في مدينة مراكش التاريخية ذات المباني الأثرية العريقة تحول المشهد إلى النقيض عقب الهزة الأرضية التي ضربت البلاد الأسبوع الماضي، مساحات واسعة من المركز التاريخي للمدينة تهدمت بالكامل، وأجزاء من سورها المدرج على قائمة اليونسكو للتراث العالمي سقطت بالكامل إذ أن معظم الآثار في منطقة الزلزال تعود للعصر الإسلامي، ويمتد عمرها لقرون.

البنية التحتية لمناطق الزلزال

المغرب ليس من الدول الواقعة على حزام الزلازل، وبالتالي فإن المباني فيه ليست مصممة لمقاومة هذا النوع العنيف من الزلازل، إلى جانب الطبيعة البدائية للمناطق المتضررة من الهزة الأرضية الشديدة ومبانيها ليست مؤهلة لذلك، وبعد أيام من الزلزال المدمر حاولت «الوطن» متابعة مصير الأآثار التاريخية التي تهدمت من خلال التواصل مع بعض المسؤولين عن إعادة ترميم الآثار المغربية في حكومة البلد نفسه للوقوف على تطورات المشهد هناك.

«الوطن» حاورت أبوالقاسم الشبري، الباحث الأثري في التراث المغربي، رئيس اللجنة الوطنية المغربية للمجلس العالمي للمباني التاريخية والمواقع «إيكوموس»- وهي منظمة غير حكومية مهمتها تنمية المحافظة على التراث الثقافي في العالم وحمايته وإستغلاله وإحياءه، تعمل بجانب منظمة اليونسكو- للتأكد من حقيقة الصور المتداولة للمعالم الأثرية المغربية التي تحولت إلى حطام في مدينة مراكش، ومعرفة الخطوات القادمة التي تسعى الحكومة المغربية إلى اتخاذها لترميم تلك المعالم التاريخية.

البنية التحتية ليست قوية

الزلزال المدمر الذي ضرب المغرب مساء الجمعة الموافق 8 من سبتمبر الجاري، كان مركزه في إقليم الحوز المغربي ذات الطبيعة الجبلية القروية، وعادة ما تكون البنية التحتية لتلك المناطق ليست قوية حيث الطبيعة القروية تختلف في طريقة البناء عن المدن الكبرى، هكذا استهل «الشبري» حديثه عن أسباب التدمير الذي لحق بالمباني التراثية في مراكش، مؤكدا أن الصور المتداولة للحطام حقيقة وليست مبالغة إعلامية إذ أن الأحجار قديمة تعود عمرها إلى قرون عديدة.

حصر المباني المتضررة

رغم انشغال الحكومة بحصر ورفع الأضرار البشرية أولا وتوفير سكن بديل لأصحاب المنازل المتضررة من الزلزال، إلا أنها لم تغفل أيضا عملية حصر الآثار المتضررة من أجل وضع خطة ترميم شاملة، موضحًا: «نحن الآن في مرحلة أولية لحصر المباني المتضررة ذات الطابع الديني أو التجاري أو السياحي وهذا مجهود شاق جدا يشرف عليه متخصصون في الآثار وبعد عملية الحصر سنبدأ في دراسة طبيعة كل أثر»، بحسب قول المسؤول المغربي.

في مراكش كل المباني لها قيمة تراثية وتاريخية أغلبها تعود إلى القرون الوسطى والقرون اللاحقة، منها مباني تاريخية من القرن الـ19 وهي مبان نادرة في شمال إفريقيا، وبحسب قول رئيس اللجنة الوطنية المغربية للمجلس العالمي للمباني التاريخية والمواقع «إيكوموس»، فإنه حسب التقييم الأولي لإقليم الحوز، مركز الزلزال، بعض المباني مصنفة كأثر وبعضها ليس ذلك ولكن كل ما هو تاريخي وقديم سيتم وضعه في عين الاعتبار ضمن خطة الترميم، مششدًا: «نحن لا نقرر أهمية البناء من شكل وطبيعة الزخارف أو حجم البناء ولكن بتاريخ المكان».

