حوار- حسين الحمادي - مصطفى عبد العظيم
أكد معالي عبدالله بن طوق المري، وزير الاقتصاد، أن الاقتصاد الوطني يسير بخطى ثابتة نحو تحقيق نمو متسارع ومستدام، متوقعاً أن يتجاوز معدل النمو هذا العام حاجز 6%، وذلك في ضوء الأداء القوي للقطاع غير النفطي الذي سجل نمواً خلال النصف الأول من العام الجاري بلغ 4.5%، في حين بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي 3.

8%.
وأوضح معاليه، أن الاقتصاد الوطني نجح خلال السنوات الثلاث الماضية، بفضل توجيهات القيادة، في إضافة محركات جديدة لتسريع النمو وضمان استدامته وصولاً إلى مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2031، وذلك من خلال التوسع في قطاعات الاقتصاد الجديد، وإطلاق السياسات والمبادرات الاستراتيجية المبتكرة لتعزيز دور هذه القطاعات في ضوء مستهدفات الخمسين، ومن بينها «رؤية نحن الإمارات 2031» وسياسة الإمارات للاقتصاد الدائري 2021-2031، والاستراتيجية الوطنية للسياحة 2031، حيث انعكس الأثر الإيجابي لهذه المبادرات على مؤشرات نمو الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 7.9% خلال العام الماضي.

مؤشرات إيجابية
وقال معاليه، خلال حواره مع «الاتحاد»، إن المشهد الاقتصادي في دولة الإمارات يظهر مؤشرات إيجابية للغاية تترجم التوجيهات التي رسمتها القيادة قبل ثلاث سنوات خلال جائحة كوفيد-19، بأن يكون اقتصاد الإمارات الأسرع تعافياً من آثار الجائحة، وخلق مسارات جديدة للنمو بهدف مضاعفة حجم الاقتصاد الوطني، من 1.5 تريليون در هم إلى 3 مليارات درهم بحلول 2031.
وأشار معاليه، إلى أنه «بناء على هذه التوجيهات، عملت الوزارة على مراجعة التشريعات والقوانين الاقتصادية كافة التي يمكن من خلال تعديلها أو تحديثها أن تسهم في تسريع وتيرة النمو، وتدعم خطط التحول إلى نموذج الاقتصاد الجديد، وتحقيق معدل نمو سنوي يصل إلى 7%، وذلك ضمن أكبر حزمة تعديلات تشريعيه وقانونية تشهدها دولة الإمارات منذ عقود طويلة شملت أكثر من 40 قانوناً، بينها 10 قوانين ذات صلة مباشرة بالقطاع الاقتصادي في الدولة».
وأوضح، أن من أبرز تلك القوانين، تعديلات قانون الشركات الذي سمح بالتملك الأجنبي بنسبة 100% وتعديلات قانون المعاملات التجارية وقانون الوكالات التجارية وقانون التعاونيات وقانون المستهلك، وغيرها من القوانين والتشريعات والسياسات الاقتصادية، التي أعطت دفعة قوية للاقتصاد الوطني، وأسهمت خلال فترة وجيزة في تعزيز البيئة الاستثمارية والتجارية، ودعم القدرة التنافسية لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ورسخت مكانة الإمارات، وجهة عالمية للاستثمار والأعمال.

275 ألف شركة جديدة
وأضاف أنه خلال الفترة من عام 2020 وحتى العام الجاري، شهدنا تسجيل أكثر من 275 ألف شركة جديدة في السجل الوطني الاقتصادي لدولة الإمارات، وحققنا في العام الماضي معدل نمو في الناتج المحلي الإجمالي، الأعلى منذ سنوات طويلة بلغ 7.9%، فيما تعكس مؤشرات النصف الأول من العام الجاري 2023 تفاؤلاً بحقيق معدل يزيد على 6% هذا العام، وذلك بعد أن سجل الناتج المحلي الإجمالي نمواً في النصف الأول بلغ 3.8%، مدعوماً بالنمو القوي بالناتج المحلي الإجمالي غير النفطي الذي بلغ 4.5%، في ظل الانتعاش القوي بقطاعات السياحة والسفر مع استقبال مطارات الدولة أكثر من 62 مليون مسافر خلال النصف الأول، ومؤشرات الأداء المرتفعة في القطاع السياحي.

