رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: لجأنا إلى 848 مركز تنصت.. ولم نرصد أي شىء عن «تجهيزات الحرب»
تاريخ النشر: 19th, September 2023 GMT
«تلميذ موشيه ديان»، ومدير مكتبه فى الخمسينات، ومسئول «العمليات» وقت العدوان الثلاثى، ومسئول المعلومات وقت «النكسة»، بتلك الخبرات دخل الجنرال إيلى زعيرا شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «المخابرات الحربية»، فى أكتوبر عام 1972، رئيساً لها، ليصطدم بعد أيام من توليه مسئولية «الاستخبارات العسكرية» بتحذير وارد إليهم بشأن استعداد مصر وسوريا لشن حرب فى الفترة بين شهرى مايو ويونيو 1973، ليبدأ تقييم الاحتمالات مع قسم «البحوث»، مسئول تحليل المعلومات فى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وقتها، ليتوصل إلى عدم احتمالية نشوب حرب مع إسرائيل، فى حين عارض موشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلى، تلك التقديرات، وتوقع أن هناك حرباً يتم الإعداد لها، لو لم تكن فى «مايو أو يونيو»، ستكون فى وقت لاحق.
ومرت الأيام، وثبت أن الحرب لم تنشب فى «مايو»، ليتعزز رأى شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بأن الحرب لن تندلع فى تلك الفترة، خصوصاً أن الجيش الإسرائيلى رفع درجة الاستعداد أكثر من مرة، ما كلف الاقتصاد الإسرائيلى خسائر باهظة، دون أن تكون هناك حرب حقيقية، لكن مجرد مناورات عسكرية، اعتادت مصر على إجرائها فى الربع الأخير من العام، وهو الأمر المترسخ فى تقارير شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، حسبما سجل الجنرال إيلى زعيرا، رئيس «الشعبة» وقتها، شهادته أمام لجنة التحقيق مع القيادات العليا الإسرائيلية التى أعقبت حرب أكتوبر المجيدة، والتى ظلت سرية لأكثر من أربعين عاماً، حتى أزالت إسرائيل عن بعضها سريتها فى الفترة الماضية.
«السادات» شخص لا يمكن التنبؤ بتصرفاته.. لكنه فى الأمور العسكرية «متزن وحريص ومنضبط»ويروى رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إبان حرب أكتوبر المجيدة أن هناك أكثر من معلومة وردت للاستخبارات العسكرية منذ أواخر الستينات، حتى قبل الحرب بيوم واحد، بشأن توقيتات حددتها مصر للحرب، لكن لم تحدث حروب خلالها، ما دفع خبراء ومسئولى قسم البحوث فى «الاستخبارات العسكرية» لأن يحللوا شخصية الرئيس الراحل أنور السادات، ولماذا لم تنشب الحرب، أو تراجعت مصر عنها، حسبما كانوا يظنون فى هذا الوقت.
ويلفت «زعيرا» إلى أن تقديرات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية فى هذا الوقت أن «المصريين ليست لديهم القوة اللازمة للهجوم»، خصوصاً القوة الجوية التى يستطيعون أن يصلوا بها لعمق إسرائيل تحقيقاً لـ«الردع»، وأن ما يدفع الرئيس المصرى الراحل أنور السادات للحرب هو الخوف على سلطته الشخصية، وفى أكتوبر 1973 لم يكن هناك اعتراض على سلطته، أو تردى الوضع الداخلى الاقتصادى والاجتماعى والنفسى، ولم نكن نرى أن الوضع الاقتصادى أو الداخلى خطير.
وعن تقديرهم لـ«السادات»، قال إن تحليل شخصيته انتهى إلى أنه لم يكن شخصاً يمكن التنبؤ بتصرفاته، لكنه فى الأمور العسكرية «شخصية مستقرة ومتزنة، وحريص ومنضبط».
ويشير إلى أن الرئيس السادات وقف أمام الشعب المصرى فى 1971، ليتحدث عن «عام الحسم»، وانتظرت إسرائيل الحرب فى هذا العام، لكنها لم تحدث، وفى عام 1973، قبل الحرب، تحدث عن «صراع طويل»، بما جعلنا نرى أنه ليس متعجلاً ويتمتع بالصبر، ولديه وقت قبل أن يقرر الحرب.
ويتحدث «تلميذ موشيه ديان» قائلاً إن تقديراتهم أن مصر لن تدخل الحرب قبل أن تمتلك سلاحاً يمكنها من ضرب «عمق إسرائيل»، وكان هذا يتطلب 5 أسراب من الطائرات المقاتلة، أو صواريخ بعيدة المدى، وهو أمر لم يكن قد دخل الخدمة بعد خلال «أكتوبر 1973»، مؤكداً أنه حتى إطلاق مصر للنار فى الحرب يوم 6 أكتوبر، لم تظهر أى مؤشرات تشير إلى وجود «حرب وشيكة».
