في أيار/مايو 2015، تعرضت نيبال لعدة زلازل متتالية. قُتل نحو 9000 شخص وجُرح آلاف آخرون. انهارت المباني متعددة الطوابق والمنازل والمعابد، التي لم تكن مصممة بالأصل لتحمل اهتزاز الأرض. وصلت الأضرار وتكاليف إعادة الإعمار إلى المليارات.

وبعد ما يقرب من ثماني سنوات، أعادت الحكومة النيبالية ومنظمات إغاثية دولية بناء مئات الآلاف من المنازل، بحيث تتحمل الهزات الأرضية.



وفي المغرب، لقي أكثر من 2800 شخص مصرعهم وجرح الآلاف في أعنف زلزال يهز البلاد في أكثر من ستة عقود. وضرب الزلزال الذي بلغت قوته 6.8 درجة منطقة جبال الأطلس الكبير في وقت متأخر مساء الجمعة (الثامن من أيلول/سبتمبر 2023) وكان مركزه على بعد 72 كيلومتراً جنوب غربي مدينة مراكش. وقدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أعداد من يبيتون في العراء في المغرب جراء الزلزال المدمر بنحو 300 ألف شخص.

وفي 6 شباط/فبراير الماضي، ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا زلزالان بقوة 7.7 و7.6 درجات على مقياس ريختر، تبعتهما آلاف الهزات الارتدادية. وفي المجمل، لقي أكثر من 57 ألف شخص حتفهم في البلدين وأصبح أكثر من مليوني شخص بلا مأوى في تركيا وحدها.

نيبال و"البناؤون المتنقلون"

تهدف منظمات الإغاثة عند إعادة إعمار مناطق تنشط فيها الزلازل إلى بناء وحدت سكنية تقاوم أي هزات أرضية مستقبلية، وذلك باستخدام تقنيات البناء المتاحة محلياً والمجدية اقتصادياً، كما تقول إليزابيث هاوسلر، مؤسسة ومديرة منظمة Build Change الأمريكية، والتي تنشط في آسيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.

وفي نيبال، كان على أصحاب المنازل أن يساعدوا في إعادة الإعمار. ولهذا السبب ركزت وكالة التعاون الدولي اليابانية (جايكا) على دعم الشبكات المحلية ونشر "البنائين المتنقلين".

تم تدريب هؤلاء المهندسين المحليين على البناء المقاوم للزلازل على يد خبراء يابانيين على دراية جيدة بتصميم المباني المقاومة للزلازل. سافر البناؤون المتنقلون من قرية إلى أخرى للمساعدة في إعادة الإعمار وتعليم غيرهم التقنيات والمعارف التي اكتسبوها.

وقالت ريشام بينيتا بهوجيل، وهي أم لخمسة أطفال صغار تعيش في قرية تقع شمال شرق البلاد: "لقد ساعدنا عمال البناء المتنقلون في إعادة بناء منزلنا، حجراً على حجر، حتى يكون أكثر استقراراً ولا ينهار في أي زلزال محتمل"، كما ورد في تقرير وكالة التعاون الدولي اليابانية (جايكا) لعام 2020.

وكانت أغلب المباني التي تضررت أو دمرت في المناطق الريفية في نيبال، والتي يزيد عددها على مليون مبنى، مبنية من الحجارة التقليدية المصنوعة من الطين، ويبلغ متوسط ارتفاعها طابقين. العديد من المنازل لم تكن بحاجة إلى الهدم، حسبما وجدت منظمة Build Change في تقييم لها.

وقال هاوسلر لـ DW: "نجحنا بإصلاح وتقوية نسبة كبيرة من المنازل التي تضررت في الزلزال بتكلفة لا تزيد عن حوالي 3000 دولار، في حين كان سيكلف هدم نلك المباني وبناء مساكن جديدة محلها نحو 20 ألف دولار". وبناء على تلك الحسبة قام عمال البناء بتعزيز الجدران والأعمدة وغيرها من الهياكل الداعمة الضعيفة واستبدال المواد الرديئة بأخرى أصلب وأكثر متانة.

وقال كامران أكبر، المتخصص في إدارة مخاطر الكوارث في البنك الدولي في كاتماندو: "ليحصل أصحاب المنازل على الدعم الحكومي تعين عليهم استخدام تدابير مقاومة للزلازل لإعادة البناء، بدون ان يكون هناك أي قيود على مواد البناء أو أساليبه طالما أنها تلبي الحد الأدنى من متطلبات مقاومة الزلازل".

تعتمد العديد من تقنيات البناء التي تستخدمها Build Change وغيرها من المنظمات في نيبال على مبدأ البناء المغلق، حيث يتم استخدام عوارض وأعمدة أفقية ورأسية متباعدة بشكل متساوٍ مصنوعة من الخرسانة المسلحة.

في أحد فيديو أنتجته منظمة Build Change توضح مهندسة مزايا طريقة البناء التي تعتمدها المنظمة في مقاومة الزلازل. والحاجة ملحة لمساكن مقاومة للكوارث، ليس فقط في المناطق التي تنشط فيها الزلازل، بل في جميع أنحاء العالم. ووفقا لهاوسلر، فإن ما يصل إلى 40% من سكان العالم سيعيشون في مبان غير آمنة بحلول عام 2030، ووصفته بأن "أحد التحديات الرئيسية في عصرنا".


زلازل يومية في تشيلي

تقع الزلازل بشكل شبه يومي في تشيلي، البلد الذي يعيش فيه ملايين الأشخاص على شبكة واسعة من خطوط الصدع الناجمة عن الزلازل السابقة. ومع ذلك، فقد تمت السيطرة على تداعيات الزلازل هناك.

وتقول ماجدالينا جيل، الباحثة في إعادة الإعمار بعد الهزات الزلزالية في "مركز أبحاث الإدارة المتكاملة لمخاطر الكوارث" (CIGIDEN)، واصفة الوضع: "الزلازل اليومية تذكرنا أننا نقف على أرض غير مستقرة دائمة الاهتزاز. كل ساكن في تشيلي يبلغ من العمر 30 عاماً قد شهد زلزالاً كبيراً واحداً على الأقل في حياته".

وقال غابرييل غونزاليز، نائب مدير المركز البحثي: "لحسن الحظ، لدينا في تشيلي لوائح صارمة بخصوص قواعد السلامة من الزلازل".

كانت هذه الإرشادات هي السبب وراء انهيار مبنى واحد فقط في آخر زلزال كبير بلغت قوته 8.8 درجة في شباط/فبراير 2010. وأدى الزلزال والتسونامي الذي أعقبه إلى مقتل نحو 500 شخص في جميع أنحاء البلاد.

على مر السنين، قام قطاع البناء في تشيلي وغيرها من المناطق المعرضة للزلازل بتطوير تقنيات لتعزيز متانة المباني الحديثة.

ووفقا لغونزاليز، لا تضع لوائح وقوانين البناء حداً أعلى لارتفاع المباني، ولكنها تشترط وجود أعمدة وعوارض خرسانية مسلحة مدعومة بإطارات فولاذية في المباني الشاهقة، ما يكسبها المرونة اللازمة لتحمل الزلازل القوية. يمكن أن تنكسر العوارض الخرسانية، لكن الأعمدة الفولاذية مصممة لتبقى قائمة ولا تنهار.

وفي الغالب تقوم السلطات في تشيلي بعمليات تفتيش غير معلنة على مواقع البناء. وهذا يضمن الالتزام الصارم بقواعد البناء. وقالت الباحثة ماجدالينا جيل إنه يتم تشديد هذه القواعد الصارمة باستمرار بعد كل زلزال كبير، وذلك منذ الكارثة التي بلغت قوتها 9.5 درجة في أيار/مايو 1960، وهو أكبر زلزال تم تسجيله على الإطلاق.

قوانين البناء ليست عصا سحرية

ويوضح غونزاليز أنه منذ زلزال عام 2010، كان تركيز الحكومة التشيلية منصب أكثر على تحسين التعاون بين سلطات الحماية المدنية.

يلعب تحليل المخاطر والتأهب للكوارث الآن دوراً أكبر في الحماية من الزلازل والكوارث الطبيعية الأخرى. وتشمل التدابير، من بين أمور أخرى، تدريبات الطوارئ، والتوعية، وصيانة البنية التحتية القديمة. تشيلي من أكثر الدول في العالم صرامة فيما يخص قوانين البناء، وتعتبر إلى جانب اليابان نموذجاً رائداً يحتذى به.

بيد أن ماجدالينا جيل استدركت: "قوانين البناء هذه ليست سحرية. لدى تركيا أيضاً قوانين تلبي المعايير الحديثة. الأمر يتوقف أيضاً على المؤسسات والجهات الفاعلة التي تطبق مثل هذه اللوائح. إذا لم يتم تطبيق قوانين البناء تبقى مجرد حبر على ورق".

يقول كامران أكبر، المتخصص في إدارة مخاطر الكوارث في البنك الدولي: "من الضروري للغاية ألا تكون المباني الجديدة مقاومة للكوارث فحسب، بل المباني القائمة أيضاً". في الغالب يجري تفضيل الخيار الأخير: فهو أرخص وأسرع في التنفيذ وأفضل للبيئة؛ إذ أنه يقلل من انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون، وفق دراسة لم تُنشر بعد لمنظمة Build Change.

بقي أن نذكر أن تحسين المباني لجعلها أكثر مقاومة للزلازل يمكن أن يساعد أيضاً في الحماية من الكوارث الطبيعية الأخرى مثل الأعاصير والعواصف والفيضانات.

مارتن كوبلر/خ.س

المصدر: أخبارنا

كلمات دلالية: إعادة الإعمار فی إعادة فی تشیلی أکثر من

إقرأ أيضاً:

مجلس للحكومة الخميس المقبل يتدارس مشاريع مراسيم تتعلق بالبناء المضاد للزلازل

ينعقد بعد غد الخميس، مجلس للحكومة برئاسة عزيز أخنوش، رئيس الحكومة.

وذكر بلاغ صحفي لرئاسة الحكومة أن المجلس سيتتبع في بدايته عرضا لوزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني حول حصيلة الموسم السياحي الصيفي.

وأبرز المصدر ذاته أن المجلس سيتدارس، إثر ذلك، مشروع قانون يقضي بتغيير وتتميم القانون المتعلق بالتأمين الإجباري الأساسي عن المرض وبسن أحكام خاصة.

وبحسب البلاغ، يتدارس المجلس إثر ذلك ثلاثة مشاريع مراسيم يتعلق الأول منها بالجودة والسلامة الصحية للصلصات التي يتم تسويقها، والثاني بتغيير وتتميم المرسوم المتعلق بالموافقة على ضابط البناء المضاد للزلزال المسمى «R.P.S 2000» المطبق على المباني المحددة فيه قواعد الوقاية من الزلازل وبإحداث اللجنة الوطنية لهندسة الوقاية من الزلازل، والثالث بتتميم المرسوم المتعلق بالموافقة على ضابط البناء المضاد للزلزال المطبق على المباني المنجزة بالطين وبإحداث اللجنة الوطنية للمباني المنجزة بالطين.

ويختم المجلس أشغاله بدراسة مقترحات تعيين في مناصب عليا طبقا لأحكام الفصل 92 من الدستور.

كلمات دلالية مجلس الحكومة، الزلزال

مقالات مشابهة

  • زلزال بقوة 4.7 درجة يهز مقاطعة آنهوي شرقي الصين
  • كاليفورنيا تسجل رقماً قياسياً في الزلازل
  • مجلس للحكومة الخميس المقبل يتدارس مشاريع مراسيم تتعلق بالبناء المضاد للزلازل
  • الحكومة تدرس ضوابط البناء المضاد للزلازل
  • مجلس الحكومة يتدارس جودة وسلامة الصلصات التي يتم تسويقها
  • مصادر: "الخطوات المتهورة" التي تخطط لها حكومة نتنياهو في الشمال قد تورِّط إسرائيل في مشكلة أكثر صعوبة
  • حدث ليلا.. تحطم مروحية رئيس دولة إفريقية وانفجار ضخم بأمريكا وتحذير من زلزال مدمر
  • زلزال بقوة 5.1 ريختر يضرب ولاية تكساس الأمريكية
  • مقرر أممي: تلوث المياه في غزة قنبلة تأثيرها أكبر من التي تدمر المباني
  • حماس: تصاعد جرائم المستوطنين في الضفة الغربية يستدعي مزيدا من العمل المقاوم