بقلم/ عبدالرحمن الراشد
هل لبلدٍ ضاربةٍ جذورُه في التاريخ، وعملاقٍ في المساحة والسكانِ، بحجمِ الهند، أن يغيّرَ اسمَه؟
يبدو الأمرُ غريباً؛ لأنَّ اسمَ الهندِ من شهرته صارَ من أسمائنا، لكنَّ دولاً عدة سبقت الهند واستحدثت لنفسها اسماً جديداً أو استنبطته من تاريخها.
نحن نعرفُ الهندَ عالمياً على الخريطة، وعلى الأرضِ، أكثرَ من بهارات.
الحقيقة، كلُّنا نعرف الهندَ بالهند قبل الإنجليز، العربُ والرومانُ والعالمُ كانَ يسميها الهند منذ ألفيْ عام.
مع ذلك، يجوزُ للهند ما جازَ لسريلانكا التي تخلَّت عن اسمِ سِيلان، وكان يسميها العربُ الأوائل «سَرَنْدِيب». وبورما صارت ميانمار، ونسمي أهلها البرماويين. وبنغلاديش التي كانت تُسمى باكستان الشرقية، والكونغو بعد استيلاء موبوتو على السلطة سمَّاها زائير، وبعد أن استولَى على نفس السلطة كابيلا أعاد تسميتَها الكونغو، ولا تزال. وروسيا صارت مجردَ اسمٍ داخل الاتحاد السوفياتي، وبعد سقوطِ الشيوعيةِ عادت إلى روسيا. ولا ننسى مصرَ، عبد الناصر عندما اتَّفق مع القوتلي على اتحاد مصر وسوريا قرَّر تسميةَ البلدِ الجديد بالجمهورية العربية المتحدة، وتخلَّى عن مصر؛ الاسم الذي عمرُه أكثرُ من ثلاثةِ آلافِ سنة. وبعد ثلاثِ سنوات وقع انقلابٌ في سوريا التي قرَّرت استعادةَ اسمِها التاريخي. وبعد عشرِ سنواتٍ تُوفي عبد الناصر وجاءَ السادات، الذي أعادَ مصرَ إلى اسمِها التاريخي، وتخلَّى عن المشروعِ القومي برُمَّتِه.
الهندُ ستقرّرُ من خلال مساراتِها التشريعية والسياسية، مع أنَّ المحكمةَ العليا رفضتِ التغييرَ، أيَّ اسمٍ تحب أن يسميَها به العالم. وقد تابعتُ النقاشَ الدائرَ هناك، حيث عبَّرت فئاتٌ ليست بالقليلةِ عن اعتراضها، وتريد الإبقاءَ على الهند. تقول الأصواتُ المعترضةُ إنَّ حزبَ «باراتيا» أو «بهاراتيا»، الحاكمَ، وراءَ التغييرِ من قبيل الشعبوية، وفي الهندِ حزبان رئيسيان هو أحدهما.
البهاراتيون يقولون إنَّ الإنجليزَ هم من سمَّوا الهندَ الهندَ، ويريدون التَّخلصَ من رواسبِ الاستعمار. وهذا الأمرُ ليسَ دقيقاً؛ فالهند مثلُ الأممِ التاريخية، روما واليونان ومصر وفارس، أعرف بهذه الأسماء لأكثرَ من ألفي عام. العربُ، حتى قبل الإسلام وقبل اجتياح المغول للهند، كانوا يرحلون إليها ويسمونها في أدبياتهم الهندَ، وشرقَ السند. عرفوها من خلال التجارة ورحلاتِ القوافل. كانت مصدراً للنسيج واللآلئ والسيوفِ والبهارات. وبهاراتُ بالفعل من أسمائِها القديمة، إنَّما لم يشتهر مثل اسم الهند. الإنجليز حافظوا على اسمِها التاريخي ورفعوا من مكانتِها بين مستعمراتِهم، جعلوها مركزاً يحكمون منه آسيا وأفريقيا.
على أية حال، ما سيختاره الهنود أو البهاراتيون، سيقبل به العالم، فهو شأنُهم، خاصةً أنَّنا نعيش في حقبة لم نعد كيف نسمي مَن بماذا، ولم يعد مهماً رأي الآخرين كثيراً. ناديَّ المفضل لكرة القدم الأميركية في واشنطن دي سي، كانَ اسمُه ريدسكن (ذو البشرة الحمراء، أو الهنود الحمر).
هذا اسمه من عام 1933، وفي عام 2020 ومع الهيجان الاجتماعي في ذلك العام، قرَّر النادي أن يسمي نفسَه كوماندرز (القادة)، ويتخلَّى عن اسمِه الأصلي، مع أنَّ الأميركيين الأصليين قالوا في استفتاء واسع إنَّهم لا يعدون الريدسكن اسماً مهيناً. فتح ذلك الباب على ملاحقةِ التسميات التاريخية والفنية وحتى الجنسية، الذكر والأنثى، والحيوانات والأشياء، وفي الأخير سنضطر إلى أن نسميَ «الأشياءَ» ليس بأسمائها، بل بما يفرض علينا أن نسميَها.
نقلاً عن الشرق الاوسط
المصدر: سام برس
إقرأ أيضاً:
صرح فريد لا تحلق فوقه الطائرات!
الهند – كاد أن يفقد عقله من شدة حزنه على فقد زوجته الغالية عن عمر ناهز 38 عاما أثناء ولادتها طفلها الرابع عشر. بعد عامين من العزلة والحداد قرر بناء صرح يخلد محبوبته.
لم يكن هذا الرجل شخصا عاديا. إنه شاه جهان، خامس سلاطين الإمبراطورية المغولية في الهند، والفقيدة زوجته الثالثة الحسناء ممتاز محل التي فارقته بعد حياة مشتركة استمرت 19 عاما.
الملك شاه جهان كان الإمبراطور المغولي بين عامي “1630 – 1648”. إمبراطورية كانت تمتد على أراضي الهند الحالية وباكستان وبنغلاديش وجنوب شرق أفغانستان لأكثر من 300.
أما ممتاز محل فقد كان اسمها بالولادة أرجوماند بانو بيجوم، وهي من عائلة فارسية رفيعة، وتوصف بأنها كانت تتميز بالذكاء وبشغفها بالتعلم وبأنها كانت تتحدث العربية والفارسية بطلاقة، وكانت تقرض الشعر أيضا.
اشتهرت في صباها بالتواضع والاستقامة ما جعلها عروسا يرغب فيها الكثيرون. تعرفت على شاه جيهان قبل أن يصبح ملكا على المغول واقترنت به في عام 1612 وهي في عمر 19 عاما.
شاه جيهان كانت له ست زوجات. يقول مؤرخون إن خمسا من زيجاته كانت لدوافع سياسية، فيما كان ترتيب ممتاز محل الثالثة، إلا أن علاقته بها كانت تختلف تماما عن الأخريات. مع بقية زوجاته كانت العلاقة رسمية صرفة، في حين ارتبط بعلاقة عميقة وحميمية بممتاز محل. كانت هذه الزوجة دون الأخريات رفيقته في كل مكان بما في ذلك خلال حملاته العسكرية. فعلت ذلك على الرغم من أنها على مدى 19 عاما حملت 14 مرة.
إضافة إلى ذلك كانت ممتاز محل مستشارة جيهان خان التي يثق بها بشكل تام، وكان يأخذ رايها في كل صغيرة وكبيرة، وأطلق عليها العديد من ألقاب الوجاهة والإكبار مثل ملكة العالم، ومليكة الزمان.
فيما كان الحزن يعتصر شاه جهان وزوجته الحبيبة تختضر تعهد لها ببناء ضريح فريد، إلا أنه لم يفعل ذلك على الفور. قضى عامين في عزلة وتقشف، وحين خرج على رعيته بعد ذلك كان ظهره قد انحنى وشاب شعره، وبدا مثل عجوز على الرغم من أنه لم يتجاوز حينها من العمر الأربعين عاما.
كلف شاه جهان ببناء الصرح الذي سيخلد محبوبته الغالية ممتاز محل، أفضل مهندسيه ويدعى أحمد معمر لاهوري. صمم هذا المهندس الذي منح لقب “نادر العصر”، ضريج ممتاز محل وكامل مسجد تاج محل.
انطلقت أعمال البناء في عام 1632 بمدينة أغرا الواقعة على بعد 200 كيلو متر جنوب دلهي على ضفاف نهر جامونا، واستمرت أكثر من عشرين عاما بمشاركة ما يزيد عن 20000 من أمهر العمال الذين استقدموا من مختلف أنحاء الهند وآسيا الوسطى. صرح الحب الرائع والخالد الذي شيد من الرخام الأبيض اكتمل في عام 1653.
حين اكتمل الصرح الرائع، أمر شاه جهان ببناء ضريح ثان مخصص له، طبق الأصل لكن من الرخام الأسود. هذا المشروع بدأ إلا أنه لم يُكتب له أن يكتمل.
تقاتل أبناء الشاه جهان على وراثة العرش، وفي عام 1658، أطاح بشاه جهان أحد أبنائه ويدعى أورنجزيب. زج بوالده في سجن ببرج الحصن الأحمر بمدينة أغرا. بقي الشاه المخلوع عدة سنوات خلف القضبان في زنزانة تطل نافذتها على تاج محل، إلى أن فارق الحياة والتحق بزوجته الحبيبة في عام 1666.
صرح الرخام الأبيض والمحبة الأبدية أدرجته منظمة اليونسكو في عام 1983 في برنامجها لمواقع التراث العالمية باعتباره “لؤلؤة الفن الإسلامي في الهند، وواحدا من روائع التراث المعترف بها عالميا التي تحظى بالإعجاب في جميع أنحاء العالم”.
تاج محل الذي لا يزال حتى الآن يخلب الألباب بمعماره الفريد وبما يحمل من معان سامية لقصة حب فريدة، مقصدا سياحيا رفيعا يزوره في كل عام حوالي 5 ملايين شخص. أهميته التاريخية القصوى تظهر في حظر تحليق الطائرات فوقه.
المصدر: RT