ويوضح أن القيادة العسكرية المصرية وضعت خطة لتعزيز القوات الجوية، ووصل إلى الاستخبارات العسكرية فى سبتمبر 1973، أى قبل الحرب بأيام، أن مصر سيكون لديها ما يكفى من أسراب طائرات متطورة لمهاجمة عمق إسرائيل بعد عامين، ومن ثم صدرت تقارير «الاستخبارات الإسرائيلية»، قائلة: «بدءاً من عام 1975، سيكون فى مقدور مصر مهاجمة إسرائيل بصورة خطيرة، ولا بد من توقع حرب يمكن بالفعل أن تعرض إسرائيل للخطر، وبخاصة سلاحها الجوى بدءاً من عام 1975».
ويوضح أن المساعى المصرية فى هذا التوقيت كانت امتلاك من 5 إلى 6 أسراب من طائرات «ميج 23»، و«سوخوى 20»، مع تقديرات بإمكانية تسلمها طائرات «ميراج»، موضحاً أن هناك تقديرات ومعلومات أن مصر لن تهاجم إسرائيل قبل أن تمتلك القدرة على «الردع»، وضرب إسرائيل فى «العمق».
ويلفت رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إلى أن موقف جبهة القتال، قبل المناورة «تحرير 41»، التى أجرتها القوات المسلحة المصرية بداية من أول أكتوبر حتى انطلاق الحرب، كان وجود أكثر من 1100 دبابة مصرية، و600 مدفع، وأكثر من 80 ألف مقاتل مصرى، مقابل 170 دبابة، ونحو 8 آلاف فرد فقط.
ويشير «زعيرا» إلى أن تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية بأن مصر كانت غير قادرة على مهاجمة إسرائيل، ليس بسبب نسب قواتها البرية، ولكن بسبب القوات الجوية، ومن ثم فى حال عدم نجاح مصر فى استهداف المطارات الإسرائيلية، فإنها لن تشن حرباً.
ويؤكد أن التقديرات الإسرائيلية كانت أن معظم الجنود والضباط فى قواتنا المسلحة يعتقدون أن الحرب مع إسرائيل غير واردة فى الوقت الحالى، ولا فى المستقبل المنظور، نظراً لعدم امتلاكهم قدرة قتالية، مقارنة بقدرة العدو القتالية.
ويلفت إلى أن التقديرات الإسرائيلية أيضاً كانت أن هناك تفوقاً للقوات البحرية المصرية والسورية، إلا أن التفوق الجوى لإسرائيل يقيد حركة هذه القوات، والطائرات القاذفة المقاتلة هى مشكلة مصر، لافتاً إلى أن مصر وجد بها سرب واحد من طائرات الميراج وقت الحرب بإجمالى 15 طائرة، وأنها كانت تحتاج 5 أسراب على الأقل لاستهداف المطارات الإسرائيلية.
ويلفت إلى أن مصر اشترت صواريخ «أرض - أرض» ذات مدى متوسط، وحصلت بالفعل على صواريخ «سكود»، ذات المدى 280 كيلومتراً، التى ستتيح ضرب وسط إسرائيل وحتى «تل أبيب»، إذا وضعت فى بورسعيد، لكنها لم تكن جاهزة للعمل بأيدى المصريين قبل الربع الأول من عام 1974، بحسب تقديراتهم، متوقعاً أن يكون هذا الصاروخ هو سر حديث الرئيس السادات أثناء الحرب بأن إسرائيل لو قصفت العمق المصرى، مثلاً فى القاهرة، فإنه سيضرب عمقها أيضاً، وأن ذلك لو حدث، كان ليتم بأيدى خبراء سوفيت.
ويشير رئيس «الاستخبارات الإسرائيلية» إلى أن هناك عملاء أعطوا معلومات عن الحرب أكثر من مرة، ولكنها لم تتحقق، مضيفاً: «إذا كنت أتحدث مع شخص يقرأ هذا العميل، فإنه يقول لى أنصت إلىّ.. هذا العميل قال 15 مرة إنه ستكون هناك حرب، ولم تندلع أبداً، لماذا أعتمد عليه، أو أثق فيه هذه المرة؟!».
واستطرد: «عندما يرسل أحد العملاء برقية أو خطاباً يقول فيه: (ستكون هناك حرب فى غضون 3 أشهر) فإننى لا أعرف إذا كان قد ابتكر هذا أو سمعه فى السوق أو سمعه من مصدر مسئول فى هيئة الأركان العامة للجيش المصرى، لأنه من المؤكد أنه ستكون لديه رغبة فى إرسال معلومات وإعطائها الأهمية المناسبة، لأنه يحصل على مال مقابل هذا».
ويلفت «زعيرا» إلى أن الاستخبارات حينما تقول إن مصر عازمة على دخول حرب، فإن ذلك يبنى على أكثر من شىء، منها العملاء، والتنصت، والصور الجوية، ونقاط المراقبة، ورأى أجهزة الاستخبارات الأجنبية، مؤكداً أن الاستخبارات الإسرائيلية عرفت بوضوح قبل الحرب بأيام أنه لا توجد نية لدخول الحرب.
