أن يتمَّ انتخاب «ريشي سوناك» Rishi Sunak الشَّاب الهندوسي، المولود في بريطانيا (1980)، رئيسًا لوزراء بريطانيا عن حزب المحافظين، فإنَّ في ذلك لشجونًا بالنسبة لأبناء شِبْه القارَّة الهنديَّة، تلك الأرض الشَّاسعة التي ضمَّتها بريطانيا الكولونياليَّة جزءًا من «الامبراطوريَّة التي لا تغرب الشمس عَنْها»!
هذه مفارقة تستحقُّ التوقُّف والتأمُّل بأناة، خصوصًا إذا ما حَظِيَ المرء بمعرفة جيِّدة مناسبة بطرائق التاج البريطاني إلى الهنود الذين عدَّهم البريطانيون مع بلادهم «لؤلؤة التاج» Kohinoor، علمًا أنَّ الحكَّام البريطانيِّين عَبْرَ الهند حقبة ذاك قَدْ ساموا سكَّانها الهندوس العذاب الممزوج بالاحتقار؛ نظرًا لأنَّ الصولجان البريطاني قَدْ عدَّ الهندوس (وهم الأغلبيَّة السكَّانيَّة في الهند) وثنيِّين ومشركين، إذ إنَّ الهندوسيَّة ديانة مُتعدِّدة الآلهة، غير آبهين كبريطانيِّين بأبعاد الهندوسيَّة الأعمق الأخرى: باعتبارها ديانة هي أقرب إلى الهندوسيَّة Hinduism أسلوب حياة وفلسفة روحيَّة تقوم على عبادة الــ»براهمن» Brahman، إلهًا رئيسًا، من بَيْنَ عددٍ كبير من الآلهة والآلهات.
والحقُّ، فإنَّ في هذا الأمْرِ شجونًا، فعِنْدما فصل ملك بريطانيا هنري الثامن شَعبه عن الكنيسة الكاثوليكيَّة التي كانت تُمثِّل كينونة مسيحيَّة أوروبيَّة موَحّدة في حقبة سابقة، وذلك إثر قرار بالاقتران بزوجة ثانية، فإنَّه لَمْ يتوانَ عن فصل بلاده وعزْلها عن الكنيسة البابويَّة الموَحّدة في روما، لِيحيلَ بريطانيا إلى كيان مسيحي «انجليكاني» (بروتستانتي) مستقلٍّ عن كنيسة روما الكاثوليكيَّة. لذا، فإنَّ الذاكرة البريطانيَّة تحتفظ بهذا الحادث التاريخي الديني في قعر عقلها الجمعي منذ عصور: ودليل ذلك ما يحدث اليوم في أيرلندا الشماليَّة، حيث تتمرَّد الأغلبيَّة الكاثوليكيَّة على سُلطة بريطانيا البروتستنتيَّة! وهذا يعني أنَّ للحاكم دَوْرًا مُهمًّا للغاية في تقرير شؤون البلاد والعباد بقدر تعلُّق الأمْرِ بالعبادات وبالحياة الروحيَّة. أمَّا أن يرشِّحَ الحزب الجمهوري في الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة شابًّا هندوسيًّا للانتخابات الرئاسيَّة القادمة، فإنَّ في ذلك شجونًا إضافيَّة، خصوصًا بعدما يستذكر المرء اعتراض غالبيَّة الجمهور الأميركي (البروتستنتي) على فوز ”جون كنيدي» Kennedy بالرئاسة في بداية ستينيَّات القرن الماضي؛ بسبب كونه ينحدر من أُسرة كاثوليكيَّة (والكاثوليك هم أقليَّة في أميركا)، فإنَّ في ذلك استذكارًا لجرح عميق في النَّفْس الأميركيَّة: لذا للمرء أن يلاحظَ بأنَّ «راما سوامي» Rama Swami هو اليوم أحد أبرز المرشَّحين السَّاعين للوصول إلى البيت الأبيض: وإذا ما تحقَّق حلم «سوامي» هذا بالرئاسة يكُونُ «النِّصاب» قَدِ اكتمل بقدر تعلُّق الأمْرِ بأهمِّ «دَولتَيْنِ أنجلو سكسونيَتَيْنِ» (بريطانيا والولايات المُتَّحدة) لِيحكمَهما شابَّانِ وثنيَّانِ يؤمنانِ بديانة مُتعدِّدة الآلهة والآلهات.
أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
اعترافات عازف عود عراقي: هاجرت إلى بريطانيا حتى لا أعزف للدكتاتورية
اعترافات عازف عود عراقي: هاجرت إلى بريطانيا حتى لا أعزف للدكتاتورية