تحديث قانونَي المنافسة والمستهلك
وكشف وزير الاقتصاد أن الوزارة تواصل مراجعة المزيد من القوانين التي يمكن أن تسهم في ترسيخ تنافسية الاقتصاد الوطني وتعزيز قدراته، والتي من بينها تحديث قانونَي المنافسة، والمستهلك، مشيراً إلى أنه في ظل السياسة المنفتحة لاقتصاد الإمارات، يشكل تنظيم المنافسة عاملاً مهماً في ترسيخ جاذبية الاقتصاد الوطني، وضمان توفير بيئة منافسة قوية وعادلة، لافتاً إلى أهمية تنظيم المنافسة في الاقتصاد لكونها تسمح بزيادة الإنتاجية، وتشجع الابتكار، كما تساهم في توفير سلع وخدمات بأسعار أفضل للمستهلك، ما يحسن من فاعلية النظام الاقتصادي، مضيفاً أنه سيتم إدخال تعديل تشريعي على قانون حماية المستهلك، بإضافة تخصصات واختصاصات أخرى تتيح دوراً أكبر للجهات المحلية المختصة.

شراكة اقتصادية شاملة
وأوضح معاليه، أن اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة التي جاءت ضمن «مشاريع الخمسين»، شكلت إحدى الأدوات الرئيسية لتحقيق الهدف الاستراتيجي، وترسيخ مكانة الدولة كبوابة رئيسية لتدفق التجارة والخدمات اللوجستية، منوهاً بالنتائج الإيجابية لأولى هذه الاتفاقيات والتي تم توقيعها مع الهند، بعد أن أحدثت خلال عام واحد من دخولها حيز التنفيذ في مايو من العام الماضي، زخماً تجارياً فاق التوقعات بين البلدين، مع وصول التبادل التجاري غير النفطي لأكثر من 50.5 مليار دولار، ويتوقع وصوله إلى ما بين 60 و70 مليار دولار هذا العام، الأمر الذي يشير إلى إمكانية تحقيق هدف الاتفاقية بالوصول إلى 100 مليار دولار تجارة بينية غير نفطية سنوياً قبل الموعد المحدد في العام 2030، بقترة طويلة.
وأشار بن طوق، إلى أنه بالإضافة إلى الهند وقعت دولة الإمارات اتفاقيات شراكة اقتصادية شاملة أخرى مع كل من إندونيسيا وتركيا وإسرائيل، في حين يجري التفاوض بشأن توقيع اتفاقيات مماثلة مع العديد من الشركاء التجاريين حول العالم، وذلك تنفيذاً للخطط الاستراتيجية المعلنة ضمن «مشاريع الخمسين» التي تقود المرحلة المقبلة من النمو والتنمية المستدامة في الدولة خلال الخمسين عاماً المقبلة.
وشدد بن طوق على أهمية هذه الاتفاقيات التي تشكل بوابة عبور للمنتجات الإماراتية إلى الأسواق العالمية، وتسهم في فتح أسواق جديدة أمام المستثمر الإماراتي، وتعزيز وجودنا على خريطة الاقتصاد العالمي، داعياً الشركات العاملة في الدولة إلى الانخراط في هذه الشراكات ودراستها وإعادة هندسة منتجاتها لتلبية احتياجات الأسواق الخارجية.

