درنة.. نكبة مدينة وفزعة شعب
تاريخ النشر: 19th, September 2023 GMT
اجتاح المدينة إعصار دانيال وتسبب في مقتل وتشريد الآلاف، وهدم أحياء سكنية بكاملها، الكوارث الطبيعية لا يد منظورة للبشر فيها، ربما للتغيرات المناخية دور كبير، بسبب ثقب طبقة الأوزون الناتج عن الغازات المنبعثة عن المصانع الكيميائية بالدول الكبرى، السدود المقامة على الأنهار لتجنيب المدن القريبة منها خطر تدفقها تحتاج بصفة دورية إلى عمليات مراقبة وصيانة، لكن بلادنا وفي ظل التكالب على السلطة وإهدار المال العام بسبب عدم وجود الرقابة العامة (إدارية ومحاسبية) التي تحد من ذلك، فإن مسؤولينا لم يعيروا أي اهتمام لأي من المشاريع المقامة فتآكلت وبعضها لم يعد صالحا للصيانة، ناهيك عن عدم القيام بمشاريع جديدة.
لسنا هنا في صدد تحديد المسؤولية عن نتائج الإعصار، فبإمكان الأجهزة المختصة تحديد ذلك، ومعاقبة المقصرين منهم، ولكن هل ستقوم السلطات بمختلف مستوياتها بالتعويض عن الخسائر المادية وإيجاد البديل لها في أقرب الآجال، فالأموال متوفرة وبكثرة، والذي ينقص هو الإرادة الفاعلة القادرة على تخطي الأزمة في مدد زمنية، وتجنيب المواطن التشرد وانتظار المساعدات أو لنقل الهبات الخارجية، التي رغم أهميتها لن تفيء بالغرض.
الحكومتان اللتان تتقاسمان السلطة، لم تتحركان بالسرعة المطلوبة لتخفيف أثر النكبة، كما إنهما لم تقدمان ما يلزم من معونات إيوائية وغذائية رغم وجود بند للطوارئ بالميزانيات على مدى السنوات المختلفة، فهل تراكم المبلغ أم أنه تم إنفاقه في ما لا يعني على مشاريع وهمية؟، نتمنى أن يكون هناك بعض الاهتمام ببقية السدود حول مدينتي طرابلس وبنغازي وحمايتهما، لئلا تتكرر الكوارث، كما نأمل وضع حدا لارتفاع أسعار الكثير من السلع وخاصة الضرورية، فتجار الأزمات يجب ردعهم بقوانين صارمة، فهؤلاء دينهم بطونهم، وجل همهم هو ما يراكمونه من أموال في خزائنهم، ولا إنسانية لهم.
نكبة درنة والمناطق المجاورة أثبتت قوة اللحمة الوطنية للشعب الليبي، حيث أنه ورغم الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه، نجده يقوم بتسيير قوافل إغاثة للمناطق المنكوبة، وأنه في حل من الفتن التي يحاول الساسة وبعض رجال الدين خلقها وتأجيج سعيرها، وأن ليبيا المعاصرة وطن واحد، وقبائلها تنتشر على مدى رقعتها الجغرافية.
إن هذه الفزعة العفوية تدحض وبما لا يدع مجالا للشك، الرأي القائل بأن الشعب الليبي شعب هجين، غير متجانس، وأن العودة إلى الحكم الفدرالي لم يعد واردا، فالذين قاموا بتغيير دستور 51 (63 معدل) هم نواب ليبيون بالدرجة الأولى، ومضى على ذلك ستة عقود، فلم تعد هناك قيود للتنقل، فتشابكت المصالح والمصاهرة وهؤلاء الفدراليون نسوا أو تناسوا أن بعض سكان المنطقة الشرقية أصولهم من المنطقة الغربية والجنوبية، وأن القبائل أصبح لها امتداد جغرافي يصعب تجاهله، نعم للامركزية الإدارية، إدارة شؤون المناطق وتنميتها وفق احتياجاتها ومع ما يتناسب والميزانية المخصصة لذلك، على أن تبقى بعض الأشياء مركزية مثل السياسة الخارجية والدفاع والأمن الداخلي والتخطيط العام.
