مجمع عُمان الثقافي العرس المنتظر
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
عُمان البلد العريق في الماضي، ذات التعدد الثقافي من السهل إلى البحر، وإلى الجبال والواحات والصحراء، وما حفظته من تراث مادي وشفوي، ومن مخطوطات متنوعة، وذات اكتناز معرفي، ومن حضور ثقافي معاصر، على المستوى المحلي والعربي والدولي؛ تستحق اليوم أن تكون لها مكتبة وطنية تباهي بها الأمم، وتحفظ لها تراثها، وتواصل بها مسيرتها الثقافية والإبداعية والابتكارية لأجيال وأجيال.
وفي تقرير في جريدة الوطن حول غلق المكتبة الإسلامية في روي ونقلها إلى مكان آخر عام 2017م قلت فيه: «ارتبط الإنسان بالكتاب بداية منذ القدم، ومع المشقة في تجميع أوراق الكتاب ومداده، ثم الكتابة وعملية النسخ، وما تبع ذلك من ارتفاع سعره؛ إلا أن الكتاب ظل حاضرا وبقوة، من هنا انتقل العقل البشري في تكوين المكتبات، وشجع ذلك الملوك والعلماء والفلاسفة، وظهرت أوقاف الكتاب والنساخ والمترجمين والمكتبات، وزاد معدل المكتبات في العالم بسبب اكتشاف آلة الطباعة، مما سهل طباعة الكتاب ونشره، وتسابق المؤلفون في نشر نتاجهم، وتوزيعه على المكتبات العامة والأهلية».
ثم إن حركة المكتبات العمانية، الحكومية والأهلية والخاصة لم تتوقف، ولا زال العماني شغوفا بالمكتبات ووضع أوقاف لها، وكانت لصيقة المساجد والمجالس أو السبلة العمانية، إلا أن وجود مكتبة وطنية ذات رؤية مرجعية، وبصورة متقدمة هي الأمل الذي نرجوه اليوم.
لقد كانت المطالبة بوجود مكتبة وطنية؛ قديمة منذ بدايات النهضة العمانية الحديثة، فكانت المكتبة الإسلامية في روي التابعة لوزارة التراث والثقافة والتي تأسست عام 1975م، ولنا ذكريات معها، ورغم حضور الكتاب الديني والتراثي والأدبي فيها؛ إلا أنها حفظت العديد من النتاج العربي، على مستوى الكتب والمجلات والدوريات والمنشورات، فكانت ذاكرة مهمة للجيل الجديد، ليطلع على نتاج ما يقارب نصف قرن مضى، بيد أن مكتبات أهلية أيضا سبقتها كمكتبة النادي الثقافي الوطني في مطرح عام 1971م، ثم مكتبة معهد القضاء سابقا؛ كلية العلوم الشرعية حاليا، وقد تأسس المعهد في السبعينيات من القرن الماضي، ويضم حاليا واحدة من أضخم المكتبات المحلية والخليجية في الجوانب الشرعية والتراثية والأدبية، وهكذا مكتبة النادي الثقافي في القرم بمسقط الذي افتتح عام 1983م، وتحفظ هذه المكتبة إلى اليوم العديدَ من الكتب الثقافية والأدبية للعمانيين والعرب، وهي وثيقة مهمة للباحث في هذه الفترة، ثم مكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي في ولاية السيب بمحافظة مسقط، التي افتتحت عام 1985م، وهي من المكتبات التي حفظت المخطوطات العمانية بجانب مكتبة وزارة التراث والثقافة قديما، ثم توسع الجانب المعرفي مع افتتاح جامعة السلطان قابوس عام 1986م لتشمل جوانب علمية وتطبيقية مع العلوم الإنسانية.
ومن المكتبات الأهلية الناجحة في عمان مكتبة الندوة العامة ببهلا، التي تأسست بجهود أهلية عام 1996م، وهي من النماذج المكتبية الناجحة في عمان من حيث حضور الكتاب، ومن حيث الفعاليات الثقافية والشبابية، ومكتبة دار الكتاب بصلالة الوسطى، أسسها الأستاذ عبد القادر الغساني (ت 2015م)، وضمت المئات من كتبه التي جمعها طيلة حياته المعرفية مع المجلات، وقد افتتحها السلطان هيثم بن طارق في 23 فبراير 2015م.
كما أن المكتبات كما أسلفنا ارتبطت بشكل كبير بالمساجد، ومن نماذج ذلك حديثا مكتبة جامع السلطان قابوس بروي، ومكتبة جامع السلطان قابوس بنزوى، ومكتبة جامع السيد طارق بن تيمور بالخوض، إلا أن أضخمها مكتبة جامع السلطان قابوس ببوشر، وهي مكتبة ضخمة تقترب من خمسين ألف عنوان، في العلوم الإنسانية وغيرها، مع توفر الأدوات الحديثة للبحث والمعرفة.
بيد أنني أرى كما قلت في منشور سابق لي في وسائل التواصل الاجتماعي: «إن مكتبة حصن الشموخ الملحقة بمتحف عُمان عبر الزمان بولاية منح على صغر عمرها؛ إلا أنها تتصدر المكتبات العامة في عُمان، إذ تحوي ما يقارب ستين ألف عنوان، في كافة العلوم والفنون والآداب، ومنفتحة على جميع المعارف الإنسانية، ومنسقة بشكل بديع جدا قل نظيره، وتعطي راحة كاملة للباحث والقارئ، ومزودة بجميع الخدمات، من مقاهٍ ودورات مياه وأجهزة وشبكة إنترنت للبحث الإلكتروني، وفيها كراسي للجلوس متنوعة حسب الرغبة، ومكتبة خاصة للأطفال والأسرة، وغرف خاصة مجانية لمن أراد الانفراد، وغرف للبحث الجماعي والاجتماع والمذاكرة، وفصول لورشات العمل لمن أراد تقديم ورشة حيث يرحبون بذلك، وتتكون من طابقين مع الأرضي»، ومع هذا توجد مكتبات عديدة حتى لا تظلم، ولعلنا اليوم بحاجة إلى كتاب يوثق ذلك قديما وحديثا، المندثر منها والموجود، مع المكتبات الخاصة، كما وثقت القلاع والحصون والمساجد والأضرحة والفنون، والعديد من الجوانب التراثية.
بعد هذا كله؛ ما نشرته وسائل الإعلام العمانية من إعلان المناقصة لإنشاء مجمع عُمان الثقافي، ويتكون من ثلاثة مبان رئيسة: المسرح الوطني، والمكتبة الوطنية، وهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، إضافة إلى ثمانية مرافق أخرى، هذا الخبر أسعدنا كثيرا، وهو الخبر المنتظر منذ فترة طويلة، وتحدث عنه المتحدثون والمثقفون، وكتب حوله الكتاب والمحبون للمعرفة والثقافة، وعسى أن يرى النور قريبا، لتهنأ وتستفيد منه عُمان لأجيال وأجيال عديدة.
إن المكتبة الوطنية هي جزء من مجمع عُمان الثقافي، ولا شك أن المجمع سيكون شاملا لنواحٍ علمية وابتكارية وإبداعية، في جميع المجالات المعرفية، الإنسانية منها والتجريبية، ويكون جامعا وحاويا للمعرفة والثقافة في عمان خصوصا، وفي العالمين العربي والإنساني عموما، ومسايرا لما تشكله التقنية المعاصرة من مزاحمة للمعرفة الورقية من جهة، ومن تطوير لها عمقا وحضورا وإبداعا من جهة ثانية، وكما يرى الأستاذ أحمد الفلاحي أن «الكتاب الورقي سيبقى حاضرا مع الإنسان مهما طال الزمن، على الرغم من توفر الطفرة المتسارعة في الوسائل الإلكترونية التي تتيح تناول الكتاب إلكترونيا»، إلا أنني أرى أن انفتاح المكتبات رقميا لا يقل ضرورة اليوم عن انفتاحها ورقيا، وأصبحت المساحة الجغرافية أقرب إلى المساحة الإبداعية، إلا أن الحضور المعرفي بسبب الرقمنة يتجاوز المساحة المكانية إلى الفضاء الرقمي الواسع، فنحن اليوم نستفيد من مكتبات لجامعات ومؤسسات شهيرة في العالم ونحن في بيوتنا، كما أن العالم اليوم مقبل على تقنية الذكاء الاصطناعي، وهي حالة أوسع بكثير من الحالة الرقمية، وأكبر مما تشكله الشبكة المعلوماتية اليوم من تأثير منقطع النظير.
لهذا الانطلاقة من مسمى «مجمع عُمان الثقافي» حالة صحية، لتشمل مناحي معرفية وإبداعية عديدة، وتكون شاملة للمعارف الإنسانية والتجريبية، وحاضنة للشباب وإبداعهم في جميع جوانب المعرفة، من مسرح وفن ورسم وإنتاج وابتكار وإلقاء وكتابة وترجمة وسينما، وحضور أدبي وثقافي ونقدي.
كما أشجع المكتبة الوطنية على أن تفتح أبوابها للمكتبات الخاصة التي أخذت الكثير من عمر أصحابها، وهم يطوفون العالم بحثا عن كتاب، أو ما يملكونه من مخطوطات وهدايا كتابية، بعضها نفدت وهم يحتفظون بها، وإكراما لهم تكون لها زواياها وفهرستها الخاصة، وهذا تكريم لهم، كما أن العديد من المكتبات الخاصة تندثر بعد وفاة أصحابها، وهذا تشجيع للورثة إن أحبوا وقفها لتكون صدقة جارية تسعد صاحبها لو كان حيا، ولتسفيد من جهده وما بذله؛ الأجيال الحالية والقادمة.
لهذا نحن منتظرون ذلك العرس البهيج لافتتاح مجمع عُمان الثقافي، كما أننا منتظرون بفارغ الصبر افتتاح المكتبة الوطنية، التي نراها إضافة كبيرة في هذا العهد الجديد، وفي رؤية عمان 2040، وسيذكر هذا الحدث جميع الأجيال القادمة، ويستفيد من هذا المجمع ليس العمانيين فحسب؛ بل هو إضافة للمجتمع الخليجي والعربي عموما.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المکتبة الوطنیة السلطان قابوس کما أن إلا أن
إقرأ أيضاً:
مكتبة محمد بن راشد تحتفي بذكرى الفنان جابر جاسم
دبي (الاتحاد)
احتفاءً بسفير الأغنية الإماراتية، الفنان الراحل جابر جاسم، نظمت مكتبة محمد بن راشد أمسية فنية استثنائية، شهدت حضور أعضاء مجلس إدارة المكتبة، وتوافداً كبيراً من عشاق الفن الإماراتي ومحبي الموسيقى، حيث تألق الفنان سيف العلي في أداء مجموعة من أبرز أغاني الراحل، رفقة الأوركسترا بقيادة المايسترو عبد العزيز المدني.
ويُعد الراحل جابر جاسم أحد أعلام الموسيقى البارزين في دولة الإمارات، أسهم خلال مسيرته الحافلة في تطوير الأغنية الإماراتية، مقدماً مجموعة من الأعمال امتزجت بكلمات تعبق بالحب والوفاء للوطن وأبنائه، ليظل رمزاً خالداً من رموز الثقافة والفن الإماراتي، بعد رحيله عن عالمنا عام 2001.
واستهل الفنان سيف العلي الأمسية بتقديم مجموعة من أشهر أغاني الراحل جابر جاسم، شملت «غزيل فله»، «عيونك تجبر الخاطر»، «وناس»، إضافة إلى «ضاع فكري»، «يا ويل من ضاع فكره»، «شدو العربان»، و«نسيتونا حبايبنا»، وأيضاً «حمام ناح»، «صافني يا صخيف»، و«صاح بزقر»، إلى جانب عدد من روائع التراث الإماراتي التي مزجت بين الإبداع الفني والحنين إلى زمن الفن الأصيل.
وتألق المايسترو عبد العزيز المدني، بقيادته الفرقة الموسيقية باحترافية عالية مع فريق من العازفين، الذي تميز بالتناغم المثالي بين الصوت والألحان، حيث قدم توزيعات موسيقية حديثة نجحت في الحفاظ على الطابع الأصيل لأغاني الفنان الراحل جابر جاسم.
وفي ختام الحفل، قدّم الدكتور محمد سالم المزروعي، عضو مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم، درعاً تكريمياً لكلّ من الفنان سيف العلي والمايسترو عبدالعزيز المدني، كذلك إلى عيد جاسم المريخي، شقيق الفنان الراحل، الذي حضر ممثلاً عن عائلته الكريمة.
أخبار ذات صلة «النسبة الذهبية في الخط العربي» بمكتبة محمد بن راشد اختتام مؤتمر دبي الدولي للمكتبات 2024 بمكتبة محمد بن راشد