الاستعباد الجنسي في دارفور.. خور جهنم تفاصيل ضحايا الإختطاف
تاريخ النشر: 19th, September 2023 GMT
تقرير حول الاستعباد الجنسي في خور جهنم
منهج إعداد التقرير
تم إعداد التقرير هذا عن طريق بحث ميداني على الأرض بواسطة باحثين من المركز الإفريقى للعدالة ودراسات السلام الذين تواصلوا مع مع 41 مصدرا موثوقا بكل من الضعين بشرق دارفور، والفاشر، كبكابية، كتم ،.دار السلام، تابت، خور مالي، قلاب وشرفة بولاية شمال دارفور، نيالا بجنوب دارفور و شمل بعض الناجيات و شهود عيان وذوي الخاطفين ، استغرق التقرير الثلاثة أشهر مايو- ويونيو ويوليو ٢٠٢٣ وأدلى جميع المصادر بإفاداتهم طوعا فيما تم حجب أسمائهم الحقيقة حفاظا على سلامته.
الخرطوم _ التغيير
المقدمة
في تطور مقلق إزدادت أشكال الانتهاكات التي بدأت مع حرب أبريل ٢٠٢٣ بالسودان، التي قادت إلى لجوء ونزوح واسع لما يقارب ال٣ مليون شخص، شملت ايضا اشكال مختلفة أخرى من الانتهاكات مثل القصف الجوي للمدنيين والمرافق العامة والخاصة والاختفاء القسري، والقتل خارج نطاق القضاء، الاغتصاب إلى جانب انتهاكات أخرى برزت بشكل مزعج نتيجة لطبيعة الحرب وتاريخ أطرافها في العلاقة مع المدنيين في أوقات النزاعات، نسبة لوجود المقار العسكرية لطرفي النزاع المسلح وسط المدن مما سهل مداهمة المساكن والاعتداء على المدنيين من الظواهر التي استجدت أثناء هذه الحرب خطف النساء والفتيات ونقلهن قسرا لولايات اخري مع إخضاعها لتعذيب وحشي مع تطور الانتهاكات الي الاستعباد الجنسي و الاتجار بهن ،من قبل مجموعات ترتدي وفقا لشهود العيان والإفادات زي قوات الدعم السريع
الإطار القانوني جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانيةرصد التقرير سلسلة انتهاكات ترقي لجرائم حرب وضد الإنسانية فيما يتعزز الوصف القانوني بالحاجة إلى معرفة كاملة لنطاق الجرائم سجل الجرائم منذ بداية الحرب في 15 أبريل 2023 بما يشمل الكشف عن سجل الاشخاص المختفين قسريا والتي نشرت مجموعات حقوقية مختلفة وهذا يتطلب تحقيق مهني وشفاف أشار التقرير ان أشكال الانتهاكات في التقرير تمثلت في الاختطاف، والإخفاء القسري، التعذيب والاغتصاب والمعاملة القاسية والمذلة، البغاء القسري، وفقا ( طيبة ) ان هنالك مختطفين يتجولون المختطفات في مناطق شنقل طوباية والملم ومناطق أخرى جنوب دارفور وعرضهن للبغاء القسري وهؤلاء مؤكد انهم في حالة سيئة ، اضافة لذلك فهنالك حالات استهدفت النساء العاملات في الأماكن العامة باحتجازهن و تعريضهن للاستعباد الجنسي في مناطق سيطرة عسكرية جغرافية بما يثير سؤال مسؤولية القيادة المباشرة
القانون الوطني السوداني
يجرم القانون السوداني ١٩٩١ جرائم الاختطاف والاستدراج الذي يقع لمن هم دون ال١٨ عاما، بالإضافة للاغتصاب والتعذيب بالرغم من مصادقة السودان على مناهضة اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية والمذلة والحاطة للكرامة في العام [1]٢٠٢١ إلا أن التحديات التي واجهتها الفترة الانتقالية في السودان منها الانقلاب العسكري في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١عطل الإصلاحات القانونية للقوانين.