الاقتصاد الدائري 
وأشار إلى أن الدولة أولت اهتماماً كبيراً بتطوير منظومة متكاملة للاقتصاد الدائري، من خلال إطلاق السياسات والمبادرات والاستراتيجيات الوطنية الداعمة لتحقيق التنمية المستدامة في الدولة، حيث جاءت توجيهات القيادة الرشيدة بإنشاء مجلس الإمارات للاقتصاد الدائري، والذي انبثقت منه لجنة سياسات الاقتصاد الدائري، كأول مجلس يجمع القطاع الخاص والشركات الكبرى المرتبطة، والتي تم اعتمادها من مجلس الوزراء، لتشكل محطة مهمة ورئيسة لتسريع وتيرة الدولة نحو نموذج اقتصادي دائري.
وأوضح، أن المجلس وضع 22 سياسة للاقتصاد الدائري ضمن أربعة قطاعات رئيسة تشمل التصنيع والغذاء والبنية التحتية والنقل، بما يعزز مكانة الإمارات مركزاً عالمياً للاقتصاد الدائري، تم الانتهاء من تطبيق اثنين منها، وجارٍ العمل على بقية السياسات مع دراسة إضافة سياسات أخرى. وأشار إلى أنه نتيجة لنجاح هذه السياسيات، بدأت الدولة في جذب استثمارات كبيرة في هذا القطاع، وتوجه بوصلة القطاع الخاص للاستفادة من الفرص التي يوفرها، حيث شهدنا اليوم تأسيس مصنعين لإعادة تدوير بطاريات السيارات: أحدهما قيد التشغيل، والآخر يستعد للافتتاح قريباً، وكذلك افتتاح مصنع آخر مختص في أبوظبي بإعادة تدوير زيوت الطهي المستخدمة يومياً لإنتاج الوقود الحيوي الذي يعد أقل أنواع الوقود من حيث الانبعاثات الكربونية، والذي جرى تجربة استخدامه كوقود مستدام من قبل الناقلتين الوطنيتين «الاتحاد للطيران» و«طيران الإمارات».

ازدهار السياحة والسفر
وتطرق معالي وزير الاقتصاد، خلال الحوار، إلى قطاع السياحة والسفر، مؤكداً الدور المحوري لهذا القطاع خلال العقود الماضية كأحد الروافد الرئيسة للاقتصاد الوطني، مشيراً إلى أن دولة الإمارات استطاعت بفضل الرؤية الاستشرافية للقيادة الرشيدة قطع أشواط واسعة في تطوير وتنمية القطاع السياحي، باعتباره مساهماً رئيساً في التنويع الاقتصادي المستدام للاقتصاد الوطني للخمسين عاماً المقبلة، فالسياحة اليوم تشكل ما بين 13 و14% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما يشكل قطاع الطيران كذلك ما بين الـ14 و15%، الأمر الذي يعني مساهمة إجمالية تقدر بنحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي من السياحة والسفر، ما يعكس أهمية هذا القطاع الذي يوفر أيضاً نحو 700.000 وظيفة في دولة الإمارات.
وأشار بن طوق إلى أنه انطلاقاً من الأهمية الكبيرة التي يشكلها القطاع، جاء إطلاق «الاستراتيجية الوطنية للسياحة 2031»، والتي تندرج ضمن مشاريع الخمسين كواحدة من أضخم مستهدفات السنوات القادمة، حيث وضعت الاستراتيجية مجموعة من المستهدفات الوطنية، تضمنت رفع مكانة الدولة لتصبح الأولى عالمياً كأفضل هوية سياحية، وزيادة مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الوطني إلى 450 مليار درهم، وجذب 100 مليار درهم للقطاع السياحي في أسواق الدولة، واستقطاب 40 مليون نزيل، بما يتماشى مع رؤية «نحن الإمارات 2031».

