أمريكا تخون أطفالها مرة أخرى
تاريخ النشر: 19th, September 2023 GMT
ظللت أكتب عن الاقتصاد والسياسة لسنوات عديدة. وتعلمت في أثناء ذلك ضبط مشاعري. فالساسة وواضعو السياسات كثيرا ما يتخذون قرارات هي ببساطة قاسية. وأيضا كثيرا ما يتخذون قرارات غبية تضر بالمصلحة الوطنية دون سبب وجيه. وكثيرا جدا ما يتخذون قرارات قاسية وغبية معا. ومن المُنهِك أن تستشيط غضبا في كل مرة يحدث فيها ذلك.
لكن أحدث تقرير إحصائي عن أوضاع الدخل والفقر أثار غضبي. لقد بيَّن أن معدل فقر الأطفال في الولايات المتحدة ارتفع إلى أكثر من الضعف بين 2021 و2022. أي أن 5.1 مليون طفل دُفعوا إلى دائرة الشقاء.
حقا إنه لشقاء أن تكون فقيرا في أمريكا. لكن الشيء المهم، هذا ما كان ينبغي له أن يحدث. فتزايد فقر الأطفال في الولايات المتحدة لم يتسبب فيه التضخم أو أي مشاكل أخرى لها صلة بالاقتصاد الكُلِّي. بل كان خيارا سياسيا.
الحكاية في الحقيقة بسيطة جدا. فالجمهوريون وحفنة من الديمقراطيين المحافظين قطعوا الطريق أمام تمديد سريان البرامج الفيدرالية التي قللت بشدة من فقر الأطفال خلال العامين الماضيين. نتيجة لذلك فُقِدَت كل المكاسب التي سبق أن تحققت.
قسوة هذا الخيار يجب أن تكون واضحة. ربما تعتقد وهذا خطأ أن الأمريكيين الفقراء البالغين مسؤولون عن فقرهم. لكن حتى إذا اعتقدت ذلك لا يمكن تحميل الأطفال مسؤولية فقر ذويهم.
(حسب بعض التعريفات فقر الأطفال يُقصَد به الوضع الذي ينشأ فيه الطفل بدون أو بقدر محدود من الموارد الضرورية التي يحتاجها لبقائه ونموه من طعام وعناية طبية وبيئة صحية وتعليم ومأوى- المترجم)
ربما يساورك القلق من أن مساعدة العائلات المنخفضة الدخل ستُضعف دافعَها إلى العمل وتحسين مستوياتها المعيشية. مثل هذه المخاوف تنطوي على قدر كبير من المبالغة. لكن حتى إذا شعرت بالقلق من تأثير المساعدات (السلبي) على حافز العمل هل هذا التأثير كبير بما يكفي لتبرير الإبقاء على فقر الأطفال؟
لماذا أقول خيار السياسة هذا كان غبيًا وأيضًا قاسيًا؟ أقول ذلك لسببين.
أولا: كان من الممكن أن يكلف تجنب قدر كبير من هذه الكارثة البشرية مبلغا «قليلا» على نحو لافت.
ثانيا: فقر الأطفال في الأجل الطويل باهظ التكلفة للبلد ككل. فالأمريكيون الذين يعيشون في أوضاع الفقر في سن الطفولة يكبرون وهم أضعف صحة وأقل إنتاجا. إلى ذلك حتى بمقاييس السياسة المالية البحتة رفض مساعدة الأطفال الفقراء قد يزيد بمرور الزمن من عجوزات الموازنة.
وماذا بشأن التكاليف التي يمكن أن تترتب عن مساعدة الأمريكيين ذوي الدخول المنخفضة؟ في الواقع نظرًا لتدني دخولهم يمكن لمقادير متواضعة من العون أن تُحدِث فرقا كبيرا في تحسين أوضاعهم المعيشية.
كان من الممكن تلافي أكثر من نصف معدل الارتفاع في فقر الأطفال بتمديد سريان برنامج تعزيز الائتمان (الإعفاء) الضريبي للأطفال لعام 2021. مثل هذا التمديد من المحتمل أن تبلغ تكلفته المباشرة في الموازنة حوالي 105 بلايين دولار في العام.
