الشرق الأوسط قادر على احتمال انكماش الاقتصاد الصيني
تاريخ النشر: 19th, September 2023 GMT
على مدار عقود، كان اقتصاد الصين هو المحرك للنمو العالمي. والآن مع تباطؤ هذه الآلة وإعراب الزعماء الصينيين عن قلق غير معهود، لا يبقى أمام المجتمع الدولي إلا أن يتساءل: كيف ستؤثر وعكة الصين على البقية منا في العالم؟
على المستوى النظري، ينبغي أن يترجم تقليل الصين من أنشطتها الاقتصادية، ومنها الاستهلاك، إلى تقليل الطلب على المواد الخام والمنتجات الأجنبية.
في ضوء اعتماد الدول المصدرة للطاقة والمنتجة للنفط، قد يبدو محتوما أن يترجم التباطؤ الاقتصادي الصيني في نهاية المطاف إلى خبر سيء بالنسبة للشرق الأوسط. ومع أن العلاقة المركبة والمتنوعة التي تجمع بين الصين والمنطقة تجعل هذه النتيجة تبدو شديدة النزوع إلى الاختزال، تبرز عدة أسباب.
أولا: لا يترجم تقليل النشاط الاقتصادي ترجمة فورية أو في كل الحالات إلى تباطؤات في واردات الطاقة. ففي ظل معدل نمو بلغ 3% في عام 2022 وكان المعدل الأقل منذ بدء الإصلاح الاقتصادي في الصين وفي الفترة الافتتاحية التي بدأت سنة 1979، لم تنخفض في العام الماضي واردات الصين من النفط الخام ـ 508 مليون برميل ـ إلا بنسبة 0.9% عن العام السابق عليه.
زد على ذلك أنه من بين قرابة ثمانية وأربعين بلدا صدرت النفط إلى الصين في عام 2022، كانت المملكة العربية السعودية هي الأضخم (متفوقة حتى على روسيا التي زادت صادراتها إلى الصين في ما بعد غزو أوكرانيا). وكانت واردات النفط الخام الصينية من السعودية ـ 87.5 مليون طن ـ تبلغ تقريبا مثيلتها في العام الأسبق.
وبناء على بيانات جمعتها هيئة الجمارك في الصين، فإن واردات الصين النفطية من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة زادت بنسبتي 5% و9% على الترتيب في ما بين يناير ويوليو من هذا العام مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022. وفي حين أن الواردات من المملكة العربية السعودية تناقصت بنسبة 12.4% في يوليو مقارنة بيونيو، فإن إجمالي الطلب الصيني من النفط الشرق الأوسطي يبقى قويا.
ومن المرجح أن يستمر هذا المنحنى مع تقليل الصين استهلاك الفحم لتحقيق أهداف تتعلق بالتغير المناخي.
السعي إلى الاستثمار الأجنبي
ثانيا: مع تناقص الموارد المتاحة لدى الصين في مصادرها الخاصة، فإنها سوف تكون أكثر حرصا على اجتذاب استثمار أجنبي للحفاظ على اقتصادها في حالة حركة. ويصدق هذا بصفة خاصة على استثمارات الطاقة المستقبلية في الصين.
على سبيل المثال، في مارس، أعلنت شركة أرامكو السعودية عن استثمارين كبيرين في الصين. منهما منشأة جديدة بقيمة عشرة مليارات دولار أمريكي لها القدرة على تكرير ثلاثمائة ألف برميل يوميا وإنتاج 1.65 مليون طن من البتروكيماويات سنويا. وثمة مشروع آخر، بين آرامكو وتشجيانج، وسوف يمكن هذا المشروع شركة النفط السعودية الكبرى من الاستحواذ على حصة 9% في شركة تشجيانج للبتروكيماويات، وهي شركة تكرير متكاملة ومجمع للبتروكيماويات في مدينة تشوشان وتنتج ثمانمائة ألف برميل من المنتجات يوميا.
تعزز هذه الخطوة التزام أرامكو بوضع نفسها كشريك الطاقة الرئيسي للصين، وتؤكد رغبة الصين في جلب الاستثمار الأجنبي لتعزيز إمداداتها المحلية.
ولا يخفى أن الاقتصاد الصيني المتراجع، الذي يرجع جزئيا إلى انخفاض الإنفاق الاستهلاكي خلال جائحة كوفيد 19، قد أضر بمبادرة الحزام والطريق الصينية. لكن اتجاهات الإنفاق على مبادرة الحزام والطريق تختلف حسب المنطقة والبلد.
ففي حين أن الإنفاق على البناء والاستثمارات قد انخفض بنسبتي 44% و65% على الترتيب بين عامي 2021 و2022 في إفريقيا ما دون الصحراء وغرب آسيا، فقد شهدت الدول العربية والشرق أوسطية بالفعل توسعا كبيرا في مشاركة الصين الاقتصادية، حيث نمت بنسبة 21% خلال الفترة نفسها.
تشير هذه الأرقام إلى أن بلاد الشرق الأوسط قادرة على احتمال التباطؤ الاقتصادي في الصين، بل وعلى زيادة حصتها من إنفاق الصين في الخارج.
سوف تتطلع الصين إلى الانخراط في قطاعات محددة، والقيام بذلك يعتمد إلى حد كبير على سلامة العلاقات الثنائية. وفي ظل توتر العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، وفي ظل تحذير الحكومات الغربية من التعامل مع المستثمرين الصينيين، تبرز دول الشرق الأوسط كشركاء مفضلين.
في الوقت الراهن، تظل التجارة بين الصين والشرق الأوسط ضيقة نسبيا، وتركز بشكل شبه كامل على الطاقة. ولكن في حين أن بلادا من قبيل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تحاول تنويع اقتصاداتها بعدم الاعتماد على النفط، فسوف تنشأ مجالات جديدة للتعاون مع الصين، ومنها تطوير البنية الأساسية، وموارد الطاقة الجديدة، والتقنيات الرقمية وتكنولوجيا المعلومات.
بعد عقود من التركيز على النفط فقط، تعيد الصين وأكبر الاقتصادات في الشرق الأوسط اكتشاف بعضها بعضا في البحث عن توافق سياسي وفرصة اقتصادية.
بالنسبة للصين وشركائها في الشرق الأوسط، فإن الاتجاهات بعيدة المدى سوف تتحدى القيود الاقتصادية المؤقتة. وبرغم أن التباطؤ الاقتصادي في الصين سوف يجلب العديد من التحديات العالمية، ففي الشرق الأوسط، يجدر بتقارب المصالح ـ على الأقل ـ أن يجعل تحمل الآلام أمرا أسهل.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی الصین
إقرأ أيضاً:
الجيش الأمريكي ينقل قاذفات "بي-2" النووية إلى المحيط الهندي
كشفت صور أقمار صناعية نقل الجيش الأمريكي ما لا يقل عن 4 قاذفات شبح بعيدة المدى من طراز "بي-2" إلى قاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهندي، البعيدة نسبياً عن مرمى صواريخ الحوثيين المدعومين من إيران، في خطوة لتجنب استخدام قواعد حلفائها في الشرق الأوسط.
وقالت التقارير، إن القاذفات شوهدت في القاعدة في المحيط الهندي، بالتزامن مع استمرار الولايات المتحدة في غاراتها الجوية على مواقع الحوثيين في اليمن، وفق صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" اليوم السبت.
وتشير إذاعة "كان" الإسرائيلية العامة إلى أن الطائرات الأمريكية رابضة على مسافة قريبة من إيران.
US moves at least 4 long-range stealth B-2 bombers to Indian Ocean base in striking distance of Iran, Yemen https://t.co/rMdXKM60la
— The Times of Israel (@TimesofIsrael) March 29, 2025وقاذفات بي-2 قادرة على حمل رؤوس نووية، وسبق أن استخدمتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن لضرب مواقع للحوثيين بقنابل تقليدية.
يذكر أن حاملة الطائرات الأمريكية "يو إس إس هاري إس ترومان" شاركت في الهجمات على الحوثيين من البحر الأحمر. وتخطط القوات العسكرية الأمريكية لنقل حاملة الطائرات "يو إس إس كارل فينسون" أيضاً من آسيا إلى الشرق الأوسط.
هل تتحرك أمريكا وإسرائيل معاً لوقف البرنامج النووي الإيراني؟ - موقع 24على الرغم من العقبات الكبيرة، يواجه الخيار العسكري الإسرائيلي ضد إيران تحديات متزايدة بسبب تقدم البرنامج النووي الإيراني، وقد تضطر إسرائيل إلى تنفيذ ضربات ضد المنشآت النووية الإيرانية باستخدام الأسلحة المتاحة لها، حتى إذا لم تحصل على القنابل الخارقة للتحصينات من الولايات المتحدة.