في ليلة سبتمبرية جميلة بالإسكندرية، عقد نادي أدب قصر ثقافة الشاطبي بالتعاون مع جمعية أصدقاء مكتبة الإسكندرية، مساء أمس الأحد، ندوة لمناقشة المجموعة القصصية"حاجز رقيق" للأديبة نفيسة عبد الفتاح، رئيس القسم الثقافي بجريدة "الأسبوع"، وسط لفيف من الأدباء وأساتذة جامعة الإسكندرية والمهتمين بالأدب في الثغر.

سرد الدكتور محمد عبد الله حسين أستاذ الأدب الحديث والنقد الأدبى بكلية دار العلوم جامعة المنيا، دراسته حول "حاجز رقيق"، واصفاً الكاتبة نفيسة عبد الفتاح بأنها أعادت القصة القصيرة إلى مسارها الصحيح، وأعادتنا إلى الواقعية الانتقادية، والواقعية الاشتراكية، منتقداً ما يقدم من ابداعات رديئة تحت مسميات الحداثة وما بعد الحداثة، معتبراً أن نفيسة عبد الفتاح واحدة من أهم الكاتبات المصريات بل والعربيات، ومؤكداً أن مئات النصوص التى تصله يشعر بأنها لا تساوى الورق الذى طبعت عليه.

كما ناقش المجموعة القصصية، الدكتور عماد حسيب محمد إبراهيم أستاذ النقد الأدبى المساعد بجامعة جنوب الوادى، والدكتورة سحر شريف أستاذ اللغة العربية وأدابها بجامعة الإسكندرية، وأدارت اللقاء الأديبة جيهان السيد.

وأشاد الدكتور محمد عبد الله حسين بالفكرة فى عدد من نصوص المجموعة مؤكداً أنه وقف أمامها ومنها نص "استهلال المجموعة"، كسور، حيث الموت فى مواجهة الحياة، والطعام واللعب فى مواجهة شاهد القبر، كما توقف أمام "نقطعة تقاطع" وما يحمله النص من مفارقات، مؤكداً أن الكاتبة قدمت من خلال مجموعتها تقنيات قصصية متعددة، كسرت أفق التوقع للقارىء فى نهايات قصص المجموعة بعيداً عن الخرافات، بما تحمل من موهبة خاصة قد لا يدركها الكاتب نفسه، كما استخدمت تقنيات الاسترجاع، ولغة المفارقة، والانفتاح على الفنون الإبداعية الأخرى، حيث تكشف نصوص"حاجز رقيق" عن كاتبة صاحبة مشروع إبداعى، وقدرات خاصة لقاصة وروائية من طراز فريد، مؤكداً أن روايتها "تراب أحمر" التى ناقشها فى عام 2014، هى واقعية سحرية، تدور فى أجواء مختلفة تماماً فى قلب أفريقيا، أما قصص "حاجز رقيق"، فتدور فى معظمها بين الموت والحياة، مؤكداً أن "اللحاد" فى نص "ببلادة"، ذكره بحارس المقابر فى "هاملت" مع اختلاف الثقافة.

جانب من مناقشة المجموعة القصصية "حاجز رقيق» للكاتبة نفيسة عبد الفتاح

وقال الدكتور عماد حسيب أن الكاتبة قدمت أسئلة فكرية كبيرة وعميقة من خلال نصوص المجموعة، بداية من أن الغلاف الذي قدم من خلال صوره، صورة للمرأة التى تتشح السواد تشير إلى القهر الذى تعانيه المرأة العربية، إضافة إلى صورة المرأة التى تمسك بالقمر فى إشارة الى الطموح والحلم الذى تدور حوله معظم النصوص، بينما تشير الصورة الثالثة إلى الحالة الصوفية التى تتجلى فى النصوص.

ولفت "حسيب" إلى أن القصص والمجموعة تدور حول مفهوم الحاجز، وهو يتجلى مثلاً فى أحد النصوص فى اصطدام الزوجة بحاجز الزوج المتسلط الذى يقف أمام طموحها، وقد يكون الحاجز متمثلاً فى السلطة الدينية، بينما مفهوم كلمة رقيق مفهوم مخاتل لأن المتلقى قد يظن أن كلمة رقيق تعنى سهولة اختراقه، ولكن بالمعنى التأويلى تدل كلمة رقيق على أن المشكلة ليست فى وجود هذا الحاجز وانما فى كيفية اختراقه، والتعامل معه، مشيراً إلى أن مشهد التعامل مع الموت الذى صار مألوفاً يتجلى فى نص استغماية، بينما الجدلية ما بين القيد والحرية تتجلى فى نص كسور، كما أكد أن نص ازدواج يمثل التسلط الذكورى، بينما النموذج الأكبر هو لمن يخضعن لسلطة الرجل، وفى النهاية تصاب المرأة بالقهر، وأشار إلى أن من أجمل ماكتبت نفيسة فى هذه المجموعة، هما نصا "حلم ليلة قدر"، و"بطعم السكر"، وتمثل حلم ليلة قدر العلاقة الدينية بين الحقيقة والوهم وكيف يرانا الله وكيف يستجيب لنا، التصديق هل هو بالقلب أم بالعين والرؤية، وتشير إلى ان العلاقة بيننا وبين الرب علاقة مخفية وآلية الاستجابة لا يعلمها إلا هو، بينما تشير نقطة تقاطع للعلاقة بينك وبين الآخر، وهى تعتمد على المفارقة، وتطرح التساؤل، هل نحن نعيش فى هذا الخداع؟!

