«تلميذ موشيه ديان»، ومدير مكتبه فى الخمسينات، ومسئول «العمليات» وقت العدوان الثلاثى، ومسئول المعلومات وقت «النكسة»، بتلك الخبرات دخل الجنرال إيلى زعيرا شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «المخابرات الحربية»، فى أكتوبر عام 1972، رئيساً لها، ليصطدم بعد أيام من توليه مسئولية «الاستخبارات العسكرية» بتحذير وارد إليهم بشأن استعداد مصر وسوريا لشن حرب فى الفترة بين شهرى مايو ويونيو 1973، ليبدأ تقييم الاحتمالات مع قسم «البحوث»، مسئول تحليل المعلومات فى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وقتها، ليتوصل إلى عدم احتمالية نشوب حرب مع إسرائيل، فى حين عارض موشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلى، تلك التقديرات، وتوقع أن هناك حرباً يتم الإعداد لها، لو لم تكن فى «مايو أو يونيو»، ستكون فى وقت لاحق.

ومرت الأيام، وثبت أن الحرب لم تنشب فى «مايو»، ليتعزز رأى شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بأن الحرب لن تندلع فى تلك الفترة، خصوصاً أن الجيش الإسرائيلى رفع درجة الاستعداد أكثر من مرة، ما كلف الاقتصاد الإسرائيلى خسائر باهظة، دون أن تكون هناك حرب حقيقية، لكن مجرد مناورات عسكرية، اعتادت مصر على إجرائها فى الربع الأخير من العام، وهو الأمر المترسخ فى تقارير شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، حسبما سجل الجنرال إيلى زعيرا، رئيس «الشعبة» وقتها، شهادته أمام لجنة التحقيق مع القيادات العليا الإسرائيلية التى أعقبت حرب أكتوبر المجيدة، والتى ظلت سرية لأكثر من أربعين عاماً، حتى أزالت إسرائيل عن بعضها سريتها فى الفترة الماضية.

«السادات» شخص لا يمكن التنبؤ بتصرفاته.. لكنه فى الأمور العسكرية «متزن وحريص ومنضبط»

ويروى رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إبان حرب أكتوبر المجيدة أن هناك أكثر من معلومة وردت للاستخبارات العسكرية منذ أواخر الستينات، حتى قبل الحرب بيوم واحد، بشأن توقيتات حددتها مصر للحرب، لكن لم تحدث حروب خلالها، ما دفع خبراء ومسئولى قسم البحوث فى «الاستخبارات العسكرية» لأن يحللوا شخصية الرئيس الراحل أنور السادات، ولماذا لم تنشب الحرب، أو تراجعت مصر عنها، حسبما كانوا يظنون فى هذا الوقت.

ويلفت «زعيرا» إلى أن تقديرات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية فى هذا الوقت أن «المصريين ليست لديهم القوة اللازمة للهجوم»، خصوصاً القوة الجوية التى يستطيعون أن يصلوا بها لعمق إسرائيل تحقيقاً لـ«الردع»، وأن ما يدفع الرئيس المصرى الراحل أنور السادات للحرب هو الخوف على سلطته الشخصية، وفى أكتوبر 1973 لم يكن هناك اعتراض على سلطته، أو تردى الوضع الداخلى الاقتصادى والاجتماعى والنفسى، ولم نكن نرى أن الوضع الاقتصادى أو الداخلى خطير.

وعن تقديرهم لـ«السادات»، قال إن تحليل شخصيته انتهى إلى أنه لم يكن شخصاً يمكن التنبؤ بتصرفاته، لكنه فى الأمور العسكرية «شخصية مستقرة ومتزنة، وحريص ومنضبط».

ويشير إلى أن الرئيس السادات وقف أمام الشعب المصرى فى 1971، ليتحدث عن «عام الحسم»، وانتظرت إسرائيل الحرب فى هذا العام، لكنها لم تحدث، وفى عام 1973، قبل الحرب، تحدث عن «صراع طويل»، بما جعلنا نرى أنه ليس متعجلاً ويتمتع بالصبر، ولديه وقت قبل أن يقرر الحرب.

