سعت إسرائيل لعرقلته.. ما دلالات توثيق أريحا لدى اليونسكو؟
تاريخ النشر: 19th, September 2023 GMT
أريحا- بعد جهود مضنية بذلها الفلسطينيون محليا وعالميا لـ5 سنوات، أضحت مدينة أريحا القديمة (تل السلطان) على قائمة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، لتكون بذلك خامس موقع فلسطيني يتم إدراجه على هذه القائمة العالمية.
وفي خطوة وصفت "بالإنجاز الكبير"، وثّق الفلسطينيون مدينتهم الأقدم في العالم والأكثر انخفاضا على سطح الكرة الأرضية (250 مترا تحت مستوى سطح البحر)، خلال انعقاد الجلسة 45 للجنة التراث العالمي بالعاصمة السعودية الرياض يوم 10 سبتمبر/أيلول الجاري.
وأصبحت أريحا القديمة خامس موقع موثق رسميا على قائمة التراث العالمي بعد القدس (البلدة العتيقة وأسوارها) والتي أُدرجت خلال الحكم الأردني للضفة الغربية.
كما سُجلت بيت لحم (مكان ولادة السيد المسيح: كنيسة المهد ومسار الحجاج) وبتير (فلسطين أرض العنب والزيتون: المشهد الثقافي لجنوب القدس) والخليل (البلدة القديمة)، وأريحا الآن خلال فترة حكم السلطة الفلسطينية.
وشدد خبراء آثار ومسؤولون فلسطينيون على أن هذا الإنجاز "ليس تأكيدا على هوية التراث الفلسطيني فحسب، بل اعتراف أممي آخر بأحقية الشعب الفلسطيني على هذه الأرض"، كما يقول إياد حمدان مدير وزارة السياحة والآثار في أريحا والأغوار الفلسطينية للجزيرة نت.
https://www.facebook.com/watch/?v=1786745701769065
ويضيف أنه "عندما يتم توثيق أن بدايات الحضارة البشرية كانت في فلسطين وأريحا، وأنها أقدم المدن المسورة، وبُني فيها أول برج حجري للمراقبة، وشكلت بداية تحول الإنسان من حياة الالتقاط والجمع إلى حياة الزراعة وتدجين الحيوان والاستقرار، فإن ذلك يُعد اعترافا عالميا صريحا بدور فلسطين وإسهامها في الحضارة الإنسانية".
وإضافة إلى تعزيزه الهوية التراثية والثقافية الفلسطينية، "سيسهم التسجيل العالمي في حماية الموقع من الاحتلال الإسرائيلي وغيره، وسيكثف الجهود الفلسطينية القائمة أصلا والدولية لتحمل مسؤولية أكبر تجاهه".
ويؤكد حمدان أن "وضع الموقع تحت مجهر المنظمات العالمية سيحميه ولو جزئيا من الاحتلال".
اقتصاديا، سينعش التوثيق أريحا ويضاعف عدد زوارها، إذ سيستقطب أنواعا جديدة من السياحة تتمثل في "سياحة مواقع التراث العالمي"، حيث ستتوجه فئة كبرى من السياح العالميين إليها وسيبحثون عنها عبر مواقع التواصل العالمي، كما يضيف إياد حمدان.
وسجل عام 2022 -حسب حمدان- زيارة حوالي 3 ملايين سائح محلي ووافد إلى فلسطين، من بينهم مليونان و700 ألف زاروا أريحا، ويتوقع حمدان، أن يبلغ عدد الزوار -بعد هذا التوثيق- قرابة 4 ملايين زائر، وأن يسهم قطاع السياحة بحوالي 15% من الاقتصاد الفلسطيني.
وتضم أريحا 84 موقعا أثريا وتاريخيا ودينيا، وتتميز بتنوع حقبها وامتزاجها، إذ يمثل تل السلطان العصور الحجرية، وتمثل مواقع دير قرنطل ودير حجلة والمغطس، الفترة البيزنطية، بينما يعكس قصر هشام وطواحين السكر، العهد الإسلامي.
وعلى بُعد 3 كيلومترات شمالي أريحا، يقع تل السلطان (أريحا القديمة)، ويتربع على أكثر من 40 دونما (الدونم= ألف متر مربع) حاليا، بينما تتضاعف مساحته مع المحيط، ويُعرف بكونه أقدم المدن الزراعية المحصنة والمسوَّرة.
