الاتحاد الأوروبي سيكسب إذا قنّن استخدام الذكاء الاصطناعي
تاريخ النشر: 19th, September 2023 GMT
في السياق الجيوسياسي المتوتّر الذي يعرفه العالم حاليا، تحتدم الحرب التكنولوجية. و«أولئك الذين سوف يتحكّمون في الذكاء الاصطناعي سيصبحون أسياد المستقبل». هكذا أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2017 أمام جمهور من الطلاب في مدينة ياروسلافل. كما يعدّ السباق من أجل ابتكار أنظمة ذكاء اصطناعي ذات كفاءة متزايدة أيضا محرّكا لتسريع القدرات واكتساب القوة في مجال المعلومات.
لقد برزت التحدّيات المتمثلة في تزايد الأخبار الزائفة مع نشر أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل Dall-E، و StableDiffusion للصور ومقاطع الفيديو، و«شات جي بي تي» الذي يستخدم النماذج اللغوية لشركة OpenAI. من المؤكد أن روبوت المحادثة «شات جي بي تي» قادر على إنتاج مقالات وملخصات مفيدة، غير أنه يظل من المستحيل معرفة مصادرها، ولا قياس تأثير اللغة الإنجليزية السائدة في هذه النماذج. ولذلك فقد أثار «شات جي بي تي» الشغف والمخاوف بين عامة الناس، مع طرح أسئلة من قبيل: «هل يجب حظره في المدارس؟»، «هل سيأخذ وظيفتي؟» أو حتى «هل بمقدوري أن أستغني عنه؟».
ينوي الاتحاد الأوروبي بالنسبة إلى هذه النماذج الضخمة، اقتراح مسؤولية مشتركة بين الشركات المصنّعة لهذه النماذج التي تُطرح في السوق أو تُنشر بشكل مفتوح، وبين أولئك الذين يعملون على نشرها أو استخدامها. وهذا يخالف فكرة عمالقة التكنولوجيا الرقمية الأمريكية، الذين يريدون بدلا من ذلك إلقاء المسؤولية كاملة على عاتق المستخدمين. إن خبراء التكنولوجيا في وادي السليكون من أمثال إيلون ماسك، وسام ألتمان (Sam Altman) المؤسس المشارك لشركة OpenAI، وآخرون، هم أيضا أصحاب إيديولوجيا ويملكون رؤية سياسية عالمية. تدعو الولايات المتحدة، مثلها في ذلك مثل الصين، إلى وضع معايير في هذا السباق نحو السيطرة على المشهد التكنولوجي، مع تحفيز الإبداع الضامن للقوة في الوقت نفسه.
ثلاثة مستويات من المخاطر
لدى الاتحاد الأوروبي الكثير ليكسبه من خلال وضع إطار قانوني لاستخدام الذكاء الاصطناعي، يكون معزّزا للثقة ويحترم حقوق الإنسان وسيادة القانون. يركّز قانون الذكاء الاصطناعي على تحديد التطبيقات التي تعدّ بمثابة خطر والتي تحتاج بالتالي إلى التّقنين.
ثمة ثلاثة مستويات مختلفة من المخاطر (غير مقبول، مرتفع، متوسط) تستدعي إجراءات مختلفة. تُحظر التطبيقات التي تنطوي على مخاطر غير مقبولة، مثل تلك التي تستخدم «التقنيات اللاشعورية» المتلاعبة بالعقول والتي تستغل مجموعات ضعيفة معينة، أو تلك التي تستخدمها السلطات العمومية لأغراض التقييم الاجتماعي، كما هو الحال في الصين. هذه التطبيقات عالية المخاطر سوف يتم تقنينها بشكل كبير. ومن المرغوب فيه أن يتم التعامل مع كل حالة على حِدة من أجل الإبقاء على التطبيقات المفيدة. فعلى سبيل المثال، تشكّل تقنية التعرّف على الوجوه خطرا إذا تم استخدامها بغرض مراقبة السكان، لكن قد تبيّن أنها أداة مفيدة جدا لمتابعة الأعراض لدى المرضى. يقترح قانون الذكاء الاصطناعي إذن توفير الحماية للأطراف الضعيفة. فهو يفرض مثلا التزامات على بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تتفاعل مع البشر بسبب المخاطر المحدّدة التي تنطوي عليها.
