الأسير المحرر خليل عواودة: أصعب محطات الإضراب حين نسيت أسماء بناتي
تاريخ النشر: 20th, September 2023 GMT
الخليل- لا يزال الأسير الفلسطيني المحرر خليل عواودة يعاني من تأثيرات إضرابه الطويل عن الطعام العام الماضي في السجون الإسرائيلية. فهو لا يستطيع الوقوف أو المشي، ويحتاج إلى فترة من الوقت لاستعادة صحته.
ويوم الجمعة الماضي، فوجئ عواودة بقرار إطلاقه من سجن عوفر العسكري الموجود غربي مدينة رام الله، دون أن يكون على علم مسبق بهذا ومن غير أن يعرف أي تفاصيل عن ذلك حتى الآن.
ووصفه بأسير مُحرر لأنه انتزع بنفسه قرار تحرره بعد إضراب عن الطعام استمر 172 يوما، إلا أن سلطات الاحتلال التفّت على القرار لتطيل أمد اعتقاله، قبل الإفراج عنه على نحو مفاجئ.
وعلى كرسي متحرك في ساحة منزله ببلدة إذنا غربي الخليل، جنوب الضفة الغربية، يستقبل عواودة مهنئيه صباحا، قبيل توجهه إلى ديوان العائلة لاستقبال مزيد من المهنئين مساءً.
وفي منزله كان للجزيرة نت حوار معه، فروى عواودة بلسان ثقيل أصعب لحظات الإضراب وتحدياته، وكيف كُتبت له الحياة حين اختار الموت.
من هو عواودة؟قبل أن ننقلكم إلى الحوار، نذكر أن عواودة (42 عاما) متزوج وأب 4 بنات هن: تولين، لورين، ماريا، مريم. وسبق أن تعرض للاعتقال مرات عدة، بينها نحو 5 سنوات بالاعتقال الإداري (بدون تهمة) وأخرى مثلها بحكم قضائي عسكري.
ونتيجة الملاحقة والاعتقالات المتكررة، لم يتمكن عواودة من إتمام دراسته الجامعية في الهندسة والاقتصاد رغم التحاقه بجامعتين.
وبرز اسم عواودة إعلاميا مع خوضه إضراب عن الطعام استمر 172 يومًا ضد اعتقاله الإداري عام 2022 بلا سقف زمني، إثر فشل محاكم الاحتلال في إدانته بتهمة "التحريض" ضد الاحتلال على فيسبوك.
وكان الاعتقال الأخير لعواودة في 27 ديسمبر/كانون الأول 2021، وكان من المفترض الإفراج عنه في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2022، بموجب اتفاق علق وفقه إضرابه عن الطعام في 31 أغسطس/آب.
لكن سلطات الاحتلال أحالته للمحاكمة فور نقله من المستشفى -الذي كان يعالج فيه من آثار الإضراب- إلى سجن الرملة أواخر سبتمبر/أيلول 2022، بتهمة محاولة تهريب هاتف نقال إلى زنزانته.
عواودة يستقبل المهنئين بالإفراج عنه (الجزيرة) نبدأ بقصة إضرابك الطويل عن الطعام. ما الذي يدفع أسيرا لخوض غمار معركة قد يخسر فيها حياته، كما حدث مع خضر عدنان؟بداية اعتقالي وجّهوا لي تهمة التحريض على شبكات التواصل، واختاروا منشورا على فيسبوك أشيد فيه بالجبهة الشعبية، وبعد عدة جلسات لمدة شهرين، أصدرت المحكمة العسكرية الإسرائيلية قرارا بالإفراج عني وعقوبة "مع وقف التنفيذ" إذا كرر "التحريض". لكن الاحتلال رفض تنفيذ قرار الإفراج، وأحالني للاعتقال الإداري الذي لا يُعرف له سقف زمني أو تاريخ إفراج، وليس فيه لائحة اتهام.
ورفضت هذا الاعتقال لأني عانيته مسبقا ولأنه استنزاف للعمر والصحة، سجنت في السابق إداريا 3 سنوات متواصلة و26 شهرا تالية، لذلك قررت الدخول في الإضراب.
وخضتُ الإضراب بهدفين وبُعدين: ديني ووطني. أما البعد الديني، فوجدته في قوله تعالى "لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين". وما رأيت تجليات هذه الآية بإسقاطات واقعية إلا على المضرب عن الطعام، فأي عطش أو جوع وأي شيء يُنتزع من العدو هو عمل صالح، أما عما نِلته منهم فقرار الإفراج رغما عنهم.
وكنت أمام خيارين: إما أن أعود مهزوما وأعيش حياة عادية، أو أموت منتصرا. وكان قرار الذهاب إلى "الموت الجميل" فمدّ الله في عمري وأعطاني الحياة والنصر، وخضعوا نهاية الأمر وقرروا أن يكون الإفراج عني في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
أما عن البُعد الوطني، فعندما كنت أجلس مع المعتقلين الإداريين وعددهم اليوم نحو 1200، كنت أجد لديهم تصورا حقيقيا لرفض الاعتقال الإداري إما بالإضراب أو القيام بأفعال احتجاجية أو مقاطعة المحاكم (تمدد اعتقالهم كلما انتهت) وإضرابي كان يعبر عنهم وعن مطالبهم في رفض هذا الاعتقال.
إضافة إلى الامتناع عن الطعام، ما أصعب محطات الإضراب التي عشتها؟أصعب المحطات كنت حين نسيت أسماء بناتي الأربع أيام الإضراب الأخيرة. كنت أتسلح دائما بالدعاء، ولما جاء الدور في الدعاء لبناتي لم أتذكر أسماءهن، فكانت من أصعب اللحظات.
ومررت أيضا بإهمال متعمد وتسويف ومماطلة في الحل، مما أعطاني تقديرا بأني ذاهب إلى القبر.
ومن الصعوبات أنني لم أتمكن من الاستحمام 53 يوما لعدم ملاءمة مكان الاستحمام ولعدم وجود قوة جسدية، فبقيت خلالها بالملابس نفسها، وبعدها استحممت بصعوبة، ثم بقيت 33 يوما آخر بلا استحمام.
ومن الآثار القاسية أنني كنت دائما أشعر بالبرد الشديد رغم انتصاف الصيف، فبينما كان السجان يتصبب عرقا كنت أرتدي عدة طبقات من الملابس مع 3 بطانيات دون جدوى.
في المفاوضات التي كانت تجري معك خلال الإضراب، ماذا كان يُعرض عليك بداية؟كانوا يتفاوضون معي باستمرار، كان الضابط المسؤول عن المنطقة التي أنا منها يأتينا أسبوعيا إلى المستشفى، ويجري معي مفاوضات لإنهاء الإضراب بلا مقابل مع وعود بحل القضية في المحكمة، وكنت أرفض أية حلول لا تضمن الإفراج عني.
قد يسأل أحدهم كيف لإنسان أن يبقى 172 يوما بلا طعام؟ وهل توقعت هذه المدة؟صراحة لم أتوقع أن أصل لهذه المرحلة، وتوقعت أن ينتهي الإضراب عند 60 أو 70 يوما. وما كان لي أن أستمر طوال هذه الفترة دون عون من الله أولا ثم إيمان بقضيتي ثانيا، فأنا مؤمن بقضية عادلة أمامها تهون الصعاب كلها.
ما أكثر ما كان يشغل بالك وكيف كنت تمضي وقتك طوال شهور الإضراب؟قد يتبادر إلى الأذهان ما كان يشغلني هو أسرتي وأهلي وأحبتي، لكن الأمور النفسية أو العاطفية كانت شبه مجمدة، وكانت تشغل بالي "الحرية" والوصول إلى لحظة يفتح فيها باب السجن.
وكان النوم قليلا جدا، وواجهت صعوبة في النوم 20 ساعة في بعض الأيام، لدرجة الرغبة في طلب أدوية منومة، أو تمني الإغماء.
ومع ذلك كنت أملأ وقتي بالذكر والدعاء، ولم أكن الأيام الأخيرة أستطيع قراءة القرآن من المصحف، وعانيت تشويشاً في الرؤية وعدم القدرة على رؤية الحروف أو الإمساك بالصحف.
عواودة: أصعب محطات الإضراب حين نسيت أسماء بناتي (الجزيرة) كيف أثّر الإضراب عليك جسديا ومعنويا؟لا ضرر على المستوى المعنوي والنفسي، أما جسديا فأنا اليوم في وضع جيد أفضل من السابق، وأستطيع تحريك يدَي بصعوبة، وما أزال أعاني عدة مشاكل: رجفة في اليدين والرأس، وصعوبة الكلام، وعدم القدرة على الحركة بشكل ذاتي.
وتوجهت إلى المستشفى الاستشاري في رام الله فور الإفراج عني، وأجريت فحوصات أولية، وكان التقييم الطبي أن الجهاز العصبي متضرر، ولكنهم بشروني بالعلاج قريبا.
يُفترض أنك كنت تمضي حكما بالسجن 18 شهرا، بتهمة محاولة تهريب هاتف خلوي، لكن أفرج عنك قبل نهاية المدة مطلع العام القادم، ماذا جرى؟بعد تعليق إضرابي بقيت عدة أسابيع في مستشفى "أساف هاروفيه" وكان لدي هاتف مسموح به، وفي 25 سبتمبر/أيلول 2022 جاء قرار نقلي إلى سجن الرملة، فحملت هاتفي معي، لكن السجانين وجدوه، فأعلنوا حالة الطوارئ، وعلى الفور أبلغوني بالسجن على ذمة قضية جديدة ثم حكمت بالسجن وغرامة مالية.
ويوم الجمعة فوجئتُ بإطلاقي دون أن أعرف السبب والملابسات حتى الآن، لكن قناعتي أن قدر الله نافذ وأن الإفراج قدر رباني دون أن أمضي المدة التي أرادوها لي.
ماذا عن الأسرى وهمومهم؟الأسرى يشغل بالهم الحرية ومتعطشون لها، فالسجن حياة قيد متواصل. كما يؤرق الأسرى منغصات يسعى إليها وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير الذي يحاول مصادرة حقوق الأسرى التي انتزعت بالإضرابات عن الطعام، لكنه سيفشل حتما بوحدة الأسرى وقوة إرادتهم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: عن الطعام ما کان
إقرأ أيضاً:
كان ضابط مخابرات بنظام الأسد.. سكان محليون يكشفون لـCNN حقيقة واسم السجين المحرر من معتقل بدمشق
(CNN)-- قال سكان محليون في سوريا، الثلاثاء، إن الرجل الذي صورته شبكة CNN خلال إطلاق سراحه من سجن في دمشق على يد الفصائل السورية، هو ضابط مخابرات سابق في النظام السوري المخلوع، وليس مواطنا عاديا سُجِن بحسب ما ادعى وقت إطلاق سراحه.
وفي البداية، عثرت شبكة CNN على الرجل أثناء تتبعها خيطا للوصول إلى الصحفي الأمريكي المفقود أوستن تايس. وفي تقرير مصور، صادفت المراسلة الدولية للشبكة كلاريسا وارد وفريقها، برفقة حارس من مسلحي الفصائل السورية، وجود زنزانة في سجن بدمشق كانت مغلقة من الخارج. فقام الحارس بإطلاق النار على القفل بمسدسه لفتحه، وعُثِر على الرجل وحيدا داخل الزنزانة، تحت بطانية.
وعندما خرج إلى الهواء الطلق، بدا الرجل في حالة ارتباك. وعندما سأله المقاتل من الفصائل السورية الذي أطلق سراحه عن اسمه، عرّف الرجل نفسه بأنه عادل غربال من مدينة حمص بوسط سوريا.
وادعى أنه كان محتجزا في زنزانة لمدة ثلاثة أشهر، مضيفا أنه السجن الثالث الذي احتُجِز فيه. وقال الرجل أيضا إنه لم يكن يعلم بسقوط نظام بشار الأسد. وكان محتجزا في سجن يديره جهاز المخابرات الجوية السورية حتى انهيار نظام الأسد.
وكشفت صورة حصلت عليها شبكة CNN، الاثنين، الهوية الحقيقية للرجل، واسمه سلامة محمد سلامة، ملازم في مديرية المخابرات الجوية التابعة لنظام الأسد.
وقدم أحد سكان حي البياضة في حمص لشبكة CNN صورة قيل إنها لنفس الرجل خلال تأديته لخدمته العسكرية، فيما يبدو أنه في مكتب حكومي. وقد أظهر برنامج التعرف على الوجه تطابقا بنسبة تزيد عن 99% مع الرجل الذي التقت به شبكة CNN في زنزانة سجن دمشق. وتُظهِر الصورة الرجل جالسا على مكتب، ويبدو فيها أنه يرتدي الزي العسكري. ولم تنشر شبكة CNN الصورة للحفاظ على سرية المصدر.
ومع مواصلة شبكة CNN البحث عن معلومات عن السجين المُفرج عنه بعد التقرير الأصلي، قال العديد من سكان حمص إن الرجل هو سلامة، الملقب أيضا باسم "أبو حمزة". وقالوا لشبكة CNN إنه كان يدير نقاط تفتيش إدارة المخابرات الجوية في المدينة، واتهموه بسوء السمعة في الابتزاز والمضايقة.
ومن غير الواضح بعد كيف أو لماذا انتهى الأمر بسلامة في سجن دمشق، ولم تتمكن شبكة CNN من إعادة الاتصال به مرة أخرى. وخلال عطلة نهاية الأسبوع، كان موقع Verify-Sy، الذي ذكر أنه موقع سوري للتحقق من صحة الوقائع، أول من حدد هوية الرجل باسم سلامة. وقال إنه سُجن لمدة تقل عن شهر بسبب نزاع حول "تقاسم الأرباح من أموال تم ابتزازها مع ضابط أعلى رتبة". ولم تتمكن شبكة CNN من التحقق بشكل مستقل من هذا الادعاء.
ويذكر أنه تم تسليمه إثر التصوير من قبل حراس من الفصائل السورية المسلحة إلى الهلال الأحمر السوري. ونشرت منظمة الإغاثة الطبية في وقت لاحق صورة له على وسائل التواصل الاجتماعي، قائلة إنهم أعادوا سجينا محررا إلى أقاربه في دمشق، علما أن المكان الحالي الذي يُوجد به سلامة غير معروف.