ما صحة حديث «تخلقوا بأخلاق الله».. وما معنى التخلق الوارد به؟ علي جمعة يوضح
تاريخ النشر: 19th, September 2023 GMT
يتساءل البعض عن صحة حديث تخلقوا بأخلاق الله، ومعنى التخلق بأخلاقه جل وعلا، حيث أجاب الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء على هذا الأمر من خلال صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”.
صحة حديث تخلقوا بأخلاق اللهوقال علي جمعة إن من حكمة الله في ذكر أسمائه وصفاته أن نتخلق بها، كما ورد في الأثر: (تخلقوا بأخلاق الله) فنتخلق من الرحيم بالرحمة، ومن الكريم بالكرم، ومن الحليم بالحلم.
وتابع: لأهمية أسمائه تعالى في الإيمان به وأمره عباده بالتخلق بها ختم سبحانه وتعالى كثيرا من الآيات في كتابه الكريم بالأسماء الحسنى; فلا تكاد تجد صفحة من المصحف إلا وقد ختمت كثير من الآيات فيها باسم أو اسمين من أسمائه تعالى, وما ذلك إلا لأمرين اثنين:
الأمر الأول: دلالة هذه الأسماء على معان عظيمة.
والأمر الثاني: الدلالة على أن الطريق إليه تعالى لا يتأتى إلا عبر المرور من باب معرفة أسمائه سبحانه وتعالى والتعبد بها.
وشدد على أن أسماء الله سبحانه وتعالى مليئة بالحكم والأسرار التي يعرفها أهل الله الذاكرون السائرون في طريقه, فعلى كل مسلم أن يذكر الله سبحانه في كل حال بما يحب من أسمائه ،ويجتهد في التخلق بهذه الأسماء ومراعاتها في حياته كلها ليفتح له أبواب أسرارها.
كيف كان الرسول متممًا لمكارم الأخلاق؟كيف كان الرسول متممًا لمكارم الأخلاق؟ وكيف يستفيد الناس من ذلك؟، سؤال أجابته دار الإفتاء فقالت: لقد حدد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الغاية الأولى من بعثته والمنهاج الواضح في دعوته بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ حُسْنَ الْأَخْلَاقِ» رواه مالك في "الموطأ".
وتابعت: حث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه على حُسن الخلق؛ فقد سُئل صلى الله عليه وآله وسلم: أي المؤمنين أفضل؟ قال: «أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا» رواه أحمد، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي فِي الْآخِرَةِ مَجَالِسَ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي أَسْوَأُكُمْ أَخْلَاقًا» رواه البيهقي في "مسند الشاميين".
ولقد شرع الله سبحانه وتعالى العبادات؛ لتهذيب النفس البشرية، وتحليها بالأخلاق الكريمة، فالصلاة والصيام والزكاة والحج وما شابهها الهدف الأسمى منها تهذيب أخلاق الإنسان في عبادته لله، وتعاملاته مع غيره من أفراد مجتمعه.
وشددت: لقد ضرب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أعلى قدوة وأرفع مثل في حُسن الخلق، وصدق الله العظيم حيث يصفه بذلك فيقول تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4]؛ فلم يذكر التاريخ أرفق ولا أحكم ولا أرحم ولا أجود ولا أكرم ولا أشجع من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد سكب الله في قلبه من العلم والحلم، وفي خُلُقه من الإيناس والبر، وفي طبعه من السهولة والرفق، وفي يده من الجود والكرم؛ ما جعله أزكى عباد الله رحمة، وأوسعهم عاطفة وأرحبهم صدرًا، وقد سُئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خُلُقه صلى الله عليه وآله وسلم؟فقالت: "كان خُلُقه القرآن".
وقد سُئل الإمام علي رضي الله عنه عن أخلاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال للسائل: "هل تستطيع إحصاء نعم الله التي منحها لعباده في الأرض؟" فقال: كيف لي بذلك؟ قال: "كيف تريد مني إحصاء خُلُقه صلى الله عليه وآله وسلم وقد وصفه الحق جل وعلا بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4]".
وقالت الإفتاء إن أخلاقه صلى الله عليه وآله وسلم أكبر من أن تُحصى، ويجب علينا نحن المسلمين أن نقتدي به، ونتأسى بأخلاقه صلى الله عليه وآله وسلم في تعاملنا مع الآخرين، ونتحلَّى بالحلم والعفو، والحياء، والجود والتواضع، والوقار وحسن الأدب كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الدكتور علي جمعة هيئة كبار العلماء أسماء الله مكارم الأخلاق الاخلاق سبحانه وتعالى وسلم أ
إقرأ أيضاً:
خطيب المسجد الحرام: القوة الحقيقة في الربط بين الإيمان والأخذ بالأسباب
قال الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد، إمام وخطيب المسجد الحرام : اتقوا الله رحمكم الله، طهروا قلوبكم قبل أبدانكم، وألسنتكم قبل أيديكم، عاملوا الناس بما ترون لا بما تسمعون.
أركان متلازمةوأضاف “ بن حميد” خلال خطبة الجمعة الأخيرة من شهر شوال اليوم من المسجد الحرام: اسمعوا من إخوانكم قبل أن تسمعوا عنهم ظنوا بإخوانكم خيرًا، واتقوا شر ظنون أنفسكم، ومن أدب الفراق دفن الأسرار، من أغلق دونكم بابه فلا تطرقوه، واكسبوا إخوانكم بصدقكم لا بتصنعكم، وكل ساق سيسقى بما سقى.
واستشهد بما قال الله تعالى: (وَقُل لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَعُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوا مُّبِينًا)، منوهًا بأن الإيمان والعبادة، وعمارة الأرض، وإصلاحها أركان متلازمة.
وأوضح أن المسلم يقوم بالإعمار قربة لله ونفعًا لنفسه ولعباده، فيستثمر في كل ما ينفع العباد والبلاد، الإيمان فينا مقرون بالعمل الصالح، والقراءة مقرونة باسم الله مستشهدًا بقوله تعالى (أقرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ).
وأشار إلى أن العلم مربوط بخشية الله، والإيمان هو قائد العقل حتى لا يطغى العقل فيعبد نفسه، والإيمان هو الضابط للعلم حتى لا تؤدي سلبياته إلى اضطراب تنهار معه البشرية.
تكلم عن الأمم السابقةوأبان أن القرآن الكريم تكلم عن الأمم السابقة، وما وصلت إليه من القوة، والبناء، والإعمار، ثم بين ما كان من أسباب هلاكها وفنائها من أجل أن نعرف سنته سبحانه، فقد أخبر عن عظمة ما وصل إليه قوم عاد.
ودلل بما قال جل وعلا: (إرم ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا في البلاد)، مما يدل على عظمتها، وجمالها، وتقدمها، ولكنه في مقام آخر، قال جل وعلا: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ).
وأردف: غرتهم قوتهم وكذبوا رسل الله، وتنكروا لدعوة الإيمان استكبارًا وجحودًا، ومن أعرض عن ذكر الله يبقى مرتكسًا في الظلمات مهما أوتي من العلوم والقوى، حيث خاطب الله نبيه محمدًا- صلى الله عليه وسلم - بقوله: ﴿كِتَبُ أَنزَلْتَهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ).
واستند لما قال جل وعلا: ﴿هُوَ الَّذِي يُنزِلُ عَلَى عَبْدِهِ وَايَتٍ بَيِّنَتِ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)، فالقوة والعزة بالإيمان والتقوى، والانتصار والبقاء بتعظيم شعائر الله، والعلوم مهما كانت قوتها، والصناعات مهما بلغت مخترعاتها وتقنياتها فإنها لا تجلب حياة سعيدة، ولا طمأنينة منشودة.
ليس ذمًا للعلوموأفاد بأن الدين الإسلامي ليس ذمًا للعلوم واكتشافاتها، ولا للصناعاتها وأدواتها، ولا للمخترعات وتطويرها، ولا تنقصا من مكانتها وقيمتها، وإنما هو التأكيد على أنه لا بد من نور الوحي لتزكية النفوس، وهداية البشرية، واستنارة الطريق.
ولفت إلى أن الازدهار الذي أحرزته التراكمات المعرفية من بيت اللبن والطين إلى ناطحات السحاب وشاهقات المباني، وما حصل في وسائل النقل عبر التاريخ من التحول من ركوب الدواب إلى امتطاء الطائرات مرورًا بالسيارات والقاطرات.
واستطرد: وفي بريد الرسائل: من الراجل والزاجل إلى البريد الرقمي، كل ذلك على عظيم اختراعه وعلى جماله، والراحة في استعماله لكنه لم يقدم البديل عن الإيمان، وتزكية النفس واحترام الإنسان، وتأملوا ذلك -حفظكم الله- في ميدان الأخلاق، وحقوق الإنسان، وضحايا الحروب، والتشريد، والتهجير، والفقر، والتسلط، والاستبداد، واضطراب المعايير.
وأوضح أن القوة الحقيقة هي الربط بين الإيمان والأخذ بالأسباب، وليس التعلق بالأسباب وحدها، لأن الرب سبحانه هو رب الأرباب، ومسبب الأسباب ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، ومن ثم فإن صدق التوكل على الله هو المدد الحقيقي في كل مسارات الحياة ودروبها، بل التوكل عليه سبحانه هو معيار الإيمان (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)، والعزة الله ولرسوله وللمؤمنين، ونور الوحي أعظم النور وأعلاه وأغلاه، وعلى المؤمن أن يعرف قيمته ومنزلته وقوته، ولا يستصغر نفسه أمام الماديات، أو يشعر بالحرج تجاهها.
القائد للعقلوأكد أن الإيمان هو القائد للعقل، وهو الحامي للعلم، وحين ينفصل العقل عن الإيمان ينهار العمران البشري، وحين يعبث العقل بالعلم تنهار الحواجز بين الحق، والباطل، والصالح، والفاسد، والظلم والعدل، وتضطرب المعايير، وتتحول السياسات من سياسات مبادئ إلى سياسات مصالح، وبالعلم والإيمان يستقيم العمران، وتسير القاطرة على القضبان، والله غالب على أمره.
ونبه إلى أن بناء العمران وانهياره مرتبط بالإنسان، فالله سبحانه استخلف الإنسان ليقوم بعمارة الأرض، ومن ثم فإن أسباب تقدم المجتمع وتأخره يعود -بإذن الله- إلى الإنسان نفسه، فالتغيير في الخارج لا يكون إلا حين يكون التغيير في النفوس (وإِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيْرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)، وسنة الله أن الصالح يبقى لان فيه نفعًا للبشرية، وغير الصالح لا يبقى لأنه لا نفع فيه، واعلموا أن الصلاح لا يكون إلا بالإيمان الصحيح، فهو الذي يطبع النفوس على الصدق، والإخلاص، والأمانة، والعفاف، ومحاسبة النفس، وضبط نوازعها، وإيثار الحق، وسعة النظر، وعلو الهمة، والكرم، والتضحية والتواضع، والاستقامة، والقناعة، والسمع والطاعة، والتزام النظام.