جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-10@14:28:01 GMT

الفقير.. والمُفقَر!

تاريخ النشر: 19th, September 2023 GMT

الفقير.. والمُفقَر!

 

محمد بن رضا اللواتي

mohammed@alroya.net

 

ما أسهل على قواميس اللغة أن تُقدم لنا الفارق بين الكلمتين "الفقير والمُفقر"؟

لكِنَّ رجلين- بحسب تتبعي المتواضع- تمكنا من نقل الفروق الموجودة بين الكلمتين إلى مضمار عملهما بشكل مُذهل للغاية، أحدهما يُدعى محمد بن يونس البنغلاديشي صاحب مشروع "بنك أفقر الفقراء"، الذي حقق إنجازًا قلَّ نظيره، هذا إن كان له نظير فعلًا! فلقد تمكن من تحويل الأعمال المنزلية الصغيرة إلى عمود فقري للاقتصاد البنغلاديشي.

والآخر يُدعى محمد بن إبراهيم الشيرازي صاحب مشروع "الحكمة المُتعالية"، والذي حقق إنجازًا قلَّ نظيره أيضًا، هذا إن كان له نظير فعلًا! فلقد تمكن من حل أُحجية سبب احتياج الأشياء إلى مُسبب غني، وسبب استغناء هذا السبب الغني عن الاحتياج، مانحًا للفلسفة الطاقة المطلوبة للاستمرار في الإجابة عن أسئلة الوجود الكُبرى بعد مرحلة الجمود والحيرة.

الأول انتبه إلى أنَّ الفقراء في الواقع ليسوا كذلك، وإنما فقدان العدالة الاجتماعية وتفكير اقتصادي غير سليم أنتج هذا العوز المالي الذي يعانون منه.

وبعبارة دقيقة: الفقراء ليسوا كذلك، وإنما هم "مُفقَرون" وأن النظام الرأسمالي العالمي يمضي نحو إنتاج مزيد من أعداد "المُفقرين" وتكريس الفقر فيهم. إن المصارف الرأسمالية وبيوت التمويل بعدم منحها القروض التنموية للفقراء تساهم في زيادة أعداد "المُفقرين"، وتفوت على الاقتصاد فرصة الاستفادة القصوى من طاقة إنتاجية معطلة.

والثاني انتبه إلى أنَّ ظاهرة الفقر والحاجة التي نشهدها في كل كائن حولنا وفي هذا العالم برمته، ليست أجنبية أو مُضافة من الخارج على ذوات كائنات العالم، وإنما تنبع من أعماقها، فطبيعة العالم فقر ذاتي إلى الغير الغني، وعوز وجودي يغدو مؤشرا صارخا على وجود الغني بالذات الذي يسد احتياج كائنات هذا العالم بدفق من الوجود بشكل مُستمر وفي كل آن، وأن الحيرة التي انتابت بيوت الفلسفة الكبيرة في العالم وعلى رأسها أمثال "هيجل" و"سارتر" و"راسل" والتي أعجزتهم عن حل مسائل السببية راجعة إلى عدم اعتنائهم بالوجود والتحقيق فيه بدرجة كافية.

سبحان الله!

الأول ناظر إلى الفقر اجتماعيًا، فيجده مضافا على الفقراء من دون وجه حق، وبالتالي ينبغي العمل على زحزحته، والآخر ناظر إلى الفقر وجودًا، فيراه مبدأ ذاتيا في صميم كيان العالم، وينبغي عدّهُ آية ومظهرا وتجلياً للموجد الغني بالذات.

وما يهمنا في هذا المقال هو النوع الأول.

فعندما أنهى دراسته وعاد إلى بنغلاديش ليمارس التدريس، تساءل عن جدوى هذا التعليم في الوقت الذي يترنح البلد تحت ثقل المجاعة!

وبعد الدوران في حقول القرية والجلوس مع الفقراء لمعرفة منشأ فقرهم هذا، توصل إلى أنَّ الائتمان حق إنساني تماما مثل التعليم والصحة والمسكن والملبس والمنزل، وهو السبب الرئيس الذي يقف خلف دوران عجلة الفقر في القرية.

ألهمته شابة فقيرة وأم لأطفال ثلاثة تُدعى "صوفيا بيغم" بحلول للأزمة، فهي وغيرها من الأسر المُنتجة تعاني من عدم وجود ائتمان تستند عليه لبيع منتجاتها من الخيزران، ما يدعوها إلى الاقتراض بنسبة ربوية عالية.

ولكن المصارف ترفض منح القروض للفقراء، لأنهم لا يمتلكون ما يضمن للمصرف أمواله التي أقرضها لهم، ما جعله يخطو نحو مشروع أوجد انقلابا في المفاهيم الاقتصادية السائدة.

لقد كان أمامه عمل مُضنٍ يتمثل أولًا في تغيير ثقافة القرويين الفقراء، وعندما نجح في ذلك، أسس مصرفًا لأفقر الفقراء عام 1983م، بلغ رأس مال المصرف الجديد من مدخرات القرويين بحلول عام 1988، نحو 12 مليون دولار.

ركز "يونس" على النساء الريفيات الفقيرات والمنتجات في الوقت نفسه، فجعل منهن عضوات مجلس إدارة المصرف الجديد، وأضحى الفقراء يمتلكون 92% من أسهمه، وحوّلَ مفهوم البحث عن الوظيفة إلى التوظيف الذاتي، مغيرا مفهوم الصدقة والإحسان إلى الائتمان ليجد الاقتصاد المحلي دفقًا من الطاقة التنموية يسري في البلاد.

