عقد اليوم اجتماع وزاري في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، على هامش الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، بحضور نحو خمسين وزيراً للخارجية من مختلف أنحاء العالم، وذلك استجابة لجهود تنشيط عملية السلام التي أطلقتها المملكة العربية السعودية، وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي، بالتعاون مع جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية 

وتسعى هذه الجهود إلى الخروج بـ"حزمة لدعم عملية السلام"، والتي من شأنها تعظيم مكاسب السلام للفلسطينيين والإسرائيليين حال الوصول إلى اتفاق للسلام، كما تسعى هذه الجهود إلى إطلاق برامج ومساهمات تفصيلية مشروطة بتحقيق اتفاق الوضع النهائي، وبما يدعم السلام، ويضمن أن تجني كافة شعوب المنطقة ثمار تحقيقه، وتسعى هذه الجهود إلى التأكد من أن يوم السلام هو يوم تحقيق الفرص والوعود الذي تُبذل الجهود الحثيثة لتحقيقه.

 

لا يزال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعيد المنال، فبعد عقود من إطلاق عملية السلام في مدريد عام 1991، لا يوجد أفق حقيقي للوصول لحل الدولتين، حيث لم  تُحترم الاتفاقيات الموقعة، بما في ذلك اتفاقيات أوسلو، بشكل كامل، فلا يزال الاحتلال قائماً، بل ويصحبه عدد من التعقيدات والصعوبات التي تدفع الطرفين إلى الابتعاد عن تحقيق أي اتفاق محتمل، لقد ثبُت أن الوضع القائم لا يمكن  استمراره أو القبول به، لا سيما في ظل الوضع الدولي الذي يعاني من الصراعات، إن  تجاهل الحاجة إلى تنشيط عملية السلام لا يساعد  الطرفينولنيكون في صالح حاضر الشرق الأوسط  ومستقبله.

ضمان إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة ومستقلة ومتصلة الأراضي وقابلة للحياة على حدود يونيو 1967 

تستند هذه الجهود إلى الحاجة الملحة للحفاظ على حل الدولتين، وبما يضمن إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، ومستقلة، ومتصلة الأراضي، وقابلة للحياة على أساس خطوط الرابع من يونيو/حزيران 1967، وعلى احترام القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، واحترام قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالقضية الفلسطينية والتنفيذ الكامل لها، وآخرها قرار مجلس الأمن رقم 2334، الذي يدين كافة التدابير الرامية إلى تغيير التركيبة الديموغرافية، وطابع ووضع الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، وينص على عدم الاعتراف بأي تغييرات على خطوط الرابع من يونيو/حزيران 1967، ولا سيما فيما يتعلق بالقدس بخلاف تلك التي يتفقعليها الطرفان من خلال المفاوضات، وعلى الحفاظ على الوضع الراهن في الأماكن المقدسة في القدس دون تغيير، مع التأكيد على الوصاية الهاشمية.

 

وأكد الاجتماع على الحاجة الملحة إلى إعادة إحياء عملية السلام للوصول إلى حل الدولتين، وفقاً للقانون الدولي، وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومبادرة السلام العربية لعام 2002 ومبادرة الاتحاد الأوروبي لدعم السلام لعام 2013، حيث أن الخيار البديل هو المزيد من التدهور الذي سيهدد الأمن الإقليمي والدولي.

مبادرة السلام العربية تقوم على أساس الانسحاب الكامل من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ عام 1967 مقابل التطبيع الكامل

تُبنى جهود يوم السلام، من بين جملة أمور أخرى، على مبادرة السلام العربية التي اعتمدتها الدول العربية لوضع رؤيتها لتحقيق السلام الإقليمي الشامل وشروطه ومتطلباته، حيث قامت مبادرة السلام العربية على أساس الانسحاب الكامل من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ عام 1967 مقابل التطبيع الكامل، وقد أقرت منظمة التعاون الإسلامي في وقت لاحق المبادرة ورحب بها كل من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.تعتمد جهود يوم السلام أيضاً على مبادرة الاتحاد الأوروبي لعام 2013 بتقديم "حزمة غير مسبوقة من الدعم السياسي، والأمني والاقتصادي" لكلا الطرفين في سياق اتفاق الوضع النهائي.

وتسعى جهود يوم السلام إلى إلقاء الضوء على منافع مبادرة السلام العربية وحزمة دعم السلام الأوروبية، وحشد كافة الجهود الدولية القائمة (والمحتملة). إن جهود يوم السلام متاحة لجميع الأطراف المستعدة لتقديم مساهمات جوهرية.

 

وعلى هذا الأساس، يسعى القائمون على المبادرة إلى صياغة"حزمة شاملة لدعم السلام"، ومن المقرر أن يتم طرح هذه الحزمة مباشرة بعد تدشين "يوم السلام"، عندما يتوصل الطرفان إلى اتفاق سلام على أساس حل الدولتين. ومن شأن هذه الحزمة الواسعة النطاق أن تساعد في الحفاظ على السلام، وتثمير منافع السلام للجميع.

 

لا تهدف المبادرة لوضع تفاصيل تتعلق بالاتفاق الذي سيتوصل إليه الفلسطينيون والإسرائيليون وفق المعايير المعترف بها دولياً ، حيث سيتم التفاوض على هذه التفاصيل بين الطرفين، كما تستلزم جهود يوم السلام وضع تصور لما سيعنيه السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بالنسبة للعلاقات في منطقة الشرق الأوسط وما ورائها، فهذه الجهود ليست بديلاً لعملية السلام المطلوبة التي طال انتظارها، وفي الوقت الذي تسعى فيه هذه الجهود لشرحالمنافع والمكاسب المحتملة للسلام في مختلف المجالات، فإنها سترتكز بالكامل على احترام مبدأأن جميعهذه المنافع لا يمكن أن تتحقق إلا في يوم السلام، لاقبله ولاتمهيداً له.

إطلاق مجموعات عمل مكلفة بوضع عناصر "الحزمة الشاملة لدعم السلام"

وخلال الاجتماع، أطلق القائمون على المبادرة مجموعات عمل مكلفة بوضع عناصر "الحزمة الشاملة لدعم السلام"، كما وجهت الدعوة لجميع المشاركين للمساهمة في مجموعات العمل.

 

تركز مجموعات العمل على تحديد العناصر الجوهرية لـ "حزمة دعم السلام"، وستعقد اجتماعات هذه المجموعات على مستوى المبعوثين أو السفراء، وتستعين بإسهامات خبراء متخصصين، وسيتم تنسيق عملها عبر رئاسة مشتركة من القائمين على المبادرة، تنظم مجموعات العمل مؤتمرات، وندوات ودراسات للخروج بعناصر مفصلة وواقعية وقابلة للتطبيق لـ "حزمة دعم السلام".

 

تتكون فرق العمل التي تم إنشاؤها اليوم من؛ مجموعة عمل سياسية وأمنية تركز على وضع الخطوط العريضة لآليات التعاون الإقليمي، والسياسي والأمني المحتملة لمرحلة ما بعد السلام؛ ومجموعة عمل اقتصادية وبيئية تركزعلى تقديم مقترحات للتعاون الاقتصادي، وخاصة في مجالات التجارة، والاستثمار، والابتكار، والبنية التحتية للنقل، والموارد الطبيعية، فضلاً عن تغير المناخ والبيئة؛ ومجموعة عمل ثالثة معنية بالأبعاد الإنسانية، تركز على تقديم مقترحات للتعاون في القضايا الإنسانية، والثقافية المتعددة، وقضايا الأمن الإنساني على النحو المنصوص عليه في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم

66/290.

 

يضطلع المشاركون في جهود يوم السلام بتحديد مدى تقدم عمل مجموعات العمل كي يتم دمج المساهمات المختلفة في "حزمة دعم السلام". وسيتم تقييم التقدم المحرز كل ثلاثة أشهر، كما سيتم إجراء التقييم الأول في ديسمبر/كانون الأول 2023. ويتمثل الهدف الرئيس لمجموعات العمل في الانتهاء من صياغة "حزمة دعم السلام"لتقديمها بحلول سبتمبر/أيلول 2024، سيقوم المساهمون في جهود يوم السلام بتقييم انتهاء مجموعات العمل من مهامها أو الحاجة للمواصلة، ولقد اتفق القائمون على المؤتمر على آليات للتشاور مع الفلسطينيين والإسرائيليين كل على حدة.

 

من الضروري تغيير الأنماط السلبية القائمة والحفاظ على آفاق السلام. ولذلك، ويحث القائمون على هذه المبادرة على وقف جميع الإجراءات الأحادية التي تقوض حل الدولتين، ولا سيما الأنشطة الاستيطانية، ومصادرة الأراضي، وإخلاء المنازل، ووقف العنف والتحريض  عليه، وضمان احترام الوضع التاريخي القائم للأماكن المقدسة في القدس، واحترام دور الوصاية الهاشمية ودور دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس.

