خارج الحسابات.. لماذا يطالب رجال الدين في السويداء بمعبر مع الأردن؟
تاريخ النشر: 19th, September 2023 GMT
منذ انطلاقها قبل قرابة شهر لم يقدم النظام السوري أي بادرة إيجابية، أو سلبية، حيال الانتفاضة التي خرجت تحتج عليه في محافظة السويداء السورية،
وبينما بقيت الأصوات والشعارات على حالها مطالبة بالإسقاط ورحيل بشار الأسد برز مطلبٌ لافت، تردد لأكثر من مرة على لسان رجال الدين هناك.
وبعد مرور أيام على الانتفاضة والمظاهرات الشعبية في الأحياء والشوارع والساحات، نشرت "دار طائفة الموحدين الدروز" بيانا حددت فيه جملة من المطالب من بينها "دراسة فتح معبر حدودي يربط المحافظة بالأردن، من أجل إنعاشها اقتصاديا".
ورغم أن هذا الطلب الذي ذكرته أولا الجهة الدينية العليا في المحافظة ذات الغالبية الدرزية سبق أن طرح الحديث عنه قبل انطلاقة الثورة السورية وبعدها بأعوام، فقد عاد ليردده شيخ عقل الطائفة الدرزية، حمود الحناوي، خلال مقابلة مصورة نشرتها "شبكة الراصد" المحلية، الاثنين.
وناشد الحناوي الأردن بفتح المعبر، وقال إن "أهل المحافظة لا يستحقون الباب الموصود، فهم أمناء على المعابر وحسن الجوار"، معتبرا أن "ما يتسرب إلى الأراضي الأردنية من المخدرات محرم وليس من الأعراف والدين".
وجاء ذلك بعدما أبدى الحناوي موقفا تصعيديا ضد "السلطة في دمشق"، في أعقاب حادثة إطلاق النار على المتظاهرين أمام فرع "حزب البعث"، كما انضم إليه في وقت سابق شيخ عقل الطائفة، حكمت الهجري.
وبعد أيام تكمل السويداء السورية شهرها الأول من الانتفاضة، وفي وقت يواصل المتظاهرون والقائمون على الحراك التأكيد على مطالبهم السياسية بالتحديد، ومن بينها إسقاط النظام السوري، لم يصدر الأخير أي تعليق حتى اللحظة.
ومسار "عدم التعليق" لا يقتصر على ما يطالب به المتظاهرون سياسيا فحسب، بل ينسحب أيضا إلى المطالب المعيشية الأولى، على رأسها التراجع عن قرار رفع الدعم عن المحروقات، ومن ثم "دراسة فتح معبر مع الأردن لإنعاش السويداء اقتصاديا".
"خارج الحسابات"ورغم أن السويداء تقع في أقصى الجنوب السوري المحاذي للأردن، فإنها لا ترتبط بأي معبر حدودي كما هو الحال بالنسبة لجارتها الواقعة إلى الغرب، محافظة درعا.
وبقيت مطالبات الأهالي وأعضاء "مجلس الشعب" في المحافظة قبل سنوات دون أي استجابة، ليأتي بيان "دار طائفة الموحدين الدروز" ومن ثم حديث الحناوي، ليعيد قصة فتح المعبر الحدودي.
وتعتبر السويداء فقيرة وغير قادرة على إقامة مشروعات مستقلة، حسب ما يقول سكان فيها، وكانت تعتمد في السابق على أموال المغتربين والمواسم، في حين أسهمت القروض الصغيرة في تأسيس مشروعات صغيرة، خاصة قبل الحرب.
وبعد 2011 تغير الوضع الاقتصادي في المدينة، إذ عانت من غلاء الأسعار ونقص المواد الأساسية وغلائها بسبب احتكارها من تجار الحرب، وصولا إلى الحد المتفاقم الذي وصلت إليه الأوضاع المعيشية، في أعقاب القرارات الحكومية الأخيرة، وما تبعها من رفع لمرتين لأسعار مادتي المازوت والبنزين.
ويوضح الصحفي، مدير شبكة "السويداء 24" المحلية، ريان معروف، أن المطلب الخاص بالمعبر الذي تردد على لسان رجال الدين "اقتصادي بحث"، تعود جذوره الأولى إلى الأيام التي سبقت أحداث الثورة، وحتى إلى فترة التسعينيات.
ويقول الصحفي لموقع "الحرة": "هناك رؤية في المحافظة ترى أن المعبر من شأنه أن ينشّط حركة التبادل التجاري وحركة تصدير المنتجات الزراعية"، كما يسود اعتقاد بأنه "سيرفد اقتصاد المحافظة المعزولة".
وترتبط السويداء بشريان اقتصادي وحيد مع العاصمة السورية دمشق، حتى أن جميع مخصصات الطحين اللازمة للأفران تدخل بشكل يومي من هناك، ويشير معروف إلى عدم وجود صوامع للحبوب.
ويرى الصحفي السوري أنه "من السهل حصار المحافظة كنوع من العقاب من جانب النظام السوري بسبب ارتباطها بالطريق الوحيد، الذي يسيطر عليها الأخير بالأساس"، ولذلك يتردد الحديث بكثرة عن مطلب "فتح المعبر".
لكن هذه الفكرة من الصعب أن تترجم على أرض الواقع، حسب ما تحدث مراقبون من المحافظة لموقع "الحرة"، من بينهم السياسي المعارض، الدكتور يحيى العريضي، إذ يقول إن "موضوع المعبر مجرد كلام في الهواء، ويأتي في سياق البحث، أو محاولة خلق المنطقة".
ويضيف العريضي لموقع "الحرة": "الطلب ليس له صفة رسمية، وإن حصل أي تواصل بشأن هذا الموضوع فإنه لا يزال خارج الحسابات حتى الآن".
وبناء على الظروف الحالية "من الصعب تنفيذ فكرة المعبر أو تحقيق الطلب الخاص به، لأن المسألة لا ترتبط بالنظام السوري فحسب بل بالأردن"، حسب ما يرى الصحفي معروف، ويشير إليه الناشط السياسي، مهند شهاب الدين.
ومع ذلك، يوضح شهاب الدين لموقع "الحرة" أن طرح فكرة فتح المعبر التجاري أو الإنساني مع الأردن، وبما يخص السويداء، يأتي باعتبار أن "معبر نصيب الدولي هو المنفذ الحدودي الوحيد إلى سوريا من الجهة الجنوبية التي يسيطر عليها النظام السوري".
ويشير الناشط السياسي إلى "وجود تخوفات من أن تغلق دمشق الطريق الواصل مع السويداء، الأمر الذي سيوقف الإمدادات من معونات ومواد أولية وغذائية وأدوية".
ماذا عن الأردن؟ومن جانب عمّان لم تصدر أي تعليقات رسمية بشأن المطلب الذي ردده رجال الدين في السويداء الحدودية مع الأردن، لكن الأصوات لاقت صدى عند محللين ومراقبين.
ومن بينهم المحلل السياسي الأردني، صلاح ملكاوي، إذ قال عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" إن "طلب فتح معبر مع السويداء هو قديم، ومنذ سنوات، ويتجدد مع كل حراك أو نشاط إحتجاجي في المحافظة، وتم رفض الطلب سابقا ومؤكد هو مرفوض اليوم أيضا".
وأوضح ملكاوي أن "تاريخ الأردن الحديث الممتد منذ 1921 يقول إنه دولة تلتزم بحسن الجوار وتحترم قواعد العلاقات الدولية، ولا تتعاطى مع أحزاب ولا جماعات ولا حراك ولا ميليشيات، لا مع دول الجوار ولا غيرها، وعلاقاتها محصورة مع الدول فقط".
وأشار المحلل الأردني إلى إغلاق الأردن معبر "جابر" الحدودي بعد سيطرة المعارضة السورية على معبر نصيب المقابل، وإعادتها افتتاحه بعد عودة قوات النظام للجنوب السوري صيف 2018.
ولا مصلحة لعمّان "في المساعدة أو دعم انفصال أي جزء أو مكون تابع للدولة السورية، ومهما كانت الأسباب فإن فتح معبر غير نظامي مع السويداء يعني دعم انفصال هذا الجزء من الدولة السورية".
وينفي المتظاهرون في السويداء السورية منذ اليوم الأول للانتفاضة أي نزعات انفصالية، وأكدوا على ذلك من خلال الشعارات التي رفعت وسط ساحة السير (ساحة الكرامة)، وعلى لسان رجال الدين البارزين أيضا.
ويقول الناشط السياسي شهاب الدين إنه "ضد فتح أي معبر"، مؤكدا أن الشارع "يطالب بسوريا موحدة وإسقاط النظام السوري".
ويضيف: "السويداء قالت كلمتها في الانتفاضة ومن خلال الشعارات (واحد واحد واحد الشعب السوري واحد). هي تريد الخلاص الجماعي وليس الخلاص الفردي، والتقسيم ليس من معادلتها السياسية".
ويحاول الأردن دائما "أن ينأى بنفسه عن فكرة أن يكون جزءا من خلافات داخلية ذات طابع سياسي على الصعيد السوري أو الفلسطيني"، وفق حديث عامر السبايلة، وهو أستاذ جامعي ومحلل جيوسياسي أردني.
ويوضح السبايلة في حديث لموقع "الحرة" أن "الواقع الجغرافي مرتبط مع الأردن، لكن هناك أولويات للاستقرار ومواجهة المخدرات".
ويعتقد أن "هناك محددات كثيرة من الأردن تمنعه من الدخول في مثل هذه الأمور، على الأقل في هذه المرحلة".
"سؤال كبير"ومن غير الواضح حتى الآن المسار الذي ستسلكه الانتفاضة في المحافظة ذات الغالبية الدرزية في الأيام المقبلة، ولاسيما مع تأكيد المتظاهرين على البقاء في الشارع، وانضمام شيوخ العقل إليهم، مؤكدين على مطالبهم.
وأيضا في وقت نزع المتظاهرون معظم صور رأس النظام السوري بشار الأسد وتماثيل أبيه حافظ الأسد، وعادوا قبل أيام ليغلقوا مبنى "حزب البعث" بالحديد، بعدما تعرضوا لإطلاق نار أمامه، الثلاثاء الماضي.
ويعتبر السياسي المعارض، يحيى العريضي أن السؤال المتعلق بـ"المقبل" كبيرا، لكنه يرى أن "الحراك مستمر".
ويقول: "إن كان النظام السوري يراهن على الوقت فإنه خسر هذا الرهان، لأن صبر هؤلاء الناس من صبر البازلت وبكل بساطة".
ويضيف: "المسألة بيد السوريين جميعا وبرسم الدول المنخرطة في القضية السورية وبرسم الروس وبرسم الإيرانيين بأن يخرجوا من البلد. وبرسم أيضا المنظومة المستبدة في دمشق لتنفيذ القرارات الدولية الخاصة بالحل السياسي".
وعاد العريضي ليؤكد أن "قرار فتح المعبر مع الأردن دولي وبيد الأردن، وأيضا بيد من أخذ السلطة رهينة في دمشق"، مشيرا إلى أن "السويداء وبحكم جغرافيتها لا معبر لها مع أي دولة أخرى، خلافا لحال المحافظات الشرقية والغربية أو الشمالية المحاذية لتركيا".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: النظام السوری فی المحافظة رجال الدین فتح المعبر مع الأردن فتح معبر معبر مع
إقرأ أيضاً:
لماذا تشكل قوات قسد أكبر تحد عسكري للإدارة السورية الجديدة؟
في إطار سعيها للانتقال من فكرة الثورة إلى فكرة بناء الدولة، تعمل الإدارة السورية الجديدة على تدعيم هذا البناء وترسيخه من خلال بناء جيش وطني يضم كافة التشكيلات والفصائل العسكرية التي تشكلت نتيجة ظروف ومعطيات معينة أيام الثورة السورية.
وقد أبدت أغلب هذه الفصائل استعدادها للانخراط في وزارة الدفاع، وذلك بحسب وزير الدفاع مرهف أبو قصرة أثناء لقائه مع الصحفيين في دمشق الأحد 22 يناير/كانون الثاني، لتبقى بذلك قوات سوريا الديمقراطية "قسد" المكون العسكري الوحيد الذي يرفض حل نفسه، ويصر على الاندماج بالجيش الوطني ككتلة وليس كأفراد، وهو ما ترفضه الإدارة السورية الجديدة بشكل نهائي لاعتبارات متعددة.
إلى جانب ذلك تطالب قسد أيضا بنوع من "الفدرالية المرنة" كما سمتها القيادية في الإدارة الذاتية إلهام أحمد في تصريحات صحفية، إلى غير ذلك من الميزات التي تجعل من قسد تشكل أكبر تحد للإدارة السورية الجديدة، وخاصة بالجانب العسكري نظرا لامتداداتها الإقليمية وعلاقاتها الدولية.
دعم وتسليح أميركيتتلقى قوات سوريا الديمقراطية دعمها من الولايات المتحدة الأميركية على نحو مباشر، وفق ما أعلنه مسؤولون أميركيون في عدة مناسبات.
فبعدما أصدرت قسد بيانها التعريفي في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2015، والذي قدمت نفسها فيه على أنها "تكتل عسكري وطني لكل السوريين يضم الأكراد والعرب والتركمان والسريان"، وأوضحت أن هدفها الرئيسي هو دحر تنظيم الدولة الإسلامية واستعادة جميع الأراضي التي اجتاحها التنظيم المتشدد آنذاك.
إعلانبدأت الولايات المتحدة بتقديم الدعم المباشر لهذه القوات، بعد يومين من هذا البيان، إذ أعلن المتحدث باسم القيادة العسكرية الأميركية الوسطى -في بيان صدر بعد تأسيس قوات سوريا الديمقراطية- أن "التحالف الدولي ألقى 50 طنا من الأسلحة لمجموعات عربية سورية مسلحة خضع المسؤولون عنها لعمليات تدقيق ملائمة من جانب الولايات المتحدة" وفق البيان، من دون تحديد اسم هذه المجموعة.
وعلى الرغم من محاولة الولايات المتحدة التسويق لها على أنها تمثل كل مكونات الشعب السوري، فإن عامودها الفقري يتكون من وحدات حماية الشعب (YPG) ووحدات حماية المرأة (YPJ) بمعنى أنها تعد امتدادا سوريا لحزب العمال الكردستاني (Pkk) المصنف على لوائح الإرهاب التركية والغربية.
ولا يقتصر الدعم الأميركي على الأسلحة وتقديم الخبراء والمستشارين، إذ تقوم قوات التحالف والقوات الأميركية بشكل خاصّ بعمليات تدريب مستمرة منذ عام 2014 لعناصر قسد بشكل عامّ ضِمن عدد من القواعد العسكرية التابعة لها والمجهّزة لهذا الغرض كقاعدة "هيمو" الواقعة على طرف مدينة القامشلي.
لكن معظم عمليات التدريب هذه موجهة لعناصر وحدات مكافحة الإرهاب التابعة لقسد "يات" (YAT) والتي تحظى بالدعم والتسليح الأعلى من جانب القوات الأميركية، وذلك بحسب دراسة أصدرها مركز جسور للدراسات عام 2023.
وتوضح الدراسة أن عمليات التدريب تشمل استخدام الأسلحة الرشاشة والقناصات وتدريب مجموعات محددة على استخدام الطائرات المسيّرة في عمليات المراقبة إضافة للتدريب على استخدام أجهزة الاتصال وتحديد المواقع والمراقبة والتشويش.
شماعة محاربة الإرهابعلى الرغم من إعلانها القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في آخر معاقله في منطقة الباغوز شرقي دير الزور عام 2019، فإن قوات قسد ما زالت تصدر نفسها للعالم على أنها تحارب الإرهاب، مستغلة حمايتها وإشرافها على السجون التي تضم الآلاف من عناصر وقيادات التنظيم الذين مازالت دولهم ترفض إعادتهم.
إعلانوفي هذا السياق، أكدت قسد في 21 يناير/كانون الثاني الجاري أنها تعارض تسليم السجون التي تحوي عناصر من تنظيم الدولة للحكام الجدد في دمشق، وأوضحت أنها تتأهب لهجمات من جانب الجماعة الإرهابية (تنظيم الدولة)، وتراقب محاولاتها للظهور من جديد، وفقا لوكالة رويترز.
يؤمن موقف قسد هذا غطاء سياسيا لها، تجلى -مثلا- في تأكيد وزيري الخارجية الفرنسي والألماني أثناء زيارتهما إلى سوريا في الثالث من الشهر الجاري على ضرورة التوصل إلى حل سياسي مع الأكراد.
يؤمن لها كذلك دعما ماليا مستمرا، إذ تحصل قسد على حصة دعم مالي سنوي من دول التحالف الدولي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركيّة التي خصّصت مبلغ 542 مليون دولار من ميزانية وزارة دفاعها عام 2023 لبرنامج "تدريب وتجهيز" القوات الشريكة لها في سورية والعراق.
وفي هذا السياق يشير الباحث في مركز الحوار السوري عامر المثقال إلى أن ورقة تنظيم الدولة وسجونه في شمال شرق سوريا هي آخر أدوات قسد لتقديم نفسها كحارس للمنطقة ضد الإرهاب، وهي مهمة تبدو الإدارة السورية الجديدة قادرة على إدارتها، مما ينزع الذرائع الأميركية باستمرار دعم قسد.
