي إلى وسط البلد في عَمان؛ إحدى مفضلاتي المكانية في المشي بمفردي. أتأمل وجوه الناس، أنصت للضجيج، وأنصاع لروائح لا يعرفها الشقُّ المترف من عَمان. أفعل ذلك بحثًا عن صورة الولد القروي الذي كان يجلس على الربوة يحتضن رأسه بين كفيه ويحدق بالمدينة؛ فزارها بعد زمن، وأصيب بالحنين.
كانت وسط البلد في ساعات الظهيرة تلك، مثل أم ما إن أطل رأس الشمس على الكائنات بعد برد ومطر قاسيين، حتى راحت تستدرج الدفء مشرعة النوافذ والأبواب، ومخرجة كثيرًا من مقتنيات البيت قبالة أشعة الشمس الدافئة. تذكرت كيف كنا أنا وأخوتي نتدحرج على الفرشات الصوفية، وأكوام الوسائد، وأغطية النوم ملقاة في حوش البيت والشمس تطرد منها رطوبة فصل الشتاء. أرخيت بدني على مقعد على الرصيف، أدخن، وأتقلب بين ما تمده إليَّ يدُ الذاكرة، وبين ما أراه. بيوت صار بعضها مقاهي يهرب من نوافذها دخان (النراجيل)، وبعضها الآخر هجرها أهلها لأسباب منها العيش في الطرف الغربي من عَمان. استعدت ما قرأته لـ (باشلار) عن الأمكنة؛ فأخذت أنصت للأصوات العالقة في جدران البيوت، والساكنة في جنباتها. تخيلت نساء يجلسن في الشرفات، ورجالًا يقرأون الصحف، وفتيات ينظرن من بين الملابس وهي على حبال الغسيل إلى جهة تنهر القلب بيد البهجة.
مر بائع الصحف غريبًا أمام نهم العصر الرقمي بابتلاع كل شيء ملموس؛ فاشتريت جريدة، ورحت أتأمل عناوين تنبئ بتبدلات عالمية مرعبة. هاجمني الخوف، فتساءلت: ما الذي يخيفك في هذا العالم؟ في تلك اللحظات كنت أنظر إلى بيت فارقه ساكنوه، وأفكر بالبلاد بيتي الكبير، وبجسدي بيت روحي. قلت في سري: إلى متى ستصمد تلك البيوت ووحوش الزمن الجديد على حدودها؟
غادرت المقعد أمشي في زحام ازداد أكثر مع اتساع رقعة الشمس الدافئة. كانت أكشاك الكتب تعرض بضاعتها؛ فتأملت كتبي، ومضيت، ألتفتُ إلى الوراء بأمل، ثم تخيلت رجالًا يزيلون الأكشاك ويلقون الكتبَ في حاويات القمامة. عرجت على (مطعم أبو أحمد)، جلست إلى طاولة قرب النافذة، وفتحت دفترًا صغيرًا يرافقني دومًا، وكتبت بضعة سطور تشرح الفكرة، ثم أخذت أضع مخططًا أوليًّا، ومسارات للشخوص. حين انتهيت نظرت إلى الدفتر، وهو ملقى على الطاولة، ثم إلى أكشاك الكتب، والبيوت، والزحام، وإلى نفسي؛ فكتبت بين هلالين عنوان الرواية: (دفاتر الوراق).
بقيت لأشهر أتأمل الفكرة بلا انقطاع، وأجري تعديلات على المخطط، وإبراهيم الوراق يرافقني. كان عليَّ أن أتجاوز بابه، وأمضي إلى داخله؛ لأفهم من هذا الرجل الذي سيحكي رواية يكتبها في مصح نفسي، وأن أعرف وبشكل عميق رجلًا وحيدًا في مدينة صاخبة، يهرب متقمصًا شخصيات روايات أحبَّها، ووجد تقاطعًا بين عوالمها وبين عالمه الغريب؛ لهذا قررت أن أتقمص شخصيته، وأتخلى عن سيارتي، وأمشي بملابس رثة، وبإحساس كائن وحيد لا يعرف أحدًا في مدينة جاء إليها في بواكير طفولته. لم أكترث بنظرات كل من استغربوا سلوكي الجديد. تجولت في أماكن تنتمي إليها شخصيات الرواية. واجهت أبوابًا موصدة جرَّت عليَّ مشاكل لم تكن بالبال، وأبوابًا مشرعة عرَّفتني بالشارع، وأهله. كنت أجد متعة كبيرة في عيشي داخل الورَّاق؛ إذ بقيت لأشهر على هذه الحالة من التقمص، إلى أن حدث ما حدث، وأنا أعود من عملي عند غروب ماطر. طوال الطريق من (المفرق) إلى عَمان كنَّا شخصًا واحدًا، تماهى بي، وتماهيت به أمام شمس داخلية حارقة بزغت لبرهة ثم تلاشت، يشكو لي وحشة الغروب، وكيف يهطل الليل ليسقي أشجار الوحشة. كان يقرفص في زاوية غرفة معتمة وراء بؤبؤيَّ، وينظر إلى الأشياء كيف تخبو ألوانها شيئًا فشيئًا أمام سطوة دهّان يجيء كل يوم في اللحظة ذاتها، ويمعن بالعتمة. وكنت من وراء بؤبؤيه أنظر إلى الشارع والعربة تلتهمه كأنه أفعى كونية تهدد سكينة الكائنات. يشكو لي عطشه للبهجة، وجوعه للسكينة. وكنت أشكو له حاجتي لحياة نبتةٍ على ضفة نهر تجري مياهه بهدوء رقيق. غنيت طوال الطريق بسري للوراق وهو يرخي رأسه على كتف روحي وينشج بصمت الذين ما تبقى أمام عتمتهم سوى شكل بعيد للأمل. قرأ لي قصائد لم أسمع بها من قبل؛ قصائد تشبه غناء رجال غامضين يهبطون جبلًا وفي أيديهم مشاعل في ليلة معتمة حد الخوف. لم يلاحظ أحد من ركاب حافلة العمل شيئًا عليَّ، ولم يسمعوا عما يحدث بيني وبين الوراق.
عند الإشارة الضوئية هبطت من الحافلة ورفعت ياقة معطفي اتقاء لنسمة الهواء الباردة وصعدت الشارع. لا أدري من فعل ذلك؛ أنا أم هو! كنت على الجهة اليسار، كنّا على الجهة اليسار، وأنا أعبر الشارع نحو اليمين وهو يغني لي بصوت تشوبه بدايات البكاء. ورمزي -المستريح من رحلة طويلة مع السرطان-يقود سيارته على الجهة اليمين. غامضة تلك اللحظة التي لا تتجاوز ثانيتين. كانت السيارة تسرع نحوي وشريط حياتي يمر أمام عينيَّ بسرعة خاطفة، يعرض صورًا، وينقل لي أصواتًا متداخلة. لا أدري من قفز إلى الوراء؛ أنا أم إبراهيم الوراق، لكنني أتذكر كيف طار الورَّاق معي في الهواء، إثر ضربة السيارة لجسدي، وأتذكر كيف أخذ بلهفة يتفقد يدي، ورأسي الذي ارتطم بالإسفلت، وكأنه يخشى على فرصة خروجه من تلافيفي السرية إلى بياض الورق.
أتت الصدفة بابني؛ فرأيته يقف عند رأسي وأنا ملطخ بالوحل، أنظر في وجهه مبتسمًا، وهو يمنعني من أية حركة في انتظار سيارة الإسعاف. كان إبراهيم الوراق ما يزال معي ويشير إلى مفازات جديدة في الرواية. في المستشفى طلبت ورقة وقلمًا، ودونت أمام استغراب الطبيب ما قاله لي الوراق، وحشرت الورقة في جيبي، واستسلمت للألم.
بعد أسبوع من الاستلقاء في السرير، وتلقي العلاج، بدأت بكتابة الرواية. وجدتُ أن نصف ما خططت له غير صالح للكتابة، وأن هناك مسارات جديدة خلقت لم أفكر بها من قبل. كنت أكتب يوميًا؛ أجلس إلى طاولتي من الساعة الثامنة مساء حتى الثانية عشرة منتصف الليل، أربع ساعات لي من يوم عمل أخرج إليه عند شروق الشمس، وأصل بيتي عائدًا منه عند غروبها. ثلاث سنوات أمضيتها برفقة الورَّاق، كانت كفيلة بأن تتشبث هذه الشخصية بي، وتقف حائلًا بيني وبين كتابة جديدة. شخصية لا حل للتخلص منها سوى اغتيالها من دواخلي؛ طريقتي في الذهاب إلى رواية جديدة. بعد صدور دفاتر الرواية تلاحقت طبعاتها بسرعة، ومضت في طريقها إلى العالم العربي. كنت أخشى أن مزاجها السوداوي سيقف عائقًا بينها والقراء، لكن معظمهم وجدوا أن الوراق وقف على خشبة مسرح الرواية وقال ما لم يقولوه.
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
مقال في واشنطن بوست يهاجم زيلينسكي: إما الاعتذار لترامب أو الاستقالة
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للصحفي مارك ثيسن قال فيه إن الرئيس دونالد ترامب تعهد علنا، يوم الخميس، بمساعدة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على استعادة الأراضي المحتلة من قبل روسيا على طاولة السلام.
وقال ترامب خلال اجتماع في المكتب البيضاوي مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر: "تم الاستيلاء على الكثير من ساحل البحر، وسنتحدث عن ذلك. وسنرى ما إذا كان بإمكاننا استعادته أو استعادة الكثير منه لأوكرانيا".
بعد يوم واحد، انخرط زيلينسكي في حرب كلامية غير مسبوقة مع ترامب في المكتب البيضاوي، وبعد ذلك تم تأجيل التوقيع المخطط له على صفقة معادن تاريخية بين البلدين.
كان الانفجار خطأ زيلينسكي. لفهم السبب، يحتاج المرء إلى مشاهدة الاجتماع الذي دام50 دقيقة بالكامل. لقد استقبل ترامب زيلينسكي بلطف، وأشاد بشجاعة الشعب الأوكراني وقدرته على الصمود، ورفض الخلاف السابق بينهما باعتباره "شجارا تفاوضيا صغيرا".
حتى بعد أن رفض زيلينسكي طلب البيت الأبيض بارتداء بدلة، أشاد ترامب بملابسه، قائلا: "أعتقد أنه يرتدي ملابس جميلة". وأشاد ترامب بصفقة المعادن التي توصلوا إليها وقال: "نتطلع إلى الدخول والحفر والحفر والحفر". وتعهد علنا بمواصلة المساعدات العسكرية لأوكرانيا، بل إنه طرح إمكانية "أنه من الممكن" أن يلتزم بقوات أمريكية إلى جانب القوات البريطانية والفرنسية لتوفير الأمن بعد التوصل إلى اتفاق سلام.
كان ينبغي أن يكون هذا مُرضيا لزيلينسكي. كان ينبغي له أن يتقبل الفوز. ولكن بدلا من ذلك، بعد حوالي 24 دقيقة - قبل وقت طويل من تبادله المقتضب مع نائب الرئيس جيه دي فانس - بدأ زيلينسكي في انتقاد ترامب أمام المراسلين المجتمعين.
فقد رفض زيلينسكي فكرة ترامب بشأن وقف إطلاق النار الفوري، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة لترامب، الذي تعهد بوقف القتل، لأنه قال إن بوتين كان قد انتهك وقف إطلاق النار 25 مرة.
قال ترامب: "لم يكسر [وعده] لي أبدا". ناقضه زيلينسكي: "لا، لا، كنتَ الرئيس". كرر ترامب: "لم يكسر لي أبدا". وبدلا من ترك الأمر يمر، ناقضه زيلينسكي مرة أخرى: "في عام 2016، كنت الرئيس، يا سيدي الرئيس"، وأضاف: "لهذا السبب لن نقبل أبدا وقف إطلاق النار فقط. لن ينجح الأمر بدون ضمانات أمنية".
لماذا اختار زيلينسكي التحقق من صحة تصريحات ترامب أمام العالم أجمع بدلا من مناقشة حكمة وقف إطلاق النار خلف الأبواب المغلقة؟
بعد لحظات قليلة، بعد أن اشتكى ترامب من تدمير المدن الأوكرانية، قاطعه زيلينسكي مرة أخرى. "لا، لا، لا، عليك أن تأتي، يا سيدي الرئيس، عليك أن تأتي وتنظر. لا، لا، لا، لدينا مدن جيدة جدا". ثم اقترح أن ترامب وقع في فخ الدعاية التي يروج لها بوتين، معلنا: "بوتين هو الذي يشارك هذه المعلومات بأنه دمرنا". لكن ترامب كان محقا: لقد تم تدمير العديد من المدن الأوكرانية.
وكانت مداخلة زيلينسكي متهورة وغير ضرورية. لقد كان في واشنطن لعلاج صدع بدأ باقتراحه العلني بأن ترامب كان يعيش في "مساحة التضليل" الروسية، وهو الاقتراح الذي دفع ترامب إلى مهاجمة زيلينسكي ووصفه بأنه "ديكتاتور بلا انتخابات". لماذا يفعل ذلك مرة أخرى؟ يمكنك أن ترى سلوك ترامب يتصلب مع كل تناقض علني من زيلينسكي.
ثم سأل صحفي بولندي ترامب عما إذا كان قد انحاز إلى بوتين أكثر من اللازم. فرد عليه "تريد مني أن أقول أشياء فظيعة حقا عن بوتين ثم أقول، 'مرحبا فلاديمير، كيف حالنا مع الصفقة؟' هذا لا يعمل بهذه الطريقة".
كان هذا عندما تدخل فانس وقال: "لمدة أربع سنوات في الولايات المتحدة الأمريكية، كان لدينا رئيس وقف في المؤتمرات الصحفية وتحدث بشدة عن فلاديمير بوتين ثم غزا بوتين أوكرانيا ودمر جزءا كبيرا من البلاد. ربما يكون الطريق إلى السلام والطريق إلى الرخاء هو الانخراط في الدبلوماسية".
لم يكن هناك سبب لزيلينسكي للتعليق على تدخل فانس المهدئ حول فضائل الدبلوماسية. لكنه أدخل نفسه في المناقشة ووبخ فانس، مشيرا إلى أنه "خلال الفترة من 2014 إلى 2022 ... كان الناس يموتون على خط التماس. لم يوقفه أحد" متهما ترامب فعليا بالوقوف متفرجا بينما كان الأوكرانيون يقتلون. ثم أكد أن بوتين انتهك وقف إطلاق النار الذي وقعه في عام 2019 أثناء وجود ترامب في منصبه. قال زيلينسكي، مناديا نائب الرئيس باسمه الأول: "أي نوع من الدبلوماسية تتحدث عنه، جيه دي؟"
كان هذا كل ما يحتاجه فانس، الناقد لأوكرانيا. "أنا أتحدث عن نوع الدبلوماسية التي ستنهي تدمير بلدك"، رد فانس بإيجاز، مضيفا، "السيد الرئيس، بكل احترام، أعتقد أنه من غير المحترم أن تأتي إلى المكتب البيضاوي وتحاول التقاضي في هذا الأمر أمام وسائل الإعلام الأمريكية".
بعد ذلك، اندلعت الجحيم.
لم يكن ينبغي لزيلينسكي أن يناقش أي خلافات مع ترامب أمام وسائل الإعلام. وكما أشار الجنرال المتقاعد جاك كين على قناة "فوكس نيوز"، "كان ينبغي له أن يفهم عند دخوله المكتب البيضاوي اليوم أنه عندما تكون الكاميرات قيد التشغيل ... فإن الإجابة الوحيدة على الأسئلة يجب أن تكون، من وجهة نظر زيلينسكي، 'شكرا لك، السيد الرئيس. شكرا لك، أمريكا. سأعمل معك لتحقيق نهاية سلمية لهذه الحرب وانتهى'".
كين محق. كان ينبغي أن يكون هذا اجتماعا مليئا بالترحاب والبهجة للاحتفال بصفقة المعادن. ولكن في واقع الأمر، لم يكن زيلينسكي راضيا عن هذا. بل اختطف الاجتماع، وتدخل عندما لم يُطرح عليه سؤال، باحثا عن فرص للمقاطعة وإثبات وجهة نظره. ولو كان صامتا، لتم توقيع صفقة المعادن، ولكانت الولايات المتحدة استثمرت ماليا في استقلال أوكرانيا، ولكان قد بدأ في وضع استراتيجيات مع ترامب حول كيفية استعادة أراضيه أثناء المفاوضات. ولكن بدلا من ذلك، نفر زيلينسكي الرجل الذي يعتمد عليه مصير بلاده، وهو الرجل الذي كان يتحدث قبل لحظات فقط عن إمكانية إرسال قوات حفظ سلام أمريكية إلى أوكرانيا.
والأسوأ من ذلك هو رفض زيلينسكي العنيد للاعتذار وإصلاح الخلل. وخلال مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" في ذلك المساء (والتي كان ترامب يشاهدها على الأرجح)، أعطى بريت باير زيلينسكي فرصا متكررة للقيام بذلك. وبدلا من ذلك، ضاعف الرئيس الأوكراني جهوده. فأجاب زيلينسكي عندما سئل عما إذا كان مدينا لترامب باعتذار: "لا". وأضاف: "أعتقد أنه يتعين علينا أن نكون منفتحين للغاية وصادقين للغاية، ولست متأكدا من أننا فعلنا شيئا سيئا". كان الأمر أشبه بمشاهدة رجل يغرق ويستمر في تلقي طوق النجاة لكنه يرفض الإمساك بها.
كان ينبغي لزيلينسكي أن يبقى في واشنطن حتى يتم إصلاح الخلاف. لقد منحه ترامب مخرجا. في منشور على موقع "تروث سوشيال"، قال إن زيلينسكي "يمكنه العودة عندما يكون مستعدا للسلام". كان ينبغي لزيلينسكي أن ينتهز هذه الفرصة ويرسل إلى ترامب مذكرة مكتوبة بخط اليد يعبر فيها عن حزنه لأن الاجتماع قد خرج عن مساره، ويأسف على الدور الذي لعبه في تخريبه، ويعلن عن نيته العمل مع ترامب من أجل السلام. ولكن بدلا من ذلك، رفض الطريق الذي عرضه عليه ترامب، وركب طائرته وغادر.
كان عناده ميزة في شباط/ فبراير 2022، عندما رفض الفرار من كييف في مواجهة القوات الروسية المتقدمة. لكن اليوم، أصبح عبئا. انتزع زيلينسكي الهزيمة من بين فكي النصر. لم يكن هناك "كمين". لقد تم إعداده للنجاح. كل ما كان عليه فعله هو الابتسام، وشكر ترامب والشعب الأمريكي والتوقيع على صفقة المعادن. ولكن على الرغم من ذلك، فقد منح بوتين النصر، وعزز من قوة الجمهوريين المناهضين لأوكرانيا، وأضعف يد أولئك الذين يريدون مساعدة أوكرانيا في تحقيق سلام عادل ودائم.
إن التفسير الأكثر سخاء لسلوك زيلينسكي هو أنه منهك. فقد كان يقود أمة تتعرض لهجوم وحشي ببطولة لمدة ثلاث سنوات. وهو يزور الخطوط الأمامية بانتظام، حيث يرى المذبحة التي أطلقها بوتين بنفسه. إن مشاعره متوترة، وصبره قليل.
ولكن زيلينسكي لا يتمتع برفاهية الانفعال على المسرح العالمي. فأوروبا لا تمتلك القدرات العسكرية التي تحتاجها أوكرانيا للبقاء. ولا يمكن لأوكرانيا أن يكون لها رئيس لا يتحدث مع رئيس الولايات المتحدة.
في الوقت الحالي، يبدو زيلينسكي غير قادر على إدارة علاقات بلاده مع ترامب. يمكن لترامب أن يكون كريما وقد أوضح الطريق إلى المصالحة: إذا اعتذر زيلينسكي، فسوف يدعوه ترامب للعودة إلى البيت الأبيض للتوقيع على اتفاقية المعادن وسيتم التسامح مع كل شيء. في الوقت الحالي، يرفض زيلينسكي، ويصر على أنه لم يرتكب أي خطأ. إن هذا الوضع غير قابل للاستمرار. فإما أن يعتذر زيلينسكي ويصلح الخلل، أو يتعين عليه التنحي والسماح لشخص آخر بالقيام بذلك.