من الممكن أيضا أن يكون لمقترح القانون حول الذكاء الاصطناعي آثار هائلة في مجال البحث. فعلى سبيل المثال، في مجالي البحثي الذي يتعلّق بالمعلوميّات العاطفية، فإن هذا المقترح يضع تعريفا لأنظمة التعرّف على المشاعر، على أنها «نظام ذكاء اصطناعي يهدف إلى تحديد أو استنتاج العواطف أو الأفكار أو الحالات الذهنية أو نوايا الأفراد أو المجموعات استنادا إلى بياناتهم البيومترية». يشرح مُقترح القانون المتعلق بالذكاء الاصطناعي نقص الموثوقية والخصوصية والتعميم المحدود لأنظمة التعرف على المشاعر الحالية. ويؤكد على كون التعبيرات عن المشاعر وطرائق إدراكها يمكن أن تختلف باختلاف الثقافات والسياقات.
المفارقة القارية
وفي مجال المعلوميّات العاطفية، يحدّد القانون أيضا فئاتٍ من المخاطر غير المقبولة، مثل استخدام تقنية التعرّف على المشاعر في مكان العمل. يكمن الهدف الرئيسي في حظر التطبيقات الخطيرة، لكن الأمر لا يتعلق بحظر الأبحاث في مجال المعلوميات العاطفية، والتي يمكن أن تقودنا إلى ابتكارات إيجابية، وخاصة في مجال الصحة.
ومع ذلك، تظل هناك مفارقة كبرى قائمة: إذا كان الاتحاد الأوروبي يريد الدفاع عن مواطنيه، فإن هؤلاء حاليا يستخدمون على نحوٍ شبه حصري خدمات قادمة من الولايات المتحدة؛ ليس لدينا نظراء لـجوجل أو ميتا أو أمازون في القارة العجوز. وفي هذا السياق، يأتي قانون الذكاء الاصطناعي مع طموح متمثلٍ في اقتراح قانون يضمن أيضا الدفاع عن الصناعة الأوروبية، من أجل إنشاء «إطار تنظيمي أوروبي متين من أجل ذكاء اصطناعي جديرٍ بالثقة، والذي سيضمن أيضا شروط المنافسة العادلة».
إن قانون الذكاء الاصطناعي، الذي تقدّمت به المفوضية الأوروبية في الحادي والعشرين من أبريل 2021، وعدّله المجلس الأوروبي في نوفمبر 2022، ثم تم تعديله مرة أخرى والتصويت عليه في البرلمان الأوروبي في يونيو 2023، يثير الكثير من ردود الفعل. وسوف يتم اعتماد النص من قبل المؤسسات الأوروبية الثلاث عقب الاجتماعات الثلاثية التي ستنعقد في الأشهر المقبلة. سنحتاج إلى أن نتابع باهتمام هذا النقاش التشريعي، الذي تولّد عن تفكير مكثّف أصبح ملحّا بسبب تسارع وتيرة تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي.
وبعيدا عن أوروبا، فسيكون من المنطقي تماما وضع إطار تنظيمي عالمي حول الذكاء الاصطناعي يقوم على ثلاث ركائز -حواجز الحماية، والحوكمة، وتوجيه الإبداع- كما اقترحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين. ثمة توتّر واضح بين تكلفة حماية المواطنين وبين الإبداع والاستثمار في أوروبا. فهل سنتمكّن من إيجاد التوازن بينهما؟
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی فی مجال من أجل
إقرأ أيضاً:
جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي تطلق أول برنامج بكالوريوس لتمكين قادة المستقبل في مجال الذكاء الاصطناعي
أطلقت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي أول برنامج بكالوريوس لتمكين الطلاب في مجال الذكاء الاصطناعي. ويتميّز البرنامج عن المناهج التقليدية بنهجه الشامل الذي يجمع بين المعرفة التقنية المعمّقة، ومهارات القيادة، وريادة الأعمال، وخبرة قطاع الصناعة، والتطبيقات العملية.
