الخليل- لا يزال الأسير الفلسطيني المحرر خليل عواودة يعاني من تأثيرات إضرابه الطويل عن الطعام العام الماضي في السجون الإسرائيلية. فهو لا يستطيع الوقوف أو المشي، ويحتاج إلى فترة من الوقت لاستعادة صحته.

ويوم الجمعة الماضي، فوجئ عواودة بقرار إطلاقه من سجن عوفر العسكري الموجود غربي مدينة رام الله، دون أن يكون على علم مسبق بهذا ومن غير أن يعرف أي تفاصيل عن ذلك حتى الآن.

ووصفه بأسير مُحرر لأنه انتزع بنفسه قرار تحرره بعد إضراب عن الطعام استمر 172 يوما، إلا أن سلطات الاحتلال التفّت على القرار لتطيل أمد اعتقاله، قبل الإفراج عنه على نحو مفاجئ.

وعلى كرسي متحرك في ساحة منزله ببلدة إذنا غربي الخليل، جنوب الضفة الغربية، يستقبل عواودة مهنئيه صباحا، قبيل توجهه إلى ديوان العائلة لاستقبال مزيد من المهنئين مساءً.

وفي منزله كان للجزيرة نت حوار معه، فروى عواودة بلسان ثقيل أصعب لحظات الإضراب وتحدياته، وكيف كُتبت له الحياة حين اختار الموت.

من هو عواودة؟

قبل أن ننقلكم إلى الحوار، نذكر أن عواودة (42 عاما) متزوج وأب 4 بنات هن: تولين، لورين، ماريا، مريم. وسبق أن تعرض للاعتقال مرات عدة، بينها نحو 5 سنوات بالاعتقال الإداري (بدون تهمة) وأخرى مثلها بحكم قضائي عسكري.

ونتيجة الملاحقة والاعتقالات المتكررة، لم يتمكن عواودة من إتمام دراسته الجامعية في الهندسة والاقتصاد رغم التحاقه بجامعتين.

وبرز اسم عواودة إعلاميا مع خوضه إضراب عن الطعام استمر 172 يومًا ضد اعتقاله الإداري عام 2022 بلا سقف زمني، إثر فشل محاكم الاحتلال في إدانته بتهمة "التحريض" ضد الاحتلال على فيسبوك.

وكان الاعتقال الأخير لعواودة في 27 ديسمبر/كانون الأول 2021، وكان من المفترض الإفراج عنه في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2022، بموجب اتفاق علق وفقه إضرابه عن الطعام في 31 أغسطس/آب.

لكن سلطات الاحتلال أحالته للمحاكمة فور نقله من المستشفى -الذي كان يعالج فيه من آثار الإضراب- إلى سجن الرملة أواخر سبتمبر/أيلول 2022، بتهمة محاولة تهريب هاتف نقال إلى زنزانته.

عواودة يستقبل المهنئين بالإفراج عنه (الجزيرة) نبدأ بقصة إضرابك الطويل عن الطعام. ما الذي يدفع أسيرا لخوض غمار معركة قد يخسر فيها حياته، كما حدث مع خضر عدنان؟

بداية اعتقالي وجّهوا لي تهمة التحريض على شبكات التواصل، واختاروا منشورا على فيسبوك أشيد فيه بالجبهة الشعبية، وبعد عدة جلسات لمدة شهرين، أصدرت المحكمة العسكرية الإسرائيلية قرارا بالإفراج عني وعقوبة "مع وقف التنفيذ" إذا كرر "التحريض". لكن الاحتلال رفض تنفيذ قرار الإفراج، وأحالني للاعتقال الإداري الذي لا يُعرف له سقف زمني أو تاريخ إفراج، وليس فيه لائحة اتهام.

ورفضت هذا الاعتقال لأني عانيته مسبقا ولأنه استنزاف للعمر والصحة، سجنت في السابق إداريا 3 سنوات متواصلة و26 شهرا تالية، لذلك قررت الدخول في الإضراب.

وخضتُ الإضراب بهدفين وبُعدين: ديني ووطني. أما البعد الديني، فوجدته في قوله تعالى "لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين". وما رأيت تجليات هذه الآية بإسقاطات واقعية إلا على المضرب عن الطعام، فأي عطش أو جوع وأي شيء يُنتزع من العدو هو عمل صالح، أما عما نِلته منهم فقرار الإفراج رغما عنهم.