تروي محركات البحث الإلكتروني عدة قصص للدور التنموي لعبه "مصرف جارمين"- أي مصرف القرية- في حياة الفقراء، من ذلك قصة الفتاة البائسة "جوريمون" التي كان عليها أن تعمل في الحقول وهي صغيرة، وتعيش على الصدقات، تزوجت في العاشرة من عمرها بفقير، لتجد أنَّ الحياة رمتها على أعتاب ثري تعمل لديه مع زوجها كخادم وخادمة، إلا أنها وعندما حصلت على أول قرض لها من "مصرف القرية" اشتغلت لنفسها بائعة للأزر المُقشّر، وإذا بها تتمكن من ادخار أموال! وحصلت على قرض آخر لتشتري به بقرة بينما ظلت تمارس مهنة بيع الأرز، تمكنت بذلك من تسجيل أطفالها في المدارس لتلقي العلم، إذ لم تعد في حاجة لهم ليُساعدوها في المنزل، إلى أن خرجت من دائرة الاحتياج نهائيًا. إنها ممتنة لله الذي فتح لها طريق السعادة بقرض تنموي قائم على رؤية مختلفة.

بالطبع فعوائد الامتنان تشمل "يونس" بالتأكيد.

هذه كانت قصة واحدة، وإلا فمجموع الفقراء الذين استفادوا من ذلك المصرف يصل عددهم إلى مليونين من 36 ألف قرية!

بالمناسبة، فقد زار "يونس" سلطنة عُمان بعد حصوله على جائزة نوبل للسلام، ربما عام 2006، وتحدث عن تجربته هذه، ولكن ماذا بعد ذلك؟ سؤال ربما غيري يعرف الإجابة عنه!

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

العقيد حسن عبد الغني المتحدث باسم وزارة الدفاع في زيارة لأهالي الساحل وإخبارهم بالتواصل في حال حدوث أي تجاوز



العقيد حسن عبد الغني المتحدث باسم وزارة الدفاع 2025-03-08malekسابق وزير التربية والتعليم الأستاذ نذير القادري: نظراً للأوضاع الأمنية غير المستقرة في محافظتي طرطوس واللاذقية، أوعزنا لمديريتي التربية في المحافظتين بتعليق الدوام المدرسي ليومي الأحد والإثنين انظر ايضاً المتحدث باسم وزارة الدفاع: كل من يرفض تسليم سلاحه للدولة سيواجه رداً حاسماً لا تهاون فيه

دمشق-سانا قال العقيد حسن عبد الغني المتحدث باسم وزارة الدفاع إن قوات وزارة الدفاع حققت …

آخر الأخبار 2025-03-08وزير التربية والتعليم الأستاذ نذير القادري: نظراً للأوضاع الأمنية غير المستقرة في محافظتي طرطوس واللاذقية، أوعزنا لمديريتي التربية في المحافظتين بتعليق الدوام المدرسي ليومي الأحد والإثنين 2025-03-08مراسل سانا بريف اللاذقية: تعرضت دورية لإدارة الأمن العام لكمين من قبل فلول النظام البائد بالقرب من مدينة الحفة ما أدى لاستشهاد عنصر وإصابة اثنين آخرين 2025-03-08تأجيل جميع الامتحانات المتبقية في كليات جامعة حمص ‏ 2025-03-08ورشة عمل تحضيرية لإطلاق البطولة الوطنية لعلوم الروبوت المؤهلة لأولمبياد ‏الروبوت العالمي لعام 2025‏ 2025-03-08مدينة عدرا الصناعية… آلاف المنشآت ترفد السوق المحلية بمنتجاتها وتصدر ‏الفائض 2025-03-08بمشاركة 16 مشروعاً… “هاكاثون سوريا” يختتم فعاليته في دار الأوبرا ‏بدمشق 2025-03-08الجامعة العربية تدين أعمال العنف واستهداف قوى الأمن في سوريا 2025-03-08إصلاح عدة أعطال سببتها الرياح الشديدة على شبكة كهرباء السويداء 2025-03-08مدير إدارة الأمن العام في محافظة اللاذقية المقدم مصطفى كنيفاتي: نؤكد التزامنا التام بحماية السلم الأهلي وضمان أمن جميع المواطنين، ولن يكون هناك أي تهاون في هذا المبدأ 2025-03-08إدارة الأمن العام تستعيد كميات كبيرة من المسروقات وتعتقل العديد من اللصوص

صور من سورية منوعات تيك توك تستأنف خدماتها في الولايات المتحدة بفضل ترامب 2025-01-20 الصين تطلق مجموعة جديدة من الأقمار الصناعية إلى الفضاء 2024-12-05فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • هل يجب على الفقير إخراج زكاة الفطر.. دار الإفتاء توضح الحكم الشرعي
  • الصدر ينصح الحكومة بـتجريف الفاسدين بدلاً من منازل الفقراء
  • الإفطار بالماء.. رمضان يحل على اليمنيين وسط أزمات غير مسبوقة
  • مدينة القرداحة حيث سكن الفقراء على أعتاب قصور آل الأسد
  • عادات وتقاليد رمضان بالقاهرة في العصر المملوكي
  • العقيد حسن عبد الغني المتحدث باسم وزارة الدفاع في زيارة لأهالي الساحل وإخبارهم بالتواصل في حال حدوث أي تجاوز
  • دعاء يجلب الرزق ويمنع الفقر .. واظب عليه في قيام الليل
  • وول ستريت جورنال: ترامب يقلب النظام العالمي الذي بنته أميركا رأسا على عقب
  • جرائم الحوثيين في اليمن.. الطبيبة والمُسن ضحايا العنف والتجاوزات
  • عبد الغني زهرة في حوار لـ"البوابة نيوز": إنجازاتنا العظيمة تحققت فى شهر رمضان.. والشباب هم الأمل فى تقدمنا