مؤكداً أن الكثير منا فاشل فى قراءة الآخر، وبعد عمر طويل جداً نكتشف هذا الخداع، بينما تمثل قصة بطعم السكر المفارقة بين المادى والمعنوى فعروسة السكر هى رمز يمثل الحياة بفطرتها وبساطتها وحلاوتها يقابلها العروسة البلاستيكية، التى تمثل الواقع الأسمنتى ولهذا قالت "أكبر ويتغير شكل الأشياء، تحتل العرائس البلاستيكية مكان عرائس السكر على رفوف الباعة"، وهو يمثل الصدمة الحضارية التى نواجهها عندما نصطدم بالحداثة وما بعد الحداثة، فهى علاقة روحية نتعامل معها بقلبنا ومشاعرنا، كما أكد أن نص "قبل أن يغمض عينيه" يشير إلى العادات التى لا يمكن تجاهلها فى صعيد مصر والتى لا يجرؤ أحد على الزعم بانتهائها، وهى تشير إلى استمرار قهر المرأة، مؤكداً على الجملة الخطيرة التى جاءت فى نص "لما دنا" وهى "بقلبك موش بعينك ياولد" ماذا لو عشنا بقلوبنا وليس بعقولنا، مشيراً إلى البناء السردى فى هذه القصص مؤكداً أن أغلب الأماكن فى النصوص يمثل مكانا مغلقاً وهو ما يمثل العلاقة المجتمعية لكن وفقاً لنظرية أن المبدع يصنع المكان، فقد صنعت نفيسة عبد الفتاح مكاناً مغايراً يجمع بين المغلق والمفتوح.

احتفاء بالمجموعة القصصية حاجز رقيق للكاتبة نفيسة عبد الفتاح بقصر ثقافة الشاطبي

كما أن الزمن السردى فى أغلب القصص تتابعي، لكن المفارقة الزمنية ظهرت فى قصتى كسور ونقطة تقاطع، فيما سيطر الزمن الاسترجاعى على جميع القصص، وأنه كان هناك توظيف للاستباق فى عدد من النصوص، كما ظهر الحذف فى إسقاط فترات زمنية ببعض النصوص، وظهرت الطريقة التمثيلية فى نص بمزاجه كما ظهرت الطريقة التحليلية فى عدد من النصوص، مؤكداً أن السارد فى النصوص سارد داخلى إما ان يكون شاهداً على الأحداث أو شخصية رئيسة، لافتاً أن أسلوب نفيسة عبد الفتاح مراوغ يحمل الكثير من المضمرات التى تتواجد ونعيشها فى هذا المجتمع، وسردت الدكتورة سحر شريف ورقتها النقدية بعنوان "تيمة الموت"، حول المجموعة، قراءة "موضوعاتية"، حيث تغلب على نصوص المجموعة تيمة الموت بوصفها أحد وجهى العملة التى تجمع بين الموت والحياة، مؤكدة أنه فى نص استغماية يتحول الموت إلى حادث عابر اعتيادى كما جاء على لسان الطفل "عرفة": "ماتخافيش، دفنة اتفرجت عليها كتير، تحبى نروح نتفرج"، وهو ما نجده فى نص "حلم ليلة قدر": "اللهم اقبضنا صائمين ساجدين فى يوم جمعة من رمضان".

وفى نص الموعد: "يبث بطل النص شكواه إلى سيدى سعيد صاحب المقام"، ويشعر أنه حقا ينصت، ويتحدث الراوى فى نفس القصة إلى الأموات بصوت عال لدرجة أن ركاب القطار يتشككون فى قواه العقلية حيث يبدو الموت رحيماً ودوداً فى هذا النص متمثلاً فى الوالدين وسيدى سعيد، فالموت فى هذه النصوص تيمة لا تصطحب بالخوف ولا الرهبة، وفى قصة نقطة تقاطع يخيم جو الموت على النص، من خلال وعى الساردة التى نفهم أنها تروى القصة وهى مسجاة على طاولة الغسل، بينما يجرى التفاوض على المجوهرات ونسمع أزواجاً مكلومين، مؤكدة أن كتابة نفيسة رائعة، معتبرة بعض سطور هذا النص التى تجرى فيها بعض الحوارات التى تتوازى معاً أثناء الغسل "عجيبة"، تأخذ قارئها من كل مشاعره، وترش على جروحنا الملح وتنكأها لنشعر بتفاهة الدنيا، بينما فى نص بطعم السكر تأخذ القاصة القراء إلى عالم النوستالجيا حيث يجلس الأجداد قابضين على التقاليد ولهم مكانة واحترام، وتشير إلى حالة الرضا التى كانت على قسمات بطل حاجز رقيق الذى توفى، حيث نشعر بحميمية الموت عندما يحيط الأحباب الراحلون بالبطل قبل رحيله، وفى نص "قبل أن يغمض عينيه" نعيش صنفين من الموت، مؤكدة أن مفارقة النهاية أن تعترف البطلة بأنها تحب زوجها فى لحظاته الأخيرة بعد أن عاش العمر كله يتمنى نظرة رضا منها، مشيرة إلى أن مجموعة حاجز رقيق تبدأ بالموت فى القصة الأولى وتسلمنا إلى الموت فى القصة الأخيرة، ونرى القاصة احتفت بالموت وبنفوس عامرة بالنبل والإيمان.

وتساءلت الكاتبة جيهان السيد، لماذا يكون الموت حدثاً غير مخيف فى قصص الكاتبة، ورداً على سؤال وجه للكاتبة نفيسة عبد الفتاح حول أسباب تحول المقابر إلى مكان حميم كما أن الموت فى النصوص ليس نهاية مخيفة، قالت: ولم لا؟! مؤكدة أن شخصيات النصوص شخصيات خاصة، وأن والدها كان يسمى الموت انتقالاً، وأن الأجداد المتدينين كانوا متصالحين مع فكرة الموت، كما أكدت أن سؤالها عن فكرة وعى الكاتب وإن كانت قد وضعت فى ذهنها أثناء الكتابة ما قاله النقاد اليوم عن إبداعها، أكدت الكاتبة أن سؤال الكاتب، كيف تكتب: أجاب عنه الكاتب الكبير نجيب محفوظ، بأنه كسؤال الشخص عن طريقة "مشيته"، مشيرة إلى أن البدايات كانت تحمل قدراً كبيراً من احتراق الأعصاب والتقمص والمعايشة لكن بالخبرات المتوالية واتساع ثقافة الكاتب يتعمل مع نصه بشكل مختلف.

عقدت الندوة في ضيافة الأديب محمد عبد الوارث، بحضور الدكتور على اليمانى والدكتور جابر خليل والكاتب المسرحى سعيد حجاج، والمشرف الثقافى علاء أحمد، تحت رعاية الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة عمرو البسيونى، وإقليم غرب ووسط الدلتا برئاسة أحمد درويش، ومدير عام فرع الثقافة بالإسكندرية عزت عطوان، وبحضور مدير القصر جميلة نيازى.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: قصر ثقافة الشاطبي نفيسة عبدالفتاح مجموعة حاجز رقيق القصصية المجموعة القصصیة نفیسة عبد الفتاح حاجز رقیق تشیر إلى الموت فى من خلال إلى أن

إقرأ أيضاً:

في غرفة العناية المركّزة

تدخل إلى المستشفى، تذهب إلى جناح العناية المركزة، تشاهد جثثًا نائمة، لا تقوى على الحراك، محاطة بالأسلاك، والأنابيب، والأجهزة الطبية، تشاهد أولئك الراقدين، الذين استسلموا لمرضهم، ولطبيبهم، وتشاهد ملامح القلق، وأحيانًا اليأس على وجوه ذويهم، أُمٌّ تبكي حين ترى ابنها ممددًا على سرير، وأبٌ يحاول التماسك، وأخت تحاول كتم دموعها، وزوجة تمسك بالمصحف تدعو لزوجها، وزوج يسعى من أجل بصيص من الأمل لزوجته، تراهم جميعًا واجمين، ينتظرون اللحظة التالية، بينما يقوم الأطباء والممرضون بعملهم «المعتاد»، مشهد يشعرك بضعفك، بإنسانيتك، بحزنك، وانكسارك.