وشهدت أريحا في بداية الألف الثالث قبل الميلاد نقلة حضارية، وكانت من أهم المراكز الحضرية الكنعانية بمنطقة الشرق الأدنى بتحصيناتها المنيعة وعمرانها وقصورها ومقابرها الغنية ومقتنياتها المميزة.
ويمر إعداد أي ملف لتسجيله على لائحة التراث العالمي بمراحل شاقة وطويلة، تستوفي شروط المنظمة الدولية فيما يتعلق بالموقع وخطط إدارته وعلاقته بالمحيط ومنطقة حزام الحماية والقيم الاستثنائية به.
ويوضح مدير وزارة السياحة والآثار في أريحا والأغوار الفلسطينية، أن تسجيل موقع أريحا "تميز عن المواقع الفلسطينية الأربعة المسجلة سابقا، حيث تم إدراجه بتوصية من الإيكوموس (الجسم الاستشاري الفني للجنة التراث العالمي) والذي يوصي بتسجيل أي موقع، "بينما سُجلت المواقع الأخرى تحت بند ملف طارئ دون توصية الإيكوموس".
ورغم تغوُّل الاحتلال على المواقع الأثرية والتراثية الفلسطينية، فإن توثيق أريحا عالميا يؤكد أنها صارت محمية بالقوانين والأعراف الدولية، وهذا برأي جهاد مصطفى مسؤول حماية الآثار بوزارة السياحة الفلسطينية، "أكبر شهادة" للفلسطينيين بتراثهم وهويتهم وكنزهم الأثري.
وبالتوثيق، "ستصبح المدينة مقصدا سياحيا دوليا يتضاعف به أعداد الزوار، وتسهل إمكانية تنفيذ مشاريع وحفريات مستقبلية لتأهيل الموقع وإبرازه عالميا"، كما يؤكد.
ويقول مصطفى للجزيرة نت، إن التوثيق "يدحض كل الروايات الصهيونية واليهودية التوراتية التي يُزوّر الاحتلال عبرها الحقائق ويدّعي أن هذه أرضه وأنه أول من سكنها، وهذا التسجيل تأكيد أن الفلسطيني الكنعاني هو أول من سكن هذه الأرض وعمَّرها وأنشأ المدن الزراعية واستقر بها".
وحاولت إسرائيل -حسب مصطفى- "مرارا تعطيل القرار، واستخدمت كل نفوذها لإبطال وتأخير هذ الملف، ولكن قوة الحق الفلسطيني فرضت نفسها كأمر واقع واعتمد القرار الدولي".
ومع بداية العام الجاري، رصدت إسرائيل 150 مليون شيكل (الدولار= 3.7 شيكلات) لتهويد المواقع الأثرية الفلسطينية، ومن بين حوالي 7 آلاف موقع أثري فلسطيني بالضفة الغربية، يضع الاحتلال يده على 3500 موقع والتي تشكل 60% من المواقع الأثرية، ويحاول وضع يده على ما تبقى منها.
ومن بين قرابة 7 آلاف موقع أثري فلسطيني جلها في مناطق "ج" (أكثر من 61%) من مساحة الضفة، وجزء منها في مناطق "ب"، تستهدف إسرائيل بشكل مباشر وبشتى الوسائل أكثر من 3500 موقع (60% من المواقع الأثرية)، وأعلنت منذ بداية هذا العام أنها ستضع يدها عليها.
وتتعرض هذه المواقع يوميا -وفق جهاد مصطفى- لمضايقات الاحتلال، عبر عمليات حفر وتنقيب غير قانونية وسرقة القطع الأثرية وطرد العاملين الفلسطينيين منها.
ويؤكد جهاد مصطفى أن إسرائيل أعلنت مؤخرا وبكل عجرفة أنها ستضع يدها على جميع المواقع الأثرية الفلسطينية بما فيها الواقعة بمناطق "ب" بزعم حمايتها من التدمير والسرقة.
ويشكل تسجيل موقع أريحا القديمة (تل السلطان) عالميا خطوة مهمة في تثبيت هوية الفلسطينيين وتراثهم، مما يؤكد أحقية وجودهم على هذه الأرض.
