تدويل سرقة القرن.. نكتة عراقية بنكهة ساخرة
تاريخ النشر: 19th, September 2023 GMT
آخر تحديث: 19 شتنبر 2023 - 9:23 صبقلم: سمير داود حنوش ليس غريباً أن تجد في مجتمعنا من يقول لك “إن الفساد أصبح الهواء الذي نستنشقه”، فإعلامنا المرئي يمكن أن يوفر للباحثين عن الفضائح خلاصات وافية عن الفساد والمفسدين يسردها سياسيو المنطقة الخضراء ورجال سلطة ووزراء سابقون وبرلمانيون، لتصل إلى نتيجة مفادها أن أبطال الفساد مُجرد أشباح غير مرئية أو أن الفساد حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة.
في بعض الأحيان أو في الكثير منها نعذر أولئك الذين يصابون بحمى الانفعال وكشف المستور في لحظات الصحوة، لكن سرعان ما يستعيد هؤلاء رشدهم لممارسة حياتهم بصورة طبيعية وكأن شيئاً لم يحدث. تمعّنوا في حديث أدلى به نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق عام 2013 عندما سُئل عن سبب امتناعه عن كشف أسماء الفاسدين فأجاب “أخاف على العملية السياسية مِن أن تنهار”.لم ينتبه البعض لهذه الإجابة التي هي في حقيقتها فضيحة للسلطة وانهيار أخلاقي للدولة فيما إذا انكشفت عورتها، كان من نتائج ذلك التعتيم وبعد شهرين من ذلك التصريح سقوط أكثر من ثلث مساحة العراق بيد تنظيم داعش الإرهابي.لكن المفارقة أن النظام السياسي لم يسقط وظلت العملية السياسية تحافظ على معافاتها وتراوح مكانها، وأسماء الفاسدين في أدراج مكتب المالكي لم يعلن عنها أو يحاكم منها أحد، خلاصة حديث جعلت العراق يخسر كثيراً. أُشفق كثيراً على من يشغلون أنفسهم بالتحليل واستنتاجات وتوقعات ويعلنون حالات الطوارئ والتحذير من القادم الأسوأ بسبب الفساد، والبعض الآخر ممن يبشرون بغدٍ أفضل ومستقبل واعد بمكافحة هذه الآفة واسترجاع الأموال المنهوبة ضمن صفقة القرن التي خسر العراق فيها أكثر من 2.5 مليار دولار من قيمة مبالغ ائتمانية لشركات، ستضطره إلى مضاعفة تسديد المبلغ وتعويض المتضررين من الشركات المؤمّنة من قوت العراقيين وخبزهم.لا يعلم هؤلاء السُذّج أن العراق خسر مئات الصفقات على شاكلة صفقة القرن منذ عشرينيته المظلمة التي أدخلته إلى عالم الاحتلال. نكتة ظريفة تمتزج بالسخافة وجدها أبطال سرقة القرن عندما سمعوا أن هناك من يطالب بتدويل ملف قضية سرقة القرن، اقتنص أحد المتهمين المناسبة وهو رائد جوحي مدير مكتب رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي مُرحباً بالفكرة لأنها سوف تكشف الحقيقة للجميع. كشْف ما هو مستور من الفضيحة يعني كشف أسماء شخصيات وأحزاب وكتل سياسية ورجال أعمال وإعلاميين وشبكة من المتورطين الذين مازالوا حتى اللحظة ضمن دائرة العملية السياسية، وربما يصل الأمر إلى دول إقليمية شاركت في حصص سرقة القرن، فيما راح خيال البعض يسرح في إمكانية صدور مذكرة اعتقال بحق مصطفى الكاظمي لاشتراكه أو تواطئه في الصفقة، متناسيا أن ذلك الصُراخ لا يعدو كونه زوبعة إعلامية أو فبركة لأغراض انتخابية يصعب حتى تنفيذها، لأن الكاظمي كان رئيسا لجهاز المخابرات العراقي ويمتلك من الملفات والأضابير ضد قيادات الفساد وزعاماته في النظام السياسي ما يحتفظ به ليومه الأسود، والرجل لا يخفي استعداده للمثول أمام القضاء والرأي العام الدولي لعرض كل الملفات وبسطها أمام الجميع فيما لو انتهى به المطاف إلى الوقوف أمام المحكمة. ألف حكاية وحكاية، ومن سرقة إلى أخرى نسمعها ونشاهد أبطالها وكأنهم يشتموننا عندما نتحدث عنهم بسوء، وما سرقة القرن التي حدثت في زمن حكومة الكاظمي إلا قطرة في بحر.