فيما وقف القانون السوداني عاجز عن تطوير الأورنيك الطبي ليواكب المستوى الذي طرحته الأمم المتحدة مثل بروتوكول استانبول الذي تكمن الاستفادة منه في التوثيق الشامل بما يشمل التعذيب،
إضافة إلى غياب الشرطة العامة من القيام بدورها و فرار المئات من المحكوم عليه بعدة سجون بالمدن السودانية المختلفة، بل تطور الأمر إلى مشاركة بعض وحداتها مثل الاحتياط المركزي في القتال إلى جانب القوات المسلحة السودانية في مواجهة الدعم السريع بما فوت فرصة قيامها بواجبها عبر المراكز الشرطية في تلقي البلاغات والتحقيق والقيام بالواجب المهني في نطاق ولاية الخرطوم وولايات أخرى من التي شهدت مواجهات عسكرية بين الطرفين، بالإضافة إلي تحول بعض مراكز الشرطة إلى معتقلات مثل المركز الشرطة بمربع ١٨ أبي سعد ” الفتيحاب ” بامدرمان.
اضافة لذلك فقد أقر القانون السوداني منشورا في 2020 لحماية الشهود لكن الحرب الراهنة وطبيعتها واتساع نطاقها تعطل فيه عمل اجهزة تنفيذ القانون وتعرض المدنيين بشكل واسع للانتهاكات بالاضافة الى شمول ذلك للمرافق العامة والخاصة الأمر الذي جعل بعض مقار أجهزة تنفيذ العدالة أهدافا لطرفي الصراع .
اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعينتيجة لتعذر سبل الوصول للعدالة لجأ ذوي المفقودين للإعلان عبر النشر بوسائل التواصل الاجتماعي ولا سيما منصة Face book لكن من خلال تحليل بسيط للمنشور فان الاعلان عن النساء والفتيات لم يكن بذات المستوى في الإعلان على الذكور الذين تم نشر أسماء فاقت ال٤٥٠ مفقودين منذ بداية الحرب بينما بدأ النشر يرتفع عن المفقودات في شهر يونيو ٢٠٢٣ حيث رصد التقرير نشر ل 18 حالة من المفقودات من قبل حركة النساء السودانيات، يضاف هذا إلى الحالات الأخرى التي شملتها قوائم المفقودين التي نشرتها مجموعات حقوقية منذ بدء الحرب، في يونيو ٢٠٢٣ نشرت وسائل الإعلام عن قيام المجموعة السودانية لمناهضة الاختفاء القسري
بفتح بلاغات جنائية مستندة على قوائم المفقودين التي تحصلت عليها عبر التواصل مع ذويهن كما يظهر في أرقام هواتف التواصل الملحقة بالأسماء.
الاستعباد الجنسي في خور جهنم طبيعة الحرب و نطاقها مدن تحت الحصار والسرقة
منذ بدا الحرب تحولت العديد من المدن السودانية الي ساحات قتال بين الطرفين و امتد الامر الي سيطرة على بعض الاحياء السكنية التي اتخذت كمقار عسكرية بعد ان اجبر المدنيين على المغادرة الي مناطق امنة، وتجئي سرقت ونهب للاماكن العامة والخاصة بما في ذلك المساكن، شهدت عدة مدن حالات واسعة من السرقة لكن وفقا للتقارير غير الرسمية واتمركز القتال بشكل واسع في ولاية الخرطوم اصبحت هي المنطقة الاولي في الاستهداف ، ارتبطت انشطة الخطف باستخدام سيارات يرحخ انها مسروقة حيث أفاد ” محمود” ناشط حقوقي ينتمي إلي ذات المجموعة الرعوية التي ينحدر منها غالب قوام الدعم السريع بان ( أ ، ع ) أحد الذين انضموا للدعم السريع عقب ان كان في قوات حرس الحدود ” مليشيات الجنجويد” التي أسسها نظام عمر البشير في إقليم دارفور ٢٠٠٣، معبداية الحرب تحرك إلي الخرطوم من