وساطة في ظل تعدد الأقطاب: الدور القطري في المفاوضات الأميركية – الفنزويلية

تشغل قطر موقعًا استراتيجيًا للوساطة في مشهد من التعددية القطبية المتزايدة تسوده خصومات جيوسياسية.

بينما تطور قطر علاقاتها في أميركا اللاتينية يمكن أن تستفيد أيضًا من الاضطلاع بدور الوسيط الموثوق في الخصومات الدبلوماسية.

ملأ دور قطر وسيطا في فنزويلا فراغًا خلّفه اتحاد أمم أمريكا الجنوبية وجهات فاعلة إقليمية أخرى تنشغل بأزمات اقتصادية وسياسية أو تنفذ جدول أعمال منحازا.

لم تصطف قطر مع أمريكا في دعم مرشح المعارضة خوان غوايدو لمنصب الرئيس الانتقالي في فنزويلا، ولا مع إدارة ترامب حين فرضت عقوبات على الرئيس مادورو بموجب سياسة "الضغوط القصوى".

* * *

استضافت قطر، في حزيران/يونيو الماضي، محادثات سرّية بين فنزويلا والولايات المتحدة الأميركية. حيث تملك الدولة الخليجية سجلًّا حافلًا في مساعدة الولايات المتحدة في المفاوضات الحسّاسة، بما في ذلك عملية تبادل السجناء الأخيرة مع إيران والقنوات الخلفية بين الولايات المتحدة وحركة طالبان.

وقد ملأ صعود قطر في دور الوسيط في فنزويلا فراغًا خلّفه اتحاد أمم أمريكا الجنوبية وجهات فاعلة إقليمية أخرى تنشغل على نحو متزايد بالأزمات الاقتصادية والسياسية المحلية أو يُنظَر إليها بأنها تسعى إلى تنفيذ جداول أعمال منحازة.

قدّمت الدوحة نفسها في موقع الوسيط المحايد في فنزويلا مع حد أدنى من التشنّج مع جميع الأفرقاء المعنيين. وفي جانب أساسي، لم تصطف قطر إلى جانب الولايات المتحدة في دعمها لمرشح المعارضة المتصدّر خوان غوايدو لمنصب الرئيس الانتقالي في فنزويلا، ولا إلى جانب إدارة ترامب حين فرضت عقوبات على الرئيس نيكولاس مادورو بموجب سياسة "الضغوط القصوى".

وقد ساهم هذا الحياد الاستراتيجي، مقرونًا بالموارد المالية الطائلة التي تمتلكها قطر وتاريخها في استضافة المفاوضات الأميركية مع إيران وحركة طالبان، على التوالي، في تعزيز أوراق اعتمادها في مجال الوساطة.

يتيح الاضطلاع بدور الوسيط في المحادثات الأميركية-الفنزويلية للدوحة حلًّا منخفض المخاطر للاستمرار في رأب سمعتها الدولية القائمة على الوساطة الحيادية، والتي أضعفتها سياستها التدخلية أثناء الربيع العربي.

ويسمح أيضًا للبلاد بالتحوّط في رهاناتها الأمنية من خلال إثبات أنها ذات فائدة للولايات المتحدة، وضامنة أساسية للأمن، في حين أنها حافظت على علاقاتها مع إيران التي تُعَدّ من أقرب الشركاء الاقتصاديين والعسكريين لفنزويلا في الأعوام الأخيرة.

وساطة في عالم متعدد الأقطاب

يتبدّل المشهد الجيوسياسي العالمي فيما تُقدِم البلدان، لا سيما تلك الشبيهة بفنزويلا التي تواجه تداعيات العقوبات الغربية، على تنويع علاقاتها الاقتصادية والسياسية بصورة متزايدة.

وقد سلّط صعود مجموعة بريكس المؤلّفة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا - والتي يبدي أكثر من 40 بلدًا رغبته في الانضمام إليها – الضوء على هذا الابتعاد عن أحادية القطب.

لقد أعلن المصرف الإنمائي لمجموعة بريكس نيّته إصدار السندات و30 في المئة من القروض بالعملات المحلية بحلول عام 2026، في خطوةٍ تهدف إلى منح البلدان "بديلًا [متعدد الأقطاب] للنظام المالي المرتكز على الولايات المتحدة".

في قمة مجموعة بريكس في آب/أغسطس الماضي، تلقّت السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، ودول أخرى من خارج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، دعوة للانضمام إلى المجموعة.

يشكّل ذلك، مقرونًا بتحوّل العديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نحو الصين للاضطلاع بدور الوساطة، على النحو الذي أظهره الاتفاق السعودي-الإيراني الأخير، جزءًا من انعطافة إقليمية أوسع نحو شركاء غير غربيين.

تناقش قطر "التخلّي عن الدولار" في تبادلاتها التجارية مع روسيا، ولكنها لم تُظهر اهتمامًا بالانضمام إلى مجموعة بريكس، وأحد الأسباب هو أنها قد لا تكون مستعدة بقدر القوى الإقليمية الأخرى لتعريض ترتيباتها الأمنية مع الولايات المتحدة للخطر.

في الواقع، ربما تعتقد الدوحة أن بإمكانها الاستفادة من العلاقات مع بلدان أميركا اللاتينية من دون الانضمام إلى مجموعة بريكس. لقد وقّعت قطر اتفاقات اقتصادية مع البرازيل وغيرها من دول أميركا اللاتينية، مع التركيز على التعاون في قطاع المواد الهيدروكربونية وفي الزراعة، وأقرضت أخيرًا الأرجنتين 775 مليون دولار لسداد قسط مستحق لصندوق النقد الدولي.

لا تصبّ هذه العلاقات في مصلحة الطرف الآخر فقط، بل من شأن الدوحة أن تستفيد أيضًا من تطوير علاقاتها مع فنزويلا في مجال الطاقة، فالأخيرة تملك أكبر حقول مثبَتة للنفط في العالم ويمكن أن تستفيد من الاستثمارات وتبادل المعرفة.

ولكن فيما تبدي طهران اهتمامًا متزايدًا بالتعاون الاقتصادي والعسكري مع أميركا اللاتينية، وفقًا لما كشفته تسريبات البنتاغون في نيسان/أبريل الماضي، قد تصبح قطر أيضًا وسيطًا بالغ الأهمية لها.

فقد حافظت الدوحة على علاقات مع طهران، وساهمت في تيسير المحادثات لتجديد الاتفاق النووي، والتقى مسؤولون قطريون كبار وزير الخارجية الإيراني هذا العام لتوطيد الروابط. وساهمت أزمة الخليج في عام 2017 أيضًا في زيادة الانخراط بين البلدَين.

إذن، في ضوء علاقات قطر مع إيران والدور الذي اضطلعت به تاريخيًا في الوساطة بين الولايات المتحدة وإيران، فإن ذلك يمنحها خصوصية في التعامل مع بلدان أميركا اللاتينية التي تزداد تقاربًا مع طهران.

وينطبق هذا بصورة خاصة على فنزويلا في أعقاب زيارة مادورو إلى إيران في عام 2022، حيث وقّع خطة تعاون لمدة 20 عامًا مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.

تبعًا لذلك، تشغل قطر موقعًا استراتيجيًا للوساطة في مشهد من التعددية القطبية المتزايدة تسوده خصومات جيوسياسية. ويبدو أن أمامها فرصةٌ للبروز في موقع الجهة الفاعلة الناشئة في الوساطة على مستوى بلدان أميركا اللاتينية، من خلال الاستثمار في العلاقات الطويلة الأمد مع مجموعة متنوّعة من الجهات الفاعلة، ومواصلة العمل على رأب سمعتها القائمة على الحياد، والاستثمار في مكامن قوّتها النسبية.

*تانر ج. مانلي باحث ببرنامج النزاعات والعمليات الانتقالية في مجلس الشرق الأوسط للشؤون العالمية.

*ليلي روسي طالبة دكتوراة بجامعة ستانفورد في العلاقات الدولية والدراسات الإيرانية.

المصدر | مؤسسة كارنيغي

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: قطر فنزويلا أميركا وساطة تعدد الأقطاب نيكولاس مادورو أمیرکا اللاتینیة الولایات المتحدة مجموعة بریکس فی فنزویلا مع إیران التی ت موقع ا

إقرأ أيضاً:

ذا ترينتي تري بود: عبد المهيمن غانم أول طالب ليبي يلتحق بجامعة ترينتي الأميركية

ليبيا – سلط تقرير إخباري نشرته صحيفة “ذا ترينتي تري بود” الطلابية الصادرة عن جامعة “ترينتي” الأميركية الضوء على التحاق أول طالب ليبي بالدراسة فيها.

التقرير الذي تابعته وترجمته صحيفة المرصد أكد أن عملية انتقال الطلاب الدوليين من المدرسة الثانوية إلى “ترينتي” تتم عبر تعزيز التكيف من خلال جعل التحول الثقافي مساحة للاختبار، مبينًا أن عبد المهيمن غانم أو “مو” هو الطالب الأول الملتحق بالجامعة من ليبيا ليحتضن التجربة الفريدة بحماس.

ووفقًا للتقرير فإن غانم سعيد بدخول مشهد جديد من الثقافة والأكاديميين عند وصوله إلى “ترينيتي” خلال عامها المئوي الـ2 فقد كان يعلم لفترة من الوقت أنه يريد مواصلة التعليم ونيل المرونة التي عرضت عليه في الولايات المتحدة ناقلًا عنه مشاعره بالخصوص.

