لبنان: الشعبوية الطائفية خطر وجوديّ
تاريخ النشر: 19th, September 2023 GMT
لبنان: الشعبوية الطائفية خطر وجوديّ
تتقدّم العناصر الحزبية الأكثر تطرفاً والأكثر عنصرية على العناصر الأكثر رقياً وانفتاحاً وحرصاً على العيش اللبناني المشترك.
يركّز الشعبويون على تصوير أنفسهم كممثّلي "الشعب" في مواجهة "النخب" التي تقوم بسحق مصالحه وتهديد وجوده من أجل مصالحها الخاصة.
الشعبوية ليست أيديولوجية فكرية كما الليبرالية أو الرأسمالية أو الاشتراكية، بل هي أسلوب سياسي يقوم على تعزيز الأيديولوجية الأساسية لمن يستخدمها.
الشعبوية في لبنان تحتاج الى تجييش مذهبي وطائفي وخلق أزمات طائفية تقتات عليها. وهذا، يؤدي إلى تعزيز الخطاب الطائفي على الخطاب الوطني الجامع.
صعود الشعبوية الشخصية الطائفية على حساب المؤسسة الحزبية يعني أن أزمات بدأت سياسية واقتصادية واجتماعية تغدو أزمات عميقة بين مكوّنات المجتمع الثقافية وتشققات مجتمعية وأزمات يصعب تخطّيها.
* * *
انفجرت الشعبوية في العالم عام 2016، مع موجة الهجرة غير الشرعية واللجوء في أوروبا التي بدأت عام 2015، مع تدفّق اللاجئين من سوريا وأفريقيا وأفغانستان وغيرها من الدول، ومع وصول دونالد ترامب إلى الحكم في الولايات المتحدة.
بعدها، بدأت "العدوى" الشعبوية تضرب العالم، حيث بات كثيرون في العالم يجدون في الأساليب التي استخدمها ترامب وسيلة سياسية جيدة صالحة للتقليد للوصول إلى السلطة.
ما هي الشعبوية؟
الشعبوية ليست أيديولوجية فكرية كما هي الليبرالية أو الرأسمالية أو الاشتراكية، بل هي أسلوب سياسي يقوم على تعزيز الأيديولوجية الأساسية للشخص الذي يستخدمها.
وهي ببساطة، تقوم على فكرة استخدام الحسّ الشعبي الغرائزي والتصوّرات الشعبية السياسية وتضخيمها وتعزيزها، لتصبح خطاباً سياسياً موجّهاً ضد النخب الحاكمة.
ما يساعد الشعبوي هو أن احتياجات الناس أو مصالحهم عادة ما تتعارض مع احتياجات ومصالح أولئك الذين يحكمون، أو ما يصطلح تسميته بـ "النخب".
فمن ناحية، يركّز الشعبويون على تصوير أنفسهم أنهم يمثّلون "الشعب" في مواجهة "النخب" التي تقوم بسحق مصالحه وتهديد وجوده من أجل مصالحها الخاصة.
"الشعب" مقابل "النخب"
تختلف الشعبوية عن الأنظمة السياسية الديمقراطية في النظرة إلى مفهوم علاقة الحاكم بالمحكوم، أو الشعب بممثّليه السياسيين. ففي الديمقراطيات الحديثة، تقوم النخب السياسية بتمثيل الشعب ومصالحه، حيث يقوم الشعب باختيار ممثليه في السلطة، وهؤلاء بدورهم يقومون بتمثيل المصالح العامة، وتتمّ محاسبتهم في الانتخابات.
أما الشعبوية، فتكرّس مفهوماً مختلفاً، عدائياً، للعلاقة بين الشعب والنخب السياسية. وهكذا، تبدو السمة الأكثر تميّزاً للحركات والأحزاب الشعبوية هي ولعهم بتقسيم المجتمع إلى مجموعتين متعارضتين: الناس من جهة، والنخب من جهة أخرى.
لا شكّ أن الدول الديمقراطية تشهد تنافساً بين النخب على تصوّراتهم في كيفية تمثيل الشعب، حيث تتنافس الأحزاب على تقديم برامجها لخدمة المواطنين، فيختار المواطن ما يناسب توجّهاته الفكرية والأيديولوجية.
لكن الشعبوية، تقلب هذه المفاهيم رأساً على عقب، حيث تقدّم نموذجاً سياسياً، يركّز على "وحدة الشعب" في صراعه مع "النخب ككتلة واحدة" وهؤلاء يتم وصفهم بأنهم "فاسدون" و "فاقدو الوطنية".