أخبار ذات صلة وزير خارجية تشاد في حوار مع «الاتحاد»: الإمارات أول دولة ساندت جهود تشاد لاستضافة اللاجئين وزير الموارد المائية العراقي لـ«الاتحاد»: «COP28» فرصة تاريخية لمواجهة التغيرات المناخية

السياحة المستدامة
وأضاف أنه في حين تعد دولة الإمارات اليوم وجهة مهمة على خريطة العالم السياحية، وأحد أبرز محاور السفر الرئيسة في العالم، وأيضاً وجهة لأبرز الأحداث والمؤتمرات العالمية الضخمة، والتي كان آخرها «إكسبو 2020 دبي» الذي جذب أنظار العالم، واستعدادها لاستضافة مؤتمر «كوب 28» أواخر نوفمبر المقبل، والمؤتمر الوزاري الـ13 لمنظمة التجارة العالمية فبراير 2024، واستقبالها أكثر من 20 مليون سائح في العام الماضي، إلا أن فرص النمو والتوسع في هذا القطاع تتزايد بشكل مطرد، خاصة في المجالات السياحة الجديدة التي ترتكز على الاستدامة والسياحة الخضراء.
وتوقع أن تشهد الفترة المقبلة جذب استثمارات كبيرة للقطاع السياحي، خاصة قطاع السياحة البيئية التي تحظى باهتمام كبير على مستوى العالم، وتوليها حكومة دولة الإمارات اهتماماً بالغاً، مع اهتمام الأجيال الجديدة بهذا النوع من السياحة، حيث نعمل على تهيئة البنية التحتية لتلائم السياحة البيئية.

الإمارات وبريكس 
أكد وزير الاقتصاد، أن انضمام الإمارات إلى مجموعة دول «بريكس» جاء في إطار رؤية شاملة، رسمتها القيادة الرشيدة للتفاعل والانفتاح والحوار الدائم مع الهيئات والمنظمات الدولية في إطار خريطة طريق واضحة لتوسيع آفاق الاقتصاد والتجارة مع دول العالم، فضلاً عن مساهمة الإمارات من خلال حضورها البارز في إيجاد حلول للتحديات التي تواجه العالم.
وأوضح أن الانضمام لـ«بريكس» من شأنه أن يفتح آفاقاً تنموية كبيرة في ظل وجود عدد من أسرع اقتصادات العالم نمواً بها، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وهو ما يخلق فرصاً اقتصادية وتجارية واستثمارية ضخمة من شأنها أن تحدث تحولاً ليس فقط على صعيد المشهد الاقتصادي فيما بين دول «بريكس»، وإنما على صعيد الاقتصاد العالمي ككل.

معاكسة تحديات النمو العالمي
قال بن طوق: «هناك تحديات كثيرة يشهدها الاقتصاد العالمي، كارتفاع أسعار الفائدة ومستويات التضخم، ومؤشرات تراجع نمو الاقتصاد الصيني، وهي عوامل تدفع جميعها باتجاه تراجع النمو، لكن على الرغم من ذلك نجحت دولة الإمارات بفضل توجيهات القيادة الرشيدة والسياسات والمبادرات الاقتصادية التي تم إطلاقها، في معاكسة هذا الاتجاه وتحفيز النمو بأدوات جديدة ومغايرة».

رؤية «نحن الإمارات 2031»
أكد بن طوق أن اقتصاد الإمارات يسير بخطى ثابتة نحو تحقيق مستهدفات «رؤية نحن الإمارات 2031» التي وَضعت، وفقاً لتوجيهات القيادة الرشيدة، الاقتصاد في قلب محاورها الأربعة الرئيسة، بأن تصبح دولة الإمارات المركز العالمي للاقتصاد الجديد، وذلك من خلال تحقيق عدد من المؤشرات الوطنية بحلول العام 2031، من بينها مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي إلى 3 تريليونات درهم، ورفع مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 450 مليار درهم.