ندرك أن المصاب جلل، لكن الهبة الشعبية خففت من وطأة الألم، وطن واحد، قد تختلف المشارب.. وتتعدد المسارب.. تظل الوجهة.. ليبيا.. رغم المحن، لا مكان لشذاذ الآفاق ومروجي الفتن.. لا جهوية لا مذاهب تكفيرية، سيتعافى الوطن.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
إقرأ أيضاً:
غريق وحريق.. اللبناني فريسة الكوارث وسقوط القانون
كأنه لا يكفي اللبناني ما يعيشه من أزمات وحروب على ارضه، حتى أتته مصائب جديدة قد لا تكون في الحسبان. يقول المثل اللبناني: "يا رب لا تموتني لا حريق ولا غريق ولا تشنشط على الطريق" . هذا المثل اليوم بات منطبقاً على اللبناني اينما حلّ، فالغريق في الامطار، و"التشنشط على الطريق" نعيشها بعد الحرب الاسرائيلية أما الحريق فهو المصيبة الجديدة التي بدأت تضاف الى يومياته.
فاضافة الى الحرائق التي يفتعلها العدو الاسرائيلي يومياً في حربه المستمرة على لبنان، يتظهر يوماً بعد يوم حجم الاهمال الذي يصيب الدولة في كل مفاصلها. فيوم السبت الماضي شب حريق كبير في مولد للكهرباء في منطقة الحمرا تسبب بالكثير من الاضرار، وقد شاءت العناية الالهية ان تقتصر الاضرار على الماديات، فيما كان الحريق الذي اندلع الشهر الماضي في معمل في سن الفيل، قد ادى الى مقتل اربع سيدات كن يعملن داخله. هذه الاحداث وغيرها تعيد طرح السؤال الابرز اين هو قانون السلامة العامة؟ ولماذا لا يطبق؟
ما هو قانون السلامة العامة؟
في العام 1997، ساهمت الهزّة الأرضية القوية التي ضربت لبنان في تسريع صدور ثلاث مراسيم تحمل الأرقام 11264 و11266 و11267، وتُحدّد تباعاً الشروط والأصول الواجب تطبيقها في الأبنية والمنشآت لحمايتها من أخطار الحريق والزلازل وتجهيزات المصاعد. إنّما لم تُنقل مفاعيل هذه المراسيم إلى حيّز التنفيذ لعدم صدور مراسيمها التطبيقية، فضلاً عن عدّة عوائق أبرزها محدودية القدرات الفنية والتقنية لدى الإدارات والأجهزة العامّة كالبلديات والتنظيم المدني والدفاع المدني والإطفائية، والتي حُمّلت، بموجب هذه المراسيم، مسؤولية تأمين مراقبة تطبيق الشروط المفروضة، فضلاً عن تضارب الصلاحيات بين التنظيم المدني والبلديات أو اتّحادات البلديّات.
إزاء هذا الواقع، تمّ العمل على إصدار مرسوم جديد عام 2005 يحمل الرقم 14293. طوّر هذا المرسوم شروط وأصول تطبيق السلامة العامة في الأبنية والمنشآت، وأسند، هذه المرّة، مهمّة مراقبة تطبيق الشروط المفروضة إلى القطاع الخاص، تحديداً إلى المهندسين ومكاتب تدقيق فنية متخصّصة، أسوةً بالتجربة الفرنسية، بحسب ما يشير موقع "مرصد سياسات الارض".
ويُحدّد المرسوم شروط السلامة العامة وأصولها الواجب تطبيقها في الأبنية والمنشآت لحمايتها من أخطار الحريق والزلازل وتجهيزات المصاعد، ويُحصر تطبيق الشروط المفروضة بمشاريع الأبنية العامة والخاصة الجديدة، أي التي لم تحصل على رخصة بناء لغاية تاريخ صدوره، وبالأبنية القائمة إذا ما أُريد الاستحصال على رخصة لتعديلها، أي لإضافة أي بناء جديد عليها أو تعديل وجهة استعمالها. ويُسند المرسوم مهمّة مراقبة تطبيق الشروط المفروضة إلى القطاع الخاص، تحديداً إلى المهندسين\ات المسؤولين عن وضع تصاميم البناء (المسجّلين لدى نقابة المهندسين)، ومكاتب التدقيق الفنية المتخصّصة. كما يحدّد فئات الأبنية الجديدة الخاضعة للتدقيق الفني الإلزامي ويصنّفها وفقاً لعدّة معايير مرتبطة بارتفاعها، ومساحتها، واستخداماتها، وعناصرها الهندسية، الخ.