ويُعد برنامج بكالوريوس العلوم في الذكاء الاصطناعي نموذجاً مبتكراً متعدد التخصصات، حيث يزوّد الطلاب بأسس متينة في مجالات الذكاء الاصطناعي، ومنها تعلُّم الآلة ومعالجة اللغة الطبيعية والرؤية الحاسوبية وعلم الروبوتات، ويشمل تدريباً مكثفاً في الأعمال والشؤون المالية والتصميم الصناعي وتحليل السوق والإدارة ومهارات التواصل. ويعتمد البرنامج على نهج عملي يعزز التفكير الريادي، ما يمكّن الطلاب من قيادة التحولات العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي. ويعمل البرنامج أيضاً على إعداد كفاءات تتمتع بقدرات تحليل وابتكار مميّزة ومهارات متعددة لإيجاد حلول للتحديات والإسهام في التطوّر العلمي لهذا المجال.
وقال معالي خلدون خليفة المبارك، رئيس جهاز الشؤون التنفيذية، ورئيس مجلس أمناء جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي: «يُحدث الذكاء الاصطناعي تحولاً جذرياً في القطاعات الصناعية والاقتصادية على مستوى العالم، فيما تواصل الإمارات ترسيخ مكانتها الرائدة في هذا المجال. ويتجلى ذلك في برنامج بكالوريوس العلوم في الذكاء الاصطناعي الجديد الذي أطلقته جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، والذي يجسد رؤيتنا لإعداد قادة المستقبل القادرين على استثمار إمكاناته لدفع عجلة الابتكار، وتعزيز النمو الاقتصادي، والإسهام في تحقيق التقدّم المجتمعي.»
وأضاف معاليه: «يسهم هذا البرنامج، من خلال تزويد الجيل المقبل بالمهارات التقنية المتقدّمة والفهم الشامل لتأثيرات الذكاء الاصطناعي، في إبقاء دولة الإمارات في طليعة البحث والتطبيق والتسويق في هذا المجال. ويعزز تنمية المواهب الوطنية، ما يُسهم في بناء قوة عمل مؤهلة ومتخصصة تقود التحولات المستقبلية في الذكاء الاصطناعي، ليس لخدمة المنطقة وحسب، بل للعالم أجمع أيضاً».
وإلى جانب تزويد الطلاب بالمهارات التقنية الأساسية في مجال الذكاء الاصطناعي، تُكثف جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي جهودها لإعداد الجيل المقبل من المبتكرين والمطورين والمديرين والقادة في هذا المجال. وانطلاقاً من هذه الرؤية، يعزز هذا البرنامج الشامل مهارات الطلاب القيادية، ويُكسبهم أساسيات الشؤون المالية والقانونية والإدارية، إضافة إلى مهارات التواصل والتفكير النقدي، ما يؤهلهم إلى دفع عجلة تطوير الذكاء الاصطناعي، واعتماد تطبيقاته في المستقبل.
ويعتمد البرنامج الجديد لبكالوريوس العلوم في الذكاء الاصطناعي على نموذج التعليم التعاوني الذي يتمحور حول التعاون بين المعلمين والطلاب، حيث يدمج الذكاء الاصطناعي في جميع جوانب التجربة الأكاديمية، ليؤدي دوراً محورياً في عملية التعلّم. ويعزز هذا المنهج مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات، ويؤهل الطلاب للتميّز في بيئة ديناميكية سريعة التطور يقودها الذكاء الاصطناعي.
وتشمل مساقات البرنامج التعلّم العميق، والذكاء الاصطناعي التوليدي، والذكاء الاصطناعي في مجال العلوم، إضافة إلى التدريب في مجالات الأعمال وريادة الأعمال. ويطّلع الطلاب من خلال البرنامج على تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الصحة والطب والاستدامة، وعلى تقنيات الرؤية ثلاثية الأبعاد والواقع المختلط. ويحظى الطلاب بفرصة العمل مع قادة عالميين في مختلف تخصصات الذكاء الاصطناعي، ويكتسبون خبرة عملية متميّزة مع فرق تطوير النماذج اللغوية المتقدمة، ومنها نموذج «جيس» الرائد عالمياً في اللغة العربية، ونموذج «كيه 2»، وهو نموذج لغوي قابل لإعادة الإنتاج يتفوق على أبرز النماذج التي أطلقها القطاع الخاص.