إحدى مدن ولاية شرق دارفور ثم عاد في نهاية شهر ابريل ٢٠٠٣ يقود سيارة ماركة تويوتا بك اب، ثم غادر مرة أخري إلي الخرطوم في منتصف شهر مايو وعاد بسيارة اخري ، اضاف ” محمود ” بانه في المرة الثانية عاد مصابا برصاصة في احدي رجليه، وفقا لتقارير منظمات حقوقية مستقلة عشرات السيارات ذات الدفع الرباعي عبرت من الخرطوم نحو اقليم دارفور غربي السودان دون الوثوق من بقائها او عبورها للحدود إلي دول غرب وشمال افريقيا، اغلب هذه السيارات محملة بصناديق من الكرتون تخفي ما بداخلها رغم ظهور عملات اجنبية خلال شهر يونيو ٢٠٢٣ اثناء توقفها للاستراحة و شراء الطعام والوقود بمدينة الضعين بولاية شرق دارفور، قال ” آدم ” موظف سوداني بأحدي المنظمات الاجنبية العاملة بالضعين ” في اغلب الاحيان صار اصحاب المحال والمتعاملين في الوقود يشترطون دفع مقابلها بالدولار، وذلك لتكرار عرض بعضهم شراء عملات اجنبية مقابل للجنيه السوداني خلال شهر مايو ٢٠٢٣، أضاف لقد قام أحد الأفراد بزي الدعم السريع إلي دفع مبلغ ٢٠٠ دولار امريكي للحصول على الوقود” ، اضاف لم يظهر اثر لنساء على متن تلك السيارات، مما جعل البحث والتقصي يذهب إلي التركيز على طرق اخري.
١٣٥٢ كيلومترا نحو المجهول
الطريق الذي يعبر من الخرطوم عبر غرب الدرمان مرورا بالأبيض بشمال كردفان، ثم إلي تخوم الفاشر دون الدخول إليها ليتم الانعطاف عبر الشارع المعبد الذي يواصل عبر قرية كفوت حوالي ٤٢ كيلومترا غرب الفاشر ثم إلي كتم التي تبعد ١٣٥٢ كيلومترا من الخرطوم ومنها إلي بعض الضواحي المختلفة حيث يقيم المجموعات التي سرقت تلك السيارات البحث قاد إلي أفادت حول ظهور بعض النساء والفتيات على متن تلك السيارات وبعضهن مقيدات بالسلاسل ما يرجح خطفهن من مدينة الخرطوم أفاد أربعة مدنيين من المقيمين بمنطقة كويم الملاصقة للبوابة الغربية لمدينة الفاشر بشمال دارفور، بانهم شاهدوا أكثر من ٧٠ سيارات ماركه تويوتا نصف نقل محملة بصناديق وأشياء أخري وأكثر من ١٠ سيارات بهن فتيات وفي ايدهن السلاسل وقال ( محمود) أن الظاهرة في تنامي حيث شاهد في الطريق المؤدي إلي كبكابية عدد من الحالات تقدر ب ٢٠ فتاة على متن سيارات يقودها أشخاص في ذي الدعم السريع ، أفاد ( حسن ) أحد سكان المنطقة بأن الظاهرة شوهدت لأول مرة في شهر مايو ٢٠٢٣ و أخذت في التنامي خلال يونيو٢٠٢٣, اجمع جميع الذين ادلوا بإفاداتهم بشكل طوعي مع طلبهم بعدم الكشف غن هوياتهم عن استيائهم من تنامي هذه الظاهرة وصفوها بالدخيلة على المجتمعات السودانية وولاية شمال دارفور.
نساء وقاصرات ضحايا للااستعباد الجنسيرغم هذه الإفادات الا أن الغموض مازال يكتنف هويات بعض الضحايا اللائي يقدرن عددهن بالعشرات، بينهم طفلات، الراجح أنهن ضحايا للخطف من ابوادم ، جبرة ، السلمة، عد حسين ، جنوب الحزام والازهري بالخرطوم ، من ناحية ثانية انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي نشر مصحوب بصور لعدد من الفتيات المختطفات منذ بدء الحرب، اضافة الى ان هناك أسماء تم نشرها ضمن قوائم المختفين من قبل بعض المنظمات الحقوقية .
فيما تم رصد 10 حالات لنساء بينهن 4 من بائعات المشروبات والمأكولات خضعن للاحتجاز والاستغلال الجنسي وللبغاء القسري لصالح الخاطفين بكل من فندق الضمان ومبني العهد الجديد التابع للكنيسة القبطية والبورصة بمدينة نيالا بولاية جنوب دارفور من قبل أفراد بزي الدعم السريع منذ 25 يونيو 2023 .
ناجيات إبتسم لهن الحظ
بالرغم من أن القوات المسلحة السودانية طرفا في الصراع الراهن إلا أن أفادات مباشرة من مصادر عسكرية أفادت انها قامت بتحرير عدد من الحالات بعضهن تم تحريرها وفقا وفقا للمصدر أنه في (أوائل )يوليو ٢٠٢٣ تم القبض على مسلحين بزي الدعم السريع عددهم( ٣) يستقلون سيارة ماركة تويوتا نصف نقل ثم ضبطهم في حي الجامعة شرق مدينة الفاشر على بعد كيلو مترات من السوق الكبير بواسطة مجموعة من قوة حماية المدنيين التابعة لقوى الكفاح المسلح، عثر على فتاتين اعمارهن (٢٠ و١٨) كانتا مقيدتين بالسلاسل، تم تحريرهن وتسليمهم مع (٣) من الجناة الى قيادة الاستخبارات العسكرية بالفاشر في أوائل يوليو.
كشف المصدر العسكري أن القيادة الغربية تواصلت مع ذوي الفتاتين التي تم اختطافهن من الخرطوم، قبل أن يتم تسليمها لذويهم في الفاشر وتسفيرهن إلى الخرطوم مجددا.واضاف المصدر ان الضحايا أفدن أنهن خضعن لعنف جنسي وتجويع قبل وصولهم لمدينة الفاشر.
شهود عيان
في السياق أوضح (٧ )شهود عيان طلبوا حجب أسمائهم بمحلية دار السلام ٤٥ كيلومتر جنوب شرق مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور، بان في ٢٢ يوليو ٢٠٢٣ تم إطلاق سراح ثلاثة فتيات أعمارهن اقل من ٢٠ مقابل فدية مالية في منطقة ودعة من قبل خاطفيهم وهم ثلاثة أشخاص بزي الدعم السريع كانوا في طريقهم إلى ولاية شرق دارفور، تم الأمر بطريقة فيها تكتم حفاظا على أرواح الفتيات اللائي تم دفع ( ٩) مليار جنيه سوداني لتحريرهن أي ٣ مليارات لكل وهو ما يعادل ١٨٥٠٠ دولار أمريكي، تم سداد المبلغ في خزان جديد ثم ترحيل الضحايا الى الفاشر ثم إلى ذويهن بالخرطوم واضاف شهود العيان بأن عملية الخطف تمت من منطقة أبو آدم بالخرطوم في يونيو الماضي وأضاف أحد الشهود بأن ظاهرة اختطاف الفتيات من قبل المقاتلين في صفوف الدعم السريع الهاربين من المعارك بالخرطوم وفي طريقهم إلي ولايتي جنوب وشرق دارفور لا ينكرها إلا مكابر وذلك على حد تعبيره.
ولفتت ( طيبة ) وهي مزارعة بمنطقة كورما أن الطريق إلى كبكابية شهدت اقتياد العشرات من الفتيات في مركبات المسلحين الفارين من المعارك في الخرطوم،وأشارت آدم إلى المجتمعات المحلية أظهرت عجزها التام أمام الضحايا البريئات وهن يلوحن بأيديهن طالبات الإنقاذ من المسلحين.
