لماذا يختار المقاومون حوارة لتنفيذ عملياتهم؟.. شريان حياة
تاريخ النشر: 19th, September 2023 GMT
تتوسط بلدة حوارة شارع رئيسيا ضخما يصل بين مدن فلسطينية كبيرة، مثل نابلس ورام الله، ولكنه بالتزامن مع ذلك يصل بين أهم المستوطنات الإسرائيلية في شمال الضفة الغربية المحتلة ووسطها.
في ثمانينات القرن الماضي افتتح الاحتلال الإسرائيلي شارعا لمستوطنيه يخترق بلدة حوارة كي يسهل عليهم التنقل بين المستوطنات، ومع مرور الوقت أصبحت البلدة مرتعاً لهم لينفذوا اعتداءاتهم اليومية بحماية ومراقبة قوات الاحتلال دون تحريك ساكن، بل إنها تشاركهم في الكثير من الأحيان.
تحولت البلدة إلى سوق تجاري للمستوطنين، ينزلون من مركباتهم ويبتاعون الخضار والبضاعة من المحال التجارية الفلسطينية التي إن اعترض أصحابها، فالجنود موجودون لعقابهم وإغلاق محالهم بمزيد من الظلم، في مشهد يشبه كثيرا ما كان يحدث في كل الدول المستعمرة.
ولكن منذ عدة أشهر تغيرت المعادلة؛ أصبح الآن المستوطنون يحاولون تجنب دخول البلدة والسير في شوارعها، فعدة عمليات فدائية أوقعت أكثر من خمسة قتلى منهم كانت كفيلة بقلب المشهد.
ردع مباشر
غلاة المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية يجدون في بلدة حوارة مركزا لانطلاق اعتداءاتهم ورشق المركبات الفلسطينية بالحجارة، ولكنهم فوجئوا بأنها المكان الأخطر عليهم حاليا بعد أن ظنوا أنهم سيطروا عليها مع الوجود الدائم لقوات الاحتلال.
وربما كانت العملية الفدائية الأخيرة التي قتل فيها شاب فلسطيني مستوطنين اثنين أثناء غسل مركبتهما في مغسلة مركبات فلسطينية محلية داخل البلدة قبل شهر؛ هي الشعرة التي قصمت ظهر البعير وجعلت المستوطنين يفكرون ألف مرة قبل دخولها، بحسب مراقبون.
الكاتب والمحلل محمد القيق قال لـ"عربي21" إن حوارة هي الموقع الجغرافي الذي يتداخل فيه المستوطنون والفلسطينيون من مسافة صفر بين راجل وراكب، والتي فيها السوق التجاري وممر المستوطنات ومدن شمال الضفة الفلسطينية إلى الوسط.
ويرى أنها أصبحت هدفا للمقاومين يختارونها لأسباب عدة؛ أهمها التواري الأمني السريع وتصعيب مهمة اعتقالهم نظرا للكثافة السكانية الكبيرة المزدحمة على الشارع الرئيسي، وكثرة وجود مركبات المستوطنين وسيرها ببطء ما يعطي أولوية لهذه المنطقة، حيث أن الإصابة حتمية ومباشرة والعملية ناجحة مسبقاً.
قرب البلدة الكبير من مركز مدينة نابلس وتفرعها لعدة طرق يجعل خيارات المقاومين أسهل وأكثر؛ خلافا لهدف آخر على شارع التفافي طويل دون وجود تجمعات سكنية فلسطينية، ووجود حواجز إسرائيلية عسكرية كبيرة وسهولة التعقب عبر الكاميرات وسرعة السيارات على الشوارع الالتفافية ما سيضعف نجاح هذه العملية، حسب قوله.
وأضاف:" العمليات المتتالية في حوارة هي رسالة رفض لسياسة الاحتلال بتحويل الفلسطينيين لعبيد يعملون على خدمة المستوطنين سواء في غسل مركباتهم أو إصلاحها أو تعزيز صورة الإسرائيلي أنه الذي يصول ويجول والفلسطيني يخدمه وهذا سيعزز الاستيطان".
العمليات في هذه المواقع الجغرافية الحساسة تحقق أهدافا أخرى منها طرد المستوطنين وهدر أمنهم واستنزافهم وتعزيز كرامة الفلسطينيين وهيبتهم، وقطع الطريق على مشاريع الترويض في كل المجالات التي تمارسها "إسرائيل"، كما يقول القيق.
وتابع:" المستوطن الذي كان يعربد ويتبجح ويحرق ويقتل بات يكتب في هذه المنطقة حين يمر منها (ادعوا لنا أن نمر سالمين)، وهذا حققته المقاومة في إطار الردع المباشر".
فشل الترويض
تمتد حوارة على مساحة 8 آلاف دونم، ولكن المنطقة المتاحة لبناء المنازل لا تتجاوز ألف دونم فقط حيث أن الأغلبية الساحقة من أراضيها مصنفة على أنها ضمن أراضي "ج" الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية وفقا لاتفاقية أوسلو الموقعة مع السلطة.
استولت مستوطنتا "يتسهار" و"براخا" على أكثر من 1100 دونم من أراضي حوارة، ويقطنهما مستوطنون متشددون يرفضون الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية، ويعملون بالتالي على محاولة طردهم باستخدام وسائل ترهيب مختلفة.
هجمات المستوطنين الذين يحميهم الجيش الإسرائيلي تكاد لا تتوقف على أهالي البلدة، بما في ذلك إحراق المنازل والمنشآت والمحاصيل الزراعية وسرقة الثمار والاعتداء على الأهالي بمن فيهم الأطفال والنساء والشيوخ.
الباحث في الشأن الإسرائيلي معتصم سمارة قال لـ"عربي21" إن بلدة حوارة مثلت منذ سنوات عديدة شريان الحياة بين عدة مدن فلسطينية، وكانت مثالا لما أسماه الاحتلال السلام الاقتصادي الذي كان يراد تسويقه للفلسطينيين، حيث كان المستوطنون يتجولون فيها ويشترون بضاعتهم وهم من سكان المستوطنات المقامة على أراضي حوارة أشهرها "يتسهار" التي يسكن فيها غلاة المستوطنين المتطرفين.
مؤخرا تبدلت الصورة وأصبحت البلدة في الإعلام الإسرائيلي رمزا للعمليات التي تنفذها المقاومة الفلسطينية ضد المستوطنين، لا يجدون طريقا آخر إلا عبر المرور منها وبالتالي كانوا هدفا سهلا أمام المقاومين.
وأوضح أن البلدة مهمة جدا للمستوطنين لأنها تربط بين مستوطنات "يتسهار" و"ايتمار" في جنوب نابلس والشمال "شافي شمرون" و"افني حيفتس" وغيرها، فمن أراد من المستوطنين الذهاب إلى مستوطنات مقامة على أراضي سلفيت أو رام الله فلا بديل له إلا الشارع الرئيسي الذي يمر من حوارة.
والآن يقوم الاحتلال بشق طريق جديد يقضم أراضيها فقط لاستخدام المستوطنين يلتف حول البلدة لتأمين المستوطنين لتجاوز الاحتكاك مع الفلسطينيين.
وأشار إلى أن التواجد الكثيف داخل الشارع الرئيسي بمسافة ثلاثة كيلومترات مع وجود أكثر من سبع تجمعات للجيش الإسرائيلي عدا عن الحواجز الممتدة على طول البلدة التي يتم إيقاف المارة عبرها، لأن الاحتلال يراها نقطة هامة جدا أمنيا وتحتاج السيطرة عليها كل هذا الجهد بالإضافة لزراعة عشرات آلات المراقبة على الشارع نفسه في محاولة للسيطرة على الوضع الأمني.
أفشلت حوارة مخططات السلام الاقتصادي كما غيرها من القرى والبلدات الفلسطينية، وأصبحت تعتبر واحدة من بؤر المقاومة الشرسة التي لا يجد الاحتلال أمامها أمناً لمستوطنيه.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية حوارة فلسطينية نابلس المقاومة فلسطين نابلس المقاومة حوارة سياسة سياسة تغطيات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بلدة حوارة
إقرأ أيضاً:
بعد أكثر من 20 عاما.. الدبابات الإسرائيلية تعود إلى شمال الضفة
في حين كان الفلسطينيون يتابعون -ليلة أمس السبت- قرارات الحكومة الإسرائيلية تعليق خروج الدفعة السابعة من الأسرى ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، كان أهالي محافظة جنين يتابعون باهتمام كبير وصول قوة من دبابات الاحتلال إلى ما يعرف بـ"فتحة مقيبلة" القريبة من حاجز الجلمة العسكري.
