على مدار عقود، كان اقتصاد الصين هو المحرك للنمو العالمي. والآن مع تباطؤ هذه الآلة وإعراب الزعماء الصينيين عن قلق غير معهود، لا يبقى أمام المجتمع الدولي إلا أن يتساءل: كيف ستؤثر وعكة الصين على البقية منا في العالم؟

على المستوى النظري، ينبغي أن يترجم تقليل الصين من أنشطتها الاقتصادية، ومنها الاستهلاك، إلى تقليل الطلب على المواد الخام والمنتجات الأجنبية.

وسوف يكون هذا خبرا سيئا بالنسبة للبلاد الثرية بالموارد والاقتصادات القائمة على التصدير على السواء.

في ضوء اعتماد الدول المصدرة للطاقة والمنتجة للنفط، قد يبدو محتوما أن يترجم التباطؤ الاقتصادي الصيني في نهاية المطاف إلى خبر سيء بالنسبة للشرق الأوسط. ومع أن العلاقة المركبة والمتنوعة التي تجمع بين الصين والمنطقة تجعل هذه النتيجة تبدو شديدة النزوع إلى الاختزال، تبرز عدة أسباب.

أولا: لا يترجم تقليل النشاط الاقتصادي ترجمة فورية أو في كل الحالات إلى تباطؤات في واردات الطاقة. ففي ظل معدل نمو بلغ 3% في عام 2022 وكان المعدل الأقل منذ بدء الإصلاح الاقتصادي في الصين وفي الفترة الافتتاحية التي بدأت سنة 1979، لم تنخفض في العام الماضي واردات الصين من النفط الخام ـ 508 مليون برميل ـ إلا بنسبة 0.9% عن العام السابق عليه.

زد على ذلك أنه من بين قرابة ثمانية وأربعين بلدا صدرت النفط إلى الصين في عام 2022، كانت المملكة العربية السعودية هي الأضخم (متفوقة حتى على روسيا التي زادت صادراتها إلى الصين في ما بعد غزو أوكرانيا). وكانت واردات النفط الخام الصينية من السعودية ـ 87.5 مليون طن ـ تبلغ تقريبا مثيلتها في العام الأسبق.

وبناء على بيانات جمعتها هيئة الجمارك في الصين، فإن واردات الصين النفطية من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة زادت بنسبتي 5% و9% على الترتيب في ما بين يناير ويوليو من هذا العام مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022. وفي حين أن الواردات من المملكة العربية السعودية تناقصت بنسبة 12.4% في يوليو مقارنة بيونيو، فإن إجمالي الطلب الصيني من النفط الشرق الأوسطي يبقى قويا.

ومن المرجح أن يستمر هذا المنحنى مع تقليل الصين استهلاك الفحم لتحقيق أهداف تتعلق بالتغير المناخي.

السعي إلى الاستثمار الأجنبي

ثانيا: مع تناقص الموارد المتاحة لدى الصين في مصادرها الخاصة، فإنها سوف تكون أكثر حرصا على اجتذاب استثمار أجنبي للحفاظ على اقتصادها في حالة حركة. ويصدق هذا بصفة خاصة على استثمارات الطاقة المستقبلية في الصين.

على سبيل المثال، في مارس، أعلنت شركة أرامكو السعودية عن استثمارين كبيرين في الصين. منهما منشأة جديدة بقيمة عشرة مليارات دولار أمريكي لها القدرة على تكرير ثلاثمائة ألف برميل يوميا وإنتاج 1.65 مليون طن من البتروكيماويات سنويا. وثمة مشروع آخر، بين آرامكو وتشجيانج، وسوف يمكن هذا المشروع شركة النفط السعودية الكبرى من الاستحواذ على حصة 9% في شركة تشجيانج للبتروكيماويات، وهي شركة تكرير متكاملة ومجمع للبتروكيماويات في مدينة تشوشان وتنتج ثمانمائة ألف برميل من المنتجات يوميا.

تعزز هذه الخطوة التزام أرامكو بوضع نفسها كشريك الطاقة الرئيسي للصين، وتؤكد رغبة الصين في جلب الاستثمار الأجنبي لتعزيز إمداداتها المحلية.

ولا يخفى أن الاقتصاد الصيني المتراجع، الذي يرجع جزئيا إلى انخفاض الإنفاق الاستهلاكي خلال جائحة كوفيد 19، قد أضر بمبادرة الحزام والطريق الصينية. لكن اتجاهات الإنفاق على مبادرة الحزام والطريق تختلف حسب المنطقة والبلد.

ففي حين أن الإنفاق على البناء والاستثمارات قد انخفض بنسبتي 44% و65% على الترتيب بين عامي 2021 و2022 في إفريقيا ما دون الصحراء وغرب آسيا، فقد شهدت الدول العربية والشرق أوسطية بالفعل توسعا كبيرا في مشاركة الصين الاقتصادية، حيث نمت بنسبة 21% خلال الفترة نفسها.

تشير هذه الأرقام إلى أن بلاد الشرق الأوسط قادرة على احتمال التباطؤ الاقتصادي في الصين، بل وعلى زيادة حصتها من إنفاق الصين في الخارج.

سوف تتطلع الصين إلى الانخراط في قطاعات محددة، والقيام بذلك يعتمد إلى حد كبير على سلامة العلاقات الثنائية. وفي ظل توتر العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، وفي ظل تحذير الحكومات الغربية من التعامل مع المستثمرين الصينيين، تبرز دول الشرق الأوسط كشركاء مفضلين.

في الوقت الراهن، تظل التجارة بين الصين والشرق الأوسط ضيقة نسبيا، وتركز بشكل شبه كامل على الطاقة. ولكن في حين أن بلادا من قبيل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تحاول تنويع اقتصاداتها بعدم الاعتماد على النفط، فسوف تنشأ مجالات جديدة للتعاون مع الصين، ومنها تطوير البنية الأساسية، وموارد الطاقة الجديدة، والتقنيات الرقمية وتكنولوجيا المعلومات.

بعد عقود من التركيز على النفط فقط، تعيد الصين وأكبر الاقتصادات في الشرق الأوسط اكتشاف بعضها بعضا في البحث عن توافق سياسي وفرصة اقتصادية.

بالنسبة للصين وشركائها في الشرق الأوسط، فإن الاتجاهات بعيدة المدى سوف تتحدى القيود الاقتصادية المؤقتة. وبرغم أن التباطؤ الاقتصادي في الصين سوف يجلب العديد من التحديات العالمية، ففي الشرق الأوسط، يجدر بتقارب المصالح ـ على الأقل ـ أن يجعل تحمل الآلام أمرا أسهل.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی الصین

إقرأ أيضاً:

أسعار النفط تتجه لمكاسب أسبوعية بفضل التفاؤل الصيني

لم تشهد أسعار النفط تغيراً يذكر، اليوم الجمعة، لكنها تتجه لتسجيل ارتفاع أسبوعي وسط تفاؤل بأن تؤدي جهود التحفيز الاقتصادي إلى تعاف في الصين، لكن ارتفاع الدولار حد من المكاسب.

وتراجعت العقود الآجلة لخام برنت سنتين اثنين إلى 73.24 دولار للبرميل، وهبط خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي سنتاً واحداً عن مستوى إغلاق أمس الخميس إلى 69.61 دولار.

وصعد خام برنت 0.4 % خلال الأسبوع فيما ارتفع خام غرب تكساس 0.2%.

ورفع البنك الدولي، أمس الخميس، توقعاته لنمو اقتصاد الصين في عامي 2024 و2025، لكنه حذر من أن ضعف ثقة الأفراد والشركات إلى جانب الرياح المعاكسة في قطاع العقارات ستظل تلقي بظلالها خلال العام المقبل.

وعدلت الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، تقديراتها للناتج المحلي الإجمالي لعام 2023 بالرفع بواقع 2.7%، لكنها قالت إن هذا التغيير لن يكون له تأثيراً يذكر على النمو الاقتصادي هذا العام.

Oil prices set for weekly gain on China stimulus optimism https://t.co/jEpJcKQj9Q pic.twitter.com/qnZFWw27Qb

— Reuters Africa (@ReutersAfrica) December 27, 2024

ونقلت رويترز عن مصادر هذا الأسبوع أن السلطات الصينية وافقت على إصدار سندات خزانة خاصة بقيمة 3 تريليونات يوان (411 مليار دولار) العام المقبل، في وقت تعمل فيه بكين على تكثيف التحفيز المالي لإنعاش الاقتصاد المتعثر.

ولكن ارتفاع الدولار أثر على أسعار النفط وحد من المكاسب.

وارتفعت العملة الأمريكية بنحو 7% في الربع الأخير من العام وظلت مستقرة عند أعلى مستوى في عامين تقريباً مقابل نظرائها من العملات الرئيسية، وذلك بعد أن أشار مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) إلى إبطاء وتيرة خفض أسعار الفائدة في عام 2025.

ويزيد ارتفاع الدولار من تكلفة النفط بالنسبة لحائزي العملات الأخرى.

وقالت مصادر في السوق الثلاثاء إن أحدث تقرير أسبوعي للمخزونات الأمريكية من معهد البترول الأمريكي يظهر أن مخزونات الخام هبطت 3.2 مليون برميل الأسبوع الماضي.

ويترقب المتعاملون التقرير الرسمي للمخزونات الذي تصدره إدارة معلومات الطاقة لمعرفة ما إذا كان سيؤكد هذا الانخفاض. ومن المقرر أن تصدر بيانات إدارة معلومات الطاقة، اليوم.

وتوقع محللون في استطلاع أجرته "رويترز" انخفاض مخزونات الخام بنحو 1.9 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 20 ديسمبر (كانون الأول)، إلى جانب تراجع مخزونات البنزين ونواتج التقطير 1.1 مليون برميل و0.3 مليون برميل على الترتيب.


مقالات مشابهة

  • أسعار النفط تتجه لمكاسب أسبوعية بفضل التفاؤل الصيني
  • أسعار النفط تصعد بدعم من آمال التحفيز الاقتصادي في الصين
  • تحديات النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. المشكلات الموضوعية
  • تحديات النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.. المشكلات الموضوعية
  • رئيس الهيئة العربية للتصنيع يفتتح مشروع نانومان إيجيبت الشرق الأوسط بمصنع صقر للصناعات المتطورة
  • رئيس العربية للتصنيع يفتتح مشروع نانومان إيجيبت الشرق الأوسط بمصنع صقر للصناعات المتطورة
  • أسعار النفط ترتفع بدعم التحفيز الصيني وانخفاض المخزونات الأمريكية
  • كوميديا الشرق الأوسط الجديد والتراجيديا العربية
  • تقرير: سقوط الأسد يهدد استقرار الصين
  • العراق بالمقدمة.. واردات الهند من نفط الشرق الأوسط ترتفع 10.8%