ليس هناك أسوأ من الانتظار أمام سرير مريض، لا تعرف مصيره التالي، مؤلمة تلك اللحظات الفارقة بين الأمل واليأس، بين الموت والحياة، الجميع سواسية فـي ذلك المكان، يحاولون التماسك، والتمسك بحبل التفاؤل، وسط أمواج عاتية من القلق، يطلبون من الطبيب أن يطمئنهم على حال مريضهم، ولكنه لا يملك أحيانًا غير مصارحتهم بالحقيقة المؤلمة: «ليس هناك من أمل إلا بالله».. لا يجد المرء فـي تلك اللحظة إلا اللجوء إلى الخالق، يشعر بضعفه أمام جبروت الموت، ويمنّي نفسه أن تُستجاب دعواته، ولكن تمضي الأمور ـ أحيانًا ـ على غير إرادته، لا يكف ذوو المرضى عن الدعاء، حتى الرمق الأخير، إنه سلاح العاجز أمام قدرة الله.

أحيانًا تأتي لحظة الفرج، يُشفى المريض بعد أيام، أو أشهر من الغيبوبة، يفتح عينيه، ويرى العالم كأنما يراه لأول مرة، تدب فـي أوصاله الحياة، وسط «صدمة» أهله، الذين فقد بعضهم الأمل فـي شفائه، وتبدأ احتفالات محبيه بنجاته، يفرحون به كيوم ولادته، تلك اللحظة التي يخرج فـيها من كماشة الموت، إلى مسار الحياة، لحظة زمنية فارقة فـي الذاكرة، لم تكن التجربة سهلة، بذل الأطباء قُصارى جهدهم كي يُنقذوا حياة إنسان لا حيلة له إلا بالله، نجحوا، وذلك مبلغ غايتهم، تحمّلوا صراخ ذوي المريض، وتفهموا انفعالاته، وقدّروا ظرفه الإنساني، ولم ينتظروا الشكر من أحد، فشفاء المريض هو مكافأتهم التي سعوا لأجلها.

فـي جناح العناية المركزة يرقد طفل صغير، أو فتاة يافعة، أو رجل فتيّ، أو شيخ عجوز، يرقدون جنبًا إلى جنب مستسلمين لأقدارهم، لا أدري ما الذي يدور فـي أدمغتهم فـي ذلك الحين، هل ينقطعون عن العالم؟.. هل ينتهي تفكيرهم؟.. أي عالم خفـيّ يعيشونه؟.. هل بإمكانهم التخيل؟.. هل يشعرون بألم أهليهم؟.. هل يمر عليهم شريط حياتهم؟.. (حبيباتهم.. لحظات طيشهم.. خيباتهم.. انتصاراتهم.. حكاياتهم.. من ظلمهم.. ومن ظلموه؟..).. لا يملك الإجابة سواهم، وقد لا يملكون الإجابة بعد شفائهم، فذاكرتهم المشوشة لا تتسع لكل تلك الأسئلة، يخرجون ـ إن كتب الله لهم النجاة ـ إلى حياتهم العادية، قد يتذكرون فـي وقت ما، كيف عادوا من فم الموت، فـيتّعظون، وقد يمضون دون أن يلتفتوا لتلك اللحظات العصيبة.

فـي المستشفى، وحيث العناية المركزة، يتساوى الأحياء بالأموات، الجميع فـي سبات عميق، لا يلوون على شيء، يقضون أيامهم قابضين على جمرة الأمل، يحاولون الفرار من قَدَر إلى قَدَر..

شفى الله كل مريض يعاني، وأعان أهله، ومُحبيه على لحظات الانتظار المرير، وكفانا الله وإياكم شرور «أمراض الفجأة» التي كثرت هذه الأيام، ورحم الله موتى المسلمين جميعًا.

مقالات مشابهة

  • إنجاز طبي غير مسبوق في مصر وإفريقيا.. وحالة نادرة عالميا بقصر العيني
  • إنجاز طبي نادر بقصر العيني: استئصال منظم قلب دون جراحة باستخدام "الإيكمو"
  • مدرب نيس يشيد بتألق محمد عبد المنعم رغم "حاجز اللغة"
  • الليلة.. أوبريت شارع البخت للشاعر جمال فتحي بقصر الأمير طاز
  • جلالة السُّلطان يستقبل حاكم إمارة الشارقة بقصر العلم العامر
  • في غرفة العناية المركّزة
  • مراسمُ استقبال رسميّةٌ لجلالة السُّلطان المعظم بقصر الكرملين
  • قمة لإيكواس تناقش تداعيات انسحاب دول الساحل
  • صندوق النقد يتوقع تجاوز الناتج المحلي الإجمالي لـ مصر حاجز 500 مليار دولار في 2029
  • قفزة بأسعار الذهب العالمية.. سعر الأونصة يكسر حاجز الـ 3.500 دولار