سوريا.. ما فرص نجاح تشكيل إدارة ذاتية في السويداء؟
تاريخ النشر: 20th, September 2023 GMT
السويداء- أعلنت قوى سياسية ووطنية في مدينة السويداء (جنوبي سوريا) التحضير لمؤتمر سياسي لمناقشة تشكيل سلطة "لامركزية إدارية"، عقب الاحتجاجات التي طالبت برحيل نظام الأسد.
ووجهت مجموعة من هذه القوى في السويداء الدعوة للمؤتمر بهدف تشكيل هيئة سياسية مدنية تسعى إلى تأسيس لجان محلية، على أن تدير كل لجنة ملفات خدمية سياسية واقتصادية في محافظة السويداء "بهدف سدّ الفراغ الناتج عن فساد مؤسسات الدولة وتورُّط الأجهزة الأمنية بدعم الفساد"، حسبما تقول القوى.
ومن بين الأحزاب المشاركة في مشروع اللامركزية الإدارية "حزب اللواء السوري"، وهو حزب سياسي تشكل خلال السنوات الماضية في السويداء وبدأ خلال الأشهر الماضية تشكيل مكاتب لخدمة المحافظة.
مساع لتوفير خدمات بلدية بديلة عن مؤسسات النظام (الجزيرة) بدائلمن جهته، يقول الأمين العام للحزب مالك أبو خير "انطلقت البدائل عن مؤسسات النظام في العمل فعليا منذ 7 أشهر، إذ أطلق الحزب عدة مكاتب خدمية تضم ألفي سيدة في السويداء تتولى تدريب العشرات من النساء ضمن دورات تمكين سياسي اقتصادي، وإقامة مشروعات صغيرة ومتوسطة".
وأضاف أبو خير للجزيرة نت "هناك مكتب الدفاع المدني الذي أسهم في تنفيذ عدة مشاريع، كتوزيع معونات غذائية وأجهزة التدفئة على عشرات الأسر في السويداء خلال فصل الشتاء".
وتحدث أبو خير عن مكتب العمل البلدي الذي قام بتشجير المناطق الحرجية، وكذلك مكتب خدمات المياه الذي بدأ عمله رسميا منذ عدة أشهر وأسهم في تقديم المياه مجانا لأكثر من 700 عائلة في السويداء، مع خطة لإيصال المياه إلى 4 آلاف عائلة خلال المرحلة المقبلة.
وحسب الأمين العام لحزب اللواء السوري، فإنه يجري العمل حاليا على إنشاء مكاتب مدنية جديدة لتحسين مستوى المعيشة وتأمين الخدمات لأهالي السويداء. وأضاف أنه في "الخطوة التالية، سنذهب إلى خلق الفرص الاستثمارية، فالسويداء تمتلك مقومات النجاح الزراعية والاقتصادية والتجارية".
وقال إن "مؤسسات الدولة الخدمية هي ملك الشعب وليست للنظام، ولا يحق لأحد السيطرة عليها، وإنما تخضع لقرار وطني".
هيئة سياسية
وستقدم الهيئة السياسية المدنية -التي توافقت القوى في السويداء على تشكيلها- للمجتمع الدولي رؤيتها السياسية بشان مستقبل سوريا القادمة ومشاركتها في العمل السياسي لإعادة بناء الدولة.
وحسب بيان القوى السياسية الصادر في السابع من يوليو/تموز الماضي، فإن الهيئة تقوم على عدة مبادئ، وهي:
تأكيد وحدة الأراضي السورية ورفض أي مشروع انفصالي. وتعزيز مفهوم الإدارة اللامركزية. وطرح مفهوم الإدارة الذاتية للخدمات وتأمين احتياجات المجتمع. ووضعت الهيئة بعد انتخابها خططا لمواجهة ظاهرة انتشار المخدرات في المجتمع. القوى السياسية بالسويداء تؤكد وحدة الأراضي السورية ورفض أي مشروع انفصالي (الجزيرة) لا مقوماتفي المقابل، رفض عدد من النشطاء والفعاليات المدنية في السويداء فكرة تطبيق "مشروع إدارة ذاتية" في المدينة، وذلك لعدة أسباب، ومن أبرزها "عدم وجود مقومات لتأمين مدخول لأهالي المحافظة كمنابع للنفط أو معابر حدودية".