مكتبة جامعة ترينتي

وقال غانم:”بشكل عام لدي الكثير من الحرية للقيام بالأشياء هنا فالمدرسة ليست حياتي كلها وبالولايات المتحدة يمكنني أن أكون طالبًا بدوام كامل ويكون لدي وظيفة وأن أسافر وأتقدم بطلبات التدريب في ذات الوقت وممتن للتعليم الذي تلقيته في ليبيا وأريد التوسع خارج القطاعين العام والخاص المعيقان لفرص العمل في بلادي”.

وبحسب التقرير بدأت رحلة غانم مع الولايات المتحدة في سنته الأخيرة في المدرسة الثانوية مع برنامج التبادل والدراسة للشباب إذ ساعده هذا البرنامج المرعي من الخارجية الأميركية لقضاء عام في ولاية أيوا وفيها عاش مع عائلة مضيفة وشارك في أنشطة خارج المنهج الدراسي.

وتحدث غانم عن تجربته في تقديم عروض حول ليبيا لزملائه في الفصل والمشاركة قي الأطعمة الثقافية عبر القول:” كانت تجربة مثيرة للاهتمام حقًا ولقد تمكنت من الانغماس في حياة المدرسة الثانوية في الولايات المتحدة ومشاركة ثقافتي أيضًا وأقدر حقًا مدى اهتمام الجميع”.

وأضاف غانم قائلًا:” وكان من المثير للاهتمام أن أحضر ثقافتي هنا وأرى الناس يتفاعلون معها وعندما انتهى البرنامج عدت إلى ليبيا على أمل العودة إلى أميركا قريبًا” في وقت بين فيه التقرير إن غانم تقدم على مدار العام التالي بطلب وتم قبوله في “ترينيتي”.

وأوضح التقرير أن غانم اختار الجامعة لأن من أجرت معه المقابلة كان لديها شغف عميق بها ما ألهمه للالتحاق بها ليقرر بعد التحدث معها وأستاذ الهندسة عدة مرات التقدم بطلب القبول المبكر ناقلًا عنه قوله:”كانت الساعة نحو الـ2 والنصف صباحًا عندما فتحت الطلب ورأيت أنني قد تم قبولي”.

وتابع غانم بالقول:”كنت أصرخ حرفيًا فقد كنت مقتنعًا تمامًا أنني لن يتم قبولي وأيقظت والدي لإخبارهما وخرجنا واحتفلنا في اليوم التالي وكان كل شيء بعد تلك اللحظة يتعلق بالاستعداد للانتقال إلى الولايات المتحدة” في وقت أشار فيه التقرير إلى أن غانم الآن في سنته الـ2.

وأضاف التقرير أن غانم يقوم حاليًا بعمل مسؤول تجنيد الطلاب أي ما فعله من أجرى المقابلة من أجله وممتن للغاية لأنه نشأ في بلده حيث العلاقات الأسرية قوية وهناك طموح للوصول إلى النجوم لتكون المفاجأة عندما وصل إلى” ترينيتي” ويعرف أنه أول طالب من ليبيا.

وتابع التقرير إن هذا كان بمثابة حافز له ليكون قدوة للطلاب الليبيين الآخرين الذين قد يشعرون بأن التعليم الأميركي بعيد المنال مضيفًا بقوله:” والدي يقدم لي النصيحة وأحمل قطعة من بلدي في كل مكان أذهب إليه في الروح وأتطلع إلى ترك بصمتي هنا في ترينيتي ليمكن نظرائي الآخرين أن يأتوا إلى هنا وهذا هو الهدف”.

واختتم التقرير بالإشارة إلى تمكن غانم من العثور على مجتمع رائع مع طلاب دوليين آخرين وهو ممتن لمسؤولي الطلاب الدوليين “كاثرين كلير” و”ماريا ديان” وكل من جعل التجربة لا تصدق وحتى لو كان بعيدا عن ليبيا فقد قال أنه لا يشعر أنه بعيد جدا عن منزله.

ترجمة المرصد – خاص

مقالات مشابهة

  • أكسيوس: أميركا تسعى إلى استغلال ضعف حزب الله لانتخاب رئيس لبناني
  • مقال لبلينكن حول الإستراتيجية الأميركية من أجل عالم جديد
  • الصين تصعق الولايات المتحدة بموقفها من الحوثيين في اليمن!
  • هل تفضي وساطة الرئيس الموريتاني لحلحلة الأزمة الليبية؟
  • أين تتمركز القوات الأميركية في الشرق الأوسط؟ .. 19 موقعا بـ12 دولة
  • الشبكة يسخر من حديث بلينكن عن سعي أميركا للسلام في الشرق الأوسط
  • ذا ترينتي تري بود: عبد المهيمن غانم أول طالب ليبي يلتحق بجامعة ترينتي الأميركية
  • فنزويلا تدعو لمسيرة دعماً لفلسطين وتنديداً بـ"الإبادة الجماعية"
  • العراق يُبلغ الولايات المتحدة بقرب بدء المفاوضات مع الكويت
  • تباين حاد في نهج السياسة الخارجية الأميركية بين هاريس وترامب