في السياق الجيوسياسي المتوتّر الذي يعرفه العالم حاليا، تحتدم الحرب التكنولوجية. و«أولئك الذين سوف يتحكّمون في الذكاء الاصطناعي سيصبحون أسياد المستقبل». هكذا أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2017 أمام جمهور من الطلاب في مدينة ياروسلافل. كما يعدّ السباق من أجل ابتكار أنظمة ذكاء اصطناعي ذات كفاءة متزايدة أيضا محرّكا لتسريع القدرات واكتساب القوة في مجال المعلومات.

لقد برزت التحدّيات المتمثلة في تزايد الأخبار الزائفة مع نشر أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل Dall-E، و StableDiffusion للصور ومقاطع الفيديو، و«شات جي بي تي» الذي يستخدم النماذج اللغوية لشركة OpenAI. من المؤكد أن روبوت المحادثة «شات جي بي تي» قادر على إنتاج مقالات وملخصات مفيدة، غير أنه يظل من المستحيل معرفة مصادرها، ولا قياس تأثير اللغة الإنجليزية السائدة في هذه النماذج. ولذلك فقد أثار «شات جي بي تي» الشغف والمخاوف بين عامة الناس، مع طرح أسئلة من قبيل: «هل يجب حظره في المدارس؟»، «هل سيأخذ وظيفتي؟» أو حتى «هل بمقدوري أن أستغني عنه؟».

ينوي الاتحاد الأوروبي بالنسبة إلى هذه النماذج الضخمة، اقتراح مسؤولية مشتركة بين الشركات المصنّعة لهذه النماذج التي تُطرح في السوق أو تُنشر بشكل مفتوح، وبين أولئك الذين يعملون على نشرها أو استخدامها. وهذا يخالف فكرة عمالقة التكنولوجيا الرقمية الأمريكية، الذين يريدون بدلا من ذلك إلقاء المسؤولية كاملة على عاتق المستخدمين. إن خبراء التكنولوجيا في وادي السليكون من أمثال إيلون ماسك، وسام ألتمان (Sam Altman) المؤسس المشارك لشركة OpenAI، وآخرون، هم أيضا أصحاب إيديولوجيا ويملكون رؤية سياسية عالمية. تدعو الولايات المتحدة، مثلها في ذلك مثل الصين، إلى وضع معايير في هذا السباق نحو السيطرة على المشهد التكنولوجي، مع تحفيز الإبداع الضامن للقوة في الوقت نفسه.

ثلاثة مستويات من المخاطر

لدى الاتحاد الأوروبي الكثير ليكسبه من خلال وضع إطار قانوني لاستخدام الذكاء الاصطناعي، يكون معزّزا للثقة ويحترم حقوق الإنسان وسيادة القانون. يركّز قانون الذكاء الاصطناعي على تحديد التطبيقات التي تعدّ بمثابة خطر والتي تحتاج بالتالي إلى التّقنين.

ثمة ثلاثة مستويات مختلفة من المخاطر (غير مقبول، مرتفع، متوسط) تستدعي إجراءات مختلفة. تُحظر التطبيقات التي تنطوي على مخاطر غير مقبولة، مثل تلك التي تستخدم «التقنيات اللاشعورية» المتلاعبة بالعقول والتي تستغل مجموعات ضعيفة معينة، أو تلك التي تستخدمها السلطات العمومية لأغراض التقييم الاجتماعي، كما هو الحال في الصين. هذه التطبيقات عالية المخاطر سوف يتم تقنينها بشكل كبير. ومن المرغوب فيه أن يتم التعامل مع كل حالة على حِدة من أجل الإبقاء على التطبيقات المفيدة. فعلى سبيل المثال، تشكّل تقنية التعرّف على الوجوه خطرا إذا تم استخدامها بغرض مراقبة السكان، لكن قد تبيّن أنها أداة مفيدة جدا لمتابعة الأعراض لدى المرضى. يقترح قانون الذكاء الاصطناعي إذن توفير الحماية للأطراف الضعيفة. فهو يفرض مثلا التزامات على بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تتفاعل مع البشر بسبب المخاطر المحدّدة التي تنطوي عليها.

من الممكن أيضا أن يكون لمقترح القانون حول الذكاء الاصطناعي آثار هائلة في مجال البحث. فعلى سبيل المثال، في مجالي البحثي الذي يتعلّق بالمعلوميّات العاطفية، فإن هذا المقترح يضع تعريفا لأنظمة التعرّف على المشاعر، على أنها «نظام ذكاء اصطناعي يهدف إلى تحديد أو استنتاج العواطف أو الأفكار أو الحالات الذهنية أو نوايا الأفراد أو المجموعات استنادا إلى بياناتهم البيومترية». يشرح مُقترح القانون المتعلق بالذكاء الاصطناعي نقص الموثوقية والخصوصية والتعميم المحدود لأنظمة التعرف على المشاعر الحالية. ويؤكد على كون التعبيرات عن المشاعر وطرائق إدراكها يمكن أن تختلف باختلاف الثقافات والسياقات.

