فن الدبلوماسية .. مفاهيم وتاريخ فن الإتيكيت «1»
تاريخ النشر: 19th, September 2023 GMT
يتوقَّع الكثيرون بأنَّ فنَّ الإتيكيت هو عبارة عن طريقة مَسْك السّكِّين والشوكة أثناء الأكل، كما يتساءل البعض من مختلف المستويات والمناصب: هل فنُّ الإتيكيت يُعدُّ من كاريزما الموظف والذي سوف يتبوَّأ منصبًا أعلى أم وظيفة مهمَّة؟ وهل فنُّ الإتيكيت أهمِّيته أهمِّية الطِّب والهندسة والعلوم الأخرى؟ وأنا شخصيًّا أُجزِّئ فنَّ الإتيكيت إلى جزءين رئيسَيْنِ هما: (أوَّلهما: فنُّ الإتيكيت الحكومي، وثانيهما: الإتيكيت الاجتماعي).
وقَبل التطرُّق إلى هذه المفاهيم والإجابة عليها؛ علَيْنا التعرُّف أوَّلًا إلى أصْل كلمة إتيكيت وهي: فرنسيَّة اللُّغة، ويخبرنا التاريخ الحديث بأنَّ لويس الرابع عشر ملك فرنسا اعتاد دعوة مختلف شرائح المُجتمع إلى قصر فرساي للحفلات، وقَدْ واجَه فلاح وبستاني القصر مُشْكلة كبيرة بسبب أنَّ جميع الحضور الذين يتوافدون إلى القصر؛ يمشون على العشب والزهور بطريقة عشوائيَّة، وهو لا يتمكن من منع النبلاء من المشيِ غير المنظَّم، فأخبر الملك بذلك والذي بِدَوْره أصدرَ مرسومًا بوضع لافتة اسمها (إتيكيت) لِتحذِّرَهم من المشي العشوائي، وأوضح فيها مسارات وأماكن الدخول والخروج، ثمَّ تطوَّرت لِتشملَ كُلَّ الأشياء التي نفعلها وتساعدنا على التوافق بشكلٍ أفضل مع مَن نلتقيهم في حياتنا الاجتماعيَّة أو الرسميَّة وهي متطابقة ومتوازية مع فنِّ البروتوكول، والاثنان هما عملة واحدة ذات وجهَيْنِ. وكلمة (Etiquette) مستنسخة أصلًا من (The Ticket) وهي تذكرة التي تُلصق على الطَّرد البريدي وتشرح محتواها وكيفيَّة التعامل مع هذا الطَّرد، لِتتطوَّرَ بعد ذلك لِتصبحَ على بطاقات الدَّعوة في القصور الفرنسيَّة، وتشرح كيفيَّة الدخول والخروج وبقيَّة التفاصيل في حضور ضيوف الملك من وزراء وأُمراء وبقيَّة المناصب الاجتماعيَّة والرسميَّة. وتطوَّرت الكلمة كثيرًا، خصوصًا بعد عصر النهضة (عصر التنوير) في بدايات القرن السادس عشر لِتضعَ التعريف المناسب لها بصورة مختصرة، وهو فنُّ التعامل والسُّلوك الرَّاقي الأخلاقي المُهذَّب والذَّوق الرفيع، واحترام النَّفْس والتعامل مع الآخرين بمختلف مسمَّياتهم بأرقى خصائل الأصالة والكرم والإنسانيَّة والمشاعر الرقيقة والتواضع وجميع الصِّفات الحسَنة، لِيجتمعَ علماء النَّفْس الاجتماعي مع كبار الدبلوماسيِّين ليتَّفقوا على عنوان لكلمة الإتيكيت ألَا وهو (كافَّة الخصال الأخلاقيَّة الطيِّبة الحميدة) والذي يجمع بَيْنَ فنِّ الذَّوق واللَّباقة والمُجاملة، وإتيكيت التعامل مع الآخرين بحِرفيَّة عالية. وقَبل قصر فرساي يخبرنا التاريخ القديم بأنَّ حضارتَيْ وادي الرافدين والفراعنة هما مَن استخدم فنَّ الإتيكيت وإن (لَمْ يعرفوا هذه الكلمة) من خلال الألواح الطينيَّة المنقوشة علَيْها الرسوم التي تُدلِّل على استخدامهم فنَّ الإتيكيت والبروتوكول. ولقَدْ عَرف العرب بعصر الجاهليَّة بعضًا من هذه الفنون، فكان ـ على سبيل المثال ـ أحيحة جد سعيد بن العاص إذا لبس عمامة، لَمْ يلبس أيُّ قريشي عمامة بلوْنِ عمامته إعظامًا واحترامًا له، لذلك كان يُلقَّب بذي العمامة.
والدبلوماسيَّة الإسلاميَّة، المعتمدة على القرآن الكريم والسِّيرة النبويَّة الشريفة، تطرَّقت إلى كافَّة مجالات الإتيكيت الحكومي والاجتماعي، ولا يزال كثير من المدارس الدبلوماسيَّة تنسخ من القرآن الكريم كثيرًا من الآيات الكريمة لِتبنيَ علَيْها نظريَّاتها بفنِّ الإتيكيت، مثال ذلك: المدرسة البريطانيَّة التي وضعت ستَّة مستويات لنبرة الصوت مستندة إلى الآيات الكريمة، حيث قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ…)(الحجرات ـ 2)، وهو مثال ودرس ربَّاني راقٍ وكامل علَيْنا الاقتداء والعمل به جميعًا، حيث نبرة ومستوى الصوت له دلالات جوهريَّة في حياتنا، وكذلك قال تعالى:(… وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ…) (لقمان ـ 19). يُعدُّ فنُّ إتيكيت نبرة الصوت ـ على سبيل المثال ـ من أهمِّ العلامات المَدَنيَّة الحديثة بفنِّ دبلوماسيَّة الحديث وعِلم النَّفْس الاجتماعي. ويُقصد بإتيكيت الصوت هو (مستوى ارتفاع وانخفاض الصوت لدى الشخص)، وكان من أهمِّ الدروس التي تُدرَّس في المدرسة الفرنسيَّة الدبلوماسيَّة في نهاية القرن الثامن عشر، لكنَّه يعكس شخصيَّة الإنسان في المُجتمع. وكُلَّما كانت نبرة الصوت هادئة ومنخفضة، دلَّل على رُقي الشخص في أخلاقه وتربيته ومستوى تعليمه. ويُعدُّ إتيكيت الصوت في السِّلك الدبلوماسي من إحدى أهمِّ الدلائل الإيجابيَّة للدبلوماسي ورُقي معلوماته وحنكته وشخصيَّته، وخصوصًا في المحافل الدوليَّة وحضور المناسبات الوطنيَّة في ساحة عملهم، وأنَّ هدوء نبرة الشخص ومستوى صوته يُسمَّى في العُرف الدبلوماسي (الصوت الملَكي أو السُّلطاني)؛ لكونه منخفض المستوى وهادئ النبرة ومُعبِّرًا بنَفْسِ الوقت، وهذا ما هو مطلوب في كل شرائح المُجتمع بدءًا من العائلة والتي هي أصغر مُكوِّن أو نواة بالحياة إلى أكبر المُجمَّعات البَشَريَّة، وهي الأسواق والمُجمَّعات ومحطَّات القطارات وصالات المطارات.. وفي الختام نتكلم بالمقال القادم عن أقسام وأجزاء فنِّ الإتيكيت.
د. سعدون بن حسين الحمداني
دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
Bose تكشف عن سماعات Ultra بألوان الرمادي والأزرق
مقالات مشابهة برد الشتاء يباغت الجميع في 7 محافظات وهذا ما فعله اليوم.. والارصاد يحذر مما سيحدث خلال الساعات القادمة
32 دقيقة مضت
أدنوك الإماراتية تتعاون مع مايكروسوفت لنشر الحلول منخفضة الكربون51 دقيقة مضت
HarmonyOS من هواوي يحقق 15% من السوق في الربع الثالث 2024، متحديًا Android وiOSساعة واحدة مضت
كارثة لم يسبق لها نظير في تاريخ البلاد.. اسعار الصرف تهوي بشكل مدوي مع اعلان محلات الصرافة الاسعار الجديدة اليومساعتين مضت
تسريب يكشف مواصفات كاميرا Porsche Design Honor Magic 7 RSR ووضع Honor GTساعتين مضت
صادرات النفط العراقي إلى الهند تترقب طفرة في 2025ساعتين مضت
أطلقت Bose سماعات الأذن Ultra ذات التصميم المفتوح في السوق الصينية بخيارات ألوان جديدة، هما الرمادي والازرق، بسعر 2299 يوان (حوالي 323 دولارًا أمريكيًا).
تتوفر السماعات للطلب المسبق عبر موقع JD.com، ويتعين على العملاء إكمال طلباتهم قبل 10 نوفمبر الساعة 8:00 مساءً بتوقيت المحيط الهادئ لتأمين الشراء.
تتميز سماعات Ultra بتقنية OpenAudio، التي تسمح للمستخدمين بسماع الأصوات المحيطة أثناء الاستماع للموسيقى، على عكس السماعات التقليدية التي تعزل الصوت.
توفر هذه السماعات أيضًا ميزة التكيف التلقائي لمستوى الصوت، حيث تضبط الصوت بناءً على البيئة المحيطة لتحقيق تجربة مريحة سواء في الأماكن الهادئة أو الصاخبة. تشتمل السماعات على تقنية الصوت المكاني، معززة بمنصة Qualcomm S5 ودعم Snapdragon Unlimited Audio، لتجربة صوتية أكثر واقعية.
كما توفر عناصر تحكم بسيطة لتشغيل الموسيقى والرد على المكالمات، مع إمكانية التبديل بين وضع الصوت الاستريو ووضع الصوت الغامر. تدوم البطارية حتى 7 ساعات من الاستماع بشحنة واحدة، وتوفر علبة الشحن 19.5 ساعة إضافية.
المصدر
Source link