فمن ناحيته، يقول مروان حمزة (ناشط سياسي من السويداء) إن "مشروع الإدارة الذاتية جاء تماهيا مع مشروع حكومة شمال شرقي الجزيرة، الذي تمثله (قسد) بالجناح العسكري و(مسد) بالجناح السياسي، وإذا تمت هذه الفكرة فنحن نعطي الشرعية لمشروع الدويلة الكردية أو الحكم الذاتي عند الأكراد".
وأضاف حمزة للجزيرة نت "لا تملك السويداء مقومات الدولة، على عكس الأكراد الذين يملكون النفط والقمح والقطن والخيرات، ومن دون هذه المقومات من الصعب تشكيل إدارة ذاتية وقطع الشريان الوحيد مع دمشق، لذلك نرفض هذا المشروع".
وأوضح أن أهل السويداء يديرون مؤسسات النظام الموجودة في المدينة، والخلاف يكمن في أن الإدارات "مُعيّنة بمرسوم بعثي عندما كان فرع الحزب يختار قيادات هذه المؤسسات أو مديريها".
وأضاف حمزة "رفضنا مسألة الحكم اللامركزي إلى ما بعد سقوط هذا النظام، عندها يقرر الشعب السوري ماذا لديه من خيارات: إن كانت إدارة ذاتية أو مركزية سياسية، ونحن ضد الانفصال عن المركز، لأن كل منتجات السويداء الرئيسية تأتيها من دمشق".
وقال "لا يمكن أن نخلق نظاما ماليا بديلا أو قصرا للعدل بديلا عن المنظومة القانونية، لكن يمكن تغيير النائب العام المعين من قبل حزب البعث وتعيين آخر مؤهل لخدمة المواطنين دون تحيز".
من جهة أخرى، تداول ناشطون سوريون تسجيلات مصوّرة تُظهر حواجز للنظام السوري في محيط محافظة السويداء بعد أن أُخليت من العناصر الأمنية، في حين خفضت قوات النظام عدد عناصرها المتمركزين في نقطة شرقي قرية الرشيدة من 25 عنصرا إلى 3 عناصر فقط.
نشطاء وفعاليات مدنية في السويداء يرفضون تطبيق مشروع إدارة ذاتية بالمحافظة (الجزيرة)أما الناشط من مدينة السويداء فؤاد بربور، فيرى أن الخطوة الأولى هي "طرد كل الأفرع الأمنية والمؤسسات التابعة للنظام التي أغرقت المحافظة بالفساد عقب توسع الاحتجاجات ضده لتشمل كل مدن وقرى المحافظة، أي أنه أصبح مرفوضا في كامل السويداء".
وقال بربور للجزيرة نت "في حال لم يكن هناك مجال لتحقيق إدارة ذاتية تؤمّن الحياة الكريمة للمدنيين، يجب تشكيل إدارة مدنية تشمل كل الجنوب السوري: درعا والقنيطرة، والاستفادة من المعابر في هذه المحافظات لتكون خارج سلطة النظام، لإنعاش الحياة الاقتصادية في هذه المناطق".
يُذكر أن مظاهرات السويداء المستمرة رفعت منذ أسابيع لافتات تطالب "برحيل الأسد وإخراج المعتقلين من سجونه".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی السویداء
إقرأ أيضاً:
فيلم لي .. سيرة ذاتية تمزج بين يوميات مراسلة حربية وعارضة أزياء
لا شك أن صناعة السينما اتجهت مع التطور الزمني الذي لحق بها إلى انتهاج شتى أساليب السرد السينمائي الذي كانت الغاية منه هي الوصول إلى المشاهد وتقديم قصة تروى وتحقق الفائدة والمتعة في آن واحد.
هذا التنوّع السردي يمكن النظر إليه من زوايا متعددة ومنها مساحة ما يروى بالصورة على الشاشة باستخدام الأدوات والوسائل التي ترسخ دور الصورة ووظيفتها حاملةً في ثناياها تلك التفاصيل التي يراد إيصالها إلى المشاهد.