ألف مليار دولار نُهبت من العراقيين وقوتهم طوال عشرين عاماً من الاحتلال والنهب.تسمعون يوميا حديثا يدور حول بيع البنك المركزي العراقي أكثر من مليار دولار أسبوعيا ضمن مزاد العملة لا يُعرف إلى أين تذهب أو تستقر؟تبادل المنافع والمصالح في العملية السياسية هو ما أراد نوري المالكي إيصاله إلى كل من يسأل عن أسباب عدم انهيار العملية السياسية. لكن إلى متى سيبقى هيكل المعبد صامدا وهو يُنخر بآفة الفساد؟ نعتقد أن انهياره لن يكون بعيدا.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: العملیة السیاسیة سرقة القرن
إقرأ أيضاً:
الصورة مشوشة من خارج المشهد التخريبي
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
خرج الحصان للحرث، وخرج الحمار للسباق، فخسرنا المحصول وخسرنا السباق. هذا ما يحدث في العراق تقريباً. .
تزدحم مؤسساتنا بمئات الخبراء والعلماء والمبدعين. لكن ولاة المحاصصة هم الذين استبعدوهم، وهم الذين استغنوا عنهم، ومنعوهم من التنفس بين النهرين. .
لا جديد على الساحة العراقية، فقد كانت هذه هي سياسة الحكومات المتعاقبة في معظم مراحلها الانتقالية منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى ثلاثينيات القرن الحاضر. .
قد تنهض مؤسساتنا من كبواتها، وتستفيق لعام أو بضعة أعوام، ثم تقضي بقية سنواتها في سبات عميق، منكفئة على وجهها داخل ردهات الخمول والتخلف. .
ثم جاءت المحاصصة البغيضة لتمنع الخبراء من التدخل في شؤون الاغبياء، وتحرمهم من الإبداع، وتضعهم تحت رحمة المغفلين والانتهازيين والقشامر. .
نحن الآن لا نستطيع الطعن باي مشروع من مشاريع الدولة. ليست لأنها مثالية ومتكاملة ومتخرش الميه، وانما ليست لدينا فكرة عن تفاصيلها الغامضة والمبهمة والمريبة، وغير مسموح لنا بتصفح أوراق دراسات الجدوى. ولا الاطلاع على مراحل التنفيذ. والويل كل الويل لمن يسلط الأضواء على مواطن الضعف والتقصير والخلل في هذا المشروع أو ذلك. لأنهم سوف يتهمونه بالوقوف في طريق الإصلاح، وربما يتهمونه بمعاداة السامية. .
أحياناً يتجرأ بعض البرلمانيين من وقت لآخر بتوجيه أصابع الاتهام إلى جهات تنفيذية مشكوك في أمرها، لكن اتهاماتهم لن تجد الإذن الصاغية (لا من السلطة الرقابية ولا من السلطة التنفيذية). .
ينظر خبراء العراق الآن من بعيد إلى التعاقدات والصفقات والمشاريع من دون ان يفهموا ما الذي جرى ؟، وكيف جرى الذي جرى ؟. لا يسمعون سوى التطبيل الإعلامي المدعوم من المضخات التلفيقية. فقد طغت الانتصارات المتلفزة على المشهد التخريبي. واشتركت الأقلام المأجورة في تزييف الحقائق وتجميل صور الذين رسموا خارطة الفشل. .
لما كان بائع الصحف ينادي: (العراق ال