قد يبدو هذا المبلغ كبيرًا للناس الذين لا يعرفون حجم اقتصاد الولايات المتحدة ومخصصات البرامج الاجتماعية الكبرى الأخرى. لكنه في الواقع متواضع. فهو أقل من نصف في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. إنه جزء ضئيل مما ننفقه على الضمان الاجتماعي (1.3 تريليون دولار) وبرنامج الرعاية الصحية (800 بليون دولار). وهو أكثر قليلا من نصف فاقد الإيرادات السنوية من الخفض الضريبي للرئيس دونالد ترامب في عام 2017.
إلى ذلك كان يمكننا الحيلولة بقدر مهم من ازدياد فقر الأطفال بالإبقاء على جزء واحد فقط من برنامج تعزيز الائتمان الضريبي للأطفال. وهو ذلك الجزء الذي جعل مدفوعات الائتمان الضريبي قابلة للاسترداد بالكامل. بمعنى السماح للعائلات الأقل دخلا بالحصول على كامل مدفوعات الائتمان البالغة 2000 دولار.
التكلفة المقدرة لذلك ستكون حوالي 12 بليون دولار فقط في العام. وهذا المبلغ عبارة عن مصاريف جيب (مبلغ ضئيل جدا) بالنسبة للموازنة الفيدرالية. لكننا لانفعل أيّا من هذه الأشياء بسبب معارضة المحافظين. وستدفع الولايات المتحدة بأكملها ثمنا باهظا لذلك.
الفكرة القائلة إن مساعدة الأطفال الفقراء تجعلهم أفضل صحة وأكثر إنتاجا عندما يكبرون ليست افتراضية. بل بالعكس تدعمها أدلة متينة وأفضل من تلك التي تشير إلى أن الإنفاق على البنية التحتية المادية جيد للاقتصاد (رغم اعتقادي بأن ذلك صحيح). كما أنها أفضل بما لا يقاس من الأدلة الوهمية بأن خفض الضرائب يعزز النمو.
كيف ذلك؟ تاريخيا لم يكن تطبيق برامج محاربة الفقر مثل برامج القسائم الغذائية (المساعدات الغذائية التكميلية) والرعاية الصحية شاملًا لكل أجزاء أمريكا. بل تم تطبيقها بالتدريج عبر المناطق المختلفة. لذلك يمكن مقارنة مسارات الحياة الشخصية للأمريكيين الذين أمكنهم الاستفادة من هذه البرامج عندما كانوا أطفالا مع الأمريكيين الذين لم يستفيدوا منها. ونتائج هذه المقارنة واضحة.
لقد كانت المساعدات المقدمة لأطفال العائلات المتدنية الدخل «استثمارا فعالا جدا». فأولئك الذين حصلوا على مثل هذا العون كانوا أفضل صحة وتعليمًا واكتفاء ذاتيًا في معيشتهم من أولئك الذين لم يحصلوا عليه.
وبما أن الأفراد البالغين غير المنتجين أو غير الأصحاء يشكلون ضمن أشياء أخرى عبئا ماليا على الخزينة العامة قد يعني هذا تماما، حتى من ناحية مالية بحتة، أن قطع المساعدات المخصصة للأطفال الفقراء ضررٌ نلحقه بأنفسنا. وهذا هو حالنا الآن.
لسوء الحظ، الأطفال لا يمكنهم التصويت والفقراء ممن بلغوا سن الرشد لا يميلون إلى التصويت أيضا. لذلك يمكن للساسة النجاة بأنفسهم من المحاسبة على سياساتهم التي تؤذي الأطفال الفقراء.
لكن ليس كل الساسة سيئين تماما. بعضهم يهتم حتى بالأمريكيين الذين لا يصوتون أو يرسلون لهم أموالا. كما لا يسعى كل الناخبين فقط وراء مصالحهم الذاتية.
على كل حال، لقد حققنا تقدما كبيرا ضد فقر الأطفال ولو أن ذلك لم يستمر طويلا. والآن نحن نعلم على الأقل أن محاربة فقر الأطفال ممكنة.
في الواقع، الإرادة السياسية لإصلاح خطأنا الفادح مفقودة الآن. لكن الأمل دائما موجود بأننا في النهاية سنفعل ما هو صحيح.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فقر الأطفال
إقرأ أيضاً:
صور وأسماء الأشخاص الذين استشهدوا مع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله
بغداد اليوم -
صور وأسماء الأشخاص الذين استشهدوا مع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله