جريدة الوطن:
2024-07-10@04:10:48 GMT

فن الدبلوماسية .. مفاهيم وتاريخ فن الإتيكيت «1»

تاريخ النشر: 19th, September 2023 GMT

فن الدبلوماسية .. مفاهيم وتاريخ فن الإتيكيت «1»

يتوقَّع الكثيرون بأنَّ فنَّ الإتيكيت هو عبارة عن طريقة مَسْك السّكِّين والشوكة أثناء الأكل، كما يتساءل البعض من مختلف المستويات والمناصب: هل فنُّ الإتيكيت يُعدُّ من كاريزما الموظف والذي سوف يتبوَّأ منصبًا أعلى أم وظيفة مهمَّة؟ وهل فنُّ الإتيكيت أهمِّيته أهمِّية الطِّب والهندسة والعلوم الأخرى؟ وأنا شخصيًّا أُجزِّئ فنَّ الإتيكيت إلى جزءين رئيسَيْنِ هما: (أوَّلهما: فنُّ الإتيكيت الحكومي، وثانيهما: الإتيكيت الاجتماعي).


وقَبل التطرُّق إلى هذه المفاهيم والإجابة عليها؛ علَيْنا التعرُّف أوَّلًا إلى أصْل كلمة إتيكيت وهي: فرنسيَّة اللُّغة، ويخبرنا التاريخ الحديث بأنَّ لويس الرابع عشر ملك فرنسا اعتاد دعوة مختلف شرائح المُجتمع إلى قصر فرساي للحفلات، وقَدْ واجَه فلاح وبستاني القصر مُشْكلة كبيرة بسبب أنَّ جميع الحضور الذين يتوافدون إلى القصر؛ يمشون على العشب والزهور بطريقة عشوائيَّة، وهو لا يتمكن من منع النبلاء من المشيِ غير المنظَّم، فأخبر الملك بذلك والذي بِدَوْره أصدرَ مرسومًا بوضع لافتة اسمها (إتيكيت) لِتحذِّرَهم من المشي العشوائي، وأوضح فيها مسارات وأماكن الدخول والخروج، ثمَّ تطوَّرت لِتشملَ كُلَّ الأشياء التي نفعلها وتساعدنا على التوافق بشكلٍ أفضل مع مَن نلتقيهم في حياتنا الاجتماعيَّة أو الرسميَّة وهي متطابقة ومتوازية مع فنِّ البروتوكول، والاثنان هما عملة واحدة ذات وجهَيْنِ. وكلمة (Etiquette) مستنسخة أصلًا من (The Ticket) وهي تذكرة التي تُلصق على الطَّرد البريدي وتشرح محتواها وكيفيَّة التعامل مع هذا الطَّرد، لِتتطوَّرَ بعد ذلك لِتصبحَ على بطاقات الدَّعوة في القصور الفرنسيَّة، وتشرح كيفيَّة الدخول والخروج وبقيَّة التفاصيل في حضور ضيوف الملك من وزراء وأُمراء وبقيَّة المناصب الاجتماعيَّة والرسميَّة. وتطوَّرت الكلمة كثيرًا، خصوصًا بعد عصر النهضة (عصر التنوير) في بدايات القرن السادس عشر لِتضعَ التعريف المناسب لها بصورة مختصرة، وهو فنُّ التعامل والسُّلوك الرَّاقي الأخلاقي المُهذَّب والذَّوق الرفيع، واحترام النَّفْس والتعامل مع الآخرين بمختلف مسمَّياتهم بأرقى خصائل الأصالة والكرم والإنسانيَّة والمشاعر الرقيقة والتواضع وجميع الصِّفات الحسَنة، لِيجتمعَ علماء النَّفْس الاجتماعي مع كبار الدبلوماسيِّين ليتَّفقوا على عنوان لكلمة الإتيكيت ألَا وهو (كافَّة الخصال الأخلاقيَّة الطيِّبة الحميدة) والذي يجمع بَيْنَ فنِّ الذَّوق واللَّباقة والمُجاملة، وإتيكيت التعامل مع الآخرين بحِرفيَّة عالية. وقَبل قصر فرساي يخبرنا التاريخ القديم بأنَّ حضارتَيْ وادي الرافدين والفراعنة هما مَن استخدم فنَّ الإتيكيت وإن (لَمْ يعرفوا هذه الكلمة) من خلال الألواح الطينيَّة المنقوشة علَيْها الرسوم التي تُدلِّل على استخدامهم فنَّ الإتيكيت والبروتوكول. ولقَدْ عَرف العرب بعصر الجاهليَّة بعضًا من هذه الفنون، فكان ـ على سبيل المثال ـ أحيحة جد سعيد بن العاص إذا لبس عمامة، لَمْ يلبس أيُّ قريشي عمامة بلوْنِ عمامته إعظامًا واحترامًا له، لذلك كان يُلقَّب بذي العمامة.
والدبلوماسيَّة الإسلاميَّة، المعتمدة على القرآن الكريم والسِّيرة النبويَّة الشريفة، تطرَّقت إلى كافَّة مجالات الإتيكيت الحكومي والاجتماعي، ولا يزال كثير من المدارس الدبلوماسيَّة تنسخ من القرآن الكريم كثيرًا من الآيات الكريمة لِتبنيَ علَيْها نظريَّاتها بفنِّ الإتيكيت، مثال ذلك: المدرسة البريطانيَّة التي وضعت ستَّة مستويات لنبرة الصوت مستندة إلى الآيات الكريمة، حيث قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ…)(الحجرات ـ 2)، وهو مثال ودرس ربَّاني راقٍ وكامل علَيْنا الاقتداء والعمل به جميعًا، حيث نبرة ومستوى الصوت له دلالات جوهريَّة في حياتنا، وكذلك قال تعالى:(… وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ…) (لقمان ـ 19). يُعدُّ فنُّ إتيكيت نبرة الصوت ـ على سبيل المثال ـ من أهمِّ العلامات المَدَنيَّة الحديثة بفنِّ دبلوماسيَّة الحديث وعِلم النَّفْس الاجتماعي. ويُقصد بإتيكيت الصوت هو (مستوى ارتفاع وانخفاض الصوت لدى الشخص)، وكان من أهمِّ الدروس التي تُدرَّس في المدرسة الفرنسيَّة الدبلوماسيَّة في نهاية القرن الثامن عشر، لكنَّه يعكس شخصيَّة الإنسان في المُجتمع. وكُلَّما كانت نبرة الصوت هادئة ومنخفضة، دلَّل على رُقي الشخص في أخلاقه وتربيته ومستوى تعليمه. ويُعدُّ إتيكيت الصوت في السِّلك الدبلوماسي من إحدى أهمِّ الدلائل الإيجابيَّة للدبلوماسي ورُقي معلوماته وحنكته وشخصيَّته، وخصوصًا في المحافل الدوليَّة وحضور المناسبات الوطنيَّة في ساحة عملهم، وأنَّ هدوء نبرة الشخص ومستوى صوته يُسمَّى في العُرف الدبلوماسي (الصوت الملَكي أو السُّلطاني)؛ لكونه منخفض المستوى وهادئ النبرة ومُعبِّرًا بنَفْسِ الوقت، وهذا ما هو مطلوب في كل شرائح المُجتمع بدءًا من العائلة والتي هي أصغر مُكوِّن أو نواة بالحياة إلى أكبر المُجمَّعات البَشَريَّة، وهي الأسواق والمُجمَّعات ومحطَّات القطارات وصالات المطارات.. وفي الختام نتكلم بالمقال القادم عن أقسام وأجزاء فنِّ الإتيكيت.

د. سعدون بن حسين الحمداني
دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت

المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

هل تفلح التحركات الدبلوماسية الأخيرة في تطويق الأزمة السودانية؟

الخرطوم- مع اقتراب مرور 15 شهرا على اندلاع الحرب في السودان في أبريل/نيسان من العام الماضي، وتصاعد تداعياتها الإنسانية والأمنية، نشطت تحركات دبلوماسية وسياسية بزيارات مسؤولين من دول مجاورة إلى بورتسودان ودول المنطقة، وأقيمت مؤتمرات للقوى المدنية والسياسية لتقريب مواقفهم باتجاه حل الأزمة التي تعيشها البلاد.

وفي إطار الحراك السياسي لإنهاء الحرب يستضيف الاتحاد الأفريقي بمقره في أديس أبابا، الأربعاء، ولمدة 5 أيام، مؤتمرا تحضيريا للقوى السياسية والمدنية السودانية، وذلك بعد 4 أيام من مؤتمر مماثل في القاهرة جمع فرقاء السودان للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب، لكن الخلافات طغت على بيانه الختامي.

من جهته، أعلن تحالف القوى المدنية الديمقراطية السودانية "تقدم" اليوم اعتذاره عن حضور المؤتمر الأفريقي لعدة أسباب، أبرزها أن التشاور لم يكن كافيا بشأن الأطراف المشاركة المدعوة، كما أن هناك تحفظات من جانب التحالف على أجندة المؤتمر، وإشراك الاتحاد الأفريقي عناصر يعتبرها داعمة لاستمرار الحرب.

البرهان وآبي أحمد تجاوزا خلافا سابقا تعلق بتصريحات إثيوبيا حول النزاع في السودان (مجلس السيادة) الموقف الإثيوبي

في أول زيارة له إلى مدينة بورتسودان في شرق السودان منذ اندلاع المواجهات، أجرى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الثلاثاء، محادثات مغلقة مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، لبحث الأزمة السودانية وإنهاء الحرب، قبل أن ينضم لهما وزراء ومسؤولون كبار في المخابرات والاستخبارات العسكرية.

وكشفت مصادر في مجلس السيادة للجزيرة نت، أن الجانبين تجاوزا التوتر في العلاقات عقب تصريحات آبي أحمد في يوليو/تموز 2023 عن الفراغ في قيادة السودان، ثم استقباله قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" في أديس أبابا والاحتفاء به.

وأوضحت المصادر ذاتها أن رئيس الوزراء الإثيوبي عرض لعب دور لتقريب المواقف بين البرهان وحميدتي لاستئناف محادثات السلام، كما أقر الجانبان إجراءات للتعاون والتنسيق الأمني للمحافظة على الاستقرار في حدود البلدين، ولا سيما منع تسلل مسلحين على جانبي الحدود، خصوصا بعد اقتراب المواجهات العسكرية بين الجيش والدعم السريع من الحدود الإثيوبية.

وكان آبي أحمد قد صرح أمام برلمان بلاده في 4 يوليو/تموز الجاري بأن إثيوبيا لم تستغل الصراع الدائر بالسودان "لاستعادة أراضٍ دخلها الجيش السوداني، مستغلا حربنا مع جبهة تحرير تيغراي، لكننا أخلاقيا لن نستغل ظروف الحرب التي يمر بها الشعب السوداني، الذي وقف إلى جانبنا في جميع الأوقات العصيبة، باستضافته للإثيوبيين في أراضيه".

وأكد أن موقفهم من الصراع في السودان محايد، ويتمثل في مساندته لجلب طرفي الصراع إلى طاولة الحوار والسلام وإنهاء الحرب، حيث سبق أن توسط رئيس الوزراء الإثيوبي بين المدنيين والعسكريين بعد سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير، كما نشط أيضا في جهود السلام المبذولة عبر منظمة الهيئة الحكومية للتنمية في دول شرق أفريقيا "إيغاد".

ومن المنتظر أن يزور بورتسودان أيضا رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت خلال اليومين المقبلين لإجراء مشاورات مع البرهان، حسب مصادر في الخارجية السودانية للجزيرة نت.

إنعاش منبر جدة

وبحث البرهان مع نائب وزير الخارجية السعودي وليد بن عبد الكريم الخريجي، الاثنين في مدينة بورتسودان، استئناف مفاوضات جدة لوقف الحرب.

وقال وكيل وزارة الخارجية السوداني حسين عوض، إن المباحثات تناولت الدعوة لاستئنافه، وإن البرهان أكد حرص السودان على إنجاح المنبر، لكنه وفي إطار توسيع دائرة الرعاة أبدى تحفظه على وجود أي طرف يساند الدعم السريع.

وكانت الوساطة السعودية الأميركية في منبر جدة قد علقت التفاوض في 3 ديسمبر/كانون الأول 2023، بعد تبادل اتهامات بين الجيش السوداني والدعم السريع بعدم تنفيذ إجراءات بناء الثقة وإنهاء الوجود العسكري للدعم السريع في المدن الرئيسية والمرافق المدنية.

وفي جيبوتي استقبل سكرتير منظمة "إيغاد" ورقني قبيهو، المبعوث الأميركي الخاص للقرن الأفريقي مايك هامر، وبحثا الوضع الراهن في الإقليم مع التركيز على السودان، وشددا على ضرورة تسريع عملية السلام.

كما دعت الأمم المتحدة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى مفاوضات غير مباشرة نهاية الأسبوع الجاري في جنيف السويسرية، لبحث تسهيل وصول المساعدات للمتضررين من القتال وحماية المدنيين.

فشل الوكلاء

يعتقد المحلل السياسي والمتحدث باسم وزارة الخارجية السابق العبيد أحمد مروح، أن الولايات المتحدة اقتنعت بأن "تقديرات وكلائها لنتائج حرب السودان أتت بما لا يشتهون، وأن إدارة بايدن تريد نهاية للحرب قبل الانتخابات الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل".

ورغم أن الشأن الخارجي لا يشكل إلا جزءا بسيطا من اهتمامات الناخب الأميركي، فإن المحلل يرى في حديث للجزيرة نت، أن فشل الإدارة الأميركية في تحقيق أي إنجاز لصالح السلم الدولي، كما في حالتي أوكرانيا وغزة، يجعلها ترى في مشروع وقف الحرب في السودان حافزا لتحسين صورتها، وضمان استمرار تأييد الأميركيين من أصول أفريقية، ومجموعات الضغط الأخرى المهتمة بإقليم دارفور.

ويضيف المتحدث أن المعنيين بالملف السوداني من الدول الكبرى والإقليمية يرغبون في تسوية النزاع السوداني في أقرب وقت، ليتفرغوا لقضايا ونزاعات أخرى تؤثر عليهم وعلى مستقبل المنطقة، لكنه لا يتوقع تسوية نهائية قريبا، بسبب عمق الخلاف بين الفرقاء السودانية.

وفي الوقت نفسه، لا يستبعد الوصول إلى تسوية وتحديد موعد لوقف إطلاق النار وتمرير المساعدات الإنسانية خلال الشهرين المقبلين، في حال استمر الزخم الدولي والإقليمي.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي خالد سعد، أن التحركات السياسية الأخيرة مدفوعة برؤية المجتمع الدولي والإقليمي، بأن الوضع في السودان كارثي ومربك، وقد يصل إلى حافة الهاوية، وأن الحرب يمكن أن تستكمل دورتها وتجرف معها المصالح الدولية والإقليمية.

وحسب المحلل للجزيرة نت، فإن تجاهل الحرب في المرحلة السابقة كان مقصودا لإنهاك طرفي الحرب، لكن المصالح المتناقضة زادت من تأزيم الوضع، وبدأ القلق يتنامى بعد اقتراب الخرطوم من موسكو، وارتفاع الهواجس بشأن أمن البحر الأحمر، فضلاً عن مخاوف من نشوء جماعات متطرفة مستغلة الأوضاع الأمنية في السودان.

ويرى المتحدث أن مؤتمر القاهرة للقوى السودانية ثم مؤتمر أديس أبابا محاولات لرأب الصدع بين الفرقاء لإنهاء الأزمة، لأن استمرار الانقسام السياسي يسهم في إطالة أمد الحرب.

غير أنه يعتقد أن الدوافع المختلطة لرعاة المؤتمرات قد تعقّد الحل الشامل للأزمة، مما يتطلب إرادة أكثر استقلالية من الفرقاء لتخفيف وطأة الضغوط الدولية الساعية لوقف الحرب من دون حلول جذرية.

مقالات مشابهة

  • هل تفلح التحركات الدبلوماسية الأخيرة في تطويق الأزمة السودانية؟
  • طريقة جديدة للنصب.. تحذير من تزييف الرسائل الصوتية على «واتساب»
  • ريهام عبدالحكيم تشارك في احتفالية أم كلثوم بفرنسا
  • عطاف يوقّع على سجل التعازي إثر وفاة سفير روسيا لدى الجزائر
  • رحيل رولان دوماس عميد الدبلوماسية الفرنسية
  • «الصوت والضوء»: تقديم عرض استثنائي بأهرامات الجيزة 14 يوليو
  • على دفعتين... خرق جدار الصوت في أجواء الجنوب
  • الحكومة العراقية تسعى لإطلاق استراتيجية وطنية لترسيخ مفاهيم الذكاء الاصطناعي
  • خبراء روس يتحدثون عن كشف أسرار صاروخ ستورم شادو الأوروبي
  • لتعزيز التعاون مع دول العالم.. إنجازات مجلس "الشيوخ" في المجال الدبلوماسي خلال الانعقاد الرابع