ويوضح أن تسيفى زامير، رئيس «الموساد»، تحدث معه عن ذهابه لرؤية عميل من نوع خاص «حُذف اسمه بمعرفة هيئة الرقابة العسكرية الإسرائيلية من الوثائق»، فى إحدى الدول الأوروبية، ثم وصلته معلومة من مكتبه فجر يوم 6 أكتوبر 1973، فى الرابعة فجراً، نصها: «الجيش المصرى والجيش السورى يعتزمان شن هجوم قبل غروب شمس يوم 6 أكتوبر.. سيبدأ الهجوم على الجبهتين فى نفس الوقت»، ليتم عقد اجتماع مع وزير الدفاع ورئيس الأركان، ليتم عقد اجتماع مع الحكومة، ثم لم تتم تعبئة الاحتياط.
ويشير إلى استقبال إسرائيل رسالة من عميل لـ«الموساد» بشأن أن مصر ستبدأ عملية فى 1 أكتوبر على إسرائيل بإشراف وزير الحربية المصرى، ولم تتحقق، ثم جاءت رسالة من مصدر آخر بأن عملية هجومية تنوى مصر شنها ستبدأ كمناورة تدريبية، وتشير الدلائل إلى تحولها للهجوم إذا أطلقت إسرائيل طائرات استطلاع أو قامت بعمل يمثل ذريعة مناسبة للهجوم على إسرائيل، وكان يوم 1 أكتوبر بداية المناورة المصرية «تحرير 41»، كما ذكر أن أى توغل إسرائيلى سيمثل ذريعة طيبة لمصر لشن هجوم على إسرائيل.
لكنه قال: «لدينا عملاء كثيرون تحذيريون، ولم نتلق من أى واحد منهم كلمة واحدة، وكان هذا أحد العوامل التى قللت مخاوف اندلاع حرب».
ويشير «زعيرا» إلى أنهم تواصلوا مع أجهزة المخابرات الأجنبية فى تلك الفترة لمعرفة معلوماتهم وآرائهم، وأن «الجميع كانوا يعتقدون أنها مجرد مناورة».
ويوضح أن «الضوء الأحمر» لديه بدأ فى الشك حينما وصلته معلومة بأن هناك طائرات نقل روسية وصلت فجأة إلى سوريا ومصر لنقل عائلات الخبراء الروس، وكان ذلك ما بين الرابع والخامس من أكتوبر، مشيراً إلى أن الإخلاء جاء فجأة، وبشكل عاجل بإخلاء عائلات الخبراء السوفيت. وأشار إلى أنه قال لرئيس الأركان الإسرائيلى ديفيد إلعازار إن ما حدث أمر غير مألوف، ولكن احتمالية حدوث حرب «فى مستواها الأدنى»، ومن ثم صدر قرار بوضع الجيش فى حالة الاستعداد القصوى، لكن لم تتم تعبئة الاحتياط.
ويلفت إلى أنهم لجأوا إلى 848 مركز إنذار وتنصت تابعة للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية فى هذا التوقيت، وأن رصدهم للداخل المصرى فى الفترة من نهاية سبتمبر وبداية أكتوبر 1973، أكد أنه لم يكن هناك فى مصر أى سمة تنبئ بخلق جو قبيل الحرب، بل على العكس، إذا قلنا شيئاً فإننا نتحدث عن نوايا إسرائيلية بمهاجمة مصر، كما لم ينشأ جو قبيل الحرب فى وسائل الإعلام، أو تتم أى إعدادات مدنية لتجهيز الجبهة الداخلية.
ويشير إلى أن مصر رفعت درجة استعداد قواتها المسلحة، وألغت الإجازات، وجمعت الجنود فى قواعدهم، وكان هذا الأمر عادياً، لأنه حدث فى المناورات السابقة أيضاً، كما تم دفع معدات إقامة الجسور والعبور أكثر من مرة من قبل كذلك فى المناورات، وكذلك نشر طائرات فى مطارات متقدمة، مشيراً إلى أنهم كانوا مطمئنين لكل شىء، وأن موعد تسريح جنود الاحتياط المصريين كان محدداً 10 أكتوبر 1973، مع تعليمات بعودتهم لأماكن عملهم قبل 12 أكتوبر، وهو أمر ضلل المخابرات الإسرائيلية أيضاً.
لم نتخيل استخدام مصر لـ«الصواريخ» بدلاً من «الطائرات»ويقول رئيس الاستخبارات الإسرائيلية إن مصدر المعلومات الآخر أمامهم كان التصوير، وكانت الصواريخ المصرية تصل لمدى ارتفاع طيرانهم وما يزيد، ومن ثم ليس لديهم تقريباً إمكانية التصوير فى مناطق الجيش المصرى، وكان التصوير يتم بصورة مائلة ومن ارتفاع عالٍ جداً، ما يجعل قراءة الصور أمراً يكاد يكون مستحيلاً، لكنهم نجحوا فى التصوير فى 4 أكتوبر، وشاهدوا الصور فى بداية ليلة 5 أكتوبر، التى أظهرت زيادة المدفعية المصرية من 153 بطارية صواريخ إلى 195 بطارية، وهى زيادة مقلقة.