ويتحدث «تلميذ موشيه ديان» قائلاً إن تقديراتهم أن مصر لن تدخل الحرب قبل أن تمتلك سلاحاً يمكنها من ضرب «عمق إسرائيل»، وكان هذا يتطلب 5 أسراب من الطائرات المقاتلة، أو صواريخ بعيدة المدى، وهو أمر لم يكن قد دخل الخدمة بعد خلال «أكتوبر 1973»، مؤكداً أنه حتى إطلاق مصر للنار فى الحرب يوم 6 أكتوبر، لم تظهر أى مؤشرات تشير إلى وجود «حرب وشيكة».

ويوضح أن القيادة العسكرية المصرية وضعت خطة لتعزيز القوات الجوية، ووصل إلى الاستخبارات العسكرية فى سبتمبر 1973، أى قبل الحرب بأيام، أن مصر سيكون لديها ما يكفى من أسراب طائرات متطورة لمهاجمة عمق إسرائيل بعد عامين، ومن ثم صدرت تقارير «الاستخبارات الإسرائيلية»، قائلة: «بدءاً من عام 1975، سيكون فى مقدور مصر مهاجمة إسرائيل بصورة خطيرة، ولا بد من توقع حرب يمكن بالفعل أن تعرض إسرائيل للخطر، وبخاصة سلاحها الجوى بدءاً من عام 1975».

ويوضح أن المساعى المصرية فى هذا التوقيت كانت امتلاك من 5 إلى 6 أسراب من طائرات «ميج 23»، و«سوخوى 20»، مع تقديرات بإمكانية تسلمها طائرات «ميراج»، موضحاً أن هناك تقديرات ومعلومات أن مصر لن تهاجم إسرائيل قبل أن تمتلك القدرة على «الردع»، وضرب إسرائيل فى «العمق».

ويلفت رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إلى أن موقف جبهة القتال، قبل المناورة «تحرير 41»، التى أجرتها القوات المسلحة المصرية بداية من أول أكتوبر حتى انطلاق الحرب، كان وجود أكثر من 1100 دبابة مصرية، و600 مدفع، وأكثر من 80 ألف مقاتل مصرى، مقابل 170 دبابة، ونحو 8 آلاف فرد فقط.

ويشير «زعيرا» إلى أن تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية بأن مصر كانت غير قادرة على مهاجمة إسرائيل، ليس بسبب نسب قواتها البرية، ولكن بسبب القوات الجوية، ومن ثم فى حال عدم نجاح مصر فى استهداف المطارات الإسرائيلية، فإنها لن تشن حرباً.

ويؤكد أن التقديرات الإسرائيلية كانت أن معظم الجنود والضباط فى قواتنا المسلحة يعتقدون أن الحرب مع إسرائيل غير واردة فى الوقت الحالى، ولا فى المستقبل المنظور، نظراً لعدم امتلاكهم قدرة قتالية، مقارنة بقدرة العدو القتالية.

ويلفت إلى أن التقديرات الإسرائيلية أيضاً كانت أن هناك تفوقاً للقوات البحرية المصرية والسورية، إلا أن التفوق الجوى لإسرائيل يقيد حركة هذه القوات، والطائرات القاذفة المقاتلة هى مشكلة مصر، لافتاً إلى أن مصر وجد بها سرب واحد من طائرات الميراج وقت الحرب بإجمالى 15 طائرة، وأنها كانت تحتاج 5 أسراب على الأقل لاستهداف المطارات الإسرائيلية.

ويلفت إلى أن مصر اشترت صواريخ «أرض - أرض» ذات مدى متوسط، وحصلت بالفعل على صواريخ «سكود»، ذات المدى 280 كيلومتراً، التى ستتيح ضرب وسط إسرائيل وحتى «تل أبيب»، إذا وضعت فى بورسعيد، لكنها لم تكن جاهزة للعمل بأيدى المصريين قبل الربع الأول من عام 1974، بحسب تقديراتهم، متوقعاً أن يكون هذا الصاروخ هو سر حديث الرئيس السادات أثناء الحرب بأن إسرائيل لو قصفت العمق المصرى، مثلاً فى القاهرة، فإنه سيضرب عمقها أيضاً، وأن ذلك لو حدث، كان ليتم بأيدى خبراء سوفيت.

ويشير رئيس «الاستخبارات الإسرائيلية» إلى أن هناك عملاء أعطوا معلومات عن الحرب أكثر من مرة، ولكنها لم تتحقق، مضيفاً: «إذا كنت أتحدث مع شخص يقرأ هذا العميل، فإنه يقول لى أنصت إلىّ.. هذا العميل قال 15 مرة إنه ستكون هناك حرب، ولم تندلع أبداً، لماذا أعتمد عليه، أو أثق فيه هذه المرة؟!».

واستطرد: «عندما يرسل أحد العملاء برقية أو خطاباً يقول فيه: (ستكون هناك حرب فى غضون 3 أشهر) فإننى لا أعرف إذا كان قد ابتكر هذا أو سمعه فى السوق أو سمعه من مصدر مسئول فى هيئة الأركان العامة للجيش المصرى، لأنه من المؤكد أنه ستكون لديه رغبة فى إرسال معلومات وإعطائها الأهمية المناسبة، لأنه يحصل على مال مقابل هذا».

ويلفت «زعيرا» إلى أن الاستخبارات حينما تقول إن مصر عازمة على دخول حرب، فإن ذلك يبنى على أكثر من شىء، منها العملاء، والتنصت، والصور الجوية، ونقاط المراقبة، ورأى أجهزة الاستخبارات الأجنبية، مؤكداً أن الاستخبارات الإسرائيلية عرفت بوضوح قبل الحرب بأيام أنه لا توجد نية لدخول الحرب.

ويوضح أن تسيفى زامير، رئيس «الموساد»، تحدث معه عن ذهابه لرؤية عميل من نوع خاص «حُذف اسمه بمعرفة هيئة الرقابة العسكرية الإسرائيلية من الوثائق»، فى إحدى الدول الأوروبية، ثم وصلته معلومة من مكتبه فجر يوم 6 أكتوبر 1973، فى الرابعة فجراً، نصها: «الجيش المصرى والجيش السورى يعتزمان شن هجوم قبل غروب شمس يوم 6 أكتوبر.. سيبدأ الهجوم على الجبهتين فى نفس الوقت»، ليتم عقد اجتماع مع وزير الدفاع ورئيس الأركان، ليتم عقد اجتماع مع الحكومة، ثم لم تتم تعبئة الاحتياط.

ويشير إلى استقبال إسرائيل رسالة من عميل لـ«الموساد» بشأن أن مصر ستبدأ عملية فى 1 أكتوبر على إسرائيل بإشراف وزير الحربية المصرى، ولم تتحقق، ثم جاءت رسالة من مصدر آخر بأن عملية هجومية تنوى مصر شنها ستبدأ كمناورة تدريبية، وتشير الدلائل إلى تحولها للهجوم إذا أطلقت إسرائيل طائرات استطلاع أو قامت بعمل يمثل ذريعة مناسبة للهجوم على إسرائيل، وكان يوم 1 أكتوبر بداية المناورة المصرية «تحرير 41»، كما ذكر أن أى توغل إسرائيلى سيمثل ذريعة طيبة لمصر لشن هجوم على إسرائيل.

لكنه قال: «لدينا عملاء كثيرون تحذيريون، ولم نتلق من أى واحد منهم كلمة واحدة، وكان هذا أحد العوامل التى قللت مخاوف اندلاع حرب».

ويشير «زعيرا» إلى أنهم تواصلوا مع أجهزة المخابرات الأجنبية فى تلك الفترة لمعرفة معلوماتهم وآرائهم، وأن «الجميع كانوا يعتقدون أنها مجرد مناورة».

