من سيعيش؟ ومن سيموت في الجائحة القادمة؟
تاريخ النشر: 19th, September 2023 GMT
مثلت جائحة كوفيد غموضا فيما يتعلق بالوحدة العالمية، إذا اقتبسنا بتصرف كلام حارس القصر في مسرحية (ماكبث) لشكسبير، فنحن كنا معا في إصابتنا بالوباء، لكن آثاره والاستجابات له كانت غير متكافئة إلى حد كبير، وهذا بطبيعة الحال يؤدي إلى تفاقم الأوبئة الحالية مثل الإيدز وكوفيد، وكذلك الأوبئة التي ستأتي بعد.
تتطلع الحكومات إلى معالجة جانب واحد فقط من هذا الغموض من خلال مفاوضاتها بشأن اتفاق بشأن الوباء، والذي سيناقش خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك هذا الشهر، وهذه خطوة مرحب بها بل ومطلوبة بإلحاح.
ومن أجل الاستفادة من تجربة الاستجابة لوباء الإيدز والأوبئة الأخرى، بادر برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز إلى عقد مجلس عالمي لمناقشة قضايا تتعلق بانعدام العدالة والإيدز والأوبئة، الذي اشترك في رئاسته مع (مونيكا جينجوس)، السيدة الأولى لجمهورية ناميبيا، و(جوزيف ستيجليتز)، الخبير الاقتصادي والأستاذ بجامعة كولومبيا في نيويورك، مع مجموعة متنوعة من الناشطين من المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية والحكومات والمنظمات الدولية، لمراجعة الأدلة واقتراح إجراءات جديدة.
وسيسعى المجلس العالمي إلى التأثير على جهود التأهب لمواجهة الأوبئة من خلال إظهار أدلة لثلاث طرق يمكن من خلالها النظر في انعدام العدالة وهي: كيف يؤدي انعدام العدالة إلى انتشار الأوبئة؛ وفي الحصول على وسائل التشخيص واللقاحات والعلاجات؛ واستبعاد المجتمعات المهمشة من المشاركة في وضع خطط لمصالحها الخاصة. يجب إيجاد حلول لجميع هذه المشاكل الثلاثة.
تتمثل الإستراتيجية الرئيسية الثانية لمعالجة انعدام العدالة بين البلدان في تقديم تعهدات بالعمل على المساواة في توفير العلاجات واللقاحات المتاحة على مستوى العالم. ومن بين أهم هذه التعهدات أن تقوم حكومات الدول القوية بربط تمويل البحث والتطوير الذي تقدمه لشركات الأدوية بمشاركة التكنولوجيا التي تحصل عليها مع جميع دول العالم. بدون هذه الشروط، من المرجح أن يعيد التاريخ نفسه، ويستمر الوضع كما هو، حيث تستثمر الحكومة أكثر من 10 مليارات دولار في أبحاث لقاح كوفيد، مما يؤدي إلى تطوير لقاحات تحتكرها شركات الأدوية، التي لا تشارك بقية دول العالم في تكنولوجية إنتاجها، ولا حتى تبيعها بأسعار مقبولة لأولئك الذين دفعوا أموالا لتطوير تلك اللقاحات. لقد أدت الإجراءات التي اتخذتها الحكومات للحد من احتكار الأدوية إلى إنقاذ حياة الملايين من البشر في ظل جائحة الإيدز من خلال المطالبة بمشاركة التكنولوجيا والأدوية المكافئة مع جميع العالم. إن اتباع هذا النموذج قد يضمن أن الموقع الجغرافي أو القدرة المالية للدولة ليست هي من يحدد من يعيش ومن يموت في ظل الجائحة.
إن تمويل وسائل التأهب للاستجابة للأوبئة يشكل عاملاً رئيسيا في عالم تتمتع بلدان العالم فيه بموارد غير متكافئة إلى حد كبير، سواء لشراء الفحوصات واللقاحات أو لتحسين البنية الأساسية الصحية. نحن في عالم قد تكون فيه الدول ذات الدخل المنخفض، التي تعاني بالفعل من أزمة اقتصادية عميقة بسبب الوباء، أقل استعدادًا للأوبئة القادمة، مع عدم وجود خطة لخفض مستويات ديونها، فضلا عن الحصول على المزيد من الأموال لتعزيز أنظمتها الصحية ومعالجة مرض الإيدز والسل. وهذا الأمر يتطلب بذل جهدين جديين: الالتزام الواضح بالإسهام في صندوق الاستجابة للأوبئة والذي سيفعل عندما يتم الإعلان عن الوباء؛ وبذل جهد كبير لمعالجة عدم التكافؤ في الحصول على التمويل بطريقتين: الأولى على المدى القصير، وذلك بإزالة عبء الديون الهائلة الذي يعيق قدرة العديد من البلدان على الاستثمار في الاستعداد للاستجابة، والثانية على المدى الطويل حتى تتمكن البلدان ذات الدخل المنخفض من الوصول على قدم المساواة إلى اللقاحات بأسعار معقولة في أوقات الأزمات.
ويتمثل الجزء الثالث من استراتيجية التعامل مع أوجه انعدام العدالة التي تعلمناها من جائحة الإيدز في أهمية إشراك المجتمعات المهمشة في طرق الاستجابة للأزمات؛ وإشراك الجميع في اتخاذ القرار، ولذلك فإنه من المهم تمويل الخدمات التي تقدمها منظمات المجتمع المحلي للوصول إلى السكان الذين لا تستطيع الدولة الوصول إليهم، كما يجب أن تشمل التعهدات الرئيسية إنهاء القوانين العقابية بما في ذلك تجريم الفئات المهمشة ووضع استراتيجيات لتحقيق قدر أكبر من عدم التفرقة بين الناس بسبب الإعاقة والجنس والعرق.
إننا نواجه تحديا حقيقيا فيما يتعلق بالتضامن العالمي، لأن البلدان ذات الدخل المرتفع مترددة في توفير الضمانات المالية اللازمة، كما أن الصناعات الدوائية في هذه البلدان مترددة في القيام بما هو مطلوب. وفي غياب مثل هذه الضمانات، قد تصبح البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل مترددة أيضا في التعاون في توفير البيانات والمعلومات الضرورية لإدارة الوباء العالمي. إن معالجة انعدام العدالة هي فرصة لإحراز تقدم حقيقي، ومن هنا فإن هذه المعاهدة الخاصة بالوباء تمثل فرصة لاتخاذ خطوات ملموسة نحو عالم أكثر عدالة، وفوائد محتملة لصحة الناس في كل مكان.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من خلال
إقرأ أيضاً:
اتفاق كوب29 لا يفي بمطالب الدول النامية
باكو"أ ف ب": انسحبت الدول الأكثر عرضة للتغير المناخي اليوم من المشاورات مع رئاسة أذربيجان لمؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ في باكو، احتجاجا على مسودة اتفاق لا تفي بمطالبها للحصول على مساعدات مالية.
وسبب الاستياء مسودة نص نهائي لم ينشرها رسميا منظمو مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، لكنها عرضت على الدول في جلسة مغلقة اليوم .
وفي المشروع تلتزم الدول الغربية (أوروبا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا واليابان ونيوزيلندا) بزيادة التزاماتها التمويلية للدول النامية من 100 إلى 300 مليار دولار سنويا بحلول عام 2035. لكن ذلك أقل من مطلب الدول النامية التي تطالب بضعف المبلغ على الأقل.
وتغيرت الأجواء بعد أن قاطع ممثلو البلدان النامية اجتماعا مع الرئاسة. وكان من المقرر عقد جلسة ختامية مساء بعد 24 ساعة من انتهاء مؤتمر الأطراف نظريا. لكن المندوبين كانوا يستعدون لليلة ثانية من التمديد من خلال تخزين المواد الغذائية.
وأعلن سيدريك شوستر من ساموا باسم مجموعة الدول الجزرية (Aosis) برفقة ممثل أفقر 45 دولة في العالم "لقد غادرنا.. نعتبر أنه لم يتم الاصغاء إلينا".
وصرح المبعوث الأميركي جون بوديستا "آمل أن تكون العاصفة قبل الهدوء".
و تحاول مسودة الاتفاق التوفيق بين مطالب الدول المتقدمة ولا سيما الاتحاد الأوروبي، ومطالب الدول النامية التي تحتاج إلى مزيد من الأموال للتكيف مع مناخ أكثر تدميرا يتسبب به حرق البلدان المتطورة للنفط والفحم منذ أكثر من قرن.
وتطالب الدول الغربية منذ أشهر بتوسيع قائمة الأمم المتحدة، التي تعود إلى عام 1992، للدول المسؤولة عن تمويل المناخ، معتبرة أن الصين وسنغافورة ودول الخليج أصبحت أكثر ثراء منذ ذلك الحين.
لكن يبدو أن هذه البلدان حصلت على مرادها: فالمسودة تنص بوضوح على أن مساهماتها المالية ستظل "طوعية".
والجمعة اقترحت الدول الغنية زيادة التزاماتها المالية المخصصة للعمل المناخي إلى 250 مليارا بحلول العام 2035، لكن الدول الفقيرة رفضت ذلك.
ويطالب الأوروبيون بأن يكون هذا الرقم مصحوبا بتقدم آخر في نواح عدة لتسوية نهائية. ويسعى الاتحاد الأوروبي خصوصا إلى أهداف أكثر طموحا للحد من انبعاثات غازات الدفيئة، لكنه يواجه معارضة من الدول المنتجة للنفط .
وقال أحد المفاوضين الأوروبيين "كان هناك جهد استثنائي من السعوديين حتى لا نحصل على شيء".
وقالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك "لن نسمح بأن تتعرض البلدان الأكثر ضعفا، خصوصا الدول الجزرية الصغيرة، للاحتيال من قبل البلدان القليلة الغنية بالوقود الأحفوري والتي تحظى للأسف بالدعم في هذه المرحلة من الرئاسة" الأذربيجانية للمؤتمر، من دون تحديدها.
وقال مفوض الاتحاد الأوروبي فوبكه هوكسترا "نبذل كل ما في وسعنا لبناء جسور على كل المحاور وتحقيق نجاح. لكن من غير الواضح ما إذا كنا سننجح".
ودعت أكثر من 350 منظمة غير حكومية الدول النامية صباح اليوم للانسحاب من المفاوضات، قائلة إن عدم التوصل إلى اتفاق خير من التوصل إلى اتفاق سيئ.
وهي استراتيجية تتناقض مع الرسالة الطارئة التي وجهتها العديد من البلدان النامية. وشدد الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي لديه أولويات أخرى لمؤتمر الأطراف الثلاثين في بيليم العام المقبل، على "عدم تأجيل" مهمة باكو حتى عام 2025.
وقال الوزير الايرلندي إيمون ريان لوكالة فرانس برس "علينا أن نعطي الأمل للعالم، وأن نثبت أن التعددية ناجحة".
وقالت بيربوك إن أوروبا تريد "تحمل مسؤولياتها لكن عليها قطع وعود لا يمكنها الوفاء بها".
وتحدد المسودة النهائية بشكل منفصل هدف جمع 1,3 تريليون دولار سنويا بحلول عام 2035 للدول النامية.
وسيشمل هذا المبلغ مساهمة قدرها 300 مليار دولار من البلدان المتقدمة ومصادر التمويل الأخرى (المتعددة الأطراف والخاصة والضرائب وبلدان الجنوب الأخرى...).
وقال برلمانيان أميركيان إنهما تعرضا لمضايقات في باكو. وتم اعتقال العديد من نشطاء البيئة الأذربيجانيين.
ورأى ألدن مايير أن لا أحد يريد تعليق مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين لاستئنافه لاحقا "لان ذلك سيتطلب العمل لخمسة أشهر أخرى في ظل هذه الرئاسة".