هذه المقدمة تنطبق على هذا الفيلم للمخرجة إيلين كوراس والمأخوذ عن كتاب للمؤلف أنطوني بينروس، والذي بني في قسم أساس منه على محور السيرة الذاتية لتلك الشخصية الاستثنائية لي ميللر التي واكبت العديد من التحولات الثقافية والإنسانية والسياسية سواء في أوروبا أو في الولايات المتحدة قبيل وأثناء وبعد الحرب العالمية الثانية.
فالركن الأول في تلك السردية الاستثنائية المرتبطة بهذه الشخصية هو مواكبة لي لتطور عالم الموضة والأزياء؛ إذ ارتبطت بفئة واسعة من المصممين والعارضين والعارضات وكانت هي شخصيًا إحدى تلك العارضات وارتبطت باريس في ذهنها تلك المدينة المفعمة بالحياة والشاعرية.
لكن السؤال المهم فيما يتعلق بتلك الشخصية التي عاشت مع تلك الطبقة الاستثنائية والمخملية غالبا في المجتمع الفرنسي، هو ماذا يعني لها انتقال أوروبا وبما فيها فرنسا وصولا إلى الولايات المتحدة إلى حالة المواجهة والحرب باشتعال نيران الحرب العالمية الثانية؟
هذا السؤال شكّل في ثناياه تحولا وجوديا استثنائيا غيّر مسارات السرد الفيلمي إلى جدلية معقدة ارتبطت بشخصية (لي) في حد ذاتها وكيف يمكن الموازنة بين الدوافع الذاتية والمحركات الموضوعية، الذات الأقرب لحياة الترف والدعة في مقابل واقع حياتي مقبل على أهوال الحرب.
لقد كانت هذه الجدلية كافية لكي نشهد تحولا دراميًا ملفتًا في حياة تلك المرأة فبعد أن كانت المجلة الشهيرة واسعة الانتشار " فوغ" محملة بصور وتحقيقات الأزياء والموضة ها هي "لي" تقرر أن تكون مجلة الترف نفسها هي التي تنشر صورا لها سوف تلتقطها بنفسها ليس بصفتها عارضة أزياء معنية بالموضة بل بصفتها مصوّرة حربية، وحيث يكون الانتقال من الحياة المدنية المترفة إلى ثكنات الجنود ومرابض المدافع بمثابة كابوس كبير بالنسبة لها لكنها لن تتراجع عنه.
هذه المعالجة السردية قدمت لنا أنساقًا متوازية من السرد اشتغلت على ثلاثة مقاربات سردية أولها مرحلة ما قبل الحرب في باريس وحياة الموضة والرفاهية والحفلات ثم مرحلة الحرب ودخول "لي" مصورة حربية ثم الرحلة الثالثة ممثلة في المراجعة الذهنية عن طريق الاستذكار – فلاش باك – وهي تروي سيرتها وذكرياتها لشاب مهتم لن نعلم إلا في القسم الأخير أنه ابنها.
وفي هذا الصدد يقول الناقد ديف غيانيني في موقع سيسشن فيلم: "لاشك أن هذا الفيلم استند إلى نوع السيرة الذاتية وأنا لا أقول أنه لا يمكن بعد الآن صناعة فيلم سيرة ذاتية جيد، لكن يبدو أن الأمر أصبح أكثر صعوبة مع مرور الوقت.
الأمر في هذا الفيلم يتعلق ببنية السيناريو وكيفية تأطير القصة السينمائية من خلال مقابلة تجرى مع "لي" وهي امرأة طاعنة في السن، قناعتي أن التصميم والحل الإخراجي لم يكونا غير متقنين بما فيه الكفاية.
ثمة عدد لا يحصى من الطرق التي يمكن للمخرج أن يؤطر بها مثل هذه القصة. الجانب الإيجابي الوحيد هو أنه يوفر طريقة لعرض عمل لي ميلر الفوتوغرافي المتنوع والغزير".