ويلفت إلى أن إسرائيل كانت تمتلك طائرات دون طيار قبل الحرب، لكن لم تُستخدم؛ لأن فرص إسقاطها من 20 إلى 30%، وأن سعر الطائرة ربع مليون دولار فى هذا التوقيت، وأن احتمالات عودتها 60% فقط، مع إمكانية إسقاط الصواريخ المصرية لها، وهو ما حدث عند استخدامها فى الحرب، إذ إن طائرة من بين كل 3 طائرات بدون طيار استُخدمت أسقطتها صواريخ مصرية.
وعن معلومة استعداد مصر للحرب التى وصلتهم من عميل لهم، قال: «إنه مقابل هذه المعلومة، تلقوا 150 معلومة بأنها مناورة فقط، وعن تسريح الاحتياط يوم 10 أكتوبر»، ولكن المعلومة الأخيرة بتحديد وقت الحرب يوم 6 أكتوبر فجراً كانت «مقلقة»، كما أنهم تلقوا معلومات المخابرات الأمريكية من المساعد العسكرى لوزير الخارجية الأمريكى هنرى كيسنجر، باعتباره مستشاراً سياسياً للرئيس الأمريكى، بأن المخابرات الأمريكية تقيّم هذا الوضع بأنه «إجراءات دفاعية، وليست هجومية»، وذلك يوم 5 أكتوبر.
كما يوضح أنهم رصدوا وجود تعليمات للجنود والضباط بالإفطار فى نهار رمضان، وأنه حينما سأل باحثى الاستخبارات العسكرية، أفادوا بأن هذا حدث بالفعل من قبل.
أكثر من 98% من الجيش عرفوا بموعد الحرب «فى يومها»ويلفت «زعيرا» إلى أن تقديرات إسرائيل أن أكثر من 98% من الجيش المصرى عرفوا بالحرب فى يوم الحرب فقط، وأنه لم يكن يتخيل أحد أن خطة مصر تقضى بعبور قناة السويس تحت حماية صواريخ الدفاع الجوى، دون الحاجة لحماية جوية من القوات الجوية.
وفجّر رئيس الاستخبارات الإسرائيلية مفاجأة، حين ذكر أن إحدى طائرات «توبيلوف» المصرية، أطلقت صاروخاً من نوع «كيلط» على «تل أبيب» فى أول أيام الحرب، وأسقطت إحدى الطائرات الصاروخ قبل وصوله، موضحاً أن إسرائيل لم تكن لديها معلومات عن وجود هذا الصاروخ لدى مصر.
وشدد على أنه حتى الساعة الثانية من ظهر يوم 6 أكتوبر، لم تكن هناك أى معلومة يمكن تفسيرها على أنها حرب، واصفاً خطة الخداع الاستراتيجى المصرية باعتبارها «تضليلاً فريداً»، وأن المصريين فعلوا كل استعدادات الحرب مع إيهامهم بأنها «مجرد مناورة».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: المخابرات الأمريكية الوثائق السرية نصر أكتوبر الأمور العسكرية الاستخبارات الإسرائیلیة یوم 6 أکتوبر أکتوبر 1973 قبل الحرب هناک حرب أن هناک أکثر من إلى أنه فى هذا أن مصر ومن ثم حرب فى لم یکن لم تکن
إقرأ أيضاً:
مركز بحثي يصدر ورقة حقائق حول التوسع الاستيطاني في الضفة خلال الحرب على غزة
غزة - صفا
شهدت الضفة الغربية المحتلة خلال الحرب الإسرائيلية على غزة موجة غير مسبوقة من التوسع الاستيطاني الذي يكشف عن استراتيجية إسرائيلية تستغل الانشغال العالمي بالحرب، لتعزيز سيطرتها على الأرض الفلسطينية.
فبينما تصدرت المعاناة الإنسانية في غزة المشهد الإعلامي والدولي، كانت حكومة الاحتلال الإسرائيلي تدير بهدوء سياسات وإجراءات تهدف إلى تكريس السيطرة على الضفة الغربية، من خلال إنشاء بؤر استيطانية جديدة، وتسريع المصادقة على مخططات البناء، ومصادرة الأراضي، وفرض وقائع جديدة على الأرض.
وتهدف هذه الورقة التي أعدها مركز الدراسات السياسية والتنموية إلى تسليط الضوء على هذا التوسع الاستيطاني الصامت، الذي يتم بدوافع أيديولوجية واستراتيجية، مع الكشف عن الأطراف الفاعلة فيه، وعلى رأسها الحكومة الإسرائيلية ووزارة المالية بقيادة بتسلئيل سموتريتش. وتناقش الورقة الدور المتزايد لإدارة المستوطنات في تسهيل هذه العمليات، والآثار المترتبة على هذه السياسات في ظل استمرار انتهاك القانون الدولي .
كما تسعى الورقة إلى كشف الأبعاد القانونية والسياسية لهذه التحركات، وتسليط الضوء على كيفية استغلال الاحتلال للوضع الراهن لإعادة تشكيل معادلة السيطرة في الضفة الغربية.
خلفية تاريخية
بدأ الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة مع الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، حيث أُجريت تغييرات جوهرية على الأنظمة القانونية من خلال إصدار سلسلة من الأوامر العسكرية التي اعتُبرت غير قانونية بموجب القانون الدولي. هدفت هذه الأوامر إلى تسهيل مصادرة الأراضي الفلسطينية العامة والخاصة والاستيلاء عليها، لاستخدامها في بناء المستوطنات وتوفير الخدمات والبنية التحتية الداعمة لها.
واعتمدت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سياسات ممنهجة لدعم الاستيطان، شملت التوسع في بناء المستوطنات وتقديم الحوافز والتسهيلات لتشجيع الإسرائيليين على الانتقال إلى الضفة الغربية. بينما كانت الضفة الغربية خالية تمامًا من المستوطنات عند احتلالها عام 1967، ارتفع عدد المستوطنات مع بداية عام 2023 إلى 176 مستوطنة و186 بؤرة استيطانية، يقطنها نحو 726,427 مستوطنًا.
وتشغل المستوطنات الإسرائيلية نحو 42% من مساحة الضفة الغربية، مع السيطرة على 68% من مساحة المنطقة "ج"، التي تُعد ذات أهمية استراتيجية لاحتوائها على 87% من الموارد الطبيعية للضفة، و90% من غاباتها، و49% من شبكة طرقها.
نشأة إدارة المستوطنات
إدارة المستوطنات هي هيئة حكومية جديدة داخل وزارة الحرب الصهيونية، وتسيطر على معظم مجالات الحياة المدنية في الضفة الغربية، ومكلّفة بتصميم السياسات الحكومية في الضفة الغربية بشأن المسائل التي لا تتعلّق بالأمن بشكل محض، وتسيير عمل الإدارة المدنية، إدارة التخطيط وإنفاذ القانون (بما في ذلك عمليات الهدم) على البناء غير المرخّص؛ وتولّي مسؤولية سياسات إدارة الأراضي، بما في ذلك تخصيص الأراضي، واستكمال تطبيق القانون الإسرائيلي على المستوطنين من خلال الأوامر العسكرية، وتحسين الخدمات الحكومية للمستوطنين.
تم تعيين يهودا إلياهو رئيساً لإدارة المستوطنات، وهو شريك وزير المالية في الحكومة الإسرائيلية بتسلئيل سموتريش في تأسيس منظمة ريغافيم (منظمة استيطانية تعمل على الاستيلاء على الأراضي وتهجير الفلسطينيين في الضفة الغربية).
موقف القانون الدولي
تنص الفقرة السادسة من المادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة، التي صادقت عليها (إسرائيل) في عام 1951، على أنه: " لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحّل أو تنقل جزءًا من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها".
وفي الفتوى التي أصدرتها في يوم 9 تموز/يوليو 2004، قضت محكمة العدل الدولية بأن الجدار، إلى جانب المستوطنات، يشكّل انتهاكًا للقانون الدولي.
ودعت المحكمة (إسرائيل) إلى وقف العمل في تشييد هذا الجدار، وتفكيك الأجزاء التي شيدّتها منه، وتعويض الفلسطينيين عن الأضرار التي سببها لهم.
وتعرّف المادة (8/ب/8) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الصادر في عام 1988، "قيام دولة الاحتلال على نحو مباشر أو غير مباشر، بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأرض التي تحتلها" على أنه جريمة حربٍ تجرِّمها المحكمة الجنائية الدولية.
كما ينصّ القرار (465) الصادر عن مجلس الأمن الدولي في سنة 1980 على أن: "سياسة (إسرائيل) وأعمالها لتوطين قسم من سكانها ومن المهاجرين الجدد في الأراضي الفلسطينية وغيرها من الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967, بما فيها القدس تشكّل خرقًا فاضحًا لاتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب، كما تشكّل عقبةً جديةً أمام تحقيق سلامٍ شاملٍ وعادلٍ ودائمٍ في الشرق الأوسط". كما دعا هذا القرار (إسرائيل) إلى "تفكيك المستوطنات القائمة".
موقف الأمم المتحدة
وتعتبر الأمم المتحدة الاستيطان الإسرائيلي غير قانوني، وتدعو دون جدوى إلى وقفه، محذرة من أنه يقوض فرص معالجة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وفقا لمبدأ حل الدولتين (فلسطينية بجانب إسرائيلية).
المبادئ التي تقوم عليها الأجندة اليمينية الاستيطانية
يمرّ المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية بتحولات متسارعة منذ تشكيل الائتلاف الإسرائيلي الحاكم في 29 كانون الأول 2022. وهي تحولات تستند الى أجندة يمينية استيطانية تقوم على ثلاثة مبادئ[3]:
1) التوجّه نحو ضم الأراضي "ج" وفرض تدريجي للسيادة الإسرائيلية الشاملة عليها.
2) رفع عدد المستوطنين إلى مليون نسمة خلال العقدين القادمين.
3) الجيش الإسرائيلي الذي يدير الأرض المحتلة، ومستشاروه القانونيون الذين "يغازلون" القانون الدولي، أطراف لم تعُد صالحة، وتمثّل بنية بالية وغير قادرة على تحقيق متطلبات المرحلة الجديدة من النمو الاستيطاني.
التوسع الاستيطاني وتحسين الظروف المعيشية للمستوطنين[4].
في حزيران 2023، مررت الحكومة الإسرائيلية قراراً، والذي يعتبر تعديلاً على قرار الحكومة رقم 150 للعام 1996، والذي يتيح تخطّي الموافقة المطلوبة من مستويات حكومية على مراحل مختلفة تتعلّق بإجراءات التخطيط والموافقة على توسيع المستوطنات (بما في ذلك ترخيص البؤر الاستيطانية كأحياء للمستوطنات القائمة)، باستثناء المرحلة الأولى، حيث يتم تقديم الخطط إلى سلطات التخطيط للمراجعة.
ووفقاً للقرار الجديد، بمجرد موافقة مسؤول حكومي على الترويج لخطة بناء في منطقة معينة، لا يلزم الحصول على موافقة أخرى من المستوى السياسي.
وقد تحول بتسلئيل سموتريتش بصفته الوزير الإضافي في وزارة الدفاع الى صاحب السلطة الوحيدة للموافقة على المضي قدماً في إجراءات التخطيط. وقد حول القرار مشاركة الحكومة في إجراءات التخطيط في الضفة الغربية لتتماشى بما هو معمول به داخل (إسرائيل).
والواقع أن العملية أسهل في الأراضي المحتلة، حيث يتولى الآن وزير واحد السلطة. وسيجعل هذا التغيير العمليات أكثر سلاسة، ويتيح الموافقة بأثر رجعي على العديد من البؤر الاستيطانية غير المرخصة في الضفة الغربية - وهي خطوة هامة نحو التوسع الشامل للمستوطنات.
وقد شهد التوسع الاستيطاني تقدّماً كبيراً منذ تشكيل الحكومة، بما في ذلك:
تم تحديد 70 بؤرة استيطانية والتي ستخضع إلى عملية موافقة بأثر رجعي. لقد تم تصنيف معظم البؤر تحت مسمى جديد- "قيد الموافقة". إن الحصول على هذا التصنيف وحده يمنع أي إجراء تنفيذي لهدم البناء غير القانوني ويسمح لهذه البؤر الاستيطانية بتلقّي تمويل حكومي مباشر والربط بالبنية التحتية.
وفقاً لحركة السلام الآن، منذ تشكيل الحكومة [في 29 كانون الأول 2022، تمت إقامة 44 بؤرة استيطانية جديدة. على الأقل، نصف هذه البؤر هي مستوطنات زراعية/ رعوية تشارك في الاستيلاء على الأراضي والطرد المنهجي للفلسطينيين من المنطقة.
الموافقة على و/أو تطوير حوالي 18,000 وحدة سكنية استيطانية جديدة.
الإعلان عن أكثر من 22,000 دونم كأراضي دولة، مقارنةً بـ 13,000 دونم تم الإعلان عنها بين عامي 2014-2015 ويقع 2,600 دونم من أصل 22,000 بين مستوطنتي معاليه أدوميم وكيدار في المنطقة E1. سيؤدي البناء في هذه المنطقة إلى تقسيم الضفة الغربية إلى قسمين، وهو ما يشكل عقبة استراتيجية أمام حل الدولتين.
حقائق أساسية
تشكّل المناطق المأهولة في جميع المستوطنات الإسرائيلية ما لا يتجاوز 1.2% من مساحة الضفة الغربية، تقع ما نسبته 40% من مجمل أراضي الضفة الغربية تحت سيطرة تلك المستوطنات ومشاريع البنية التحتية المرتبطة بها، من قبيل الطرق الالتفافية الاستيطانية، والجدار العنصري العازل، والحواجز والقواعد العسكرية.
وفي نفس السنة التي أخلت سلطات الاحتلال فيها 8,200 مستوطن من قطاع غزة، وهي سنة 2005، ارتفع عدد المستوطنين في المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية.
نجحت الحوافز التي تقدّمها الحكومة الإسرائيلية في استقطاب الآلاف من المستوطنين اليهود وتشجيعهم على السكن في المستوطنات المقامة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وبحسب أحد استطلاعات الرأي التي نشرتها منظمة "السلام الآن" الإسرائيلية، يقطن 77% من المستوطنين المستطلعة آراؤهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة لأسبابٍ تعود إلى "جودة الحياة" فيها، وليس لأسبابٍ دينيةٍ أو أسبابٍ تتعلق بالأمن القومي الإسرائيلي.
الاستيطان الصامت خلال حرب غزة:
في حين استحوذت حرب غزة الدامية على انتباه العالم، كانت الحكومة الإسرائيلية تدير بهدوء تحولاً سياسياً كبيراً للضم الفعلي للضفة الغربية، وتحت ستار "الأمن"، وفي خضم فوضى حرب الإبادة ضد غزة، نفذ رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش سلسلة من التغييرات الإدارية، وأعادا تشكيل السيطرة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة، ودفعا بضم الضفة الغربية خلال الأشهر القليلة الماضية.
وتمثل هذه الخطوة، التي غفل عنها أو تجاهلها المجتمع الدولي إلى حد كبير، خطوة جريئة ومثيرة للجدل نحو ترسيخ السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية.
صلاحيات قانونية كبيرة
بدأت "إدارة الاستيطان" العمل على وضع قائمة بـ63 بؤرة استيطانية بهدف منحها الشرعية القانوني، وأصدر وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش سلسلة إجراءات إدارية أدت إلى الضم الفعلي للضفة الغربية لـ(إسرائيل)، وتتمحور تلك الإجراءات حول سحب صلاحيات إدارة الضفة الغربية من الحاكم العسكري الإسرائيلي والإدارة المدنية التابعة لوزير الدفاع الإسرائيلي، ومنحها إلى مسؤولين مدنيين تابعين لسموتريتش، وتطبيق القانون الإسرائيلي على المستوطنين ومنع إقامة دولة فلسطينية، وإجراء "تغييرات هيكلية ستغير تركيبة النظام لأعوام عدة".
وفي 29 مايو/أيار، نقل جيش الاحتلال الإسرائيلي صلاحيات قانونية كبيرة في الضفة الغربية المحتلة، إلى موظفين مدنيين مؤيدين للمستوطنين تحت قيادة سموتريتش، زعيم حزب الصهيونية الدينية اليميني.
نقلت هذه الخطوة المسؤولية عن العديد من القوانين الفرعية داخل الإدارة المدنية ــ الهيئة الإسرائيلية التي تحكم الضفة الغربية ــ من الجيش إلى مسؤولين بقيادة سموتريتش في وزارة الدفاع، وقد أسس هذا التحول دوراً مدنياً جديداً “نائب رئيس الشؤون المدنية” داخل الإدارة المدنية، ومن خلال تحويل إدارة الضفة الغربية من السيطرة العسكرية إلى السيطرة المدنية، غيرت الحكومة الإسرائيلية الوضع الراهن جذرياً، ممهدة الطريق للحكم الإسرائيلي الدائم على المنطقة، وهو ما يعادل الضم بحكم الأمر الواقع.
مصادرة الأراضي خلال الحرب على غزة
في تسجيل مسرب من قبل منظمة “السلام الآن”، أعلن سموتريتش بفخر أن مصادرة الأراضي في عام 2024 تجاوزت المتوسطات السنوية السابقة بعشرة أضعاف، معرباً عن التزامه بمنع إقامة دولة فلسطينية، وتضمنت سياساته، التي تهدف إلى تعزيز التوسع الاستيطاني، توجيهات للوزارات الإسرائيلية للاستعداد لتدفق 500 ألف مستوطن إلى الضفة الغربية.
حركة السلام اليسارية الإسرائيلية كشفت النقاب عن طفرة غير مسبوقة بالنشاط الاستيطاني في الضفة الغربية منذ بداية الحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعد عام وشهر من الحرب على قطاع غزة نشهد طفرة غير مسبوقة في الأنشطة الاستيطانية، بما في ذلك بناء البؤر الاستيطانية والطرق والأسوار وحواجز الطرق".
هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، رصدت استيلاء الاحتلال ومستوطنيه على 52 ألف دونم، وإنشاء 29 بؤرة استيطانية رعوية، وتنفيذهم 19440 اعتداء، طالت أراضي وممتلكات الفلسطينيين، وذلك منذ بدء الحرب المتواصلة على غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
تقرير الهيئة أكد أن سلوك الاحتلال العدواني لم يعد يستهدف المناطق المصنفة (ج) فقط، بل يمتد المناطق المصنفة (ب)، بإعلانات تلغي ما بقي من اتفاقيات سياسية، وتتحدى قرارات الشرعية الدولية، ومجلس الأمن، “الذي يدين الاستيطان، ويدين سلوك الدولة القائمة بالاحتلال في الأرض الفلسطينية، وأن كل ذلك يجري بستار الحرب وبستار قوانين الطوارئ التي تمكن المستوطنين من حمل السلاح، وتشريعات تحرم الفلسطيني حتى من إمكانية الدفاع عن نفسه.
تقرير هيئة مقاومة الجدار والاستيطان كشف أن سلطات الاحتلال استولت خلال عام من الحرب على 52 ألف دونم من أراضي الفلسطينيين، منها 25 ألف دونم تحت مسمى تعديل حدود محميات طبيعية، و24 ألف عبر 7 أوامر إعلان ما يسمى “أراضي دولة” في محافظات القدس ونابلس ورام الله وبيت لحم، و1233 دونما من خلال 52 أمرا وضع اليد لأغراض عسكرية هدفت لإقامة أبراج عسكرية وطرق أمنية ومناطق عازلة حول المستوطنات.