المفارقة القارية

وفي مجال المعلوميّات العاطفية، يحدّد القانون أيضا فئاتٍ من المخاطر غير المقبولة، مثل استخدام تقنية التعرّف على المشاعر في مكان العمل. يكمن الهدف الرئيسي في حظر التطبيقات الخطيرة، لكن الأمر لا يتعلق بحظر الأبحاث في مجال المعلوميات العاطفية، والتي يمكن أن تقودنا إلى ابتكارات إيجابية، وخاصة في مجال الصحة.

ومع ذلك، تظل هناك مفارقة كبرى قائمة: إذا كان الاتحاد الأوروبي يريد الدفاع عن مواطنيه، فإن هؤلاء حاليا يستخدمون على نحوٍ شبه حصري خدمات قادمة من الولايات المتحدة؛ ليس لدينا نظراء لـجوجل أو ميتا أو أمازون في القارة العجوز. وفي هذا السياق، يأتي قانون الذكاء الاصطناعي مع طموح متمثلٍ في اقتراح قانون يضمن أيضا الدفاع عن الصناعة الأوروبية، من أجل إنشاء «إطار تنظيمي أوروبي متين من أجل ذكاء اصطناعي جديرٍ بالثقة، والذي سيضمن أيضا شروط المنافسة العادلة».

إن قانون الذكاء الاصطناعي، الذي تقدّمت به المفوضية الأوروبية في الحادي والعشرين من أبريل 2021، وعدّله المجلس الأوروبي في نوفمبر 2022، ثم تم تعديله مرة أخرى والتصويت عليه في البرلمان الأوروبي في يونيو 2023، يثير الكثير من ردود الفعل. وسوف يتم اعتماد النص من قبل المؤسسات الأوروبية الثلاث عقب الاجتماعات الثلاثية التي ستنعقد في الأشهر المقبلة. سنحتاج إلى أن نتابع باهتمام هذا النقاش التشريعي، الذي تولّد عن تفكير مكثّف أصبح ملحّا بسبب تسارع وتيرة تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي.

وبعيدا عن أوروبا، فسيكون من المنطقي تماما وضع إطار تنظيمي عالمي حول الذكاء الاصطناعي يقوم على ثلاث ركائز -حواجز الحماية، والحوكمة، وتوجيه الإبداع- كما اقترحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين. ثمة توتّر واضح بين تكلفة حماية المواطنين وبين الإبداع والاستثمار في أوروبا. فهل سنتمكّن من إيجاد التوازن بينهما؟

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی فی مجال من أجل

إقرأ أيضاً:

ماريتا تشينغ تناقش الذكاء الاصطناعي والتغيير الإيجابي

دبي: «الخليج»
أكدت ماريتا تشينغ، رائدة الأعمال والمؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة (aubot) المعنية بتصنيع روبوتات التواصل عن بُعد، والأجهزة الروبوتية الخاصة بالرعاية والتمكين، أهمية التحلي بالمثابرة والاجتهاد والإخلاص في العمل لتحقيق النجاح والوصول للأهداف التي يريد الأشخاص تحقيقها في حياتهم العملية.
وقالت خلال الكلمة الرئيسية بعنوان: «استخدام الذكاء الاصطناعي والروبوتات من أجل التغيير الإيجابي»، والتي ألقتها ضمن فعاليات منتدى دبي العالمي لإدارة المشاريع في دورته الحالية (العاشرة)، إنها بذلت الكثير من الجهد لتحقيق ما وصلت إليه حتى الآن في حياتها العملية، حيث يلقبونها في أستراليا ب«عبقرية أستراليا».
وأشادت ماريتا بالبنية التحتية التي شاهدتها في دبي، والتطور الكبير في جمال المعمار والتخطيط الحضري التي تتمتع بها المدينة.

مقالات مشابهة

  • تصريحات المستشار محمود فوزي خلال لقائه مع سفراء الاتحاد الأوروبي.. إنفوجراف
  • مذكرة تعاون بين الصناعيين والمعلوماتية لتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي
  • 7 حيل مذهلة لروبوت الذكاء الاصطناعي Meta AI على واتساب
  • دراسة تكشف: الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في مياه الشرب أصغر من الحد الذي اعتمده الاتحاد الأوروبي
  • الذكاء الاصطناعي يتحدّث عن طفولته
  • ماريتا تشينغ تناقش الذكاء الاصطناعي والتغيير الإيجابي
  • تحسين لغة الإشارة عالمياً بواسطة الذكاء الاصطناعي
  • المشاط تفتتح اجتماع اللجنة الفرعية للنقل والبيئة والطاقة ضمن الشراكة الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي
  • اجتماع اللجنة الفرعية للنقل والبيئة والطاقة في إطار الشراكة الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي
  • المشاط تفتتح اجتماع الجنة الفرعية للنقل والبيئة والطاقة في إطار الشراكة الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي