انقلابا النيجر وموريتانيا.. تشابهت المآزق فهل تتقارب الحلول والنهايات؟
تاريخ النشر: 19th, September 2023 GMT
من بين قلة من الانقلابات الأفريقية، تمسك الرئيسان الموريتاني الراحل سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، والنيجري محمد بازوم بشرعيتيهما حتى وهما خلف القضبان. كان ولد الشيخ قويا جدا رغم ضعف موقفه حينما فقد السلطة بانقلاب عسكري قاده جنرالات بقيادة الرئيسين السابق والحالي على التوالي محمد ولد عبد العزيز ومحمد ولد الشيخ الغزواني.
وبين بازوم وولد الشيخ نقاط التقاء وتشابه متعددة، وبين الانقلابين نقاط تلاق، كما أن البلدين يتشابهان في تاريخهما الطويل مع الانقلابات، وبيئتيهما الصحراوية الجافة، وتعددهما العرقي والفئوي، وكونهما قبل الانقلاب الذي أطاح ببازوم من آخر بلدان الساحل استقرارا في فضاء مفعم بالانقلابات والنزاعات العرقية.
كما ينتمي كل منهما إلى جناح المدنيين في بلدين تعودا أن يحكمهما العسكريون، وكان وصولهما إلى السلطة استثناء، ففي موريتانيا كان العالم على موعد مع عرس ديمقراطي نادر، سلم بموجبه رئيس المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية العقيد الراحل ولد محمد فال السلطة للرئيس المدني الذي استطاع الوصول لمنصبه بعد جولة ثانية شاقة وصراع انتخابي مرير مع مرشح المعارضة القوي -حينها- أحمد ولد داداه.
وفي النيجر، استطاع بازوم المنتمي أيضا إلى التيار المدني والأقلية العربية الوصول إلى السلطة مدعوما من الرئيس السابق محمدو إيسوفو، بعد أن حقق بازوم فوزا صعبا بحصوله على 2.5 مليون صوت، مقابل 1.9 مليون لصالح خصمه ماهمان عثمان المنحدر من قومية الهوسا التي تمثل غالبية شعب النيجر.
كما أن هذين الرئيسين يجتمعان في ثقافة فرنكفونية ضاربة، وهدوء وروية لا تخطئهما العين، وينحدران كذلك من مجتمعات ريفية، حيث ولدا وعاشا ردحا من الزمن في بيئة رعوية بدوية.
ويمتاز بازوم بأنه قادم من عمق النظام السابق، أما ولد الشيخ فهو وزير في نظام أول رئيس للبلاد، قبل أن يعود إلى تجربة الاستوزار من جديد منتصف الثمانينيات، قبل أن تتم إقالته سنة 1986، ليتحول لموظف دولي بهيئات متعددة.
علاوة على أن أبريل/نيسان (عامي 2007 و2021) كان ظرفا زمانيا لانتخاب ولد الشيخ وبازوم، وتزداد المقارنات أيضا طرافة باعتبار ولد الشيخ موظفا دوليا سابقا بالنيجر، وقد أحاط نفسه طيلة فترة حكمه التي لم تكمل سنتين -مثل بازوم- بمجموعة مستشارين شاعت تسميتهم عند معارضته باسم "خلية النيجر".
أسباب متشابهة ودعاية واحدة
أطيح بهذه الرئيسين في انقلاب عسكري قاده قائدا الحرس الرئاسي، ففي موريتانيا وضع الجنرال محمد ولد عبد العزيز حدا لحكم ولد الشيخ في السادس من أغسطس/آب 2007. وفي النيجر قام الجنرال عبد الرحمن تياني بالإطاحة ببازوم أواخر يوليو/تموز الماضي.
ومن التشابه أيضا أن الانقلابين فرضا على المؤسسة العسكرية بالبلدين، فلم يكونا محل تنسيق مع قادة الوحدات العسكرية والأمنية. ووفاء للعادة الأفريقية التقليدية فإن من يسيطر على القصر الرئاسي يخضع له الجميع، بمن فيهم قادة أركان الجيش وجنرالاته.
وكانت الحجة موحدة بين الانقلابين رغم فارق الزمن والمسافة والتاريخ والظروف، فقد كان التدهور الأمني وضعف مقاومة الخطر الإرهابي وتدهور الأوضاع الاقتصادية المعزوفة الأساسية التي استخدمها الانقلابيون لتسويغ الإطاحة بالرئيسين المنتخبين، واتهامهما سياسيا وإعلاميا بالخيانة.
خطوات متشابهة وخصوم متقاربونعلى عكس الحالة النيجرية، فإن فرنسا كانت داعما أو متفهما إلى حد كبير للانقلاب العسكري على ولد الشيخ، وربما لولا الضغط الجماهيري الواسع الذي دشنته الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية المناوئة للانقلاب لكان لباريس موقف أكثر وضوحا في الدعم. أما الولايات المتحدة فكانت خصما للانقلاب العسكري الذي واجه أيضا غضبا أفريقيا شديدا من خلال تجميد الاتحاد الأفريقي عضوية نواكشوط.
وبخلاف هذه الحالة، فإن البلدين تشابها -وإن بتفاوت- في مواجهة الضغط الدولي، حيث واجه ولد الشيخ الغضب الشعبي والدولي ضد الانقلاب بخطوات استباقية أكسبته جماهيرية عالية من خلال قطع العلاقات المرفوضة شعبيا مع إسرائيل، في حين يقود نظام تياني الآن مواجهة أخرى محتدمة مع فرنسا، انتهت بطرد سفيرها من نيامي، رغم إصرار باريس على عدم الاعتراف بهذا الطرد.
ورغم أوجه التشابه فإن حالة البلدين مختلفة في موقف المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس) حيث كانت موريتانيا قد غادرتها بداية القرن الحالي، ولذلك لم يكن لها تأثير قوي على الانقلاب ولم يكن التلويح بالتدخل العسكري واردا، عكس الحالة النيجرية التي تواجه تهديدا -يتراجع بشكل مضطرد- بالتدخل العسكري لإعادة نظام بازوم.
كما تختلفان في ضعف الإسناد الجماهيري للنظام المطاح به بالنيجر، بينما كان لولد الشيخ دعم كبير وخصوصا من معارضة انتظمت في الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية، وأدارت مقاومة سياسية وشعبية استمرت ما يزيد على عام.
هل تتشابه النهايات والحلول؟
انتهى الانقلاب العسكري في موريتانيا باتفاق سياسي عرف باسم اتفاق دكار، وبموجبه:
– استعاد ولد الشيخ منصبه لعدة ساعات تمتع فيها بالمراسيم الرئاسية التامة، قبل أن يلقي خطاب الوداع ويعلن استقالته ويوقع مرسوم تعيين الحكومة المؤقتة.
– يتولى المجلس الأعلى للدولة الذي شكله الانقلابيون تسيير البلاد إلى حين تنظيم انتخابات رئاسية مستعجلة، ويتخلى قائد الانقلاب ولد عبد العزيز عن الحكم تمهيدا لترشحه للرئاسيات كمدني مستقل بعد تقديم استقالته من الجيش.
– تشكيل حكومة انتقالية من 26 حقيبة وزارية تكون فيها الداخلية والمالية والإعلام والأمانة العامة لرئاسة الجمهورية من نصيب المعارضة، والبقية من الأغلبية البرلمانية الداعمة للانقلاب، بينما يختار زعيم الانقلاب رئيس الوزراء.
– إطلاق المعتقلين السياسيين المحسوبين على النظام المطاح به، وعلى رأسهم الوزير الأول الأسبق يحيى ولد أحمد الوقف.
ومن بين هذه الإجراءات المتعددة ما يمكن أن تؤول إليه الأحوال بالنيجر، خصوصا مع:
– تراجع حدة التهديد بالتدخل العسكري، مما يفتح أمام الانقلابيين فرصة للجنوح إلى الحوار.
– قد يمنح هذا الحل بازوم خروجا مشرفا، كما يمنع الفريق الدولي الداعم له فرصة للوصول إلى اتفاق يحقق لجميع الأطراف مساحات تفاهم أكثر واقعية، ويمنح بازوم مكانة مشابهة لتلك التي حجزها ولد الشيخ في نفوس مواطنيه بعد أزمة القصر والأسر.
فبعد خروجه من السلطة عانى ولد الشيخ من حصار غريمه وتجاهل أنصاره، لكنه احتفظ بهالة من التقدير المجتمعي تكللت بتقدير سياسي أيضا مع وصول الرئيس الحالي (الغزواني) قبل أن يختطفه الموت في أزمة قلبية مفاجئة، جعلت منه رمزا للأحلام الأفريقية الموؤودة. أما بازوم فما زال مستقبله في ضمير الغيب غامضا بين الضغط الدولي ومقاومة الانقلابيين.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ولد الشیخ محمد ولد قبل أن
إقرأ أيضاً:
لبنان يدخل العام 2025 متعبا اقتصادياً وحاملو السندات يفقدون حقّهم بالفائدة بعد 9 آذار
يدخل لبنان العام 2025 منهكاً على كل المستويات بفعل الحرب الاسرائيلية عليه وما خلفته من كوارث على المستوى الاقتصادي والتي طالت كل القطاعات بلا استثناء، حيث ضربت كل الأمال المعقودة للخروج من الازمات المتلاحقة لا سيما منذ العام 2019 حيث تراجع الاقتصاد اللبناني بشكل حاد، ليصل الانخفاض التراكمي في الناتج المحلي منذ 2019 إلى أكثر من 38% بنهاية العام الجاري. وقدّر نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي حاجة الاقتصاد اللبناني لأكثر من 10 مليارات دولار، من أجل إعادة إعمار المناطق المتضررة من الحرب مع إسرائيل.