الاقتصاد الجديد
أوضح معاليه، إلى أنه وفقاً لهذه الرؤية، فإن الاقتصاد الجديد بات يشكل ركيزة أساسية في التنويع، وتحقيق معدل النمو المستهدف سنوياً بحدود 7% لمضاعفة الناتج المحلي الإجمالي، وذلك لقدرة قطاعات الاقتصاد الجديد على التوسع السريع في خلق الوظائف، وفرص العمل والنمو، وهذا ما برز عملياً خلال جائحة «كوفيد 19» عندما لعب الاقتصاد الرقمي الذي يشكل أحد قطاعات الاقتصاد الجديد، دوراً رئيساً في قيادة النمو، وكذلك التوجه بشكل أسرع نحو الاقتصاد الدائري الذي تمتلك به دولة الإمارات مقومات كبيرة، تؤهلها لأن تصبح مركزاً عالمياً لهذا الاقتصاد.

الإمارات «موطن ريادة الأعمال»
أكد وزير الاقتصاد، أهمية دور قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد الوطني، حيث تشكل نحو 95% تقريباً من إجمالي الشركات المسجلة في السجل الاقتصادي الوطني.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: عبدالله بن طوق الإمارات وزير الاقتصاد الاقتصاد الإماراتي الاقتصاد الوطني الناتج المحلی الإجمالی للاقتصاد الدائری الاقتصاد الجدید للاقتصاد الوطنی القیادة الرشیدة الاقتصاد الوطنی القطاع السیاحی دولة الإمارات وزیر الاقتصاد العام الماضی النصف الأول هذا القطاع فی الدولة أکثر من من خلال إلى أنه ما بین إلى أن

إقرأ أيضاً:

متحف زايد الوطني يعيد إحياء قارب ماجان

أعاد متحف زايد الوطني بالتعاون مع جامعة زايد وجامعة نيويورك أبوظبي، إحياء قارب ماجان من العصر البرونزي الذي يعود تاريخه إلى 2100 سنة قبل الميلاد، ونجح نموذج القارب الذي يصل طوله إلى 18 متراً في الإبحار قرب سواحل أبوظبي. ونُفِّذ المشروع بهدف تسليط الضوء على التراث البحري لدولة الإمارات العربية المتحدة، وتجارة العصر البرونزي.

بُنيّ القارب الذي كان يطلق عليه في العصور القديمة «قارب ماجان» من مواد خام وضعت على لوح صلصال قديم باستخدام تقنيات قديمة يعود تاريخها إلى 2100 سنة قبل الميلاد، واستطاع القارب اجتياز مجموعة من الاختبارات الصارمة، ما مكنّه من قطع مسافة 50 ميلاً بحرياً (92.6 كيلومترات) في مياه الخليج العربي. وتولى قيادة القارب مجموعة من البحارة الإماراتيين مع فريق من صناع القوارب بمرافقة دوريات من خفر السواحل الإماراتي. وعلى مدى خمسة أيام مر القارب بالعديد من الاختبارات البحرية، ووصلت سرعته إلى 5.6 عقدة باستخدام شراع مصنوع من شعر الماعز.

وعمل صانعو السفن المتخصصون في النسخ التاريخية مع مجموعة الباحثين لإنجاز بناء القارب باستخدام مواد خام وأدوات يدوية تقليدية، حيث تطلب صنع هيكله الخارجي 15 طناً من القصب محلي المصدر، بعد نقعه وتجريده من أوراقه وسحقه وربطه في حزم طويلة باستخدام حبال مصنوعة من ألياف النخيل. ليتم ربط حزم القصب بهيكل داخلي من الإطارات الخشبية وتغليفها بمادة «القار» التي كان صناع السفن القدماء في المنطقة يستخدمونها لتمكين القوارب من مقاومة المياه. واكتشف علماء الآثار مؤخراً في جزيرة أم النار أنواعاً مماثلة من مادة «القار» تتطابق مع مصادر من بلاد الرافدين.

ويُعدّ مشروع «قارب ماجان» مبادرة أثرية تجريبية أطلقها متحف زايد الوطني عام 2021 بالشراكة مع جامعة زايد وجامعة نيويورك أبوظبي، بهدف استكشاف أنماط معيشة سكان المنطقة منذ أكثر من 4,000 عام وفهمها، إلى جانب المحافظة على التراث البحري لدولة الإمارات العربية المتحدة والصناعات التقليدية، وتعزيز شعور الفخر بالهوية الوطنية.

ولإنجاز المشروع اجتمع متخصصون في علم الآثار والأنثروبولوجيا والعلوم الإنسانية الرقمية والهندسة والعلوم، لتصميم وبناء القارب، حيث أُجريت مئات التجارب خلال عملية بناء القارب بهدف اختبار قوة حزم القصب ومقاومة خليط «القار» للمياه. وشارك أيضاً مجموعة من طلبة الجامعات المتعاونة في المشروع، ما أتاح لهم فرصة تطوير مهاراتهم في البحث والتعمق في التراث البحري الغني للمنطقة من خلال تطبيق المعرفة المكتسبة في الدراسة النظرية على الإبداع العملي الواقعي.

وقال معالي محمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي: «يُشكِّل تقدير التاريخ البحري للخليج العربي مفتاحاً مهماً يُمكنِّنا من فهم دور أبوظبي وتقدير أهميتها في العالم القديم، خصوصاً أن المشروع الذي يقوده متحف زايد الوطني يجمع متخصصين في العديد من التخصصات العلمية للعمل معاً من أجل رفع مستوى فهمنا للابتكارات الإماراتية التي نعتز بها. يُمثِّل إطلاق قارب ماجان المثير للإعجاب، آلاف السنين من الريادة والاستكشاف الإماراتي، بدءاً من بناة وصنَّاع السفن القُدامى، وحتى علماء الآثار التجريبيين الحاليين».

ويمثل هذا القارب أكبر عملية إعادة بناء من نوعها، ما يُسهم في تعميق فهمنا لأنماط العيش في مجتمعات العصر البرونزي. ويكشف عن أسرار الحرف اليدوية التقليدية التي ساعدت في إنشاء روابط بين دولة الإمارات والعالم. وتُبيِّن النصوص القديمة أن هذه القوارب كانت تسمى «قوارب ماجان»، وهو الاسم القديم لدولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان، ويشير استخدام هذا المصطلح إلى دور دولة الإمارات في التجارة البحرية منذ أكثر من 4,000 عام، حيث وفرت القوارب التي تمتاز بضخامة حجمها وقوتها للأشخاص الذين يعيشون في دولة الإمارات، إمكانية التجارة مع المجتمعات البعيدة مثل بلاد الرافدين وجنوب آسيا.

أخبار ذات صلة مركز الفنون بـ«نيويورك أبوظبي» يطلق مبادرة «نمو» أسماك «الخليج» تتكيّف مع ارتفاع الحرارة

تولّى تصميم القارب فريق يضم أكثر من 20 متخصصاً من بينهم مهندسين وعلماء آثار يسعون إلى استكشاف الماضي من خلال تجربة التكنولوجيا القديمة باستخدام تقنيات تقليدية. واعتمد شكل القارب على الرسوم التوضيحية القديمة للقوارب، وأُعيد بناؤه على أساس سعة «120 غور» أي ما يعادل 36 طناً، وتولّى المهندس البحري تحديد طول وعرض القارب وعمقه عبر استخدام التحليل الهيدروستاتيكي، بهدف توفير الأبعاد التي تمكنه من الطفو بمجرد إضافة الوزن المقدر للبضائع والقارب وطواقمه. تطلب رفع الشراع وتجهيزه فريقاً يضم أكثر من 20 فرداً، لأن البكرات لم تكن موجودة في العصر البرونزي.

وقال الدكتور بيتر ماجي، مدير متحف زايد الوطني: «يجمع هذا المشروع تحت إدارة متحف زايد الوطني، عدداً متنوعاً من المتخصصين الذين يعملون بتعاون وثيق لتعزيز فهمنا للابتكارات الإماراتية وتنمية الشعور العميق بالفخر الوطني. لقد كانت رحلة طويلة وملهمة بدءاً من اكتشاف أجزاء قديمة من قوارب العصر البرونزي في أم النار وحتى اللحظة المميزة التي رُفع فيها شراع القارب المصنوع من شعر الماعز وانطلاقه من ساحل أبوظبي سالكاً نفس الطريق الذي كانت تسلكه هذه السفن قبل 4,000 عام باتجاه البحر المفتوح وساحل الهند».

