جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-26@08:08:55 GMT

الظواهر وحال المجتمع

تاريخ النشر: 19th, September 2023 GMT

الظواهر وحال المجتمع

 

د. صالح الفهدي

رغم أن الحديث الذي أدلى به أحد المُرشدين الاجتماعيين المنتسبين لإحدى المدارس الخاصة كان مؤلمًا إلا أنَّني شخصيًا كُنتُ- ومنذ سنواتٍ عديدة- أُنبِّهُ إلى وجود خلل في التربية أكبر من التعليم.

يقول المرشد الاجتماعي أحمد العيسائي: إن طفلًا بين الصف الرابع والسادس- أي أن عمره بين العاشرة والثانية عشرة- قد أُحيل إليهِ لمشاهدته مقاطع خادشة للحياء من جهاز (اللابتوب)، مشاركًا زملاءه!! وحين استدعى أُمَّ الطفلِ دافعت على الفور عن ابنها، بل وأَنها رأت ذلك مستحيلًا، وكأنه من جنسِ الملائكة وليس من جنس البشر الذين تتكوَّن فيهم جرثومة الفساد منذ ولادتهم!!.

تذكرتُ استغاثة مديرة إحدى المدارس وهي تحدِّثني منذ أكثر من عقدٍ من الزمان قائلةً: "أنقذونا قبل أن نغرق" وروت لي قصصًا مؤلمة منها أن طالبة في الصف الخامس بعثت إلى معلِّمها بقصاصة ورق صغيرة تبوح فيها عن غرامها به!!.

تذكرتُ قصصًا كثيرة، لا أودُّ ذكرها هُنا، ولكنها كانت مؤشرات على تغيُّر أخلاقي بسبب الغزو المُفسِد للأخلاقيات، وأعيد التذكير بالدراسة التي أُجرتها وزارة التنمية الاجتماعية بالاشتراك مع جمعية الاجتماعيين العمانية على المرحلة المتوسطة من طلبة المدارس وشملت 2400 طالب وطالبة، وتوصلت إلى أن 99% يملكون هواتف ذكيَّة، وأنَّ 89% من الأطفال يملكون حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي، في حين أنَّ أكثر من 90% يستخدمونها للترفيه والتسلية!! (وهذا التوجُّه هو مظلة واسعة للمواد الصالحة والطالحة).

هُنا نطرح السؤال: هل نقف مكتوفي الأيدي دون حِراك إزاءَ ما نراهُ من اختراق في أخلاقيات الأجيال الناشئة، أم أن لدينا من الخطط والبرامج المختلفة لمواجهة هذه التيارات اللاأخلاقية التي تتقصَّدُ؟ يقول أحد الأخوة في نقاش بيني وبينه: ما الذي يمكن أن نفعله في وقت أصبح الجميع يملكون هواتف خلوية، ويستطيعون أن يتابعوا ما شاؤوا من صالحٍ وطالح؟ قُلت: أول ما يجب علينا أن نفعله هو تقوية القاعدة القِيَميّة في التربية، فإِنَّ قَوِيَ البناء القيمي في الشخصية الإنسانية عَصَمه من الانحراف والضلال، وذلك يحتاجُ إلى عدة عناصر لا مجال لذكرها هُنا. أما الأمر الآخر، وهو المراقبة فهي مهمة أيضًا؛ لأن الطفل لا يمتلك وعيًا كوعي الإنسان الراشد لهذا قد ينجرف لمثيرات الشهوات، ومحفِّزات الضلالة، وهناك من الوسائل التي يمكن أن تساعد على المراقبة في مرحلةٍ معينة من المراحل العمرية. ثم الأمر الثالث وهو تقنين الاستخدام للهواتف وهذا ما فعلته الصين التي وجدت أن الاستخدام المفرط للهواتف قد نتج عنه أضرار صحية وأخلاقية فقنَّنت ساعات الاستخدام وشرَّعت لذلك القوانين اللازمة.

مجتمعنا يواجهُ تحديَّات لا حصرَ لها على الهُوية والأخلاقيات والترابط الأُسري والاجتماعي، والإشكالية الكبرى أَنه لا توجد مراكز للدراسات تسبرُ أغوار الظواهر الاجتماعية، والحالات المختلفة فيه، وهي مراكز ذات أهمية قصوى لا ترتهنُ إلى الشائعات والتأويلات، وإنما إلى حقائق مستخلصة من دراسات واقعية.

قلتُ سابقًا إننا لا يجب أن ننظر إلى الحالات التي تظهر بأنها حالة فردية لا جذور لها بين وقتٍ وآخر؛ بل علينا أن نرى ما هو الخفي الذي يمكنُ استقصاؤه من خلال مراكز الاستشارات النفسية والاجتماعية، ودار الأحداث، والسجون، والمستشفيات والمراكز الصحية، والمحاكم، فالمخبوءُ يظهر في أبشع صوره، وأقبحِ أشكاله!

لا يجب علينا أن نهوِّن من هذه الحالات لأنها تعكسُ صورًا مَخفيَّة نفضِّل للأَسف عدم الحديثِ عنها وهذه إحدى عاداتنا حتى تبقى الصورة ناصعة البياض هي التي يوسم بها المجتمع.

عادة أشبِّه بما يفعله الكيِّ التقليدي في موضع الإحساس بالألم في الجسد؛ حيث يختفي بالكيِّ الشعور بالألم لكن المرض (قد) ينتشرُ في الجسد، فيحسبُ المريض أن الكيَّ كان علاجًا للمرض وهو في الحقيقة إخفاءً للإحساس بالألم مع بقاء المرض بل وانتشاره في مناطق أُخرى في الجسد!

وإذا كان هناك فريق لـ"التدخل السريع" لحل إشكاليات في جوانب استثمارية فإِنَّ الظواهر الأخلاقية، والاجتماعية تحتاج أيضًا إلى "التدخل السريع"؛ لأنها إنْ تُركت دون علاج استفحل ضررها، وتفشَّى مرضها، وحينها ستكون التكلفة العلاجية باهظة الثمن على المجتمعات. يقول د. هاني جرجس في مقالة له بعنوان "الظواهر والمشكلات الاجتماعية" إن "الظواهر الاجتماعية السلبية هي أخطر أعداء المجتمع ومظهر من مظاهر تدميره الذاتي لنفسه دون وعي أو إدراك". ومن هنا، يتطلَّب الأمر المعالجة الفورية لهذه الظواهر كي لا تصل إلى مرحلة "التدمير الذاتي" للمجتمع؛ بل أن تكون دائمًا في موضع "تحت السيطرة" ليسهل تتبع أسبابها، وعلاجها.

هذه دعوة إلى المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني والخاصة إلى المبادرة السريعة نحو هذه الظواهر المخيفة التي لا تشكِّل إلا نسبة قليلة مما هو غير ظاهر في جسد المجتمع، مستذكرين هُنا تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم حال المؤمنين بحال الجسد " مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمَّى" وهذا هو حال المجتمع الذي يتفاعل مع كل ظاهرةٍ من الظواهر.

 

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

خيار وبيض ومايونيز.. الطعام يزين الأزياء ويتحول إلى رمز للمكانة الاجتماعية

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- تتكدّس في خزانة مطبخك ربما عُلب المعكرونة، وأسماك السردين، أو برطمانات الزيتون. وقد تقع أيضًا على بعض أنواع الفاكهة الطازجة المخبأة، أو زيت الزيتون، أو كيس من الأرز.

لكن الأطعمة لن يقتصر حضورها على المطبخ بل ستجدها في خزانة ملابسك، أو غرفة المعيشة، إذ باتت تصاميم الأطعمة تغزو ديكورات المنزل والموضة، حتى في القطاعات الفاخرة.

بلغت كلفة كرسي يشبه قطعة من الذرة، أصبح مشهوراً بفضل المؤثرة إيما تشامبرلين ما يُعادل 245 دولارًا، بينما عُرض قميص مزخرف بعلب السردين للبيع في بوتيك "ليزا سايز جاه" الشهير بكلفة 78 دولارًا.

ووصلت قيمة المصابيح المصنوعة من الكرواسون الحقيقي إلى 88 دولارًا، بينما بلغت كلفة حقيبة تشبه علبة معكرونة 1500 دولار.

بدأت هذه الموضة للأطعمة على الملابس وفي التصاميم تغزو السوق منذ سنوات قليلة، لكنها الآن تشهد ازدهارًا مع صعوبة الوصول إلى الأطعمة اليومية، مثل البيض والخضار.

ولم يعد الطعام عبارة عن مادة غذائية فقط، وسط حرب التعريفات المتصاعدة، بل أصبح تجسيد الطعام، سواء في ما نرتديه أو ما نشتريه، رمزًا للمكانة أيضًا.

الاتجاه يبدأ من خزانة الطعام

وكان دمج تصوير الطعام في التصاميم موجودًا سابقًا، حيث تُظهر لوحة "كومة الزبدة" لأنطوان فولون، وهي لوحة من القرن التاسع عشر كتلة كبيرة من الزبدة، وتبرز أهمية المكونات المألوفة.

استخدم سلفادور دالي الكركند كرمز للجنس والمتعة، ما ألهم أيضًا تصميم إلسا شاباريلي في عام 1937 لتصميم فستان سهرة أبيض مائل مع صورة كركند عملاقة على الصدر.

كما تمتعت حركة فن البوب بتأثير كبير على مواضيع الطعام، وتحديدًا من خلال عمل آندي وارهول الفني في عام 1962 لصورة علبة حساء كامبل.

مقياس كومة الزبدة في لوحة Motte de beurre يعكس أهمية المكوّن. Credit: Fine Art/VCG Wilson/Corbis Historical/Getty Images دوافع التصاميم الحالية

لكن ما هي دوافع الموجة الحالية من هذا النوع من التصاميم ؟

بدأ الأمر مع جيل الألفية وخزائن الطعام الخاصة بهم، بحسب ما قالت أندريا هيرنانديز، مؤسسة نشرة الاتجاهات في مجال الطعام والمشروبات "Snaxshot". 

وأوضحت هيرنانديز أن جيل الألفية كان أول من تبنى فكرة "المنتجات الفاخرة في الخزانة"، أي شراء نسخة عالية الجودة من منتج يومي، مثل زيت الزيتون الشائع في زجاجة ضغط (عوض زجاجات الزيت البكر العادية من المتجر) أو صلصة حارة فاخرة (عوض صلصة تاباسكو).

قد تدعي هذه النسخ الفاخرة أنها "أفضل" من بعض النواحي مقارنة بالعلامات التجارية المنزلية، لكنّها تترافق مع سعر أعلى. 

لا يعني هذا أن هذه المنتجات لا تستحق سعرها، لكنها غالبًا ما تكلف أكثر من نظيراتها في المتجر، وهي أجمل أيضَا مع تغليف ملون وحيوي شعاره "منتج عصري".

امرأة تلتقط صورة لـ"علب حساء كامبل" (1962) للفنان الأمريكي الراحل أندي وارهول في معرض "أندي وارهول - من A إلى B والعودة مرة أخرى" الذي أقيم بمتحف ويتني في نيويورك، في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018. Credit: THOMAS URBAIN/AFP via Getty Images

وأقرّت هيرنانديز بأنّ جيل الألفية وجيل زيد على استعداد لإنفاق المزيد من المال في المتاجر على المنتجات التي يعتبرونها "أفضل" من الخيارات الاقتصادية، أو بالأحرى التي يتم تسويقها بشكل أفضل. 

وذكر تقرير صادر عن شركة "ماكينزي" أنه في حالة جيل زد، أصبح إنفاق المال في المتجر بمثابة وسيلة للتبذير، في وقت يتقشّف الكثير من الناس وسط تدهور الاقتصاد. 

التوجه إلى الإعلانات والتصاميم

مع تزايد الضجة حول العناصر الغذائية العادية، بدأ الطعام أيضًا بالتسلل إلى الإعلانات والتصاميم الفاخرة.

وقالت إليزابيث جودسبيد، مصممة غرافيك وكاتبة إن جزء من هذا التفاعل عملي ببساطة، حيث أن الطعام يمثل عنصرًا رخيصًا يمكن استخدامه في جلسات التصوير الدعائية، وهو أرخص من الزهور أو المنتجات الأخرى التي قد تحمل صورًا لعلامة تجارية مختلفة.

لكن يبدو أن هذه الدلالات الفاخرة انتقلت من صفحات المجلات اللامعة إلى الحياة الواقعية، حيث أن الطعام لم يعد مجرد صورة بجانب المنتج الفاخر، بل أصبح هو المنتج الفاخر ذاته. 

تعاونت هاينز كاتشب وكيت سبيد نيويورك في العام 2024، من أجل إطلاق مجموعة محدودة الإصدار من "أزياء التوابل". Credit: The Kraft Heinz Company

من جهتها، أوضحت جيس راوتشبرغ، التي تدرّس الثقافة الرقمية في جامعة سيتون هول في نيوجيرسي أنه "من المهم أن نفهم كيف يتم عرض هذه المنتجات علينا، وماذا تعني. ماذا يعني عندما نرى دمية لبيضة، وهل كلفة هذه البيضة متاحة لكل مستهلك أمريكي حاليًا؟ وإذا لم تكن كذلك، من الذي لديه حق الوصول إلى هذه المنتجات والسلع الاستهلاكية"؟ 

خلال عرض سوزان ألكسندرا بالتعاون مع راشيل أنتونوف في أسبوع الموضة بنيويورك، في سبتمبر/ أيلول، ظهرت عارضة أزياء ترتدي سترة منتفخة مغطاة بأكواب القهوة الشهيرة في نيويورك. Credit: John Lamparski/Getty Images حتى البقالة اليومية أصبحت منتجات فاخرة

لكن، إذا كان الناس ينفقون المزيد من المال على مشتريات البقالة ومستلزمات المطبخ، وهذه العناصر تتسرب إلى عالم الموضة والتصميم الفاخر، فماذا يقول ذلك عن المستهلكين؟

وأشارت جودسبيد إلى أنّ شراء أنواع معينة من المنتجات يعكس ذواتنا وأسلوب الحياة الذي نريد أن نختبره. 

وتابعت أن ما كنّا نأكله في السابق يُعد تجربة خاصة إلى حدّ كبير، لكن ظهور وسائل التواصل الاجتماعي سلّط الضوء على هذا الجانب بأكمله، وجعله متاحًا للتقييم والنقد من قِبل الجميع في دوائرنا الاجتماعية.

تتوفر الآن فيديوهات مخصصة لخزائن المطبخ، لا تحلل فقط نوع الوجبات الخفيفة داخل الخزائن، بل أيضًا مدى ترتيبها ونظافتها، ما يجعل البعض يقارنون أنفسهم بما يفعله الآخرون على الإنترنت.

هكذا، أصبح الطعام خصوصًا المكونات المتواضعة منه، وسيلة أخرى للتعبير عن الثراء والذوق الفاخر.

وأصبحت الموضة والتصميم امتدادًا لهذا المفهوم، حيث أن الأفراد عندما يرتدون إكسسوارات وأزياء تُجسد الطعام، فإنهم لا يُظهرون فقط تقديرهم الذوقي لذلك المنتج، بل يُعلنون أيضًا عن قدرتهم بتحمل كلفته.

أزياءتصاميمغذاءنشر الجمعة، 25 ابريل / نيسان 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

مقالات مشابهة

  • علماء: تقلبات الحرارة المفاجئة تؤثر على العدد الأكبر من البشر بحلول نهاية القرن
  • المعنى في الصورة- مشهد ما قبل، وبعد الرصاصة الأولى
  • خيار وبيض ومايونيز.. الطعام يزين الأزياء ويتحول إلى رمز للمكانة الاجتماعية
  • المعنى في الصورة – أو مشهد ما قبل، وبعد الرصاصة الأولى
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
  • محافظ حفر الباطن يستقبل مدير بنك التنمية الاجتماعية بالمحافظة
  • خالد الجندي: لازم نلتزم برأي الأزهر في الفتوى العامة التي تمس المجتمع
  • "حرام الجسد" رجعني لزمن دعاء الكروان.. أحمد عبد الله محمود: أنا ابن مدرسة تحب الفن مش الإيرادات
  • معارض الكتب.. الكلمة التي تبني وطنا
  • وزير الشؤون الاجتماعية يتفقد جرحى العدوان الأمريكي على سوق “فروة” الشعبي بأمانة العاصمة