وأظهر آخر تقرير صادر عن البنك الدولي الشهر الحالي انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في لبنان بنحو 6.6% في عام 2024 بسبب التوترات الجيوسياسية.
وأوضح تقرير البنك الدولي أن لبنان بحاجة ماسة لإصلاحات عاجلة واستثمارات ضخمة في القطاعات الحيوية، مؤكدا أن النشاط الاقتصادي انكمش بنحو 5.7% في العام الجاري وهو ما يعادل خسارة قدرها 4.2 مليار دولار. وأكد التقرير أن لبنان يحتاج إصلاحات شاملة لتجاوز الأزمة، محذرا من أن استمرار الأوضاع الحالية من دون تغييرات سيزيد من عمق الأزمة الاقتصادية، ولابد من تنفيذ خطة شاملة للتعافي والإصلاح.
تحديات سياسية ودستورية واقتصادية تنتظر العام الجديد، حيث يفترض أن يتم انتخاب رئيس للجمهورية في جلسة التاسع من الشهر المقبل ومن ثم البدء في اتصالات ومشارات تكليف رئيس حكومة فتشكيل حكومة جديدة لإعادة انتظام عمل المؤسسات، ولذلك فإن الترقب سيد الموقف لجلسة 9 ك2 أو للجلسة التي ستليها من أجل انتخاب رئيس جمهورية يحظى بثقة الداخل والخارج ويدفع بالتعاون مع الحكومة الجديدة نحو وضع رؤية اقتصادية ومالية قادرة على النهوض بالبلاد، والعمل على ايجاد آليات التمويل من قبل الصناديق المالية الدولية والدول المانحة للاقتصاد اللبناني إضافة إلى إبرام اتفاقات الشراكة بين القطاع العام والخاص وإقرار القوانين اللازمة على المستوى المالي والمصرفي عبر هيكلة المصارف وجملة القوانين الاصلاحية التي لم يقر عدد كبير منها بفعل الكيديات السياسية.
ويقول الخبير المالي واستاذ الاقتصاد السياسي محمد موسى إن لبنان لا زال تحت الكثير من المؤشرات السلبية بالمعنيين السياسي و الاقتصادي، والتي سوف تحسم إيجاباً أو مزيداً من السلبية في العام 2025، فالتصنيف الائتماني الذي تضعه وكالات التصنيف ومنها وكالة ستاندرد آند بورز، أبقت في العام 2024 على التصنيف الائتماني بالعملة الأجنبية للبنان عند مستوى SD/SD مع نظرة مستقبلية سلبية على المدى البعيد، علماً أن التصنيف الائتماني للبنان قد بدأ بالتراجع منذ بداية العام 2019. وليس بعيداً شهدت سندات اليوروبوند اللبنانية ارتفاعًا ملحوظًا في عام 2024، حيث وصلت أسعارها إلى مستويات قياسية لم تشهدها منذ ثلاثين شهرًا.
ويلفت موسى في هذا السياق، إلى أن الإرتفاع الذي تشهده سندات اليوروبوند بسيط، لكن مجرد الإرتفاع يعني إما شراء سندات خزينة من قبل الدولة أو تمهيدا لرفع دعوى على الدولة. وهنا لابد من التذكير أن القراءات القانونية تختلف حول مدى سقوط حقوق أصحاب السندات في الاصل للمبلغ، أو سقوط الفوائد المترتبة عليها فقط، لذلك من المرجّح رفع دعاوى ضدّ الدولة قبل 9 آذار 2025، فبعد هذا التاريخ سيبدأ حاملو السندات بفقدان حقّهم بالفائدة، إلا في حال تمّت إعادة هيكلة اليوروبوند قبل هذا التاريخ.
وهنا، فإن الدولة بمكوناتها كافة مدعوة إلى إيجاد الحلول الملائمة سريعاً وقبل وقوع الأسوأ، فالدولة قادرة على استيلاد الحلول اللازمة إذا ما توفرت النيات المقرونة بالمرونة والالتزام، فالمرونة تتجلى بالمضي في المفاوضات مع الدائنين للوصول إلى هيكلة اليوروبوند على غرار اليونان وغيرها من الدول، مع الإشارة إلى أن حاملي سندات اليوروبوند هم بالدرجة الأولى المصارف اللبنانية ومستثمرون أجانب، فإذا تم رفع دعاوى سيكون من الخارج أكثر من الداخل إلا إذا رفعت المصارف دعاوى أيضاً.
وباختصار ما لم تلتق الحلول السياسية مع الحلول الاقتصادية وربطاً بالمعطيات الجديدة والمتغيرات التي تشهدها المنطقة والعالم، ستبقى الضغوطات الخارجية على لبنان وقد تشتد أكثر و كما قال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من الجنوب نحن في مرحلة ما بين الألم و الأمل و لعل الأمال تكسر الالام لما فيه خير هذا البلد.
المصدر: خاص لبنان24