ولكن اين هذا القانون اليوم ولماذا لا يطبق؟
سؤال حملناه الى نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش الذي اعتبر عبر "لبنان 24" ان الجمعية ليست مؤسسة تنفيذية وبالتالي لا يمكنها اعطاء الاوامر للمصانع بتطبيق شروط السلامة العامة، بل ان دورها يقتصر على بعض الارشادات بالاتفاق مع وزير الصناعة.
ولفت بكداش الى ان اتفاقاً تم بين جمعية الصناعيين والوزارة نص على رفض الوزارة التجديد لأي رخصة مصنع جديد من دون التأكد من وجود بوالص تأمين تغطي اضرار الحريق والعمال، الا ان بعض المصانع التف على القانون وعمد الى فسخ البوالص بعد تجديد الرخصة، مشيراً الى انه ومع بدء المعارك كان هناك اجتماع في وزارة الصناعة تم فيه بحث موضوع الحرائق والمخاطر وتم الطلب من الوزير وقف كل تراخيص المصانع قبل تدريب العاملين في المصانع مع الدفاع المدني على سبل مكافحة مخاطر الحرب والحريق، الا ان القوانين لم تسمح بتطبيق هذا الامر ضمن اتفاق بين جمعية الصناعيين والدفاع المدني والمصانع كما ان المراسيم التطبيقية لم تنجز لأن التدريب يجب ان يكون ممولاً ومن قبل جمعية الصناعيين، وعليه تمنينا على المصانع التأكد من ان التجهيزات لمكافحة الحريق موجودة. وفي حين التزمت بعض المصانع بهذا الامر، لم يلتزم البعض الآخر ما قد يسبب ازمة في حال اندلاع اي حريق كالذي حصل في سن الفيل.
وأشار بكداش الى ان حريق في سن الفيل كان نتيجة خطأ بشري وعلى الرغم من ان المصنع كان مجهزاً لاطفاء الحرائق الا ان كمية النيران كانت كبيرة، وهذا ما يعيد الطلب على ضرورة تكثيف التدريب للموظفين من قبل عناصر الدفاع المدني للتعامل مع اي حريق قد يندلع في اي لحظة.
الدفاع المدني مستعد دوماً
يؤكد المسؤول في الدفاع المدني نبيل سلحاني في حديث عبر "لبنان 24" انه منعاً لتكرار هذه الاحداث من الضروري العمل على طبيق قانون السلامة العامة، وجعله الزامياً لا اختيارياً في المصانع، مشدداً على ضرورة العمل على وضع تنفيذ الاجراءات العامة الاساسية لا سيما لناحية اجبار المصانع على تأمين المطافئ اليدوية او الاوتوماتيكية وجرس الانذار للحرائق والعمل على تدريب الموظفين على الخطط الاولية للسيطرة على الحرائق.
ورداً على سؤال عن الخطوات الاولية التي من الضروري اتخاذها في حال نشوء اي حريق، شدد سلحاني على ان اخلاء المبنى هو من اول الامور التي يجب القيام بها، خصوصاً اذا كان من الصعب السيطرة على النيران او حصرها، واذا كان من الصعب الاخلاء، الوقوف في اماكن تسهل على فرق الدفاع المدني الانقاذ كالنوافذ او الشرفات، مجدداً التأكيد على ضرورة ان يكون هناك مطافئ دائماً لأنها خط الدفاع الاول في وجه الحرائق، لا سيما في المنازل، والعمل على صيانتها بشكل دوري.
اذاً، تتوالى الكوارث والمصائب على اللبناني من كل حدب وصوب وتبقى الوقاية والالتزام بالقوانين والسلامة العامة افضل الحلول لمنع الوقوع في الاسوأ، فهل من يسمع؟
المصدر: خاص "لبنان 24"