ولذلك، تخطط مؤسسات رسمية لا سيما وزارة السياحة وبتعاون مع قطاعات حكومية وأهلية لإعداد ملفات لمواقع تراثية أخرى تمهيدا لتسجيلها عالميا، ضمن أولى أولوياتها للتصدي للاحتلال ومشاريعه الهادفة للسيطرة على تلك المواقع التاريخية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: المواقع الأثریة التراث العالمی أریحا القدیمة تل السلطان هذه الأرض على هذه
إقرأ أيضاً:
كيف تستخدم إسرائيل اللغة العربية في طمس الهوية الفلسطينية؟
اعترفت قوانين الانتداب البريطاني على فلسطين المحتلة، باللغة العربية إلى جانب العبرية والإنجليزية كلغات رسمية منذ عام 1922، وهو ما استمر لدى الاحتلال الإسرائيلي من بعدها لفترة طويلة.
ورغم أن دولة الاحتلال أقرت في تموز/ يوليو 2018 قانون أساس: "إسرائيل – الدولة القومية للشعب اليهودي"، الذي أحدث تغييرات واسعة ومنها اعتبار اللغة العبرية الرسمية والوحيدة، بينما تراجعت العربية من رسمية إلى "لغة بمكانة خاصة".
ولم يأتِ تبني "إسرائيل" للقوانين البريطانية المتعلقة باستخدام اللغة العربية "احتراما" للسكان الفلسطينيين الأصليين المتبقين داخل الأراضي المحتلة عام 1948 جراء أحداث النكبة، إنما على ما يبدو من أجل استكمال مهمة التهجير وطمس آثارها، بحسب ما جاء في دراسة لمركز "أركان للدراسات والأبحاث".
وجاءت قرارات المحكمة العليا الإسرائيلية بالاعتراف باللغة العربية كلغة رسمية إلى جانب العبرية والإنجليزية لتعمل على ترسيخ استخدام العربية وضرورة وجودها في الحيز العام، وظهر ذلك بشكل واضح عام 2012، عندما جرى إلزام بلدية تل أبيب بوضع أسماء الشوارع والمناطق والمرافق العامة باللغة العربية إلى جانب العبرية والإنجليزية.
وبات قرار المحكمة العليا ملزما لجميع مؤسسات "إسرائيل" الرسمية والبلديات وكل ما يتبع لها، وذلك بنشر اللافتات العامة مثلا باللغات الثلاثة.
ومع حلول عام 2018 وإقرار قانون القومية، لم يعد إلزاميا وضع اللغة العربية في الأماكن العامة على اللافتات، إلا أن "إسرائيل" واصلت وضعها لأهداف أخرى، لعل أهمها هو "عبرنة" الأسماء العربية، من خلال كتابة لفظها واسمها العبري بحروف عربية.
اللفظ العبري
وتغيرت لافتات الشوارع التي تشير إلى الاتجاهات إلى مدينة عكا التاريخية إلى اسم "عكو أو "أكو"، وهو اللفظ والاسم الذي أقرته "إسرائيل" للمدينة بعد احتلالها وتهجير غالبية سكانها عام 1948.
ووضعت على اللافتات اسم "يافو"، مكان اسم يافا، و"لود" مكان اسم مدينة اللد، وذلك بهدف طبع هذه الأسماء في أذهان الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة عام 1948، الذين يمرون يوميًا على العشرات منها، وكذلك أمام السياح الأجانب وكل من يرى هذه اللافتات، بحسب ما ذكرت الدراسة.
وفي القدس، تقوم لجنة التسميات التابعة لبلدية الاحتلال في القدس بوضع الأسماء العبرية والتوراتية للمناطق، مثل "شمعون هتسديك" مكان الشيخ جراح، و"هجفورا" مكان طريق الواد التاريخي، كما أنها حولت اللافتات الإرشادية لمدينة القدس من القدس إلى "أورشليم".
View this post on Instagram A post shared by Kharita ™ | خــــريـــــطة (@mykharita)
ورغم ذلك، فقد بقيت مثلا قرية بذات الاسم رغم محاولات "إسرائيل" تحويل اسمها لإلى "تسيبوري"، وبقي الاسم الفلسطيني الأصلي على اللافتات الإرشادية بدل الاسم واللفظ العبري.