ويوضح أن «الضوء الأحمر» لديه بدأ فى الشك حينما وصلته معلومة بأن هناك طائرات نقل روسية وصلت فجأة إلى سوريا ومصر لنقل عائلات الخبراء الروس، وكان ذلك ما بين الرابع والخامس من أكتوبر، مشيراً إلى أن الإخلاء جاء فجأة، وبشكل عاجل بإخلاء عائلات الخبراء السوفيت. وأشار إلى أنه قال لرئيس الأركان الإسرائيلى ديفيد إلعازار إن ما حدث أمر غير مألوف، ولكن احتمالية حدوث حرب «فى مستواها الأدنى»، ومن ثم صدر قرار بوضع الجيش فى حالة الاستعداد القصوى، لكن لم تتم تعبئة الاحتياط.

ويلفت إلى أنهم لجأوا إلى 848 مركز إنذار وتنصت تابعة للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية فى هذا التوقيت، وأن رصدهم للداخل المصرى فى الفترة من نهاية سبتمبر وبداية أكتوبر 1973، أكد أنه لم يكن هناك فى مصر أى سمة تنبئ بخلق جو قبيل الحرب، بل على العكس، إذا قلنا شيئاً فإننا نتحدث عن نوايا إسرائيلية بمهاجمة مصر، كما لم ينشأ جو قبيل الحرب فى وسائل الإعلام، أو تتم أى إعدادات مدنية لتجهيز الجبهة الداخلية.

ويشير إلى أن مصر رفعت درجة استعداد قواتها المسلحة، وألغت الإجازات، وجمعت الجنود فى قواعدهم، وكان هذا الأمر عادياً، لأنه حدث فى المناورات السابقة أيضاً، كما تم دفع معدات إقامة الجسور والعبور أكثر من مرة من قبل كذلك فى المناورات، وكذلك نشر طائرات فى مطارات متقدمة، مشيراً إلى أنهم كانوا مطمئنين لكل شىء، وأن موعد تسريح جنود الاحتياط المصريين كان محدداً 10 أكتوبر 1973، مع تعليمات بعودتهم لأماكن عملهم قبل 12 أكتوبر، وهو أمر ضلل المخابرات الإسرائيلية أيضاً.

لم نتخيل استخدام مصر لـ«الصواريخ» بدلاً من «الطائرات»

ويقول رئيس الاستخبارات الإسرائيلية إن مصدر المعلومات الآخر أمامهم كان التصوير، وكانت الصواريخ المصرية تصل لمدى ارتفاع طيرانهم وما يزيد، ومن ثم ليس لديهم تقريباً إمكانية التصوير فى مناطق الجيش المصرى، وكان التصوير يتم بصورة مائلة ومن ارتفاع عالٍ جداً، ما يجعل قراءة الصور أمراً يكاد يكون مستحيلاً، لكنهم نجحوا فى التصوير فى 4 أكتوبر، وشاهدوا الصور فى بداية ليلة 5 أكتوبر، التى أظهرت زيادة المدفعية المصرية من 153 بطارية صواريخ إلى 195 بطارية، وهى زيادة مقلقة.

ويلفت إلى أن إسرائيل كانت تمتلك طائرات دون طيار قبل الحرب، لكن لم تُستخدم؛ لأن فرص إسقاطها من 20 إلى 30%، وأن سعر الطائرة ربع مليون دولار فى هذا التوقيت، وأن احتمالات عودتها 60% فقط، مع إمكانية إسقاط الصواريخ المصرية لها، وهو ما حدث عند استخدامها فى الحرب، إذ إن طائرة من بين كل 3 طائرات بدون طيار استُخدمت أسقطتها صواريخ مصرية.

وعن معلومة استعداد مصر للحرب التى وصلتهم من عميل لهم، قال: «إنه مقابل هذه المعلومة، تلقوا 150 معلومة بأنها مناورة فقط، وعن تسريح الاحتياط يوم 10 أكتوبر»، ولكن المعلومة الأخيرة بتحديد وقت الحرب يوم 6 أكتوبر فجراً كانت «مقلقة»، كما أنهم تلقوا معلومات المخابرات الأمريكية من المساعد العسكرى لوزير الخارجية الأمريكى هنرى كيسنجر، باعتباره مستشاراً سياسياً للرئيس الأمريكى، بأن المخابرات الأمريكية تقيّم هذا الوضع بأنه «إجراءات دفاعية، وليست هجومية»، وذلك يوم 5 أكتوبر.

كما يوضح أنهم رصدوا وجود تعليمات للجنود والضباط بالإفطار فى نهار رمضان، وأنه حينما سأل باحثى الاستخبارات العسكرية، أفادوا بأن هذا حدث بالفعل من قبل.

أكثر من 98% من الجيش عرفوا بموعد الحرب «فى يومها»

ويلفت «زعيرا» إلى أن تقديرات إسرائيل أن أكثر من 98% من الجيش المصرى عرفوا بالحرب فى يوم الحرب فقط، وأنه لم يكن يتخيل أحد أن خطة مصر تقضى بعبور قناة السويس تحت حماية صواريخ الدفاع الجوى، دون الحاجة لحماية جوية من القوات الجوية.

وفجّر رئيس الاستخبارات الإسرائيلية مفاجأة، حين ذكر أن إحدى طائرات «توبيلوف» المصرية، أطلقت صاروخاً من نوع «كيلط» على «تل أبيب» فى أول أيام الحرب، وأسقطت إحدى الطائرات الصاروخ قبل وصوله، موضحاً أن إسرائيل لم تكن لديها معلومات عن وجود هذا الصاروخ لدى مصر.

وشدد على أنه حتى الساعة الثانية من ظهر يوم 6 أكتوبر، لم تكن هناك أى معلومة يمكن تفسيرها على أنها حرب، واصفاً خطة الخداع الاستراتيجى المصرية باعتبارها «تضليلاً فريداً»، وأن المصريين فعلوا كل استعدادات الحرب مع إيهامهم بأنها «مجرد مناورة».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: المخابرات الأمريكية الوثائق السرية نصر أكتوبر الأمور العسكرية الاستخبارات الإسرائیلیة یوم 6 أکتوبر أکتوبر 1973 قبل الحرب هناک حرب أن هناک أکثر من إلى أنه فى هذا أن مصر ومن ثم حرب فى لم یکن لم تکن

إقرأ أيضاً:

خبير أمني إسرائيلي بارز: لو فعل نصر الله هذا الأمر لوضع إسرائيل بوضع صعب

ذكر المحلل الأمني الإسرائيلي البارز يوسي ميلمان إن زعيم حزب الله حسن نصر الله ارتكب خطأين فادحين بعد هجمات السابع من أكتوبر.

وقال في مقال مطول في صحيفة "جويش كرونيكل" البريطانية أن خطأ نصر الله الأول كان قراره بمهاجمة "إسرائيل"، لكن الخطأ الثاني هو حصر هجومه في الضربات الصاروخية والطائرات بدون طيار بدلاً من نشر قوات برية أيضاً.

ونقل ميلمان المعروف بعلاقاته الواسطة مع المؤسسة العسكرية والأمنية، عن ضابط كبير في جيش الاحتلال الإسرائيلي قوله : "لو شن حزب الله غزوا بريا إلى جانب حماس، لكان بوسعه الوصول إلى طبريا وبحر الجليل. ولكانت إسرائيل قد واجهت صعوبات في صد الهجمات المتزامنة في الشمال والجنوب".



وتناول ميلمان في مقاله المطول عملية تفجير البيجر التي اعتبرها من أنجح وأقوى عمليات الموساد الإسرائيلي.

وزعم إن تلك العملية أدت إلى سلسلة من ردود الفعل المتتالية؛ فقد مهدت الطريق لهزيمة حزب الله في لبنان، وتغيير النظام في سوريا، وتوجيه ضربة لطموحات إيران في الهيمنة على الشرق الأوسط.

حتى تلك اللحظة، كان حزب الله هو المسيطر على الحرب. وفي أعقاب الهجوم الذي شنته حماس على "إسرائيل" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ــوهو الحدث الذي أذهل الاستخبارات الإسرائيلية والقيادة العسكريةــ فتح زعيم حزب الله، حسن نصر الله، جبهة ثانية تضامنا مع "إسرائيل".

في ضوء ما حدث، ارتكب نصر الله خطأين فادحين. الأول كان قراره بمهاجمة إسرائيل. والثاني كان حصر هجومه في الضربات الصاروخية والطائرات بدون طيار بدلاً من نشر قوات برية أيضاً.

"لو شن حزب الله غزواً برياً إلى جانب حماس، لكان بوسعه الوصول إلى طبريا وبحر الجليل. ولكانت إسرائيل قد واجهت صعوبات في صد الهجمات المتزامنة في الشمال والجنوب"، هذا ما أخبرني به ضابط كبير في جيش الدفاع الإسرائيلي.

وبدلاً من ذلك، أطلق حزب الله على مدى أحد عشر شهراً خمسة عشر ألف صاروخ وقذيفة وطائرة بدون طيار استهدفت القواعد العسكرية الإسرائيلية ومراكز الاستخبارات ومقر الموساد شمال تل أبيب والمطارات والمجتمعات المدنية. وتم إجلاء سبعين ألف إسرائيلي، ليصبحوا لاجئين في أرضهم.

وبحسب ميلمان فقد ردت القوات الإسرائيلية بشن غارات جوية مدمرة، فدمرت قرى في جنوب لبنان. والأمر الأكثر أهمية هو أن "إسرائيل" نجحت بشكل منهجي في القضاء على مئات من قادة حزب الله من الرتب المتوسطة والعليا. وقد تمكنت إسرائيل من تحقيق هذه الضربات الدقيقة بفضل سنوات من جمع المعلومات الاستخباراتية المضنية؛ من خلال تجنيد عملاء لبنانيين إلى اعتراض الاتصالات.

وبعد أيام قليلة من عملية أجهزة النداء، حققت الاستخبارات الإسرائيلية نجاحاً كبيراً آخر. فقد تمكنت من اكتشاف مكان فؤاد شكر، "رئيس أركان" حزب الله، وقتلته في مخبئه في بيروت بغارة جوية.

ثم وجهت "إسرائيل" ضربة أشد تدميراً باستخدامها معلومات من أحد عملائها لاغتيال نصر الله. وقد كان ذلك ممكناً لأن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تمكنت من الحصول على الرسومات الهندسية والبنائية ومخططات مركز القيادة تحت الأرض التابع لنصر الله.

وبعد قطع رؤوس كبار قادة حزب الله، أصيب أعضاء الحركة بالشلل والاضطراب والارتباك وانعدام التوجه والروح المعنوية. وغزت القوات الإسرائيلية جنوب لبنان دون مقاومة تُذكَر. وبعد قصف قواتها ومراكز قيادتها ومخازن أسلحتها، بما في ذلك تلك التي تحتوي على صواريخ بعيدة المدى، اضطر حزب الله إلى تقديم تنازلات والموافقة في السابع عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر على وقف إطلاق النار لمدة ستين يوماً. وتم تدمير ما يقرب من سبعين في المائة من أسلحته.

ويرى ميلمان أن هذا جزء من الواقع الجديد الناشئ في الشرق الأوسط. والتطور الأكثر أهمية هو المأزق الإيراني.

فهناك إجماع إسرائيلي يجمع بين اليسار واليمين على أن إيران تُعَد "رأس الأخطبوط". فقد أرسلت إيران أذرعها إلى كل أركان المنطقة، وشرعت في مسار التحول إلى دولة نووية على أعتاب مرحلة ما، وزرعت وكلاءها في لبنان وسوريا والعراق واليمن لتطويق إسرائيل بـ"حلقة من النار".

ويرى ميلمان أنه في أعقاب التطورات الدراماتيكية في سوريا، تشعر أجهزة الاستخبارات في إسرائيل والولايات المتحدة ودول غربية أخرى بالقلق الآن من أن إيران قد تتمكن من تجاوز الحد - أي إنتاج ما يكفي من المواد اللازمة لصنع سلاح نووي وتجميع مثل هذه الأسلحة.

ووفقاً لأحدث تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فقد نجحت إيران بالفعل في تجميع أكثر من مائة كيلوغرام من اليورانيوم المخصب إلى مستوى 60%. ويزعم ميلمان أنه لا يوجد أي مبرر علمي لتخصيب اليورانيوم إلى هذا المستوى من أجل تعزيز برنامج نووي مدني، وهذا يعني أن التفسير الوحيد هو أن التخصيب يهدف إلى استخدامه في صنع الأسلحة النووية. وفي غضون فترة قصيرة، في غضون أسابيع قليلة، تستطيع إيران تسريع وتيرة التخصيب وتخصيب اليورانيوم من 60% إلى 90%، وهو ما من شأنه أن يوفر المواد الانشطارية الكافية لتجميع خمس قنابل.

ويرى خبراء الاستخبارات، بحسب ميلمان، أن تسريع وتيرة تخصيب اليورانيوم يعكس مخاوف إيران من التغيير الوشيك للإدارة الأمريكية في 20 كانون الثاني/ يناير. ويبدو أن إيران تستعد لاحتمال فرض دونالد ترامب، عند دخوله البيت الأبيض، عقوبات أشد صرامة وشللا، ليس فقط لإلحاق الضرر باقتصادها، بل وأيضا للتسبب في سقوط النظام.



ولمنع هذا الاحتمال وضمان بقاء النظام، تسعى إيران إلى الوصول إلى وضع يمكنها من الإعلان خلال أسبوع أو أسبوعين عن نجاحها في تجميع الأسلحة النووية. وتفترض طهران أن مثل هذا السيناريو سوف يثني الولايات المتحدة عن مهاجمتها.

وفي الوقت نفسه، هناك قلق متزايد في الغرب من أن تحاول الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو الاستفادة من ضعف طهران وعزلتها الإقليمية لإصدار الأوامر للقوات الجوية بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية.

لكن ميلمان ينقل عن مسؤول كبير سابق في الموساد، مطلع على التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي، قوله إنه "من غير المرجح للغاية أن تقوم إسرائيل بمفردها بضرب المواقع النووية الإيرانية، ما لم تتم الموافقة على مثل هذه الخطوة من قبل ترامب".

مقالات مشابهة

  • أهالي طولكرم يشيعون 8 شهداء إثر العملية العسكرية الإسرائيلية
  • رئيس أركان جيش الاحتلال يطلب الإسراع في الانتهاء من التحقيقات بشأن هجوم 7 أكتوبر
  • خطوة لو فعلها نصرالله لكان قد قلب موازين الحرب وأتعب إسرائيل.. خبير يكشف
  • خبير أمني إسرائيلي بارز: لو فعل نصر الله هذا الأمر لوضع إسرائيل في وضع صعب
  • خبير أمني إسرائيلي بارز: لو فعل نصر الله هذا الأمر لوضع إسرائيل بوضع صعب
  • صور فضائية تكشف عمليات الهدم والتحصينات العسكرية الإسرائيلية بشمال غزة
  • خصوصية الطوفان.. لماذا تصدعت السردية الإسرائيلية عقب 7 أكتوبر؟
  • شعبة المصدرين: الحرب الروسية الأوكرانية فتحت أبواب أوروبا للسلع الغذائية المصرية
  • رئيس مركز القدس للدراسات: وسائل الإعلام الإسرائيلية تواصل الاستهزاء من يسرائيل كاتس
  • “اليمن”.. المهمة المعقّدة في وجه الاستخبارات الإسرائيلية