وكنت أمام خيارين: إما أن أعود مهزوما وأعيش حياة عادية، أو أموت منتصرا. وكان قرار الذهاب إلى "الموت الجميل" فمدّ الله في عمري وأعطاني الحياة والنصر، وخضعوا نهاية الأمر وقرروا أن يكون الإفراج عني في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

أما عن البُعد الوطني، فعندما كنت أجلس مع المعتقلين الإداريين وعددهم اليوم نحو 1200، كنت أجد لديهم تصورا حقيقيا لرفض الاعتقال الإداري إما بالإضراب أو القيام بأفعال احتجاجية أو مقاطعة المحاكم (تمدد اعتقالهم كلما انتهت) وإضرابي كان يعبر عنهم وعن مطالبهم في رفض هذا الاعتقال.

 إضافة إلى الامتناع عن الطعام، ما أصعب محطات الإضراب التي عشتها؟

أصعب المحطات كنت حين نسيت أسماء بناتي الأربع أيام الإضراب الأخيرة. كنت أتسلح دائما بالدعاء، ولما جاء الدور في الدعاء لبناتي لم أتذكر أسماءهن، فكانت من أصعب اللحظات.

ومررت أيضا بإهمال متعمد وتسويف ومماطلة في الحل، مما أعطاني تقديرا بأني ذاهب إلى القبر.

ومن الصعوبات أنني لم أتمكن من الاستحمام 53 يوما لعدم ملاءمة مكان الاستحمام ولعدم وجود قوة جسدية، فبقيت خلالها بالملابس نفسها، وبعدها استحممت بصعوبة، ثم بقيت 33 يوما آخر بلا استحمام.

ومن الآثار القاسية أنني كنت دائما أشعر بالبرد الشديد رغم انتصاف الصيف، فبينما كان السجان يتصبب عرقا كنت أرتدي عدة طبقات من الملابس مع 3 بطانيات دون جدوى.

في المفاوضات التي كانت تجري معك خلال الإضراب، ماذا كان يُعرض عليك بداية؟

كانوا يتفاوضون معي باستمرار، كان الضابط المسؤول عن المنطقة التي أنا منها يأتينا أسبوعيا إلى المستشفى، ويجري معي مفاوضات لإنهاء الإضراب بلا مقابل مع وعود بحل القضية في المحكمة، وكنت أرفض أية حلول لا تضمن الإفراج عني.

قد يسأل أحدهم كيف لإنسان أن يبقى 172 يوما بلا طعام؟ وهل توقعت هذه المدة؟

صراحة لم أتوقع أن أصل لهذه المرحلة، وتوقعت أن ينتهي الإضراب عند 60 أو 70 يوما. وما كان لي أن أستمر طوال هذه الفترة دون عون من الله أولا ثم إيمان بقضيتي ثانيا، فأنا مؤمن بقضية عادلة أمامها تهون الصعاب كلها.

ما أكثر ما كان يشغل بالك وكيف كنت تمضي وقتك طوال شهور الإضراب؟

قد يتبادر إلى الأذهان ما كان يشغلني هو أسرتي وأهلي وأحبتي، لكن الأمور النفسية أو العاطفية كانت شبه مجمدة، وكانت تشغل بالي "الحرية" والوصول إلى لحظة يفتح فيها باب السجن.

وكان النوم قليلا جدا، وواجهت صعوبة في النوم 20 ساعة في بعض الأيام، لدرجة الرغبة في طلب أدوية منومة، أو تمني الإغماء.

ومع ذلك كنت أملأ وقتي بالذكر والدعاء، ولم أكن الأيام الأخيرة أستطيع قراءة القرآن من المصحف، وعانيت تشويشاً في الرؤية وعدم القدرة على رؤية الحروف أو الإمساك بالصحف.

عواودة: أصعب محطات الإضراب حين نسيت أسماء بناتي (الجزيرة)  كيف أثّر الإضراب عليك جسديا ومعنويا؟

لا ضرر على المستوى المعنوي والنفسي، أما جسديا فأنا اليوم في وضع جيد أفضل من السابق، وأستطيع تحريك يدَي بصعوبة، وما أزال أعاني عدة مشاكل: رجفة في اليدين والرأس، وصعوبة الكلام، وعدم القدرة على الحركة بشكل ذاتي.