أصل المخطط
منذ أواخر القرن التاسع عشر، شرع "صندوق استكشاف فلسطين" بعملية مسح للأرض، وجمع خلالها أسماء عربية للمواقع، ثم ربطها بأسماء توراتية لتأكيد علاقة اليهود بالأرض، وأكد مسؤولون في هذا الصندوق أنهم "أعادوا البلاد إلى العالم" عبر الخرائط التي ربطت فلسطين بالتوراة، بحسب ما جاء في دراسة لمركز "بيت المقدس للدراسات التوثيقية".
وأوضحت الدراسة أنه قبل قيام "إسرائيل"، اعتُبرت "الهوية اليهودية" لفلسطين من المسلمات في الفكر الصهيوني الرافض لوجود شعب فلسطيني، وسط مزاعم أن العرب هم مهاجرون حديثون من الدول المجاورة.
وأكدت أن "الدعاية الصهيونية وسعت إلى تكريس فلسطين كأرض بلا شعب، وجعلت "إيرتس يسرائيل" (أرض إسرائيل) الاسم البديل لفلسطين.
وبعد النكبة مباشرة، جرى تأسيس "اللجنة الحكومية للأسماء" لتبديل الأسماء العربية إلى أخرى عبرية، ولا تزال فاعلة حتى الآن، وعملت على فرض الأسماء العبرية في المناهج التعليمية، وإجبار المعلمين والتلاميذ العرب على استخدامها.
وعملت اللجنة على إصدار خرائط جديدة باللغة العبرية تشمل تسميات جديدة، واستبعاد التسميات العربية من الخرائط البريطانية القديمة.
وأكدت الدراسة أن تغيير الأسماء يُعدّ جزءاً من استراتيجية "التشريش" (زرع الجذور) لإضفاء شرعية على الوجود الصهيوني، إذ تعمل "إسرائيل" على خلق هوية عبريّة جديدة تستمد شرعيتها من نصوص العهد القديم والتلمود، في تجاهل تام للهوية الفلسطينية.
ويظهر ذلك أيضا في مذكرات رئيس الوزراء التاريخي للاحتلال دافيد بن غوريون، التي قال فيها إنه خلال جولة إلى منطقة سدوم في النقب ثم إلى إيلات جنوبا، صادف أن كل الأسماء للحيز المكاني كانت عربية.
وأضاف بن غوريون: "اتجهت إلى إيلات بتاريخ 11 حزيران/ يونيو 1949 في يوم السبت، مررنا في منطقة العارابا، وصلنا إلى عين حاسوب، ثم إلى عين وهنة، لذا فإن من الضروري إكساب هذه الأماكن أسماء عبرية قديمة، وإذا لم تتوفر أسماء كهذه، فلتعط أسماء جديدة".
المواجهة
وتُبذل في فلسطين جهود متعددة من قِبَل مؤسسات ومبادرات تهدف إلى الحفاظ على اللغة العربية وتعزيز الهوية الثقافية الفلسطينية، خاصة في مواجهة التحديات التي تفرضها السياسات الإسرائيلية.
وفي 2021، جرى تأسيس جمعية حماية اللغة العربية في فلسطين "ضاد" بمبادرة من أدباء ونقّاد وأكاديميين فلسطينيين، وتهدف إلى أن تكون حلقة وصل بين المؤسسات والهيئات المختلفة، بالإضافة إلى كونها ملتقى للأفراد المهتمين باللغة العربية.
وتسعى الجمعية إلى تعزيز البحث والدراسة في مجال اللغة، وتشجيع النقاد والمجددين على إغناء المكتبة الفلسطينية والعربية، وإيصال الجهود إلى المتلقين والمعنيين بوسائل وآليات فعّالة.
وفي داخل الأراضي المحتلة عام 1948، جرى إطلاق "مبادرة اللغة العربية في يافا" وهي برنامج شاملًا لتعليم اللغة العربية يستهدف الأطفال والشباب في المدينة، ويهدف البرنامج إلى تعزيز الهوية الثقافية والحفاظ على اللغة كجزء من التراث الفلسطيني.
وجرى أيضا إطلاق مبادرة من قبل جمعية الثقافة العربية في مدارس الداخل الفلسطيني بهدف تعزيز استخدام اللغة العربية كلغة هوية في المدارس، خاصةً في ظل مناهج التعليم الإسرائيلية التي لا تتعامل مع العربية على هذا الأساس.
وتسعى المبادرة إلى تعريف الجيل الشاب بالأدب الفلسطيني وباللغة العربية كجزء من هويتهم الثقافية.