وكان النوخذة الإماراتي مروان عبدالله المرزوقي، الذي ينحدر من عائلة تعود جذورها إلى أجيال معروفة باهتمامها بالتراث البحري لدولة الإمارات العربية المتحدة، أحد البحارة الذين قادوا قارب ماجان خلال تجاربه البحرية التي استمرت على مدى يومين.

وقال المرزوقي: «كنا حذرين جداً عندما سحبنا القارب لأول مرة من الرصيف، لإدراكنا بأنه مصنوع من القصب والحبال والخشب فحسب، ولا يوجد فيه أي مسامير أو براغي أو معادن، ما زاد من قلقي من إصابة القارب بأي تلف، لكن عندما بدأنا بالرحلة، أدركت أن القارب قوي، وفوجئت بسلاسة حركته في البحر على الرغم من حمولته الثقيلة».

سيتمكن الزوار من مشاهدة «قارب ماجان» عند افتتاح متحف زايد الوطني في جزيرة السعديات، حيث يحتفي متحف زايد الوطني بتاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة العريق وثقافتها، من الماضي وحتى اليوم. ويمثل المتحف باعتباره مؤسسة بحثية، قوة دافعة لتطوير وتعزيز وتنسيق البحوث الأثرية والتراثية في دولة الإمارات العربية المتحدة.

ويُعدّ بناء القارب جزءاً من مبادرة أوسع تسعى إلى فهم دور إمارة أبوظبي في التجارة خلال العصر البرونزي، حيث كانت جزيرة أم النار الواقعة قبالة سواحل الإمارة، إحدى أكبر الموانئ القديمة في المنطقة. وتؤكِّد الاكتشافات الأخيرة لعلماء الآثار من دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي أن أم النار كانت تتمتع في العصر البرونزي بأهمية دولية واسعة، فقد شملت الاكتشافات عدداً من المباني التي تحتوي على أحجار الطحن، والأحجار المصقولة، والفؤوس الحجرية، وخطافات الصيد النحاسية، والأقراص الحجرية الدائرية المثقوبة، التي تستخدم لإثقال شباك الصيد. وعُثر فيها أيضاً على العديد من الأواني الفخارية المستوردة من أماكن بعيدة، منها بلاد الرافدين وجنوب آسيا، ما يؤكد الدور المحوري للجزيرة في التجارة مع مناطق بعيدة.

المصدر: الاتحاد - أبوظبي

مقالات مشابهة

  • عمان.. الناتج المحلي الإجمالي ينمو 0.8% بالربع الأول من 2024
  • الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عُمان يسجل ارتفاعا بنهاية الربع الأول
  • محافظ الإسكندرية: سنعمل خلال الفترة القادمة على تحقيق نتائج ملموسة في كافة المشكلات التي تواجه المواطنين
  • الاستثمارات الأجنبية تبلغ ثاني أعلى مستوى في تاريخ الاقتصاد المغربي في أقل من 50 أشهر من هذا العام وفق بايتاس
  • نمو الناتج المحلي الإجمالي للأردن في الربع الأول من 2024
  • متحف زايد الوطني يعيد إحياء قارب ماجان
  • الاقتصاد البريطاني يعاني من الشتات.. 5 قضايا تنتظر إجابات
  • رغم العقوبات.. ايران ضمن مجموعة الدول “ذات الدخل المتوسط ​​إلى المرتفع”
  • مؤتمر الاستثمار المصرى الأوروبى شهادة ثقة فى الاقتصاد المصرى
  • المؤسسة الاتحادية تُطلق «الأجندة الوطنية للشباب 2031»