وبحسب تقرير الهيئة أنشأت سلطات الاحتلال مناطق عازلة حول المستوطنات من خلال جملة من الأوامر العسكرية، بلغ عددها 12 منطقة عازلة تركزت معظمها في شمال الضفة الغربية وتحديدا مدينتي سلفيت ونابلس، وفرضت منطقتين في مدينتي رام الله والبيرة وبيت لحم، وأن سلطات الاحتلال درست منذ السابع من أكتوبر ما مجموعه 182 مخططا هيكليا لغرض بناء ما مجموعه 23267 وحدة استيطانية على مساحة 14 ألف دونما جرت عملية المصادقة على 6300 وحدة منها، في حين تم إيداع 17 ألف وحدة استيطانية جديدة، وهذه المخططات تركزت في محافظة القدس بواقع 65 مخططا هيكليا، منها 25 مخططا خارج حدود بلدية الاحتلال، و65 مخططا داخل حدودها، تليها محافظتي سلفيت وبيت لحم بـ22 مخططا هيكليا لكل منها
وذكر التقرير أن المستوطنين وبحماية من جيش الاحتلال قاموا بإنشاء 29 بؤرة استيطانية رعوية/ زراعية تركزت في محافظة الخليل بواقع 8 بؤر، ورام الله 6 بؤر، وبيت لحم بـ 4 بؤر، و3 أخرى في نابلس، وشق 7 طرق لتسهيل تحرك المستوطنين وربط بؤر بمستوطنات قائمة، سلطات الاحتلال قررت “تسوية أوضاع” 11 بؤرة استيطانية وتحويلها إلى مستوطنات أو أحياء استيطانية تتبع لمستوطنات قائمة.
وبحسب أمير داوود، مدير عام التوثيق والنشر في هيئة الجدار والاستيطان[6] تم التسريع بتنفيذ هذه الخطط منذ الحرب على غزة وتأتي شرعنة البؤر الاستيطانية كونها تقع في أماكن استراتيجية، "تهدف هذه البؤر إلى تواصل المستوطنات بعضها ببعض خاصة التي يتم التخطيط لتحويلها إلى مدن ومنع توسع وتواصل التجمعات الفلسطينية."
وستسمح هذه البؤر بإقامة الشوارع الاستراتيجية، مثل توسيع شارع 505 الواصل بين مفترق مستوطنة أرئيل المقامة على أراضي سلفيت شمال نابلس وحتى مفترق مستوطنة تبوح زعترة جنوب نابلس وتسهيل وصول هذه المستوطنات حتى الأغوار.
الخلاصة:
كشفت الورقة ظاهرة "الاستيطان الصامت" في الضفة الغربية المحتلة، وتفاقمها بشكل ملحوظ خلال الحرب الإسرائيلية على غزة، والتوسع الاستيطاني المتسارع الذي اتخذ أشكالاً متعددة، منها إنشاء بؤر استيطانية جديدة، والمصادقة على آلاف الوحدات السكنية، ومصادرة مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية. وتهدف هذه الإجراءات إلى تغيير الواقع الجغرافي والسياسي في الضفة الغربية، مما يمهد الطريق لضمها فعلياً تحت السيادة الإسرائيلية.
واستغلت الأطراف الفاعلة في هذه السياسات، وأبرزها حكومة الاحتلال بقيادة بنيامين نتنياهو وبتسلئيل سموتريتش، الانشغال الدولي بالحرب على غزة لتمرير قرارات إدارية وهيكلية تمنح المستوطنات وضعاً قانونياً جديداً وتعزز السيطرة الإسرائيلية على الأرض، متجاهلة ما تمثله هذه الإجراءات من خرق واضح للقانون الدولي، كما تعكس أجندة يمينية تهدف إلى ضم المنطقة "ج"، ورفع عدد المستوطنين، ومنع إقامة دولة فلسطينية.
توصيات المركز:
على السلطة الفلسطينية تحمل مسئولياتها السياسية والقانونية تجاه جرائم الاحتلال ومستوطنيه.
مطالبة السلطة الفلسطينية بملاحقة قادة الاحتلال في المحافل الدولية، وإحالة ملف الاستيطان لمحكمة الجنايات الدولية.
مطالبة المجتمع الدولي بوضع حد للانتهاكات الإسرائيلية والمستوطنين في الضفة المحتلة.
تطوير الأداء الإعلامي الرسمي الفلسطيني من خلال اعتماد سياسة إعلامية تسلط الضوء عمليات الاستيطان ومصادرة الأراضي لفضح الممارسات الاحتلالية العنصرية، ومخاطر الاستيطان على المشروع الوطني، وتداعياته وتأثيراته السلبية على الجوانب الحياتية.