كيف تؤثر التكنولوجيا على الأداء اللغوي لدى الجيل الجديد؟
تاريخ النشر: 19th, September 2023 GMT
هيمنة الهواتف وأجهزة الحاسوب والانخراط في مجتمع يعجّ بوسائل التكنولوجيا الحديثة ووسائل الترفيه المطروحة في الطرقات، تجعل القراءة والمطالعة إحدى الأمور الصعبة على الأطفال، والتي قد لا تستهويهم أو تشد انتباههم وقد يعتبرها البعض "ليست إلا كماليات".
وتزداد المخاوف تجاه ضعف اللغة المنتشر بين الأطفال والمراهقين يوما بعد يوم، وهذا الخوف لا يعد خوفا عربيا فقط، بل نجد تراجعا واضحا في صفوف القرّاء باختلاف جنسياتهم وأصولهم، ونرى الفجوة تكبر كل يوم بين الإنسان والكتاب، حتى يصبح جيل التطور والتكنولوجيا جيلا لا يقرأ، ويفتقر إلى القدرة على التعبير عن نفسه وعن رغباته واحتياجاته، ومن ثم تفقد المجتمعات هويتها، فاللغة هوية الحضارات وممثلها، والتي تسطّر ملامحها لتنقلها من جيل إلى آخر، ومن حقبة إلى أخرى.
"أعتقد بأن الأمر يصبح أصعب مع مرور الوقت، والوضع يزداد سوءًا في كل عام، حيث تقل قدرات الطلبة في التعبير عن أنفسهم، ويزداد ضعفهم في القراءة ويقل حبهم للكتب"
هذا ما قالته المشرفة التربوية الأردنية عواطف خالد، حيث كان قلقها تجاه تراجع اللغة ونصيب الجيل الجديد منها واضح المعالم نتيجة سنوات عديدة في مجال التعليم.
وأضافت عواطف في حديثها لـ"عربي21": "في السابق كان يميل الأطفال إلى زيارة المكتبة واستعارة الكتب منها، أما الآن فقد قلّ إقبال الجيل الجديد على المكتبات بشكل ملحوظ، وأصبح من النادر استعارة الكتب بسبب الاعتماد الأكبر على التقنيات الحديثة التي توفر لهم إجابات واضحة عن أسئلتهم بوقت أسرع وبجهد أقل".
وهذا ما أكدته إلهام الطالبي، الباحثة في علم الاجتماع من المغرب، في تصريحات إعلامية لها: "لم يعد لدى الغالبية القدرة على القراءة أو قضاء وقت كبير في الاطلاع على معلومات في الكتب أو الصحف الورقية".
التكنولوجيا وتأثيرها على القراءة
في عصر التكنولوجيا الذي نعيشه تزداد التحديات والمخاوف، فمنح الأطفال هواتف محمولة قد يكون وسيلة لإبعادهم عن لغتهم الأم، فرغم إيجابيات التكنولوجيا في التعليم ومساهمتها في تطويره، إلا أنه سلاح ذو حدّين، وأكدت عواطف على ذلك بقولها: "اعتمدنا على التكنولوجيا بشكل كامل في فترة الوباء "كورونا"، حيث واجه المعلم صعوبات كبيرة في محاولة إصلاح ما أفسدته التكنولوجيا في الطلبة بعد عودتهم إلى التعليم الوجاهي في المدارس بعد عامين، فقد خلفت تلك الفترة أضرارا واضحة على الجيل الجديد، ووجدنا جيلا لا يستطيع الكتابة، ولا يستطيع القراءة، ويجد صعوبة في التعبير عن نفسه".
وهذا أمر لا يستهان به، فقضاء وقت طويل على الهاتف يؤدي إلى ضعف الأداء الاجتماعي للطفل، وضعف ممارسة اللغة، وسماعها من الناطقين بها، واستخدامها في التعبير عن الأفكار والاحتياجات، إذ يقلل هذا من قدرة الفرد على استحضار الألفاظ المناسبة عند الحاجة إليها، نتيجة محدودية مفرداته.
وفي الإجابة على سؤال "عربي21" عن ما إذا كانت المعلومات المحمّلة من خلال وسائل التكنولوجيا الحديثة كالكتب الإلكترونية وغيرها بديلاً مناسبا للطفل عن الكتاب الورقي، أفادت عواطف: "قضاء الوقت على الهاتف يولّد أخطاءً واضحة في الكتابة، وقصورا في فهم بعض الجمل، وعدم القدرة على التحليل والتفكير الناقد، حتى في حصص الاستماع قد لا يكون الطفل قادرا على إعادة صياغة جمل مكوّنة من ثلاث كلمات فقط، وذلك لأنه بعيد كل البعد عن المصدر الرئيسي الذي يبث المعلومات الصحيحة وبالشكل الصحيح ألا وهو "الكتاب"، وبذلك ستبقى لغة الجيل الجديد ركيكة ومعجمهم اللغوي قليل وقد لا يسعفهم في التعبير عن ذواتهم بشكل صحيح."
واستدركت: "ساهم التطور التكنولوجي في نشر الكتب أكثر، وسهّل الوصول إليها، وبكلفة أقل من خلال النسخة الرقمية من كل كتاب، وهذه حسنة لا يمكن تجاهلها، لكن العصر التكنولوجي يمتاز بالسرعة وقلة الجهد، فتعطي المواقع الإلكترونية المختصر من كل شيء، وجوهر كل موضوع دون التعمق به، كما أنني أعتقد أن حمل الكتاب الورقي والمطالعة منه قد يكون أكثر متعة للأطفال والجيل الجديد كما هو الحال بالنسبة إلى الشباب وكبار السن".
وهذا بالتأكيد ما لمسه القرّاء الشباب الذين يميلون إلى حمل الكتب الورقية والمطالعة منها، فالقدرة على تذوّق النص الأدبي من خلال الكتاب الورقي قد تسهّل على القارئ إنشاء علاقة ودودة بينه وبين كتابه بتخيّله لشخصيات العمل الروائي أو القصصي، وقدرته على تصوّر هيئة المكان والأصوات المصاحبة للأحداث وغير ذلك من الأمور التي تساعد على مداعبة الخيال ونسج الأحداث بشكلٍ مسلٍ وممتع.
كما لفتت عواطف إلى أن احتمالية فقدان المعلومات عن طريق نسيانها تزيد حين يحصّلها الطالب بواسطة الهاتف أو الإنترنت دون تعب أو جهد في الحصول عليها من منبعها الأصلي.
وشخصيا كنت أرى طلبة في كلية الآداب/ قسم اللغة العربية يفتقرون إلى القدرة على التعبير عن أنفسهم، ولا يستطيعون التعريف عن أنفسهم باستخدام جمل فصيحة ومفهومة، بل كان من العسير على الكثير منهم أن يشرح عن ذاته التي عاش معها ما يزيد عن 20 سنة.
وأعتقد أنه لا يمكن إهمال هذه القضية لأن المهارات اللغوية الأولى هي التي تساعد على بناء جيل مثقف وواع أيا كان المجال الذي سيختاره بالمستقبل حتى وإن لم يكن مجال اللغة أو الأدب.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير تقارير القراءة اللغة الكتابة كتاب لغة قراءة تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تغطيات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی التعبیر عن الجیل الجدید القدرة على
إقرأ أيضاً:
القدرة الشرائية للدولار تتراجع 26.6% في 2024
كتب ماهر سلامة في" الاخبار": يقول البنك الدولي في تقريره الأخير عن لبنان، إن الأسعار بالدولار ازدادت بنسبة 4.9% بين أيلول 2019 وأيلول 2024، علماً بأن التراجع بلغ 26.6% في السنة الأخيرة وحدها.
وفي المقابل، تشير أرقام إدارة الإحصاء المركزي إلى أن الأسعار بالليرة ارتفعت 5970% في المدة نفسها. هذه المقارنة تعيد تثبيت مفاعيل الانهيار المصرفي والنقدي الذي انتهى إلى الدولرة شبه الشاملة، والتي ستظهر تبعاتها الثقيلة على الاقتصاد تباعاً، وإن أصبح ممكناً استقراؤها مباشرة من المقارنة بين القدرة الشرائية للدولار وبين القدرة الشرائية للعملة المحلية كان انهيار القدرة الشرائية من أكثر الأمور التي انعكست على معيشة الأُسر في لبنان بسبب انهيار قيمة العملة المحلية. إنما الأمر لم ينحصر بذلك، لأن الطبقة التي كانت تتلقى أجورها بالدولار، أو تلك التي كان لها فرصة التحوّل السريع نحو دولرة الأجور، لمست أيضاً تغييراً ما في قدرتها الشرائية. يوضح البنك الدولي هذا الأمر بالأرقام وبالتسلسل الزمني. يشير إلى أن القدرة الشرائية للدولار في لبنان انخفضت بنسبة 4.9% بين أيلول 2019 وأيلول 2024. علماً بأنه ضمن هذه المدة، ولا سيما في الأشهر الأولى من الأزمة، ارتفعت قوّة الدولار الشرائية بالتزامن مع مواصلة مصرف لبنان سياسة دعم السلع الأساسية والحيوية، ثم انخفضت لاحقاً حتى أصبحت أقل مما كانت
عليه في 2019. وفي المقابل، كان التدهور في القوة الشرائية لليرة حاداً ومتسارعاً بشكل مفرط ومتزامن مع تآكل سريع للأجور بالليرة والتخلّي عن استعمالها في التبادلات التجارية.
القدرة الشرائية للدولار في السوق المحلية، هي أداة لقياس مستوى أسعار السلع في هذه السوق ربطاً بتقلبات مجموعة من الأكلاف المتعلقة بسعر الصرف. هي آلة قياس معقدة نسبياً، لكن أهميتها تكمن في تقييم فاعلية الاقتصاد المدولر على نطاق واسع تهيمن فيه العملة الأجنبية (الدولار) على غالبية التبادلات مثل الأجور والتجارة والضريبة وسواها. ففي سوق كهذه، تظهر المقارنة بين قوّة الدولار مقابل قوّة الليرة اللبنانية للدلالة على حدّة الأزمة والشكل الذي اتخذته بمرور الوقت، ولا سيما أن الانهيار المصرفي في النصف الثاني من 2019 امتدّ سريعاً ليصبح انهياراً نقدياً ثم اقتصادياً، وضمن هذا المسار انتقلت «الدولرة» من العمليات المصرفية إلى العمليات النقدية (الكاش). وفي هذه المدة أيضاً، تغيّر شكل الدعم الذي تقدّمه الدولة عبر مصرف لبنان، من دعم للعملة المحلية إلى دعم للسلع الأساسية. أيضاً تكمن أهمية هذه الآلة، أنها تقيس الأسعار بالعملة الأجنبية في سوق تطغى عليه السلع المستوردة التي يُدفع ثمنها بالعملة الأجنبية.
في ظل هذا الوضع، ما الذي توصّل إليه البنك الدولي؟ يقول البنك الدولي إنه في عام 2021 ازدادت القدرة الشرائية للدولار بنحو 54%، إلا أنه في الأعوام التالية حتى الآن، تراجعت القدرة الشرائية للدولار في السوق اللبنانية بنسبة 14% في 2022 و19.1% في 2023 و26.6% في 2024. فقد كان واضحاً أنه بعد اندلاع الأزمة، تحسنت القدرة الشرائية لحاملي الدولار بشكل ملحوظ، وزادت بنسبة 142.7% بحلول آب 2021 مقارنة مع أيلول 2019. فمقابل كل دولار في أيلول 2019، كان يمكن لحامل الدولار بحلول آب 2021 شراء سلع وخدمات بقيمة 2.43 دولار، بحسب البنك الدولي. وقد أسهم في هذا الأمر عاملان أساسيان؛ الأول هو استمرار مصرف لبنان في سياسة دعم استيراد السلع الحيوية حتى آب 2021، وهذا ما أفاد حاملي الدولارات بشكل كبير. أما الثاني، فيتعلق بأن سعر الصرف لم يكن متساوياً على معظم مكوّنات سلّة الاستهلاك، أي إن التغيرات في سعر الصرف لم تنعكس بوزن واحد على كل السلع.