وتوجهت إلى المستشفى الاستشاري في رام الله فور الإفراج عني، وأجريت فحوصات أولية، وكان التقييم الطبي أن الجهاز العصبي متضرر، ولكنهم بشروني بالعلاج قريبا.

 يُفترض أنك كنت تمضي حكما بالسجن 18 شهرا، بتهمة محاولة تهريب هاتف خلوي، لكن أفرج عنك قبل نهاية المدة مطلع العام القادم، ماذا جرى؟

بعد تعليق إضرابي بقيت عدة أسابيع في مستشفى "أساف هاروفيه" وكان لدي هاتف مسموح به، وفي 25 سبتمبر/أيلول 2022 جاء قرار نقلي إلى سجن الرملة، فحملت هاتفي معي، لكن السجانين وجدوه، فأعلنوا حالة الطوارئ، وعلى الفور أبلغوني بالسجن على ذمة قضية جديدة ثم حكمت بالسجن وغرامة مالية.

ويوم الجمعة فوجئتُ بإطلاقي دون أن أعرف السبب والملابسات حتى الآن، لكن قناعتي أن قدر الله نافذ وأن الإفراج قدر رباني دون أن أمضي المدة التي أرادوها لي.

ماذا عن الأسرى وهمومهم؟

الأسرى يشغل بالهم الحرية ومتعطشون لها، فالسجن حياة قيد متواصل. كما يؤرق الأسرى منغصات يسعى إليها وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير الذي يحاول مصادرة حقوق الأسرى التي انتزعت بالإضرابات عن الطعام، لكنه سيفشل حتما بوحدة الأسرى وقوة إرادتهم.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: عن الطعام ما کان

إقرأ أيضاً:

الإبادة المستمرة خلف القضبان.. قراءة في يوم الأسير الفلسطيني 2025م

 

 

في السابع عشر من أبريل من كل عام، يقف الشعب الفلسطيني وأحرار العالم لإحياء “يوم الأسير الفلسطيني”، باعتباره محطة كفاحية تمثل نضال الأسرى وصمودهم داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، ويعد هذا اليوم أيضًا مناسبة لتسليط الضوء على واحدة من أبشع الجرائم المستمرة في العصر الحديث والمتمثلة في جريمة الاعتقال السياسي الممنهج والإبادة الصامتة خلف القضبان. ولكن في عام 2025، يأتي هذا اليوم وسط واقع مأسوي يتجاوز الوصف، حيث تحوّلت الزنازين إلى مسالخ بشرية، وغرف التحقيق إلى ساحات للإعدام غير المعلن، بينما تواصل العدالة الدولية غيابها تحت ركام الصمت والتواطؤ.

منذ بدء العدوان على غزة في السابع من أكتوبر 2023م، استُشهد 63 أسيرًا داخل المعتقلات، بينهم 40 من قطاع غزة، في ظل تعتيم إعلامي كامل ورفض سلطات الاحتلال الكشف عن هوياتهم أو تسليم جثامينهم. هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات، بل هي دليل قاطع على اعتماد الاحتلال سياسة القتل البطيء، خارج ساحة المعركة، داخل جدران يُفترض أن تحكمها القوانين الدولية التي تحوّلت إلى مسارح للموت الممنهج.

الجرائم التي تُرتكب بحق الأسرى ليست مجرد تجاوزات فردية، بل هي جزء من منظومة تعذيب متكاملة: ضرب وحشي، صعق بالكهرباء، تجويع متعمد، حرمان من المياه والعلاج، اعتداءات على النساء، الأطفال، المرضى، وكبار السن، وإذلال مستمر، لم تقتصر منظومة الاحتلال الإسرائيلي على سجونها المعروفة فحسب، بل أعادت تفعيل معسكرات سرية مثل “سديه تيمان” و”عناتوت” و”عوفر” كمراكز تعذيب بعيدة عن أي رقابة، حيث تُمارس فيها أبشع انتهاكات حقوق الإنسان.