بينما في مدينة كتم أكد سكان محليون بينهم ذوي الخاطفين أن المدينة شهدت اوائل يونيو المنصرم وبالتزامن مع نهاية المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع وبعد السيطرة عليها من قبل الأخيرة وصول أكثر من ٢٠ عربة محملة بصناديق وبعضها ظهرت فتيات تم تقيدهن بسلاسل ثلاثة منهن ظهرن في دامره سيح جنة ١٥ كم شمالي كتم
ذوي الخاطفون ووخز الضمير
وبالمقابل أكدت ( ام النعيم ) امرأة تسكن في دامره شرفة٦٠ كيلومتر جنوب غربي الفاشر ضلوع إثنين من أبنائها وآخرين في صفوف الدعم السريع في اختطاف ٨ فتيات من المعارك بالخرطوم في مايو٢٠٢٣ الآن يتم استخدامهن عاملات للجنس بعدد من الدوامر بينها قلاب وخور مالي وشرفة بمحيط منطقة كولقي التي تقع غربي الفاشر بشمال دارفور كشفت بأن دامره قلاب ومحلية دار السلام اصبحت معبر لاختطاف الفتيات إلي مناطق مختلفة وطالبت قيادة الدعم السريع بالتدخل لإنقاذ الفتيات المختطفات، عبرت (ام النعيم) باسي عن ما يحدث وكشفت عن ان الحرب الراهنة والانتهاكات المختلفة الناتجة عنها يرفضها الوجدان السليم .
من جهة أخرى كشف عدد من شهود العيان من مدينة كبكابية ١٣٦ كيلومتر غربي مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور عن ظهور أكثر من ٢٠ مختطفة بعضهن تم ترحيلهن إلى منطقة غرة الزاوية التي تقع بين كبكابية وسرف عمرة بعضهن يقمن بمسجد القرية حتى أواسط يونيو ٢٠٢٣ – بعد أن رفض بعض ذوي الخاطفين الظاهرة ولعل دفعهن إلى مسجد القرية قد يسهم في انقاذهن بواسطة الخيرين، اضاف المصدر ان اغلبهن في الغالب تم اختطافهن من الخرطوم .
الوسوماستعباد جنسي الاختطاف الفاشر خور جهنم دارفورالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: استعباد جنسي الاختطاف الفاشر دارفور
إقرأ أيضاً:
لماذا توقفت أميركا عن تأييد الدعم السريع؟
في أواخر يوليو/تموز 2024 أبلغ المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بيريلو، الحكومة السودانية أنه سيزور السودان في الثامن من شهر أغسطس/آب من نفس العام برفقة مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية السفيرة سامانثا باور، وذلك للتباحث حول سبل إنجاح المبادرة الأميركية الخاصة بإنهاء الحرب في السودان عبر مفاوضات (جنيف) التي حُدد لها يوم الرابع عشر من نفس الشهر.
لكن بيريلو وضع شرطًا غريبًا لإتمام زيارته، وهو أن تتم المباحثات مع الجانب السوداني في مطار بورتسودان، وتحت حراسة مشددة من قبل فريق حراسة أميركي خاص، مبررًا ذلك بعدم استتباب الأوضاع الأمنية بالبلاد، الأمر الذي رفضته حكومة السودان، مما أدى إلى إلغاء الزيارة.
لكن، وبعد مرور قرابة أربعة أشهر على إلغاء تلك الزيارة، عاد المبعوث الأميركي وطلب زيارة السودان، ووافقت الحكومة السودانية على طلبه غير المشروط هذه المرّة، مما يُعتبر إقرارًا ضمنيًا – بمفهوم المخالفة – بشرعية الحكومة، وبأن الوضع الأمني مستتب وليس هناك ما يدعو للخوف والقلق.
وتمت الزيارة يوم الاثنين الماضي، حيث قابل بيريلو رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان بمكتبه بالعاصمة المؤقتة بورتسودان، كما قابل أيضًا نائب رئيس مجلس السيادة الفريق مالك عقار، وأجرى مباحثات مع وزير الخارجية السوداني علي يوسف، وقابل السلطان بحر الدين سلطان (دار مساليت)، وهي إحدى إثنيات إقليم دارفور ذات الأصول الأفريقية وحاضرتهم مدينة (الجنينة) التي تقع في أقصى غرب إقليم دارفور ومتاخمة لحدود السودان مع دولة تشاد.
وقد تعرضت هذه الإثنية لعمليات إبادة جماعية على أساس عرقي وعمليات تهجير واغتصاب للنساء، ودفن المئات منهم وهم أحياء على أيدي قوات الدعم السريع التي تحتل المدينة منذ قيام الحرب وحتى الآن، وهي مقابلة لم تتجاوز المواساة وإظهار الأسى والأسف بعد فوات الأوان.
وبحسب السفير محمد عبدالله إدريس، سفير السودان لدى واشنطن، فإن مباحثات المبعوث الأميركي للسودان "تطرقت إلى خارطة طريق لإنهاء الحرب، وكيفية إيصال المساعدات الإنسانية، ورتق النسيج الاجتماعي، فضلًا عن العملية السياسية كمخرج نهائي لما بعد الحرب".
ويصف الكثير من المراقبين للشأن السوداني زيارة بيريلو الأخيرة هذه بأنها زيارة "علاقات عامة"، تأتي في سياق المراجعة الأخيرة للملفات في أضابير مكتب الرئيس بايدن قبل رحيله عن المكتب البيضاوي بلا رجعة.
أرادت إدارة بايدن والحزب الديمقراطي أن تترك أثرًا يُحسب لها في ملف السودان الذي لم تتعاطَ معه بجدية، وسايرت فيه قوى إقليمية صغيرة حديثة الولادة كانت هي السبب في تأجيج الأزمة بالدعم المالي واللوجيستي والعسكري والدعائي لقوات الدعم السريع، ولم تتعاطَ مع الملف بصفتها قوة عظمى ينبغي أن تنظر لساحة السياسة الدولية بمنظار كلي يجعل من حفظ الأمن والسلم الدوليين قيمة عليا وغاية سامية تسعى إلى تحقيقها انطلاقًا من كونها تمتلك كل الموارد والإمكانات اللازمة والضرورية لتحقيقها.
كان في مقدور إدارة بايدن إدارة ملف الأزمة في السودان بصورة أكثر نجاعة وأكثر احترافية بما يفضي إلى حل مُرضٍ يكون أنموذجًا يُحتذى إقليميًا على الأقل. لكنها آثرت أن تحرز هدفًا في مرماها في اللحظة الأخيرة، من حيث أرادت تشتيت الكرة بعيدًا عنه. فقد صرّح بيريلو في لقائه بوزير الخارجية السوداني بأنه لا يرى مستقبلًا سياسيًا أو عسكريًا للدعم السريع في السودان.
فهل اكتشفت إدارة بايدن فجأة وهي تلملم أوراقها ومتعلقاتها لمغادرة البيت الأبيض، وبعد مرور 19 شهرًا من الحرب في السودان وما صاحبها من فظائع وانتهاكات جسيمة ومجازر مروعة ارتكبتها مليشيا الدعم السريع في حق المدنيين، أن هذه المجموعة المسلحة لا تصلح لأي دور سياسي أو عسكري في مستقبل السودان؟!
ألم تكن إدارة بايدن بما أوتيت من قوة ومن مؤسسات استشارية وأدوات استشعار مبكر وما تملكه من وسائل صنع القرار ومستودعات الفكر التي ترفدها بالمعلومات الموثقة، أن تصل إلى حقيقة ألّا مستقبل للدعم السريع في السودان فلا ترمي بثقلها خلف "الاتفاق الإطاري" الذي كان السبب الأساسي في إشعال نار الحرب؟!
ألم تكن إدارة بايدن عشية 15 أبريل/ نيسان 2023 تدرك أن العواقب ستكون وخيمة، وهي تبارك خطة الدعم السريع وجناحها السياسي (قوى الحرية والتغيير) للاستيلاء على السلطة بالقوة صبيحة اليوم التالي؟!
هل من أحد يمكن أن يصدق أن الدولة العظمى (الوحيدة) كانت ترى الأمور من نفس الزاوية الضيقة التي كانت تنظر منها قوات الدعم السريع وجناحها السياسي المهيض "قحت/تقدم"، على أن الأمر مجرد نزهة، وأن العملية لن تستغرق سوى ساعة من نهار؟! أم أنها كانت تدرك فداحة العواقب، وأنها مغامرة غير محسوبة، لكنها أرادت ذلك رعايةً لمصالح بعض صغار أصدقائها الإقليميين فأعطت الضوء الأخضر لإنفاذها ترضية لهم؟
لا أحد يستطيع الجزم بحقيقة المرامي والأهداف التي جعلت إدارة بايدن تنساق خلف أحلام وأوهام مجموعة مسلحة همجية، وأحلام أغرار دخلوا مضمار السياسة بلا دراية ولا خبرة ولا رؤية، يظنون أن الديمقراطية يمكن أن تُجلب عبر صناديق الذخيرة، لا عن طريق صناديق الاقتراع.
تقف خلفهم قوى تعاني متلازمة تضخم الذات ومصابة بجنون العظمة، وتؤمن بأن المال يمكن أن يحول المستحيل إلى واقع، والحلم إلى حقيقة، وأن البندقية هي الوسيلة الوحيدة للحفاظ على المصالح، وأن علاقات التعاون وحسن الجوار واحترام سيادة الدول ما هي إلا أساطير الأولين اكتتبتها الأمم المتحدة لا تُسمن ولا تُغني من جوع.
أضاعت إدارة بايدن فرصة ظلت سانحة ومتاحة لها طيلة أشهر الحرب في السودان بأن تقود عربة الأزمة للخروج بها بسلام إلى بر الأمان بلا كلفة كبيرة، ومن ثم تكتب في لوحها هذا الإنجاز أنها حقنت الدماء وجنبت السودانيين تلك المجازر المروعة والتشريد والتهجير والنزوح واللجوء، وفوق ذلك السخط عليها وتحميلها جزءًا كبيرًا من المسؤولية جنبًا إلى جنب مع مليشيا الدعم السريع.
لكنها اختارت أن تكون (مجرورة) بعربة المليشيا وجناحها السياسي، فكان حصادها الفشل. إنها العربة التي قادت الأحصنة!
ورغم أنه من المبكر الآن تحديد الاتجاه الذي سيسلكه الرئيس المنتخب دونالد ترامب بشأن الملف السوداني بعد تنصيبه رسميًا رئيسًا للولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني من العام القادم، فإنه يمكن القول إجمالًا إنه لن يسير على ذات الطريق الخطأ الذي سلكه سلفه، وأفضى به إلى الفشل.
والراجح أن إدارة ترامب القادمة ستسلك طريقًا آخر أقل كلفة وأقصر مسافة، وذلك لعدة أسباب؛ أهمها أن الجمهوريين عُرف عنهم البراغماتية في السياسة الخارجية وليس الأيديولوجية. فالأولى واقعية والثانية قد تلامس الخيال في أحيان كثيرة.
كذلك فإن علاقة ترامب بروسيا جيدة، والسودان يحتفظ بعلاقات ممتازة مع روسيا، آخر شواهدها كان بالأمس، حيث استخدمت روسيا الفيتو بمجلس الأمن الدولي لصالح السودان ضد المشروع البريطاني الذي يدعو إلى "وقف فوري للأعمال العدائية بالسودان وحماية المدنيين".
وهو مشروع يرفضه السودان ويرى أنه مفخخ ويفتح الباب لتدخل قوات أممية في السودان، مما يعد انتقاصًا من سيادة الدولة وشرعية الحكومة، وإعادة مليشيا الدعم السريع وجناحها السياسي إلى المشهد مرة أخرى.
وقد وجد الفيتو الروسي ترحيبًا كبيرًا لدى الحكومة السودانية والرأي العام السوداني. لذلك فإن تعاطي ترامب مع الملف السوداني سيكون بتفاهم ناعم ومحسوب مع روسيا كغيره من الملفات التي فيها تقاطعات أميركية روسية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية