عربي21:
2025-01-03@06:04:57 GMT

سحر العلم الفلسطيني.. قبل أوسلو وبعدها!

تاريخ النشر: 19th, September 2023 GMT

"هذه أوّل مرة سيرتفع فيها علم فلسطيني على أرض فلسطينية محرّرة، هذا مكسب معناه أن شعبنا ثُبّت على الخريطة السياسية والجغرافية في النظام العالمي الجديد (..) أقول إلى أهلي وربعي، إلى أحبائي ورفاقي، إلى كل المجاهدين والمناضلين، أطفالاً ونساءً ورجالاً، نحن كما قلت لكم على موعد مع النصر، نحن على موعد مع الفجر".



الكلمات أعلاه؛ هي للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، نقلها عنه الصحفي والإعلامي التونسي الشهير، محمد كريشان، في لقاء أجراه معه من على الطائرة التي أقلّته من تونس إلى واشنطن للاحتفال بتوقيع ما صار يُعرف في الأدبيات السياسية بـ"اتفاقية أوسلو"، وذكّر بها كريشان أخيراً في مقالة له، حملت عنوان "آه لو جُمّد الاستيطان على الأقلّ!"، نشرتها "القدس العربي".

يمكن الوقوف عند ثلاث كلمات في النصّ المأخوذ عن الرئيس عرفات، تتداخل في صورة واحدة، وهي: (١) رفع العلم الفلسطيني لأوّل مرّة، (٢) على أرض فلسطينية محرّرة، (٣) لنكون على موعد مع النصر. الصورة اليوم، بعد ثلاثين سنة على هذه الكلمات مناقضة لمضمونها تماماً، فالشيء الوحيد الباقي منها أنّ العلم الفلسطيني يُرفع بالفعل على الأرض الفلسطينية، لكنّ الأرض ليست محرّرة، ولم نكن بهذه الاتفاقية على موعد مع الفجر، أو مع النصر، فبعد سبع سنوات فقط على هذه الكلمات، اكتشف الفلسطينيون المأساة المظلمة، التي آلت إليها هذه الاتفاقية، فانفجرت الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

ما ينبغي التذكير به، بعد هذه العقود الثلاثة، أنّ العلم الفلسطيني كان يرفع بالفعل على الأرض الفلسطينية، رغماً عن الاحتلال. فلسطينيون أطلق عليهم الرصاص لأنّهم كانوا يرفعون العلم؛ يرسمونه على الجدران، ويحملونه في المظاهرات والمسيرات، وعلى أعمدة الكهرباء، وفوق المآذن. كنت طفلاً في الصفوف الابتدائية، وأرسم مع زملائي العلم على دفاترنا المدرسية.

كان العلم الفلسطيني لا يفارق القرى والمدن والمخيمات الفلسطينية، ويستنزف جيش الاحتلال، وهو يقتحم تلك المناطق لإنزال العلم من على عمود أو مئذنة. الذي اختلف اليوم أنّ الجيش كفّ عن اقتحام تلك المناطق لإنزال العلم، ولكنه يقتحمها للاعتقال والقتل والاغتيال وفرض أوامر الإغلاق على بعض المؤسّسات. كنّا أكثر حرّيّة ونحن نرفع العلم قبل توقيع اتفاقية أوسلو، تماماً كما كانت أرضنا أقلّ مستوطنات وحواجز، فكنّا أكثر حرّيّة في التنقل والحركة فيها!

الواقع الماثل اليوم يغني عن أيّ حجاج في صواب الموقف القائل باستحالة تحقيق سلام تعاقديّ؛ ينطوي في جوهره على إقرار ضمنيّ بالهزيمة لصالح العدوّ المنتصر، فكيف إذا كان أصل العقد لا يتحدث عن شيء من حقوق الفلسطينيين، ولكنّه ينصّ على بقاء العدوّ في الأراضي الفلسطينية التي احتلّها في العام 1967، في إطار صيغة سُمِّيت "إعادة الانتشار" يبقى فيها العدوّ في معسكراته ومستوطناته وحواجزه، مع إحلال قوّات فلسطينية مكانه في تجمعات الفلسطينيين الكبرى!
لا يمكن التقليل من تلك الرومانسيات التي جرت بها، في ذلك الوقت، تغطية اتفاق لم يقم في الأساس على نصر فلسطيني، بل على قبول نهائي بالواقعة الإسرائيلية في بلادنا، ممّا يعني بالضرورة أن أساساً كهذا لن يفضيَ لا إلى فجر ولا إلى نصر. وليس ثمّة حاجة بعد هذه العقود، للاستدلال على ذلك، لأنّ الواقع الماثل اليوم يغني عن أيّ حجاج في صواب الموقف القائل باستحالة تحقيق سلام تعاقديّ؛ ينطوي في جوهره على إقرار ضمنيّ بالهزيمة لصالح العدوّ المنتصر، فكيف إذا كان أصل العقد لا يتحدث عن شيء من حقوق الفلسطينيين، ولكنّه ينصّ على بقاء العدوّ في الأراضي الفلسطينية التي احتلّها في العام 1967، في إطار صيغة سُمِّيت "إعادة الانتشار" يبقى فيها العدوّ في معسكراته ومستوطناته وحواجزه، مع إحلال قوّات فلسطينية مكانه في تجمعات الفلسطينيين الكبرى!

مرّة أخرى وبقطع النظر عن هذه الحقائق التي كانت تعني بالضرورة، أنّ تلك الاتفاقية لم تضمن للفلسطينيين أرضاً محرّرة يرفعون علمهم عليها بحرّيّة، فإنّ حمل الفلسطيني لوثيقة سفر تمكن تسميتها مجازاً بـ"جواز سفر"، ووجود قوات محلّيّة داخل تجمعات الفلسطينيي، وعودة عدد من الفدائيين بسلاحهم وزيّهم العسكريّ من معسكرات اللجوء إلى بلدات فلسطينية، ورفع العلم الفلسطيني، وبثّ النشيد الوطني، وامتلاك الفلسطينيين لإذاعة ومحطة تلفزيونية.. رومانسيات كانت بالغة الأثر في حينه، للقول إنّ ذلك الاتفاق مثّل إنجازاً للفلسطينيين.

ظلّ الفلسطيني ينظر باستمرار لاختلاف أوضاعه عن محيطه العربي، ويتشرّب مرارة لجوئه إلى بلاد مثّلت قروناً طويلة امتداداً لفضائه الاجتماعي، ثمّ وجد نفسه فيها بعد النكبة، غريباً منبوذاً، لاجئاً أم مقاوماً. وهذه المفارقة الفلسطينية حفرت عميقاً في وعي قيادة الحركة الوطنية ما بعد النكبة، لا سيما تلك القيادة التي نشأت على أساس "القُطرية الفلسطينية". وبعد ذلك، كان ثمّة معنى للمناضلين من داخل الأرض المحتلة أن يرفعوا علمهم، الذي كانوا يواجهون الرصاص لأجل رفعه، ويبثّوا نشيدهم ويملكوا إذاعتهم، بعد نضال طويل ضدّ المستعمر الصهيوني، فكان لتلك الرومانسيات دورها في الإقناع بصواب ذلك الاتجاه، الذي قطع الانتفاضة الأولى، وذهب إلى صيغة تعاقديّة، لم تُفضِ بعد هذه السنوات كلّها إلا إلى تكريس الاحتلال أكثر، وتصعيب مهمّة النضال أكثر، وإفقاد تلك الرومانسيات معناها!

اليوم فقدت تلك العناصر بريقها الرومانسي، لأنّ الفلسطيني في الأصل لم يكن يقاتل لأجلها، وإنّما كانت دائماً رمزاً على ما يقاتل لأجله، وهو الحرّيّة الكاملة على فلسطين الكاملة، فكيف والحرّيّة ليست منقوصة على أرض منقوصة؟ بل منعدمة، ووضعت الفلسطيني مقابل الفلسطيني، بعدما كان دائماً مقابل العدوّ المستوطن
اليوم فقدت تلك العناصر بريقها الرومانسي، لأنّ الفلسطيني في الأصل لم يكن يقاتل لأجلها، وإنّما كانت دائماً رمزاً على ما يقاتل لأجله، وهو الحرّيّة الكاملة على فلسطين الكاملة، فكيف والحرّيّة ليست منقوصة على أرض منقوصة؟ بل منعدمة، ووضعت الفلسطيني مقابل الفلسطيني، بعدما كان دائماً مقابل العدوّ المستوطن.

أدرك رابين أن أوسلو ستخرج دولته من مأزق الانتفاضة الأولى، ولكنّها أنشأت أيضاً بنى سياسية واجتماعية واقتصادية فلسطينية على أساس تعاقديّ في إطار التفوّق الإسرائيلي المطلق وتحكّمه الكامل، وتحويل تيار مهمّ من الحركة الوطنية الفلسطينية إلى هذه البنى، ثمّ تكبيل مجاميع الفلسطينيين في كلّ مكان بها، ثمّ جعلها أساساً للتحرّك السياسي الإسرائيلي في العالم، ممّا يعني أن خلاص العدوّ بأوسلو كان أكبر من مجرّد خروجه من مأزق الانتفاضة الأولى!

مرّة أخرى؛ لم يعد لتلك الرومانسيات سحرها، لكن ما ينبغي الخلوص إليه بعد هذه التجربة، هو النظر دائماً إلى جوهر الأشياء، والنفاذ من سحر البريق الظاهر، إلى الحقائق الباطنة لكلّ شيء، لأنّ لعبة السحر والبريق وتزيين الكلمات لا تتوقف؛ لا في وجود الإنسان من حيث هو، ولا في صراع كهذا!

بقيت كلمة أخيرة تعليقاً على قول الرئيس الراحل "هذا مكسب معناه أن شعبنا ثُبّت على الخريطة السياسية والجغرافية في النظام العالمي الجديد"، وهي أنّ ما ثَبَّت شعبنا على الخرائط السياسية والجغرافية في أنظمة العالم المتحوّلة كلّها، هو نضاله ومقاومته ورفضه فحسب.

twitter.com/sariorabi

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فلسطيني ياسر عرفات الاحتلال اتفاقية أوسلو الإسرائيلية إسرائيل فلسطين الاحتلال ياسر عرفات اتفاقية أوسلو مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على موعد مع بعد هذه على أرض

إقرأ أيضاً:

كشكوليات الإستقلال والحرب العبثية

بسم الله الرحمن الرحيم
وجهة نظر
من داخل قبة البرلمان في يوم19ديسمبر 1955م قدم المرحوم حريكة عضو حزب الامة القومي مشروع قرار للبرلمان يطالب بإعلان الإستقلال وثني هذا الاقتراح المرحوم سهل المرضي؛
وفاز الاقتراح بإجماع نواب البرلمان؛
فكان يوما سعيدا في تاريخ السودان؛ وتوالت الاحداث ورفع المرحوم إسماعيل الأزهري والمرحوم محمد احمد محجوب علم الإستقلال علي سارية القصر الجمهوري في يوم 1يناير1956م
معلنين إستقلال السودان عن دولتي الحكم الثنائي مصر وإنجلترا وعزف السلام الجمهوري وتم إنزال علمي المستعمر.

نعم تم رفع العلم واصبح السودان دولة مستقلة وخرج المستعمر إلي غير رجعة؛
ولكن هل كان ذلك الحدث الذي افرح كل الشعب السوداني وقتها إستقلالا حقيقيا;ام انه فقط خروج دولتي الحكم الثنائي؛ مصر وإنجلترا(طبعا مصر كانت جزء من الإستعمار التركي للسودان).
لم ينعم السودانيين بالإستقلال فكان إنقلاب عبود في17نوفمبر1958م الذي ادخل الوطن في دوامة ساقية الإنقلابات
الشريرة وحرب الجنوب وطرد القساوسة؛.
كانت ثورة اكتوبر 1964م الظافرة التي ازاحت عبود؛ ولكن لم تنعم الديمقرتطية بنفس طويل فكان إنقلاب جعفر نميري مايو1969م وتقلباته بين اليساروالبعث ثم حركة يوليو التصحيحية ومجزرة بيت الضيافة ثم إرتمائه في أحضان الإخوان ثم التصوف وصولا لثورة رجب ابريل؛التي إنقلب عليها الكيزان في يونيو1989م فأصبح حكما عقائديا ايدولوجيا جثم علي صدر
الشعب السوداني لفترة ثلاثة عقود اذاق فيها الشعب السوداني انواعا وصنوفا من العذاب والكبت والإرهاب؛ فرأي الشعب السوداني النجم عز النهار؛ثم جاء الفرج عبر ثورة ديسمبر2018م ليكون هنالك إنفراجا مؤقتا ؛ فعادت ساقية لجنة البشير الامنية لتسيطر علي المشهد مرة اخري؛ وحرب15ابريل 2023م؛
لتحيل ما تبقي من السودان إلي ساحة إقتتال لايعلم الشعب السوداني متي تضع الحرب اوزارها.

هذا السرد كل الشعب السوداني يعرفه عن ظهر قلب وأكثر من ذلك كل التفاصيل منذ رفع العلم علي سارية القصر الجمهوري في الأول من يناير1956م وحتي يومنا هذا
1يناير2025م.

بنظرة فاحصة مع فرش متاع وجرد حساب؛ 69 عاما من عمر الإستقلال؛
هلا سأل كل مواطن سوداني:::

ماذا حققنا من اجل وطننا؟؟؟

حروب اهلية منذ ماقبل رفع العلم وحتي كتابة هذه السطور؛
اليس كذلك؟
تم فصل الجنوب!!!!
اليس كذلك؟

اين العقلاء وأهل الرشد من السودانيين والحرب تقضي علي الأخضر واليابس؟؟

البعض ينادي لا للحرب نعم للسلام؛
والبعض ينادي بل وجغم بس؛
وبينهما يدفع المواطن السوداني ثمنا باهظا جدا جدا جدا لة يعرف قيمته إلا من عايش تلك المأساة؛
قتل
دمار
نزوح
هجرة
فقر
مرض
جهل
إعاقة بكل انواعها
لجوء مع المذلة والاستغلال
تشرد
تفكك النسيج الإجتماعي

ازدياد نبرة ولغة خطاب الكراهية والعنصرية والقبلية والمناطقية والعقائدية.

كيف الدبارة كما يقول الاستاذ ابوعركي البخيت امد الله في ايامه؟؟؟

نعم للسلام

لا للحرب

لازم تقيف

قنات  

مقالات مشابهة

  • عام 2024 يشهد ارتفاعاً ملحوظاً في وتيرة “الإستيطان والإستيلاء على الأراضي الفلسطينية”
  • تقرير: إسرائيل تنفذ في 2024 أكبر استيلاء على الأراضي الفلسطينية
  • تعرف على أبرز محطات صدام السلطة الفلسطينية مع فصائل المقاومة منذ أوسلو
  • قائد الثورة: من المؤسف أن تصنف دول عربية المقاومة الفلسطينية بالإرهاب وتتجاهل العدو الإسرائيلي وإجرامه الذي لا مثيل له
  • قائد الثورة: من المؤسف أن تتورط السلطة الفلسطينية في تحويل المعركة بالضفة إلى قتال بين أبناء شعبها
  • السيد القائد يدعو الى مساعي جادة لوقف اعتداءات السلطة الفلسطينية
  • السلطة الفلسطينية توقف بث قناة الجزيرة
  • المقاومة الفلسطينية تقصف نتيفوت بالصواريخ وتوقع رتلاً صهيونياً في جباليا في حقل ألغام
  • كشكوليات الإستقلال والحرب العبثية
  • القطاع الصحي بحجة ينظم وقفات احتجاجية تضامناً مع الشعب الفلسطيني