الفقير.. والمُفقَر!
تاريخ النشر: 19th, September 2023 GMT
محمد بن رضا اللواتي
mohammed@alroya.net
ما أسهل على قواميس اللغة أن تُقدم لنا الفارق بين الكلمتين "الفقير والمُفقر"؟
لكِنَّ رجلين- بحسب تتبعي المتواضع- تمكنا من نقل الفروق الموجودة بين الكلمتين إلى مضمار عملهما بشكل مُذهل للغاية، أحدهما يُدعى محمد بن يونس البنغلاديشي صاحب مشروع "بنك أفقر الفقراء"، الذي حقق إنجازًا قلَّ نظيره، هذا إن كان له نظير فعلًا! فلقد تمكن من تحويل الأعمال المنزلية الصغيرة إلى عمود فقري للاقتصاد البنغلاديشي.
الأول انتبه إلى أنَّ الفقراء في الواقع ليسوا كذلك، وإنما فقدان العدالة الاجتماعية وتفكير اقتصادي غير سليم أنتج هذا العوز المالي الذي يعانون منه.
وبعبارة دقيقة: الفقراء ليسوا كذلك، وإنما هم "مُفقَرون" وأن النظام الرأسمالي العالمي يمضي نحو إنتاج مزيد من أعداد "المُفقرين" وتكريس الفقر فيهم. إن المصارف الرأسمالية وبيوت التمويل بعدم منحها القروض التنموية للفقراء تساهم في زيادة أعداد "المُفقرين"، وتفوت على الاقتصاد فرصة الاستفادة القصوى من طاقة إنتاجية معطلة.
والثاني انتبه إلى أنَّ ظاهرة الفقر والحاجة التي نشهدها في كل كائن حولنا وفي هذا العالم برمته، ليست أجنبية أو مُضافة من الخارج على ذوات كائنات العالم، وإنما تنبع من أعماقها، فطبيعة العالم فقر ذاتي إلى الغير الغني، وعوز وجودي يغدو مؤشرا صارخا على وجود الغني بالذات الذي يسد احتياج كائنات هذا العالم بدفق من الوجود بشكل مُستمر وفي كل آن، وأن الحيرة التي انتابت بيوت الفلسفة الكبيرة في العالم وعلى رأسها أمثال "هيجل" و"سارتر" و"راسل" والتي أعجزتهم عن حل مسائل السببية راجعة إلى عدم اعتنائهم بالوجود والتحقيق فيه بدرجة كافية.
سبحان الله!
الأول ناظر إلى الفقر اجتماعيًا، فيجده مضافا على الفقراء من دون وجه حق، وبالتالي ينبغي العمل على زحزحته، والآخر ناظر إلى الفقر وجودًا، فيراه مبدأ ذاتيا في صميم كيان العالم، وينبغي عدّهُ آية ومظهرا وتجلياً للموجد الغني بالذات.
وما يهمنا في هذا المقال هو النوع الأول.
فعندما أنهى دراسته وعاد إلى بنغلاديش ليمارس التدريس، تساءل عن جدوى هذا التعليم في الوقت الذي يترنح البلد تحت ثقل المجاعة!
وبعد الدوران في حقول القرية والجلوس مع الفقراء لمعرفة منشأ فقرهم هذا، توصل إلى أنَّ الائتمان حق إنساني تماما مثل التعليم والصحة والمسكن والملبس والمنزل، وهو السبب الرئيس الذي يقف خلف دوران عجلة الفقر في القرية.
ألهمته شابة فقيرة وأم لأطفال ثلاثة تُدعى "صوفيا بيغم" بحلول للأزمة، فهي وغيرها من الأسر المُنتجة تعاني من عدم وجود ائتمان تستند عليه لبيع منتجاتها من الخيزران، ما يدعوها إلى الاقتراض بنسبة ربوية عالية.
ولكن المصارف ترفض منح القروض للفقراء، لأنهم لا يمتلكون ما يضمن للمصرف أمواله التي أقرضها لهم، ما جعله يخطو نحو مشروع أوجد انقلابا في المفاهيم الاقتصادية السائدة.
لقد كان أمامه عمل مُضنٍ يتمثل أولًا في تغيير ثقافة القرويين الفقراء، وعندما نجح في ذلك، أسس مصرفًا لأفقر الفقراء عام 1983م، بلغ رأس مال المصرف الجديد من مدخرات القرويين بحلول عام 1988، نحو 12 مليون دولار.
ركز "يونس" على النساء الريفيات الفقيرات والمنتجات في الوقت نفسه، فجعل منهن عضوات مجلس إدارة المصرف الجديد، وأضحى الفقراء يمتلكون 92% من أسهمه، وحوّلَ مفهوم البحث عن الوظيفة إلى التوظيف الذاتي، مغيرا مفهوم الصدقة والإحسان إلى الائتمان ليجد الاقتصاد المحلي دفقًا من الطاقة التنموية يسري في البلاد.
تروي محركات البحث الإلكتروني عدة قصص للدور التنموي لعبه "مصرف جارمين"- أي مصرف القرية- في حياة الفقراء، من ذلك قصة الفتاة البائسة "جوريمون" التي كان عليها أن تعمل في الحقول وهي صغيرة، وتعيش على الصدقات، تزوجت في العاشرة من عمرها بفقير، لتجد أنَّ الحياة رمتها على أعتاب ثري تعمل لديه مع زوجها كخادم وخادمة، إلا أنها وعندما حصلت على أول قرض لها من "مصرف القرية" اشتغلت لنفسها بائعة للأزر المُقشّر، وإذا بها تتمكن من ادخار أموال! وحصلت على قرض آخر لتشتري به بقرة بينما ظلت تمارس مهنة بيع الأرز، تمكنت بذلك من تسجيل أطفالها في المدارس لتلقي العلم، إذ لم تعد في حاجة لهم ليُساعدوها في المنزل، إلى أن خرجت من دائرة الاحتياج نهائيًا. إنها ممتنة لله الذي فتح لها طريق السعادة بقرض تنموي قائم على رؤية مختلفة.
بالطبع فعوائد الامتنان تشمل "يونس" بالتأكيد.
هذه كانت قصة واحدة، وإلا فمجموع الفقراء الذين استفادوا من ذلك المصرف يصل عددهم إلى مليونين من 36 ألف قرية!
بالمناسبة، فقد زار "يونس" سلطنة عُمان بعد حصوله على جائزة نوبل للسلام، ربما عام 2006، وتحدث عن تجربته هذه، ولكن ماذا بعد ذلك؟ سؤال ربما غيري يعرف الإجابة عنه!
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
هايتي: الأطفال في قبضة العصابات مع زيادة 70% في تجنيدهم
في ظل تزايد الأنشطة الإجرامية في هايتي، بات من المألوف أن نجد الأطفال، الذين كان من المفترض أن يكونوا في مدارسهم أو في أيدي أسرهم، يقفون في صفوف العصابات المسلحة.
اعلانقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، إن عدد الأطفال الذين تجندهم العصابات في هايتي ارتفع بنسبة 70% في العام الماضي، حسب التقرير الذي صدر عنها اليوم الاثنين.
إنه مستوى غير مسبوق. إذ تقول الأمم المتحدة إن الأطفال يشكلون نسبة تتراوح بين 30 بالمئة إلى 50 بالمئة، من جميع أعضاء العصابات في البلاد التي مزقتها أعمال العنف. وقالت غيتا نارايان ممثلة اليونيسيف في هايتي: "هذا توجه مقلق للغاية".
إن البلاد تعاني من زيادة الفقر، وارتفاع مستوى العنف، وعدم الاستقرار السياسي. وتهاجم العصابات التي تسيطر على 85 بالمئة من العاصمة بورت أو برنس، المجتمعات التي كانت مسالمة في السابق، ولذلك سعيا للسيطرة الكاملة على العاصمة.
وقالت نارايان إن الأولاد الصغار غالبًا ما يتم استخدامهم كمخبرين "لأنهم وكأنهم غير مرئيين ولا يُنظر إليهم على أنهم تهديد".
السكان يفرون من منازلهم هربًا من عنف العصابات في حي نازون في عاصمة هايتي 14 تشرين الثاني نوفمبر 2024Odelyn Joseph/APوأضافت أن العصابات تعطي بعض الأطفال الأسلحة، ويجبرونهم على المشاركة في الهجمات. أما الفتيات الصغيرات فيجبرن على الطهي والتنظيف ويتم استخدامهن كزوجات لأعضاء العصابات.
وأوضحت نارايان: "إنهم لا يفعلون هذا طواعية. وحتى عندما يكونوا مسلحين، فإن الطفل هنا هو الضحية".
فرائس سهلة.. "يأس بسبب الفقر"عندما يتواجد الفقر، تتواجد مشاكل أخرى. إن أكثر من 60 بالمئة من المواطنين في هايتي يعيشون بأقل من 4 دولارات في اليوم. ويعاني مئات الآلاف من الهايتيين من الجوع أو يقتربون من المجاعة، ولذلك يعتبر تجنيد الأطفال أمرا سهلا في كثير من الأحيان.
وقال أحد القاصرين الذين كانوا في عصابة إنه كان يحصل على 33 دولاراً كل يوم سبت، بينما قال آخر إنه كان يحصل على آلاف الدولارات في أول شهر له في عملية عصابة، وفقاً لتقرير صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
إنها فجوة كبيرة في الدخل. وقالت نارايان: "إن الأطفال والأسر زاد يأسهم بسبب الفقر المدقع في بعض المرات".