أخبار ذات صلةوقال البروفيسور إريك زينغ، رئيس جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي والبروفيسور الجامعي: «سيكون البرنامج الجامعي الجديد الأوَّل من نوعه، حيث يجمع تعليم الذكاء الاصطناعي مع ريادة الأعمال وتحديد المشكلات، واكتساب المهارات الأساسية. ونحن بذلك نُعيد تعريف مفهوم التعليم في الذكاء الاصطناعي، إذ لا يقتصر البرنامج على إعداد مهندسين وحسب، بل نُعدّ أيضاً رواد أعمال ومصممين ومؤثرين ومديرين ومبتكرين قادرين على قيادة الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي عبر مختلف القطاعات، وفي جميع المراحل».
وما يميّز البرنامج أنه يجمع ما بين التدريب متعدد التخصصات والتعلّم العملي، حيث يطّلع الطلاب على مجالات متنوّعة، تشمل العلوم الإنسانية والأعمال والفنون الحرة، ليمنحهم منظوراً أوسع يتجاوز نطاق علوم الحاسوب والتخصصات العلمية التقليدية. ويكسبهم خبرة عملية من خلال فترات تدريب تعاونية في القطاع الصناعي، إلى جانب برامج تدريبية وإرشادية، وشراكات مع كبرى الجهات الفاعلة في مجالات الصناعة والبحث في الذكاء الاصطناعي.
وأضاف البروفيسور إريك زينغ: «لن يقتصر تعليم طلابنا على الجوانب النظرية والبرمجة وحسب، فعند تخرّجهم سيكونون قادرين على فهم المجتمع والأفراد بشكل معمّق ونقدي، وسيتمتعون بوعي شامل بديناميكيات الأسواق والاقتصاد. إضافةً إلى ذلك، سيكتسبون خبرة عملية وثقة تمكّنهم من قيادة مبادرات الذكاء الاصطناعي بفعالية ضمن الشركات القائمة أو في مشاريعهم الريادية الخاصة. فنحن نركز على إعداد خريجينا للتكيّف مع التطورات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي، والتميّز في قيادة الابتكار والتغيير».
ويشمل البرنامج مسارين أكاديميين هما: مسار الأعمال، الذي يركز على التكامل التجاري وريادة الأعمال، ومسار الهندسة، الذي يركز على تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي ونشرها، وتعزيز استخدامها في مختلف القطاعات.
وسينطلق الطلاب الذين يلتحقون بهذا البرنامج في مسيرتهم التعليمية في بيئة متكاملة تضم موارد حاسوبية متقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي، وفصولاً دراسية ذكية، ومساحات مخصصة للحاضنات، وسيتتلمذون على أيدي هيئة تدريسية عالمية تتمتع بخبرة واسعة في الأوساط الأكاديمية والصناعية.
يُذكر أن التقدّم للالتحاق بهذا البرنامج متاح أمام الطلاب المحليين والدوليين، لأنه يهدف إلى استقطاب ألمع المواهب وأكثرها طموحاً، ما يعزز مكانة جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي كجهة رائدة في التعليم الجامعي في مجال الذكاء الاصطناعي.
وقال البروفيسور زينغ: «نحن لا نكتفي بتعليم الطلاب، بل نُعدّ أجيال المستقبل من رواد الذكاء الاصطناعي والقوى العاملة المتخصصة في هذا المجال. فمن خلال هذا البرنامج الجامعي، تضع جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي معايير جديدة في تعليم الذكاء الاصطناعي، لتضمن تزويد خريجيها بالمهارات والخبرات اللازمة لإحداث تحوّل جذري في مختلف الصناعات والقطاعات ودفع عجلة التقدّم على المستوى العالمي».
المصدر: الاتحاد - أبوظبي