بالطبع يرتكز هذا النقد على مدخل ونهاية الفيلم والذي يقوم على فكرة الاسترجاع والاستذكار من خلال لقاء "لي" مع ذلك الشاب الذي سوف يظهر فيما بعد أنه ابنها ولكن الأمر في الواقع لم يكن إلا خيال من طرفه وفيما هو جالس في وسط ركام من الصور الفوتوغرافية مما صورته أمه.
الاعتراض الفني على تلك المعالجة السينمائية القائمة على الاستذكار دفعت باتجاه قراءات متعددة للبنى السردية التي سادت في هذا الفيلم والتي لجأ إليها الثلاثي من كتاب السيناريو بطريقتهم الخاصة.
أما الناقد شين بيركيتا من موقع موقع سي دو ريفيو فيقول: "إن الطريقة التي حُكِيت بها هذه القصة هي في الأساس نسخة طبق الأصل من أفلام سبقتها؛ فالمرأة العجوز التي تحكي قصة حياتها التي عاشتها ذات يوم تشبه قصة فيلم تيتانيك، وهو أمر ملفت للنظر؛ لأن هذا الفيلم كان أيضًا من بطولة وينسليت، ولكن على الرغم من أنني شاهدت هذه النسخة من السرد مرات عديدة من قبل في أفلام أخرى إلا أن الموضوع نفسه كان مثيرًا للاهتمام. ومع ذلك، فقد قلل هذا النوع من المعالجة من أي دراما تمت إثارتها أو الاشتغال عليها لمشاهدة "لي ميلر" وهي تقاتل من أجل البقاء على قيد الحياة من رصاص العدو وقنابله إبان الحرب العالمية الثانية".
ولعلّ هذه مقاربة أخرى تستكمل ما كنا قد تحدثنا عنه بصدد أنساق السرد المتشابهة والتي وجد هذا الناقد مثالًا لها من خلال فيلم تيتانيك الذي يقوم على استذكار تلك العجوز أحداث رحلتها وذكرياتها على ظهر تلك السفينة وما جرى من وقائع في حينه.
ربما كان هذا الجانب فيما يتعلق بإدارة أفعال الشخصية الرئيسية كافيًا لإحالتنا إلى نوع السيرة الذاتية وهو ما حاولت المخرجة إيجاد توازن فعال في أدوار الشخصيات خاصة الشخصية الرئيسية لكن ذلك التوازن لم يصل إلى هدفه ونهاياته بل تشعب إلى جوانب متعددة من جوانب حياة وسيرة "لي" ولهذا مثلا بدت علاقتها مع رولاند الذي أحبته وتزوجته وكأنه علاقة سطحية وليست ذات تأثير كبير على مسارها بينما تعمقت في شخصية صديقها ديفيد، وهكذا اختلت التوازنات المنطقية والموضوعية بين الشخصيات.
أما إذا انتقلنا في إطار المعالجة السينمائية إلى دور الاسترجاع – فلاش باك – في السرد الفيلمي وهل كان حقا بمثابة قوة دافعة وإيجابية للأحداث أم أنه سبب للتراجع، واقعيًا إننا كنا أمام إشكالية تتعلق بوجود أساليب عديدة في طريقة معالجة قصص السيرة الذاتية فضلا عن البناء السردي وأنساق السرد لكن يبدو أن المخرجة لجأت إلى أكثر المعالجات تحفظًا فلم تغامر في اتخاذ مسار آخر مختلف قد تواجه صعوبة في السيطرة على مساراته مع أن غزارة القصة الفيلمية كانت مشجعة بما فيه الكفاية لخوض مثل تلك المغامرة.
...
إخراج: إيلين كوراس
عن كتاب – حياة لي ميللر للكاتب أنطوني بينروس
سيناريو: ليم دوس، ماريون هيوم، جون كولي
تمثيل: كيت وينسليت – بدور لي ميللر، اندي سومبيرغ – في دور ديفيد، اليكسندار سكارسغارد – في دور رولاند.
التقييمات: آي أم دي بي 7 من 10 روتين توماتو 71 من 100، ميتاكريتيك 74 من 100.