Relatedهجوم جديد للعصابات في هايتي يسفر عن مقتل 28 مشتبهاً بهمإصابات خطيرة في إشكال لعصابات تهريب المخدرات غرب فرنسا وريتيللو يحذر "لن نتحول إلى مكسيك جديدة"تصاعد عنف العصابات في هايتي يجبر السكان على النزوح الجماعي من سولينوماذا عن الرفض؟ إنه أمر بسيط بالنسبة للمسلحين. فإذا لم يستجب الأطفال للانضمام إلى عصابة ما، فإنهم غالباً ما يتعرضون هم أو أسرهم للتهديد أو الاختطاف.
كما تصطاد العصابات أولئك الأطفال الذين يتم فصلهم عن عائلاتهم بعد ترحيلهم من جمهورية الدومينيكان، التي تشترك في الحدود مع هايتي. وقالت نارايان: "إن هؤلاء الأطفال هم المستهدفون بشكل متزايد".
حتى محاولة الصحو مريبةهناك تحركات في هاييتي تسعى لاستهداف أعضاء العصابات المشتبه بهم، واكتسبت "حركة اليقظة" هذه زخما.
وقالت اليونيسف، إن الأطفال "غالبًا ما يُنظر إليهم بريبة، ويخاطرون بوصمهم بالتجسس أو حتى قتلهم من قبل حركات اليقظة. وعندما ينشقون أو يرفضون الانضمام إلى العنف، تصبح حياتهم وسلامتهم معرضة للخطر على الفور".
أظهر مقطع فيديو نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي مشهدا، تظهر فيه جثة طفل ملقى بجوار شخص بالغ قُتل أيضًا بعد أن هاجمت العصابات منطقة راقية.
وقالت الشرطة، إن ما لا يقل عن 28 من أعضاء العصابات المشتبه بهم قُتلوا في ذلك اليوم، وقاتل السكان المسلحون بالبنادق والسواطير جنبًا إلى جنب مع الضباط.
اعلانفتاة مصابة بالربو تستريح بعد أن لجأت إلى مدرسة خاصة أصبحت مأوى للسكان الفارين من عنف العصابات في هايتي 14 تشرين الثاني نوفمبر 2024Odelyn Joseph/APتزايدت عمليات التجنيد مع إغلاق العديد من المدارس، وأدى عنف العصابات إلى جعل أكثر من سبعمئة ألف شخص بلا مأوى في السنوات الأخيرة، منهم نحو 365 ألف قاصر. يعيش العديد منهم في ملاجئ مؤقتة.
ونقل تقرير نشرته "هيومن رايتس ووتش" يوم الاثنين عن فتاة تبلغ من العمر 14 عاما من العاصمة قولها، إن رجالا اختطفوها واغتصبوها عدة مرات، لمدة خمسة أيام في منزل مع ست فتيات أخريات تعرضن للاغتصاب والضرب أيضا.
المصادر الإضافية • أ ب
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال "من سيناديني ماما الآن؟".. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة بعد غارة إسرائيلية على غزة هيومن رايتس ووتش: عصابات هايتي تستغل الفقر والمجاعة لتجنيد الأطفال واستغلالهم تجنيد الأطفالأسلحةجريمةعصاباتعنفأطفالاعلاناخترنا لك يعرض الآن Next خيام غارقة ومعاناة بلا نهاية.. القصف والمطر يلاحقان النازحين بغزة وحزب الله وإسرائيل في تصعيد متواصل يعرض الآن Next روسيا تضرب تجمعات أوكرانية وتدمر معدات عسكرية في 141 موقعًا بينما تحاول كييف صد الهجمات الصاروخية يعرض الآن Next عاجل. رحلة غوص تتحول إلى كارثة.. غرق مركب سياحي في البحر الأحمر يحمل 45 شخصًا من جنسيات مختلفة يعرض الآن Next دعوى جديدة ضد كانييه ويست.. اعتداء جنسي وخنق عارضة أزياء تحت مسمى "فن" يعرض الآن Next أستراليا تقترح قانوناً يحظر وسائل التواصل لمن هم دون 16 عاماً.. ما الدول التي تدرس تدابير مماثلة؟ اعلانالاكثر قراءة 2,700 يورو لكل شخص.. إقليم سويسري يوزع فائض الميزانية على السكان عاجل. ثلاثة متهمين من أوزبكستان.. الإمارات تكشف عن قتلة الحاخام الإسرائيلي تسفي كوغان حب وجنس في فيلم" لوف" اليابان ترفع السن القانوني لممارسة الجنس من 13 إلى 16 عاما فيلم "رايد"... الأم العازبة التي تقرر أن تصبح صديقة لابنها اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومكوب 29حزب اللهانهيارات أرضية -انزلاقات أرضيةصاروخقصفتل أبيبإيرانروسيابوليفياالحرب في أوكرانيا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني جنوب لبنانالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesJob offers from AmplyAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024