انهيار مسجد تنمل 

مسجد «تنمل» الواقع في أعالي جبال الأطلس الكبير بإقليم الحوز قرب مراكش، والمدرج على قائمة التراث العالمي تهدم بالكامل جراء الزلزال، و ترجع أهميته التاريخية إلى القرن الثاني عشر وهو مسجل على اللائحة التمثيلية للتراث العالمي، وبحسب تصريح المسؤول المغربي، فإن المسجد تهدّم بعد أن كانت بلغت فيه أشغال الترميم 90% .

أما عن الآثار المتصدعة، أشار رئيس «إيكوموس» المغربية، إلى صومعة جامع «الكتبية» التي اهتزت وتمايلت يمينا وشمالا ووثق ذلك عدد من المغاربة في مقطع فيديو تم تداوله بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، والآن أصبحت مهددة بالانهيار في أي لحظة ولكنها لم تسقط حتى الآن، «هي واحدة من أجمل الصوامع ومنارة أحد أشهر جوامع شمال إفريقيا في مراكش، وشيدت الصومعة قبل نحو 900 عام، واشتهرت بجمالها المعماري على طراز الفن الأندلسي، ويحمل المسجد اسم الكتبية نسبة إلى حي الكتبيين المجاور، الذي تواجد فيه بائعو الكتب»، حسب الوصف التاريخي الذي جاء على لسان المسؤول المغربي.

تساقط أجزاء من سوق مراكش

الخسارة الأثرية لدولة المغرب لم تقتصر على انهيار مسجد تنمل التاريخي، بل حدث تصدع وتشققات بمباني مصنفة تراثا وطنيًا بالمدينة العتيقة لمراكش من ناحية قبور السعديين وقصر البديع، أشهر الأضرحة في المغرب وأحد المعالم التاريخية لمدينة مراكش، لكنها شقوق غير خطيرة، حسب وصف «الشبري»، إلى جانب تساقط أجزاء صغيرة من بعض أبراج سور مراكش الأثري، بينما الأبواب الأثرية لم يمسها ضرر حتى الآن.

تابع الأثري المغربي، المتخصص في ترميم المآثر التاريخية والخبير في التراث العالمي، حديثه عن نتائج الحصر الأولي للآثار المغربية المتضررة الذي شارك فيه، لافتًا إلى أن هناك بعض الأضرار التي لحقت بـ«قصبة بولعوان» أحد المآثر العمرانية التاريخية في المغرب، والتي تم تسجيلها منذ عام 1924 كأثر تاريخي يجب الحفاظ عليه وصيانته، حيث سقطت بعض أجزاء من شرفات ممر المراقبة بالسور الأثري وظهرت تشققات في السور وبعض الأبراج، بينما زادت حدة تشققات أخرى كانت في بدايتها، على حد وصفه.

إصلاح وترميم الضرر الذي لحق بآثار المغرب جراء الزلزال لا يزال قيد الدراسة حتى الآن، وزارة الثقافة المغربية منكبة بكل ثقلها وأطرها ووزيرها، لتقييم الوضع بكل المدن المتضررة، ووضع برنامج عمل لمباشرة أشغال الترميم في أقرب وقت، بحسب الأولويات، أي بطبيعة الأضرار، لكن ليس قبل إنقاذ الأرواح البشرية وبناء مساكن جديدة لإيواء ناس في العراء.

الإيكوموس تحصر المباني المتضررة

وتتولي «الإيكوموس» الآن وضع تقرير مفصل عن الأجزء المتضررة في المباني التراثية في المغرب، مع تحديد وضعية المباني والتربة المتواجدة بها وأساسات المبني وهي مشقة علمية أكثر منها مادية، لتصل الجهات المعنية في نهاية الأمر إلى آلية الترميم والمشروع النهائي الشامل للترميم، حسب تصريح المسؤول المغربي، الذي أكد ضرورة تعاون دولي من اليونسكو ومنظمات آخرى داعمة لأنها كارثة عظمي ولا يمكن لأي بلد أن يتولى المهمة لوحده مهما بلغت قدرته.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: المغرب زلزال المغرب اثار المغرب الاثار المغربية

إقرأ أيضاً:

رئيس المبادرة الوطنية الفلسطينية لـ«كلمة أخيرة»: المقاومة أثبتت فشل إسرائيل

أكد الدكتور مصطفى البرغوثي، رئيس المبادرة الوطنية الفلسطينية، أن المشهد العسكري للمقاومة في المرحلة الثانية من اتفاق غزة يعكس فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها، خاصةً تصفية المقاومة الفلسطينية واقتلاع حركة حماس كما زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي.

وأوضح، خلال مداخلة عبر تطبيق «زووم» مع الإعلامية لميس الحديدي في برنامج «كلمة أخيرة» على شاشة ON، أن المقاومة أظهرت مستوى عاليا من السيطرة والإدارة، وهو أمر لا يمكن تحقيقه في فترة قصيرة، ما يبرز إخفاق رئيس الوزراء الإسرائيلي في القضاء على المنظومة المقاومة.

معاملة إنسانية مقابل همجية إسرائيلية

وأضاف البرغوثي أن المقاومة الفلسطينية قدمت رسالة إنسانية وحضارية للعالم من خلال طريقة معاملتها للأسرى الإسرائيليين، في تناقض صارخ مع الممارسات الوحشية التي تعرض لها الأسرى الفلسطينيون، حيث استشهد نحو 60 أسيرًا منذ أحداث السابع من أكتوبر.

وأشار إلى أن مشهد الأسيرات الأربع الإسرائيليات وهن بصحة جيدة يعكس صورة إنسانية للمقاومة، مقارنة بمعاناة الأسرى الفلسطينيين مثل خالدة جرار، التي تعرضت لاعتقال إداري وظروف قاسية، بما في ذلك الحجز الانفرادي وسوء المعاملة.

صورة تجمع بين البطولة والإنسانية

واختتم البرغوثي حديثه بالإشادة بالصورة التي قدمتها المقاومة الفلسطينية، التي جمعت بين الثبات والبطولة وبين السلوك الحضاري الإنساني، في مقابل السلوك الوحشي الذي تمارسه إسرائيل بحق الأسرى الفلسطينيين.

مقالات مشابهة

  • رئيس الهيئة الشعبية السودانية لإسناد القوات المسلحة وبناء السودان يشيد بإلتقاء الجيوش الذي يمثل نهاية المليشيا
  • رئيس المبادرة الوطنية الفلسطينية لـ«كلمة أخيرة»: المقاومة أثبتت فشل إسرائيل
  • بيان صادر عن اللجنة الوطنية للأسرى والمفقودين الأردنيين في المعتقلات الصهيونية
  • أمانة اللجنة الوطنية لمواجهة غسل الأموال تستضيف اجتماعات مع كازاخستان
  • رئيس الجمعية الوطنية في موريتانيا يستقبل السفير الرقابي
  • وزارة الإسكان تتعبأ لمواجهة تحدي المباني الآيلة للسقوط في المدن المغربية العتيقة
  • رئيس ديوان المحاسبة يلتقي رئيس وأعضاء اللجنة المالية بمجلس النواب
  • رئيس الحركة الوطنية: رجال الشرطة يبذلون الغالي والنفيس من أجل الحفاظ على أمن الوطن
  • رئيس برلمان أفريقيا الوسطى يشيد بدينامية التنمية في الصحراء المغربية
  • لقجع ينتظر موافقة الملك للإعلان عن اللجنة المغربية لتنظيم كأس العالم 2030