حالة من الصدمة والاستغراب حملها وصول 3 دبابات إلى محيط مدينة جنين، في مشهد غاب عن أعين الناس أكثر من 20 عاما، وتحديدا منذ نهاية الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 (انتفاضة الأقصى).
ويأتي هذا التطور العسكري بعد يومين فقط من اقتحام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مخيم طولكرم مع قوة من الجيش، حيث قال إن "العمليات مستمرة وستتوسع".
نتنياهو من مخيم #طولكرم: ما رأيناه أمس هو محاولة تنفيذ هجمات متسلسلة جماعية وهو أمر خطير للغاية، وقد أصدرت الأوامر بتعزيز القوات في الضفة الغربية#الأخبار pic.twitter.com/KRKqEwUmns
— قناة الجزيرة (@AJArabic) February 21, 2025
مبالغاتكما يأتي بعد جملة من التصريحات القوية التي أصدرتها المستويات السياسية الإسرائيلية منذ أيام، والتي كان آخرها تصريحات وزير الأمن يسرائيل كاتس، من مخيم طولكرم، بأن "عملية السور الحديدي في شمال الضفة الغربية ستستمر لوقت طويل، وبأنه لن يسمح لسكان المخيمات الفلسطينية بالعودة إليها خلال العام الحالي بهدف القضاء على مجموعات المقاومة".
إعلانلكن الأهالي يرون أن ما تقوم به إسرائيل ليس إلا "مبالغات لا صحة لها تهدف بالأساس لتدمير مدن شمال الضفة، وزيادة صعوبة حياة الناس وتعقيدها وتهجير السكان وإفراغ المخيمات".
ومنذ اليوم الأول للعملية، قتل الاحتلال 10 مدنيين فلسطينيين. وخلال الـ34 يوما وهي مدة العملية في مخيم جنين حتى الآن والتي أدت إلى سقوط 27 شهيدا، لم يكن من بينهم سوى مقاومين استشهدا في الاشتباكات في المخيم.
وتشير المعطيات إلى أن المقاومين في مخيمات شمال الضفة بشكل عام، وفي مخيم جنين بشكل خاص، اضطروا لإخلائها والخروج منها بعد دخول جنود الاحتلال إلى عمق المخيم، وأن عددا كبيرا منهم جرى اعتقاله في المناطق التي لجؤوا إليها في بلدات محافظة جنين. ولم يشهد المخيم على مدار الأسابيع الماضية اشتباكات مسلحة بين مقاومين وجنود الاحتلال.
وصباح، اليوم الأحد، وسعت إسرائيل عملية "السور الحديدي" في المحافظة لتشمل بلدة قباطية جنوب مدينة جنين، حيث اقتحمت قوات كبيرة من آليات وجنود الاحتلال البلدة برفقة جرافات عسكرية، وشرعت في تدمير بنيتها التحتية وقطع خطوط الكهرباء والمياه فيها.
ضرب الحاضنةيرى أحمد زكارنة رئيس بلدية قباطية أن الاحتلال يستهدف البلدة كجزء من سياسته المتبعة في مخيمات جنين وطولكرم لضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة.
وأضاف، في حديث للجزيرة نت، أنه قبل أشهر نشط عدد من المقاومين في قباطية، واستهدفهم الاحتلال في مرات عديدة بالقصف والقتل والتنكيل، وأن ما يحدث اليوم فيها ليس للبحث عن المقاومين لأنهم "لا يوجدون في البنية التحتية ولا في خطوط الكهرباء التي دمرتها جرافات الاحتلال، ولا في محال الخضار وبسطات البضائع الموضوعة في الشارع على مدخل البلدة".
ويؤكد زكارنة "ما يحدث هو تدمير للبلدة كعقاب جماعي للفلسطينيين ولزيادة التخويف والرعب لدى الناس، وتحويل حياتهم إلى جحيم".
إعلانويتابع رئيس بلدية قباطية أن جرافات الاحتلال دمرت منازل ومركبات المواطنين وشوارع رئيسية في البلدة وانتقلت لتجريف الشوارع الفرعية بين البيوت، كما هدمت أجزاء من جدران مقبرة الشهداء على مدخل البلدة، وهي مقبرة ذات بعد تاريخي حيث تضم أضرحة 45 جنديا عراقيا شاركوا في معارك عام 1948 ضد إسرائيل، واستشهدوا ودفنوا فيها.
ومنذ اقتحام قوات الاحتلال لقباطية، لم تشهد البلدة إطلاقا للرصاص الحي بين جنود الاحتلال ومقاومين، ولا تفجيرا لعبوات محلية الصنع، "مما يؤكد أن ادعاء الاحتلال بتوسيع المعارك غير صحيح، ولا وجود لها أصلا".
وبحسب وزير الأمن الإسرائيلي كاتس، فإنه تم حتى الآن تهجير 40 ألف مواطن من مخيمات جنين ونور شمس وطولكرم، وهي الآن خالية من السكان. وقال إنه أصدر تعليماته للجيش "للقضاء على بؤر الإرهاب وعدم السماح لها بالازدهار مرة أخرى، وهو ما قد يستدعي بقاء قوات الجيش لمدة عام في مخيمات شمال الضفة".
خطة إسرائيليةيرى المحلل والخبير في الشأن الإسرائيلي سليمان بشارات أن تصريحات كاتس تأتي ضمن عملية إعادة هندسة السكان الفلسطينيين، وإعادة ترتيب الحالة السياسية الفلسطينية لتحقيق الخطة الإسرائيلية لضم الضفة الغربية. وأوضح، للجزيرة نت، "هذا ما ذهبنا إليه منذ بداية عملية السور الحديدي في مخيم جنين بأنها عملية سياسية بطابع عسكري إسرائيلي".
ووفق بشارات، فإن تعمد إسرائيل إدخال وحدة من الدبابات يثبت أن الاحتلال أمام مرحلة تأخد شكل وطبيعة عودته لكن ليس بشكل عسكري وإنما كجزء من ترتيب بيئة الضفة، كما أنها تمثل خطة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش التي أطلقها عام 2017 و"هي خطة الحسم الإسرائيلية في الضفة".
إن المتابع لموجة التصريحات الإسرائيلية منذ وجود نتنياهو في طولكرم وحتى صباح اليوم الأحد، والتي تتلخص في إطالة زمن العمليات العسكرية وإدخال وحدات الدبابات ووحدتي ناحال ودوفدفان، يلمس بشكل واضح تضخيم الحالة الفلسطينية وتصوير ما يحدث كقتال بين قوتين، في حين أن ما يحدث على أرض الواقع هو اقتحام للمدن والقرى الفلسطينية وتحويلها إلى خراب.
إعلانويؤكد بشارات أن الاحتلال حرص من اليوم الأول على تصدير الحالة الفلسطينية على مدى أكبر بكثير مما هي عليه، وهو يريد أن يحمّل كل ما يحدث للبعد الدفاعي، وواحد من الأهداف الأساسية لما يجري مرتبط بالداخل الإسرائيلي.
ويضع الدفع بالدبابات إلى مشارف جنين والحديث عن مشاركتها بطريقة دفاعية لحماية قوات جيش الاحتلال، في إطار "رفع حالة الانتكاسة التي أصابت الجيش في قطاع غزة، وإعادة الروح العسكرية التي فقدتها وحداته هناك، ولإرضاء اليمين المتطرف في حكومة الاحتلال".
ويصف المحلل بشارات وجود الدبابات بـ"الاستعراضي البحت لأن الحالة الموجودة في الضفة لا تحتاج لاستخدامها أصلا، فإن كان الحديث عن القضاء على أذرع المقاومة كما يقول كاتس، فإن الاحتلال يقوم بذلك منذ سنوات من خلال اعتقالهم وعمليات القصف التي تتم من فترة إلى أخرى".
ويرى مراقبون أن الاحتلال يعمل بشكل متواز -وعلى أكثر من خطة- للوصول إلى التهجير الشمولي في الضفة وإعادة هندسة الوجود الفلسطيني، بحيث يتعامل مع خيارات غير محسوبة.
ويعلق بشارات أن الاحتلال يعمل بطريقة الضغط الكبير ومن خلال استعراض القوة، وآخرها ظهور الدبابات، لمحاولة تطبيق خطة التهجير إلى الأردن، أو من خلال إعادة تشكيل المناطق والمدن الفلسطينية بترحيل السكان داخليا و"هو ما يحدث في مخيمات شمال الضفة حاليا".