ويؤكد المثقال في حديثه للجزيرة نت أن العامل الأساسي في قوة واستمرارية قسد هو الدعم الأميركي، ويضرب مثالا على ذلك بمعارك قسد مع قوات العشائر العربية في عام 2023 حيث تمكنت العشائر من إخراج قسد من عشرات القرى والبلدات في ريف دير الزور الغربي والشرقي، قبل أن تعود قسد إلى تلك القرى عبر الدعم الأميركي والإسناد الجوي من قوات التحالف.
هل تملك "قسد" 100 ألف مقاتل؟في تصريحات سابقة نشرتها صحيفة ذا تايمز البريطانية، قال قائد قسد مظلوم عبدي إن قواته مستعدة لحل قواتها المكونة من 100 ألف عنصر، والانضمام إلى جيش سوري جديد بقيادة السلطات التي ستتولى الحكم بعد نظام بشار الأسد، بشرط "ضمان حقوق الأكراد والأقليات الأخرى".
إعلانوتشير التقارير إلى أن النسبة الكبرى من هؤلاء المقاتلين هم من العرب، ووفقًا للبنتاغون كان الأكراد يشكلون 40% من قسد، بينما العرب يمثلون 60% في مارس/آذار 2017، رغم أن مصادر أخرى تشير إلى أن نسبة المقاتلين العرب كانت أقل من ذلك، ومع ذلك هناك إجماع على أن القيادة في قسد تعود للأكراد.
وإلى جانب العرب والأكراد السوريين يوجد قيادات وعناصر أجنبية في قوات قسد، إذ نقلت رويترز في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي اعترف مظلوم عبدي لأول مرة بوجود هذه العناصر بصفوف قواته بالقول إن المقاتلين الأكراد الذين قدموا إلى سوريا من مختلف أنحاء الشرق الأوسط لدعم القوات الكردية السورية سيغادرون إذا تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في المواجهة مع تركيا بشمال سوريا.
عبدي: المقاتلون الأكراد الذين قدموا إلى سوريا من مختلف أنحاء الشرق الأوسط لدعم القوات الكردية السورية سيغادرون (رويترز)وتعليقا على تصريحات مظلوم عبدي حول أعداد مقاتلي قسد، ينفي الباحث المختص بتطورات الشرق السوري سامر الأحمد أن تصل الأرقام إلى هذا العدد، ويؤكد على أنها تتراوح بين 20 و30 ألفا وأقل من ذلك حتى، وخاصة بعد سقوط النظام وحصول الكثير من الانشقاقات، إضافة إلى الأحداث التي شهدها ريف دير الزور الشرقي.
ويوضح الأحمد في حديثه للجزيرة نت أن أعداد قوات قسد كانت كبيرة أيام التعبئة العامة في المعارك ضد تنظيم الدولة، وكانت الاشتباكات على عدة جبهات في الرقة والحسكة وعين العرب، إذ كان كل مجلس عسكري من هذه المناطق يُجند آلاف المقاتلين من أبنائه في تلك المعارك.
ويتفق الباحث عامر المثقال مع الأحمد في أن الأعداد الحقيقية لقسد لا تتجاوز الـ30 ألف مقاتل، أغلبهم من المكون العربي الجزء الأكبر منهم، وهذه -بحسب المثقال- مشكلة أخرى تواجهها قسد بسبب نقص المقاتلين من المكون الكردي، واضطرارها لتجنيد العرب إجباريا بصفوفها، وهؤلاء ينشقون عند حصول أي مواجهات حقيقية كما حدث في معارك دير الزور.
إعلانوبحسب الباحث المثقال فإن عبدي يهدف من هذه التصريحات إلى تضخيم قوة قسد للضغط على الإدارة الجديدة من أجل تحصيل مكاسب رسمية كأن تضاف قسد ككتلة عسكرية مستقلة داخل الجيش لها صلاحياتها الخاصة بشمال شرقي سوريا.
يذكر أن هذه القوات تسيطر على مساحة تزيد عن 35 ألف كيلومتر مربع، وهو ما يعني أنها تستحوذ على قرابة 18.92% من أراضي سوريا.
الأحمد: أعداد قوات قسد تتراوح بين 20 و30 ألفا أو أقل وخاصة بعد سقوط النظام وأحداث ريف دير الزور الشرقي (رويترز) تفوق اقتصاديأتاحت سيطرة قسد على المناطق النفطية في شمال شرقي سوريا موردا اقتصاديا هاما لها، جعلها متفوقة على باقي المناطق السورية خلال سنوات الحرب السورية، إلى جانب ذلك حرص التحالف الدولي على توفير دعم مالي سنوي لها، وخصصت بعض الدول ميزانية بمئات الملايين من الدولارات في صرف أجور المقاتلين وتأمين المصاريف المالية الأخرى.
وتستفيد قسد من هذا الدعم المادي بشكل رئيسي في صرف رواتب وأجور مقاتليها وإدارييها التي تتراوح بين 100 إلى 800 دولار أميركي، وتُعتبر هذه الأجور الأعلى مقارنةً ببقية المجموعات المسلّحة المحلية الأخرى في سورية ومن ضِمنها قوات النظام السوري مما ساعد قسد إلى حدّ كبير في ضمان استمرار التجنيد في صفوفها.
وفي منتصف عام 2022، أعفت الولايات المتحدة مناطق قسد من العقوبات المفروضة على الاستثمارات الأجنبية، وقد ترجمت قسد هذه الخُطوة على أنّها دعم لجهودها في إعادة تأسيس البِنْية التحتية ضِمن مناطق سيطرتها، وذلك بحسب دراسة سابقة لمركز جسور للدراسات.
وإضافة إلى النفط والموارد الطبيعة كالزراعة، تلجأ قسد كذلك إلى أخذ ضرائب وأتاوات كبيرة من كل القطاعات الاقتصادية بكل مناطق الجزيرة السورية، فمثلا بالشهر الماضي فرضوا على محلات الصرافة والذهب مبلغا من 7 آلاف إلى 10 آلاف دولار كتبرع للقوات، ولتغطية التكاليف العسكرية، بحسب الأحمد.
إعلانويتابع الأحمد أن "قسد" كانوا ينتجون طبعا -بحسب كلامهم- ما يصل إلى 100 ألف برميل من النفط السوري، حيث يغطون به السوق المحلي، ويقومون ببيعه للنظام والمعارضة وهيئة تحرير الشام، إضافة إلى تهريبه للعراق، مما يؤمن لهم واردات شهرية تقدر بملايين الدولارات.
يذكر أن شرط الاحتفاظ بحصة محددة من حقول وعائدات النفط، كان من ضمن الشروط التي تصر عليها "قسد" خلال مفاوضاتها مع الإدارة السورية الجديدة، وذلك بحسب ما نقلته مصادر مقربة من الإدارة الجديدة للجزيرة نت.
يشار إلى أن مناطق سيطرة قوات "قسد" تشهد في الفترة الأخيرة خسائر اقتصادية كبيرة جراء الغارات التركية والتي تستهدف مواقع عسكرية ومحطات نفطية وبنية تحتية وشركات تجارية ومعامل في مناطق شمال شرقي سوريا.
متظاهرون أكراد يرتدون قمصانا عليها كلمة كوباني ويحملون صورة عبد الله أوجلان (الأوروبية) وجود عقيدة أيدلوجيةإضافة إلى ما سبق، تمتاز قوات قسد بوجود عقيدة أيديولوجية تقاتل من أجلها، ويدعم هذه العقيدة اعتبارهم عبد الله أوجلان رمزا للنضال والحرية، وهي بذلك تسير على نهج حزب العمال الكردستاني.
وفي هذا السياق، يوضح الباحث المختص بالشأن الكردي بمركز رامار للبحوث أن من عوامل قوة قسد هو اعتمادها في لحظة التشكل على عناصر كردية سورية انضمت لحزب العمال، وهؤلاء يمتلكون خبرة عسكرية قديمة تمتد لما يقارب عقدين وأكثر من الزمن، كما يتميزون بالتزام عسكري في القتال مبني على التزام أيديولوجي.
ويضيف رشيد في حديثه للجزيرة نت أن هؤلاء العناصر كانوا يخضعون لدورات أيدلوجية وعقائدية تتضمن أفكار حزب العمال الكردستاني ومقاتلة الأتراك، والفكر الاشتراكي الشيوعي، وهؤلاء ينتمون إلى وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، أما بقية تشكيلات قسد فلا يوجد عندها هذه العقيدة.
وفي تاريخ 27 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، تشهد عدة مناطق تسيطر عليها قسد في شمال شرقي سوريا احتفالات بذكرى تأسيس حزب العمال الكردستاني، وعادة ما تتزامن مع مسيرات بسيارات تابعة لقسد والإدارة الذاتية، تجوب عدة مناطق وهي ترفع أعلام الحزب وصور عبد الله أوجلان.
إعلان