التأكيد على  ضرورة إطلاق مفاوضات جادة وذات مصداقية لإنهاء الصراع وتحقيق السلام ضمن جدول زمني واضح

وبالتوازي مع ما ورد أعلاه، شدد المشاركون على هذه الجهود على ضرورة إطلاق مفاوضات جادة وذات مصداقية لإنهاء الصراع وتحقيق السلام ضمن جدول زمني واضح. ودعوا إلى دعم التنمية الاقتصادية للفلسطينيين، والتغلب على جميع ما يعيقها، بما في ذلك من خلال لجنة الاتصال المخصصة لتنسيق المساعدات الدولية المقدمة إلى الشعب الفلسطيني.

 

ما لم يتم الحفاظ على فرص حل الدولتين، والبدء في المفاوضات لتحقيقه، فإن احتمالات السلام ستتضاءل أكثر فأكثر، وسوف يستحكم الصراع بمستقبل المنطقة بقدر ما طبع ماضيها، ولا يمكن لجهود يوم السلام وحدها أن تحقق السلام، ولكنها يمكن أن تساهم في بناء عصر جديد من الرخاء، والإنجاز والتعاون بين جميع دول المنطقة وشعوبها. 

 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: مبادرة السلام العربیة هذه الجهود إلى مجموعات العمل عملیة السلام حل الدولتین لدعم السلام على أساس بما فی

إقرأ أيضاً:

اختلاف الدول العربية: حجر عثرة أمام السلام في السودان

اختلاف الدول العربية: حجر عثرة أمام السلام في السودان

د. أحمد التيجاني سيد أحمد

يُعد غياب التوافق بين الدول العربية على التوقيع حجر عثرة رئيسي يعرقل الوصول إلى اتفاق ينهي الحرب في السودان.

لمن يتأمل المشهد، فإن حرب اليمن ما زالت مستمرة لأكثر من عشر سنوات، تديرها القوى ذاتها من الدول العربية، إلى جانب إيران. وهي حالة تكشف كيف يمكن لغياب الإرادة السياسية المشتركة، أو التورط في أجندات متضاربة، أن يُطيل أمد النزاعات ويزيد معاناة الشعوب.

بالمثل، نجد أن ذات الدول العربية كانت، إلى جانب مصر، من أبرز الأسباب التي أدت إلى فشل مبادرة بريطانية لتشكيل مجموعة اتصال تهدف إلى تسهيل محادثات وقف إطلاق النار في السودان.

بينما توافقت الدول غير العربية الثلاث المشاركة في اجتماع لندن (المملكة المتحدة، فرنسا، وألمانيا)، إلى جانب الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، على التوقيع على بيان مشترك يعكس التزامها بدعم الجهود الرامية إلى إيجاد حل سلمي للنزاع في السودان، ورفض جميع الأنشطة، بما في ذلك التدخلات الخارجية، التي تؤدي إلى تصعيد التوترات أو إطالة أمد القتال أو تمكينه.

وقد نشب جدل استمر يومًا كاملاً بين مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة حول صيغة البيان، مما أدى إلى غياب الإجماع العربي.

ويمثل رفض الدول العربية للحلول التي تؤدي إلى سلام السودان انتكاسة دبلوماسية كبيرة للجهود المبذولة لإنهاء عامين من الحرب الأهلية. بل ويؤكد هذا الموقف السلبي على غياب الرغبة الحقيقية لدى بعض الأنظمة العربية في رؤية السودان ينعم بالسلام.

وعلى الرغم من غياب بيان ختامي بسبب الخلافات العربية، فإن البيان المشترك الصادر عن الرؤساء المشاركين يعكس توافقًا بين الدول الغربية الثلاث والاتحادين الأوروبي والإفريقي على المبادئ التالية:
• دعم الجهود الرامية إلى حل سلمي للنزاع في السودان.
• رفض جميع الأنشطة التي تُسهم في تصعيد التوترات أو تمديد أمد الحرب، بما في ذلك التدخلات الخارجية.
• التأكيد على وحدة السودان وسلامة أراضيه.
ويُظهر هذا التوافق التزامًا مشتركًا بدعم السودان في مواجهة تحدياته، والعمل من أجل تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.

كذلكً يجب التنبيه إلى أن مضامين بيان اجتماع لندن تتقاطع وتتوافق بوضوح مع ما ورد في وثيقة ودستور التحالف التأسيسي السوداني "TASIS"، لا سيما في ما يلي:
• ضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة ومنسقة وعاجلة لحل النزاع ووقف إطلاق النار الدائم.
• تخفيف معاناة الشعب السوداني.
• الالتزام بسيادة السودان ووحدته واستقلاله وسلامة أراضيه.
• دعم تطلعات السودانيين لبناء مستقبل سلمي، موحد، ديمقراطي، وعادل.
• تسليط الضوء على الكلفة الإنسانية الكارثية للنزاع، بما في ذلك النزوح الداخلي وتأثيره على دول الجوار.
• التأكيد على إلحاح الوضع الإنساني وضرورة تعزيز التنسيق لإيصال المساعدات الإنسانية.
• أهمية إشراك المدنيين السودانيين، لا سيما النساء والشباب والمجتمع المدني، في جهود حل النزاع وصياغة مستقبل السودان.
• تحميل الأطراف المتحاربة مسؤولية حماية المدنيين والالتزام بالقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان.

كسرة:
افتتح وزير الخارجية البريطاني "لامي" المؤتمر بتصريح لافت، قال فيه:
- "لقد فقد الكثيرون الأمل في السودان. وهذا خطأ. إنه خطأ أخلاقي أن نرى هذا العدد الكبير من المدنيين يُذبحون، وأطفالًا رُضعًا يتعرضون للعنف الجنسي، بينما يواجه ملايين السودانيين خطر المجاعة أكثر من أي مكان آخر في العالم. لا يمكننا ببساطة أن نتجاهل الأمر."
وأضاف:
- "بينما أتحدث، يواجه المدنيون وعمال الإغاثة في الفاشر ومخيم زمزم للنازحين عنفًا لا يُصدق. العائق الأكبر ليس نقص التمويل أو نصوص الأمم المتحدة، بل نقص الإرادة السياسية. علينا ببساطة إقناع الأطراف المتحاربة بحماية المدنيين، والسماح بدخول المساعدات، ووضع السلام كأولوية قصوى."
لكن، وعلى الرغم من هذا النداء الإنساني القوي، لم تُثمر جهود "لامي" لإقناع الدول العربية بالموافقة على المبادئ الدبلوماسية التي طُرحت كمدخل لمجموعة اتصال مستقبلية حول السودان.
وقد أكد مسؤولون أن المؤتمر لم يكن محاولة للوساطة المباشرة أو منصة لتعهدات مالية، بل هدف إلى بناء تماسك سياسي أكبر بين الدول الفاعلة في الملف السوداني. وشاركت فيه ١٤ دولة، إضافة إلى الاتحادين الأوروبي والإفريقي، وأسفر عن توصية بعودة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى طاولة التفاوض، وفتح المسارات أمام وصول المساعدات الإنسانية.
كما تعهدت الدول المشاركة بتقديم ما يقرب من ٨٠٠ مليون يورو لدعم المتضررين من الحرب التي تدخل عامها الثالث.

ahmedsidahmed.contacts@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • اختلاف الدول العربية: حجر عثرة أمام السلام في السودان
  • ملتقى دولي في إسطنبول لتنسيق جهود إعادة إعمار غزة
  • مقابلة 5200 مريضاً واجراء 150 عملية بمخيم العيون بالدندر
  • مباحثات سعودية أوروبية حول جهود السلام في اليمن
  • جهود مكثفة لكشف ملابسات العثور على جثة طفلة مجهولة الهوية متحللة في بالفيوم
  • الأمين العام للجامعة العربية يعرب عن دعم الأردن في مواجهة مُخططات الفوضى والتخريب
  • نيجيرفان بارزاني: عملية السلام في تركيا فرصة تاريخية لترسيخ الأمن بالمنطقة
  • “حقوق الإنسان” بالأمم المتحدة: مقتل 71 مدنيًا في اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على لبنان منذ وقف إطلاق النار نوفمبر 2024
  • مجلس الأمن يناقش التصعيد العسكري في اليمن وتأثيراته على جهود السلام والأوضاع الإنسانية
  • قطر وفرنسا أبرز المؤيدين.. جهود مصرية مكثفة لدعم مرشح مصر لـاليونسكو