أوروبا وحتمية التعامل بجدية مع المعادن الـحَـرِجة
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
على مدار تاريخ البشرية، أدّت المواد الخام دورا أساسيا في التنمية الاقتصادية، والعلاقات الدولية، ومصائر أمم وحضارات بأكملها. من المعادن الثمينة (الفضة والذهب) والسلع الزراعية (السكر، والمطاط، والحرير، والتوابل) إلى موارد الطاقة مثل النفط والغاز، أعادت التغيرات في الطلب التي استحثتها التطورات التكنولوجية كتابة أنماط التجارة العالمية، وعملت على تحويل الثروات، وكثيرا ما تسببت في تأجيج الصراعات والنزعات الاستغلالية.
في عشرينيات القرن الحالي، أصبحنا نعتمد بنحو متزايد على مجموعة جديدة من المواد الخام، بما في ذلك العناصر الأرضية النادرة، والمعادن مثل الليثيوم، والجاليوم، والجرمانيوم. الواقع أن استخدام هذه السلع في كل شيء، من الألواح الشمسية، والبطاريات، وتوربينات الرياح إلى رقائق الكمبيوتر لأغراض الصناعة والدفاع يجعلها شديدة الأهمية للتحولات الخضراء والرقمية، والتي بدورها ستحدد مستقبلنا على هذا الكوكب. لن تتمكن أوروبا أبدا من تلبية طلبها على العناصر الأرضية النادرة أو الليثيوم محليا، ولكن لا ينبغي لهذا أن يكون هو هدفها. بل يجب أن يكون هدفها تأمين القدرة على الوصول إلى المواد الخام الـحَـرِجة حتى لا نجد أنفسنا تحت رحمة أولئك الذين ربما يستخدمونها كسلاح.
يشكل تعزيز هذه القدرة أهمية بالغة لتعزيز استقلالنا الاستراتيجي، وصيانة قدرتنا التنافسية، وتلبية طموحاتنا المناخية. لتحقيق هذا الهدف، يتعين علينا أن نتجنب أخطاء الماضي، وبشكل خاص الاعتماد المفرط على مُـوَرِّد واحد. عملت وقائع حديثة، مثل جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) وحرب روسيا على أوكرانيا، على تضخيم أهمية سلاسل التوريد الآمنة في مختلف القطاعات الاقتصادية. كما سلطت الضوء على النفوذ القوي الذي تتمتع به الاقتصادات الناشئة الأكبر على مستوى العالَـم ــ بما في ذلك مجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) ــ التي تهيمن على عدد كبير من سلاسل التوريد العالمية المهمة، ومنها تلك المرتبطة بالمواد الخام الـحرجة. مع استمرارنا في ملاحقة هدف إزالة الكربون والتحول إلى الكـهـربة، ستصبح المعادن والمعادن الأساسية متزايدة الأهمية. ومن المتوقع أن يزداد الطلب على العناصر الأرضية النادرة وحدها إلى خمسة أضعاف بحلول عام 2030. ولكن على جانب العرض، تهيمن دولة واحدة حاليا على السوق، حيث تعالج الصين ما يقرب من 90% من العناصر الأرضية النادرة، ونحو 60% من الليثيوم على مستوى العالَـم. وعلى هذا فإن الاتحاد الأوروبي يعتمد على الصين لتدبير كل ما يستورده تقريبا من المعادن الأرضية النادرة. نحن نعلم بالفعل من تجربتنا الأخيرة مدى جسامة المخاطر التي تنطوي عليها مثل هذه التبعيات.
لتجنب الارتباكات، يتعين على أوروبا أن تعمل على تنويع سلاسل توريدها وإزالة المخاطر المرتبطة بها. ولكن لا توجد حلول سحرية خارقة. ولن تُـحَـلّ المشكلة ببساطة من خلال الاستثمار في التعدين الأوروبي، كما أن هذا ليس مجديا من الناحية الاقتصادية. بدلا من ذلك، نحتاج إلى العمل مع الشركاء من ذوي التوجهات المماثلة لنا في مختلف أنحاء العالم للمساعدة في رفع مستوى قدراتهم في مجالات الاستخراج والمعالجة.
ولكن يظل لزاما علينا أن نتخذ بعض القرارات الصعبة في ما يتصل بمشروعات التعدين داخل أوروبا، كما يتعين علينا أن نزيد استثماراتنا في مصافي التكرير ومحطات المعالجة في أوروبا لإرساء الأساس لتحقيق اقتصاد دائري يحقق صافي الصفر من الانبعاثات الضارة. إنها مشروعات بالغة الضخامة وسوف تتطلب استثمارات كبيرة ومستدامة.
تُـظـهِـر مبادرات سابقة، مثل تحالف البطاريات في عام 2017، أننا قادرون على تحقيق النجاح عندما نتحد. تُـعَـد أوروبا الآن موطنا لواحد من أكبر مصانع البطاريات العملاقة وأكثرها تقدما في العالَـم. وقريبا، ستُـنـتِـج أوروبا ثلثي احتياجاتها من بطاريات الليثيوم أيون لتشغيل المركبات الكهربائية وتخزين الطاقة.
لتكرار قصة النجاح هذه، يتعين علينا أن نتجنب النظر إلى تحدي المواد الخام الحرجة الحاسم بمعزل عن غيره. يجب أن تكون كل المبادرات المرتبطة بضمان الإمدادات الآمنة مدمجة ضمن سياسة شاملة، كما فعلنا في مكافحة تغير المناخ. وفي تبني هذا النهج، يجب أن نتحرى الوضوح التام في رؤيتنا للسياسة الخارجية الأوروبية، والتي ينبغي لها أن تسعى إلى تطوير وتعميق الشراكات الاستراتيجية، وتعزيز الاستثمارات في أوروبا والبلدان الشريكة. وقد ساعد بالفعل قانون المواد الخام الحرجة الصادر في الاتحاد الأوروبي هذا العام في إطلاق التغييرات السياسية الضرورية. وكما لاحظت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في خطاب حالة الاتحاد هذا الشهر، تحرص بلدان عديدة في مختلف أنحاء العالَـم على العمل معا من أجل تأمين سلاسل التوريد العالمية.
من الواضح أن أوروبا يجب أن تبذل المزيد من الجهد لحماية قدرتها على الوصول إلى الإمدادات الحيوية. الواقع أن مجموعة بنك الاستثمار الأوروبي ــ التي قدمت بالفعل ثلاثة مليارات يورو (3.2 مليار دولار أمريكي) لتعزيز سلاسل توريد المواد الخام على مدار السنوات السبع الأخيرة ــ تشارك في هذا الجهد بشكل كامل. لكننا ندرك أيضا أن صندوق الأدوات الذي تستعين به أوروبا حاليا غير كاف. وتعمل مجموعة بنك الاستثمار الأوروبي بالفعل على مبادرة المواد الخام الحرجة لضمان قدرتها على تحقيق هذه الأهداف، ونحن نشجع آخرين على القيام ب الشيء ذاته ــ من مستوى التنظيم إلى مشروعات محددة ملموسة. كان الوصول إلى المواد الخام ذات الأهمية الاستراتيجية عاملا محددا للثروة الاقتصادية والتطور على مدار التاريخ. ولتأمين مستقبلنا، يتعين علينا أن نغتنم فرصة هذه المبادرة وأن نجعل حماية قدرتنا على الوصول إلى السلع الحيوية الجديدة في هذا القرن أولوية قصوى.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المواد الخام الوصول إلى العال ـم یجب أن
إقرأ أيضاً:
روسيا والسعودية أكبر موردين للنفط الخام للصين في نوفمبر
احتفظت روسيا بمكانتها كأكبر بائع للنفط الخام إلى الصين في نوفمبر بينما تفوقت السعودية على ماليزيا لتصبح ثاني أكبر مورد بسبب انخفاض أسعار النفط من الشرق الأوسط، وفق ما أظهرت بيانات رسمية.
وأفادت الهيئة العامة للجمارك في الصين بأن كمية الواردات من روسيا، بما في ذلك الإمدادات عبر خطوط الأنابيب والبحر، انخفضت 4% عنها قبل عام إلى 8.64 مليون طن، أو 2.1 مليون برميل يومياً.
وشحنت السعودية 6.96 مليون طن من الخام إلى الصين، بزيادة 5% على أساس سنوي.
وتراجعت ماليزيا، وهي مركز لإعادة شحن النفط الخاضع للعقوبات من فنزويلا وإيران، إلى المركز الثالث على الرغم من ارتفاع
الإمدادات 72% على أساس سنوي إلى 6.74 مليون طن. ومع ذلك، يمثل هذا انخفاضاً عن 7.51 مليون طن في أكتوبر بسبب تقليص الخصومات على النفط الإيراني.
وزادت واردات الصين من الخام في نوفمبر لأول مرة في سبعة أشهر بسبب انخفاض الأسعار وزيادة الاحتياطي الوطني من النفط.
وعلى مدار أول 11 شهراً من العام، ارتفعت الواردات من روسيا اثنين% إلى 99.09 مليون طن، بما يمثل 20% من واردات الصين من الخام.
وكانت السعودية ثاني أكبر مورد خلال تلك الفترة، إذ وردت 72.27 مليون طن، لكن ذلك أقل بنسبة 10% مقارنة بنفس الفترة من عام 2023.
وأصبحت ماليزيا ثالث أكبر مورد خلال تلك الفترة، بنمو على أساس سنوي بلغ 27%.
ولم يتم تسجيل أي واردات نفطية من إيران أو فنزويلا في بيانات الجمارك لشهر نوفمبر .