وسائل الشعبوية: أ) خلق الأزمات. ب) الفظاظة والتنمّر وعدم احترام القيم. ت) أنا الحزب والحزب أنا.
أ-واقعياً، من الصعب على الشعبوية أن تنمو من دون وجود أزمة. وعليه، تزدهر الشعبوية حيث تفشل السياسة "العادية" في تقديم حلول للمشكلات الحياتية والطارئة التي تهم المواطنين أو تحرّكهم.
تعتمد الشعبوية في البداية على حصول أزمات اقتصادية أو سياسية، فتعمد إلى استغلالها مدّعية وقوفها إلى جانب الشعب ضد "مَن تسبّب بالأزمة"، أو أولئك العاجزين عن حلّ المشكلات، وهم بالطبع "الطبقة الحاكمة" بمجملها.
وبعد أن تستغلّ الشعبوية الأزمة الأساسية، يعمد الشعبويون إلى تضخيم الأزمة، وتأمين ديمومتها واستمرارها، والأهم تصوير أي أزمة اجتماعية أو سياسية وكأنها "مسألة أمن قومي" تهدّد وجود الدولة والوطن برمّته.
على سبيل المثال، استغل اليمين في أوروبا الأزمة الاقتصادية والهجرة غير الشرعية للتصويب على المسلمين ونشر الإسلاموفوبيا، وللادعاء بأن تزايد الأقليات المسلمة في القارة الأوروبية هو مسألة أمن قومي، حيث سيتغيّر وجه أوروبا المسيحي إلى الأبد، بالرغم من أن نسبة المسلمين في أوروبا لا تتعدى 6% من مجموع السكان.
ب-الشعبوية هي سياسة عاطفية حيث يتم تصوير الشعبوي كمشروع بطولي يتناول أموراً وجودية، وليس شأناً سياسياً عادياً.
ويعتمد الشعبوي أسلوباً فظاً في الخطاب السياسي، ويمارس الازدراء والتنمّر وكيل الاتهامات لخصومه بانعدام الوطنية. عملياً، بات الأسلوب الخطابي الذي استخدمه ترامب، هو الدليل التوجيهي للشعبويين في العالم.
ت-تحوّلت الأحزاب الشعبوية إلى أحزاب الشخص، فبدلاً من المؤسسات الحزبية الديمقراطية التي تسهم في تقدّم الأعضاء وتحقيق برنامج الحزب، يختصر الزعيم الشعبوي حزبه، ويتحوّل الحزب إلى أداة لتقدّمه الشخصي، ويتمّ وصفه بأنه "بعيد النظر"، "الملهم" و"المخلّص".
أزمة لبنان
منذ حراك 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، يعاني لبنان من ارتفاع الشعبوية السياسية، حيث بات كلّ زعيم سياسي أو طائفي، يدّعي أنه من خارج "المنظومة" وأنه يعمل لتخليص "الشعب ككل" مما تسبّبت به النخب السياسية الحاكمة.
وبغض النظر عن صحة الادعاءات التي يطلقها هؤلاء، ومعظمهم إن لم نقل جميعهم هم من "النخب السياسية" نفسها التي يهاجمونها، لكن تكمن المشكلة الأساسية في لبنان في الطائفية التي هي أساس العمل السياسي والحزبي.
المشكلة أن الشعبوية في لبنان تحتاج الى تجييش مذهبي وطائفي وخلق أزمات طائفية تقتات عليها. وهذا، يؤدي إلى تعزيز الخطاب الطائفي على الخطاب الوطني الجامع، فتتقدّم العناصر الحزبية الأكثر تطرفاً والأكثر عنصرية على العناصر الأكثر رقياً وانفتاحاً وحرصاً على العيش اللبناني المشترك.
إن ارتفاع الشعبوية الشخصية – الطائفية على حساب المؤسساتية الحزبية يعني أن الأزمات التي بدأت في لبنان سياسية واقتصادية واجتماعية، سوف تتحوّل إلى أزمات عميقة بين مكوّنات المجتمع الثقافية، ما يجعلها تتسبّب بتشققات مجتمعية من الصعب ترميمها، وستؤدي الى أزمات عميقة من الصعب تخطّيها.
*د. ليلى نقولا أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
المصدر | الميادين نتالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: لبنان الشعبوية الشعب النخب حراك لبنان الأزمة اللبنانية فی لبنان
إقرأ أيضاً:
كاتب إيطالي: إسرائيل تلعب ورقة الطائفية كما فعلت فرنسا قبل قرن
ذكر تقرير نشرته صحيفة "إل مانيفستو" الإيطالية أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعدد من وزرائه بأنهم مستعدون لحماية الدروز، والحديث عن إمكانية منحهم تصاريح عمل في إسرائيل، وتوزيع مساعدات إنسانية في السويداء، كلها مساع تندرج ضمن إستراتيجية تقوم على تقسيم المنطقة طائفيا حتى تسهل السيطرة عليها.
وقال الكاتب لورينزو ترومبيتا إن وزير الخارجية الإسرائيلي غدعون ساعر عبّر بأوضح طريقة ممكنة عن رؤية حكومة نتنياهو لكيفية تحقيق الهدف الإستراتيجي لإسرائيل وضمان استمرار تفوقها في الشرق الأوسط؛ عندما قال تعليقا على خبر توزيع مساعدات إنسانية إسرائيلية على الدروز في جنوب سوريا "في منطقة سنكون فيها دائما أقلية، من الصواب والضروري دعم الأقليات الأخرى".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ما جيش تحرير بلوشستان الذي خطف "القطار الدامي" بباكستان؟list 2 of 2واشنطن بوست: على الولايات المتحدة رفع العقوبات عن سورياend of list أسلوب فرنسيوأوضح الكاتب أن فرنسا عملت خلال الحقبة الاستعمارية على تطبيق سياسة مماثلة لتلك التي تنتهجها إسرائيل حاليا، إذ سعت إلى تأجيج الانقسامات الطائفية في سوريا ولبنان لإبقاء هذين البلدين ضعيفين ومجزأين داخليا عبر خطوط صدع عرقية مستمرة حتى الآن.
لكن الاتفاق التاريخي الأخير بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية، وكذلك المفاوضات الجارية بين الحكومة المركزية ونخب الطائفة الدرزية في السويداء، كلها خطوات تقوض الجهود الإسرائيلية، وفقا للكاتب ترومبيتا.
إعلانويتابع أن الحكومة السورية الجديدة تعمل جاهدة على رأب الصدوع الداخلية التي خلفتها عقود من الاستبداد و14 عاما من الحرب الطاحنة، وعلى إرساء أسس دولة قادرة على ضمان حقوق جميع المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية.
حليف محتملويمضي الكاتب موضحا أنه في ظل ما تعانيه الدول العربية منذ عقود من أزمات طائفية، قدمت عدة أطراف خارجية نفسها حامية لهذه الطائفة أو تلك، بهدف توسيع النفوذ واستغلال الموارد.
ففي هذا السياق، تصر الحكومة الإسرائيلية -حسب ترومبيتا- على تقديم نفسها حامية للدروز السوريين الذين يتركز وجودهم في منطقة السويداء جنوب غربي البلاد، وعلى بعد بضع عشرات من الكيلومترات من الجولان السوري الذي تحتله إسرائيل.
وكان الجيش الإسرائيلي قد استغل الفراغ الذي خلفه سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي وسيطر على قمة جبل الشيخ الذي يطل على دمشق، ووسع وجوده وصولا إلى نهر اليرموك، أحد روافد بحيرة طبريا.
وأكد الكاتب أن إسرائيل تنظر إلى دروز السويداء على أنهم حليف محتمل قد يمكّنها من تعزيز نفوذها شرق الجولان، في مناطق كانت تشهد حضورا من إيران وحزب الله اللبناني حتى 3 أشهر مضت.
جهود إسرائيليةوإذا كانت إسرائيل تتبع في أماكن مثل غزة سياسة الأرض المحروقة والتهجير القسري، فإنها تنتهج في مناطق أخرى مثل جنوب سوريا سياسة أقل عنفا وأكثر مرونة، حسب تعبير الكاتب.
ففي هذه المنطقة لا توجد هجمات جوية ومدفعية لتدمير البنية التحتية وطرد السكان، بل يتم احتلال بعض المناطق بعناية.
وذكر الكاتب أن العديد من شهود العيان السوريين أكدوا أن كبار الضباط الإسرائيليين يتواصلون مع نخب قرى القنيطرة ووادي اليرموك ويتحدثون العربية بطلاقة، إذ تختار إسرائيل ضباطا دروزا من الجليل وآخرين ينحدرون من دمشق وحلب للتفاوض في أجواء ودية مع السكان المحليين.
إعلانوقال ترومبيتا إنه لا توجد حتى الآن إشارات على أي انفتاح تجاه إسرائيل في مدن القنيطرة وبلداتها.