اليوم، ووفقًا لمؤسسات الأسرى، يتجاوز عدد الأسرى 9900، ولا يشمل ذلك المئات من معتقلي غزة الذين تعرضوا للاختفاء القسري. من بينهم 29 أسيرة، من ضمنهن طفلة، وحوالي 400 طفل دون 18 عامًا، كما ارتفع عدد المعتقلين الإداريين إلى أكثر من 3498، اذين يُحتجزون دون تهمة أو محاكمة، استنادًا إلى ما يُسمّى “الملفات السرية”، في تحدٍ سافر لقواعد العدالة. بالإضافة إلى ذلك، تم تصنيف 1747 أسيرًا كـ”مقاتلين غير شرعيين”، وهو ما يسقط عنهم الحماية القانونية.

وفي ذات الوقت، تصاعدت أعداد الأسرى المرضى والجرحى، حيث تُستخدم الأمراض كأداة للتعذيب الجماعي، بعد أن تحوّلت السجون إلى بؤر للأوبئة نتيجة الإهمال في النظافة، ومنع الاستحمام، والتكدس، وغياب الرعاية الطبية. الجرب والجلديات ما هي إلا أمثلة صارخة على هذه الجرائم.

رغم هذه الظروف المأساوية، تبقى مقاومة الأسرى الفلسطينيين رمزًا حيًا للإرادة والكرامة، فبالرغم من قسوة المعاناة والتعذيب، لا يزال الأسرى يشعلون جذوة الأمل والمقاومة، متحولين إلى مشاعل للحرية، إنهم يعيشون يوميًا في مواجهة الموت، ويثبتون أن العدالة ستحقق في النهاية.

إن العالم اليوم يتفرج على هذه المعاناة، متخيلين أن صمتهم قد يحميهم من تبعات الحقائق المؤلمة التي تحدث خلف القضبان، ولكن، في الواقع، يصبح هذا الصمت مشاركة في الجريمة، وجزءًا من التحمل غير المبرر للعذابات المستمرة.

إن استمرار معاناة الأسرى الفلسطينيين ليس مسألة محلية أو إقليمية فحسب، بل يمثل قضية إنسانية تتطلب من المجتمع الدولي أن يتجاوز حدود الصمت والتواطؤ. على المؤسسات الدولية أن تتحرك ليس فقط عبر البيانات والشجب، بل بفرض عقوبات حقيقية على الاحتلال، ومحاكمة مسؤولي الاحتلال على جرائمهم ضد الإنسانية.

إن الصمت عن هذا الوضع يعني التواطؤ في إبادة شعب بأسره، واستمرار مأساته في ظل الاحتلال. لكن الأسرى الفلسطينيين ليسوا مجرد أرقام أو أسماء في قوائم، بل هم رموز للكرامة والنضال، هم المعركة الحية من أجل الحرية في وجه الظلم. وعليه، يبقى يوم الأسير الفلسطيني، في عام 2025م وما بعده، دعوة لإعادة إحياء الأمل بأن العدالة ستُنتصر، وأن صوت الأسرى سيظل مدويًا حتى تتحقق الحرية.

 

 

 

مقالات مشابهة

  • ترامب: التعامل مع زيلينسكي أصعب من بوتين
  • الباطرونا تشيد بصدور قانون الإضراب بعد 62 عاماً من الإنتظار
  • نقابة CDT ترفض قانون الإضراب لأنه يفتقد للشرعية مطالبة بإعادته إلى مؤسسة الحوار الاجتماعي
  • المعلق الشهير خليل البلوشي يتجول بساحة جامع الفنا
  • "عقوبة مقصودة": رفض الإفراج المؤقت عن محمود خليل لحضور ولادة ابنه
  • الإبادة المستمرة خلف القضبان.. قراءة في يوم الأسير الفلسطيني 2025م
  • بعد يوم من توقيفه.. الإفراج عن محافظ كركوك السابق بكفالة مالية
  • رفضوا الإفراج عنه ليشهد ولادة ابنه.. السلطات الأمريكية تواصل حجز الناشط الفلسطيني محمود خليل
  • أحيانا أتناول الطعام أو أشرب الشاي أثناء قراءة القرآن.. فهل هذا جائز؟
  • مدرب تشيلسي يجيب: لماذا غادر الملعب؟