عربي21:
2024-10-08@07:55:44 GMT

سحر العلم الفلسطيني.. قبل أوسلو وبعدها!

تاريخ النشر: 19th, September 2023 GMT

"هذه أوّل مرة سيرتفع فيها علم فلسطيني على أرض فلسطينية محرّرة، هذا مكسب معناه أن شعبنا ثُبّت على الخريطة السياسية والجغرافية في النظام العالمي الجديد (..) أقول إلى أهلي وربعي، إلى أحبائي ورفاقي، إلى كل المجاهدين والمناضلين، أطفالاً ونساءً ورجالاً، نحن كما قلت لكم على موعد مع النصر، نحن على موعد مع الفجر".



الكلمات أعلاه؛ هي للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، نقلها عنه الصحفي والإعلامي التونسي الشهير، محمد كريشان، في لقاء أجراه معه من على الطائرة التي أقلّته من تونس إلى واشنطن للاحتفال بتوقيع ما صار يُعرف في الأدبيات السياسية بـ"اتفاقية أوسلو"، وذكّر بها كريشان أخيراً في مقالة له، حملت عنوان "آه لو جُمّد الاستيطان على الأقلّ!"، نشرتها "القدس العربي".

يمكن الوقوف عند ثلاث كلمات في النصّ المأخوذ عن الرئيس عرفات، تتداخل في صورة واحدة، وهي: (١) رفع العلم الفلسطيني لأوّل مرّة، (٢) على أرض فلسطينية محرّرة، (٣) لنكون على موعد مع النصر. الصورة اليوم، بعد ثلاثين سنة على هذه الكلمات مناقضة لمضمونها تماماً، فالشيء الوحيد الباقي منها أنّ العلم الفلسطيني يُرفع بالفعل على الأرض الفلسطينية، لكنّ الأرض ليست محرّرة، ولم نكن بهذه الاتفاقية على موعد مع الفجر، أو مع النصر، فبعد سبع سنوات فقط على هذه الكلمات، اكتشف الفلسطينيون المأساة المظلمة، التي آلت إليها هذه الاتفاقية، فانفجرت الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

ما ينبغي التذكير به، بعد هذه العقود الثلاثة، أنّ العلم الفلسطيني كان يرفع بالفعل على الأرض الفلسطينية، رغماً عن الاحتلال. فلسطينيون أطلق عليهم الرصاص لأنّهم كانوا يرفعون العلم؛ يرسمونه على الجدران، ويحملونه في المظاهرات والمسيرات، وعلى أعمدة الكهرباء، وفوق المآذن. كنت طفلاً في الصفوف الابتدائية، وأرسم مع زملائي العلم على دفاترنا المدرسية.

كان العلم الفلسطيني لا يفارق القرى والمدن والمخيمات الفلسطينية، ويستنزف جيش الاحتلال، وهو يقتحم تلك المناطق لإنزال العلم من على عمود أو مئذنة. الذي اختلف اليوم أنّ الجيش كفّ عن اقتحام تلك المناطق لإنزال العلم، ولكنه يقتحمها للاعتقال والقتل والاغتيال وفرض أوامر الإغلاق على بعض المؤسّسات. كنّا أكثر حرّيّة ونحن نرفع العلم قبل توقيع اتفاقية أوسلو، تماماً كما كانت أرضنا أقلّ مستوطنات وحواجز، فكنّا أكثر حرّيّة في التنقل والحركة فيها!

الواقع الماثل اليوم يغني عن أيّ حجاج في صواب الموقف القائل باستحالة تحقيق سلام تعاقديّ؛ ينطوي في جوهره على إقرار ضمنيّ بالهزيمة لصالح العدوّ المنتصر، فكيف إذا كان أصل العقد لا يتحدث عن شيء من حقوق الفلسطينيين، ولكنّه ينصّ على بقاء العدوّ في الأراضي الفلسطينية التي احتلّها في العام 1967، في إطار صيغة سُمِّيت "إعادة الانتشار" يبقى فيها العدوّ في معسكراته ومستوطناته وحواجزه، مع إحلال قوّات فلسطينية مكانه في تجمعات الفلسطينيين الكبرى!
لا يمكن التقليل من تلك الرومانسيات التي جرت بها، في ذلك الوقت، تغطية اتفاق لم يقم في الأساس على نصر فلسطيني، بل على قبول نهائي بالواقعة الإسرائيلية في بلادنا، ممّا يعني بالضرورة أن أساساً كهذا لن يفضيَ لا إلى فجر ولا إلى نصر. وليس ثمّة حاجة بعد هذه العقود، للاستدلال على ذلك، لأنّ الواقع الماثل اليوم يغني عن أيّ حجاج في صواب الموقف القائل باستحالة تحقيق سلام تعاقديّ؛ ينطوي في جوهره على إقرار ضمنيّ بالهزيمة لصالح العدوّ المنتصر، فكيف إذا كان أصل العقد لا يتحدث عن شيء من حقوق الفلسطينيين، ولكنّه ينصّ على بقاء العدوّ في الأراضي الفلسطينية التي احتلّها في العام 1967، في إطار صيغة سُمِّيت "إعادة الانتشار" يبقى فيها العدوّ في معسكراته ومستوطناته وحواجزه، مع إحلال قوّات فلسطينية مكانه في تجمعات الفلسطينيين الكبرى!

مرّة أخرى وبقطع النظر عن هذه الحقائق التي كانت تعني بالضرورة، أنّ تلك الاتفاقية لم تضمن للفلسطينيين أرضاً محرّرة يرفعون علمهم عليها بحرّيّة، فإنّ حمل الفلسطيني لوثيقة سفر تمكن تسميتها مجازاً بـ"جواز سفر"، ووجود قوات محلّيّة داخل تجمعات الفلسطينيي، وعودة عدد من الفدائيين بسلاحهم وزيّهم العسكريّ من معسكرات اللجوء إلى بلدات فلسطينية، ورفع العلم الفلسطيني، وبثّ النشيد الوطني، وامتلاك الفلسطينيين لإذاعة ومحطة تلفزيونية.. رومانسيات كانت بالغة الأثر في حينه، للقول إنّ ذلك الاتفاق مثّل إنجازاً للفلسطينيين.

ظلّ الفلسطيني ينظر باستمرار لاختلاف أوضاعه عن محيطه العربي، ويتشرّب مرارة لجوئه إلى بلاد مثّلت قروناً طويلة امتداداً لفضائه الاجتماعي، ثمّ وجد نفسه فيها بعد النكبة، غريباً منبوذاً، لاجئاً أم مقاوماً. وهذه المفارقة الفلسطينية حفرت عميقاً في وعي قيادة الحركة الوطنية ما بعد النكبة، لا سيما تلك القيادة التي نشأت على أساس "القُطرية الفلسطينية". وبعد ذلك، كان ثمّة معنى للمناضلين من داخل الأرض المحتلة أن يرفعوا علمهم، الذي كانوا يواجهون الرصاص لأجل رفعه، ويبثّوا نشيدهم ويملكوا إذاعتهم، بعد نضال طويل ضدّ المستعمر الصهيوني، فكان لتلك الرومانسيات دورها في الإقناع بصواب ذلك الاتجاه، الذي قطع الانتفاضة الأولى، وذهب إلى صيغة تعاقديّة، لم تُفضِ بعد هذه السنوات كلّها إلا إلى تكريس الاحتلال أكثر، وتصعيب مهمّة النضال أكثر، وإفقاد تلك الرومانسيات معناها!

اليوم فقدت تلك العناصر بريقها الرومانسي، لأنّ الفلسطيني في الأصل لم يكن يقاتل لأجلها، وإنّما كانت دائماً رمزاً على ما يقاتل لأجله، وهو الحرّيّة الكاملة على فلسطين الكاملة، فكيف والحرّيّة ليست منقوصة على أرض منقوصة؟ بل منعدمة، ووضعت الفلسطيني مقابل الفلسطيني، بعدما كان دائماً مقابل العدوّ المستوطن
اليوم فقدت تلك العناصر بريقها الرومانسي، لأنّ الفلسطيني في الأصل لم يكن يقاتل لأجلها، وإنّما كانت دائماً رمزاً على ما يقاتل لأجله، وهو الحرّيّة الكاملة على فلسطين الكاملة، فكيف والحرّيّة ليست منقوصة على أرض منقوصة؟ بل منعدمة، ووضعت الفلسطيني مقابل الفلسطيني، بعدما كان دائماً مقابل العدوّ المستوطن.

أدرك رابين أن أوسلو ستخرج دولته من مأزق الانتفاضة الأولى، ولكنّها أنشأت أيضاً بنى سياسية واجتماعية واقتصادية فلسطينية على أساس تعاقديّ في إطار التفوّق الإسرائيلي المطلق وتحكّمه الكامل، وتحويل تيار مهمّ من الحركة الوطنية الفلسطينية إلى هذه البنى، ثمّ تكبيل مجاميع الفلسطينيين في كلّ مكان بها، ثمّ جعلها أساساً للتحرّك السياسي الإسرائيلي في العالم، ممّا يعني أن خلاص العدوّ بأوسلو كان أكبر من مجرّد خروجه من مأزق الانتفاضة الأولى!

مرّة أخرى؛ لم يعد لتلك الرومانسيات سحرها، لكن ما ينبغي الخلوص إليه بعد هذه التجربة، هو النظر دائماً إلى جوهر الأشياء، والنفاذ من سحر البريق الظاهر، إلى الحقائق الباطنة لكلّ شيء، لأنّ لعبة السحر والبريق وتزيين الكلمات لا تتوقف؛ لا في وجود الإنسان من حيث هو، ولا في صراع كهذا!

بقيت كلمة أخيرة تعليقاً على قول الرئيس الراحل "هذا مكسب معناه أن شعبنا ثُبّت على الخريطة السياسية والجغرافية في النظام العالمي الجديد"، وهي أنّ ما ثَبَّت شعبنا على الخرائط السياسية والجغرافية في أنظمة العالم المتحوّلة كلّها، هو نضاله ومقاومته ورفضه فحسب.

twitter.com/sariorabi

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فلسطيني ياسر عرفات الاحتلال اتفاقية أوسلو الإسرائيلية إسرائيل فلسطين الاحتلال ياسر عرفات اتفاقية أوسلو مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على موعد مع بعد هذه على أرض

إقرأ أيضاً:

السيد عبدالملك الحوثي: أمريكا شريك أساسي في جرائم الإبادة التي يرتكبها العدو الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني

يمانيون|

أكد قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، في كلمته اليوم بمناسبة الذكرى الأولى لعملية “طوفان الأقصى”، أن الولايات المتحدة الأمريكية تعد شريكًا رئيسيًا وممولًا لكافة الجرائم التي يرتكبها العدو الصهيوني في فلسطين، حيث قامت بضخ كميات كبيرة من الأسلحة إلى العدو الإسرائيلي منذ أكثر من نصف قرن.

وأوضح السيد القائد، أن أمريكا، خلال عام كامل من العدوان على غزة، شيّدت جسراً جوياً وبحرياً لإمداد العدو الصهيوني بأحدث وسائل القتل والإبادة الجماعية، وقدمت أمريكا أسلحة بقيمة مليارات الدولارات منذ اليوم الثاني للعدوان، في 8 أكتوبر، عبر مئات طائرات الشحن و100 سفينة، لنقل عشرات آلاف الأطنان من المعدات العسكرية إلى العدو الصهيوني.

وأضاف، أن الصفقات الأمريكية لم تتوقف طوال العام، حيث قدمت أمريكا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العدوان وحدها ما يزيد عن ملياري دولار، وأكثر من 240 طائرة شحن و20 سفينة، في إطار أكثر من 100 صفقة سلاح.

وأكد السيد القائد، أن الدعم العسكري الأمريكي استمر حتى الشهر الماضي، حيث أبرمت صفقة جديدة بمليارات الدولارات لتزويد العدو الإسرائيلي بأسلحة جديدة.

وأشار السيد القائد إلى أن العدو الإسرائيلي يعتمد بشكل كبير على الأسلحة الأمريكية، رغم امتلاكه صناعة أسلحة خاصة به، مشيراً إلى أن الطائرات والقنابل الأمريكية لعبت دوراً كبيراً في عدوانها على غزة، كما كشف أن الولايات المتحدة منعت تمرير خمسة قرارات في مجلس الأمن كانت تهدف لفرض هدنة أو وقف إطلاق النار في غزة.

وفيما يتعلق بالمواقف السياسية، لفت السيد القائد، إلى تحركات القادة الأمريكيين لدعم كيان العدو الصهيوني، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي المجرم جو بايدن، الذي قام بزيارة العدو الإسرائيلي عشر مرات خلال فترة العدوان على غزة.

كما ندد السيد القائد، بقمع السلطات الأمريكية للتظاهرات الطلابية في الجامعات الأمريكية، التي خرجت للتنديد بجرائم الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة.

مقالات مشابهة

  • فصائل المقاومة الفلسطينية: الكثير بانتظار العدو وموحدون في رؤيتنا وقرارنا
  • العدو الصهيوني يجدد اعتداءاته على عدد من القرى والمدن الفلسطينية
  • استشهاد الشيخ الفلسطيني أبو هليل بعد اعتداء قوات العدو عليه بالضرب
  • المقاومة الفلسطينية تستهدف “تل أبيب” برشقة صاروخية رداً على مجازر الاحتلال الإسرائيلي المستمرة بحق الشعب الفلسطيني
  • صنعاء .. وقفة تضامنية في سنحان – بلاد الروس مع الشعبين الفلسطيني واللبناني
  • الحديدة.. وقفات طلابية تضامناً مع الشعبين الفلسطيني واللبناني
  • حماس: عملية بئر السبع امتداد طبيعي لعمليات أبناء الشعب الفلسطيني ضد العدو الصهيوني ورد متوقعٌ على جرائمه
  • مدارس الحديدة تنظم وقفات تضامنية مع الشعبين الفلسطيني واللبناني
  • السيد عبدالملك الحوثي: أمريكا شريك أساسي في جرائم الإبادة التي يرتكبها العدو الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني
  • حزب الله يواصل تصديه لقوات العدو عند الحدود اللبنانية الفلسطينية