بوتين: وضع الاقتصاد الروسي أفضل بكثير من التوقعات
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده صمدت أمام ضغوط خارجية غير مسبوقة، وقال إن الأرقام تظهر تحسنا رغم اعترافه بمواجهة مشكلة مع تسارع التضخم.
وقال بوتين، في اجتماع بشأن الميزانية الاتحادية اليوم الاثنين، إن هناك من رسم لروسيا واقعا سلبيا، ولكن بعد ذلك صححوا التوقعات، وإنه بنتائج العام الجاري قد يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى مستوى 2.
وأضاف الرئيس الروسي أن الناتج المحلي الإجمالي لروسيا وصل إلى مستوى عام 2021 وأنه من المهم الآن تهيئة الظروف لمزيد من التنمية المستقرة على المدى الطويل، على حد تعبيره.
وأشار بوتين إلى أن عائدات النفط والغاز أعلى بكثير من مؤشرات العام الماضي، وفي المقابل تعافت إيرادات الميزانية من النفط والغاز في شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب الماضيين إلى مستوى العام الماضي تقريبًا، مع الأخذ في الحسبان الوضع بالأسواق العالمية.
وكلف الرئيس الروسي الحكومة والبنك المركزي باتخاذ تدابير لتقوية العملة الروسية، مشيرا إلى أن إحدى المشاكل الرئيسية الآن تتعلق بتسارع التضخم والعامل الرئيسي فيه ضعف الروبل.
تجدر الإشارة إلى أنه في نهاية يوليو/تموز الماضي توقع وزير المالية الروسي أنتون سيلوانوف أن يصل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لروسيا أكثر من 2% خلال العام الجاري.
وكان وزير التنمية الاقتصادية الروسي مكسيم ريشتنيكوف، قال خلال المنتدى الاقتصادي الدولي في سان بطرسبورغ في منتصف يونيو/حزيران الماضي، إن من المتوقع أن يكون نمو الناتج المحلي الإجمالي هذا العام أعلى من التوقعات المعلنة من جانب الوزارة، التي كانت تتحدث عن معدل نمو 1.2%.
وفي وقت سابق، عدّل صندوق النقد الدولي توقعاته بالارتفاع لنمو الناتج المحلي الإجمالي لروسيا هذا العام بواقع 0.8 نقطة مئوية ليصل إلى 1.5% مقارنة بتوقعات الصندوق في أبريل/نيسان.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: نمو الناتج المحلی الإجمالی
إقرأ أيضاً:
قضية جنائية شغلت الرأي العام في ثمانينيات القرن الماضي
في أعقاب فترة الاعلان بالعمل بأحكام الشريعة الإسلامية في سبتمبر 1983 فقد صدرت في أواخر عهد الرئيس جعفر محمد نميري قوانين مستمدة من أحكام الشريعة الإسلامية الا انها صدرت على عجل لم يراع فيها ضرورة المرحلة والحالة الاقتصادية والاجتماعية السائدة وفوق ذلك الآراء الفقهية المجمع عليها.
لذا اعتبرها البعض تشويهاً للشريعة الإسلامية الغراء والحط من كرامة الانسان الذي كرمه الله فوق سبع سماوات.
ومما أخذ على من قاموا بتطبيقها من قضاة محاكم الطوارئ آنذاك أخذ الناس بالشبهات بصرامة والميل الى القسوة والابتعاد عن الرأفة والأخطاء في الاجتهاد والعقوبة.
مما حدا بالمحكومين الميل الى رفع دعاوى قضائية ضد من تصدوا لتطبيق هذه القوانين من القضاة ولعل ذلك من السوابق القضائية النادرة في تاريخ القضاء السوداني أن يوجه الاتهام للقاضي خلال توليه أعمالاً قضائية كما هو الشأن في هذه السابقة ومحاولة رفع الحصانة والحماية القضائية التي يتمتع بها القاضي كمبدأ أزلي أخذت به سائر التشريعات في جميع العصور.
بسم الله الرحمن الرحيم
حكومة السودان / ضد / المكاشفي طه الكباشي
(م أ/أ س ج/ 2754/1405هـ)
المبادئ:
قانون جنائي – مبدأ الحماية القضائية – عند ممارسة القاضي سلطات قضائية خولها له القانون – مسألة حسن النية كشرط غير واردة – الحماية مطلقة (absolute)
قانون جنائي - مسألة نية – متى يجوز أثارتها.
قانون جنائي الحماية القضائية – استثناء حالة القتل الخطأ – المادة 45 من قانون العقوبات لسنة 1983م.
- يحظى القاضي بحماية أو حصانة كاملة شاملة أي مطلقة (absolute) لدي مباشرته أعمالاً قضائية مستعملاً أي سلطة يخوله أياها القانون أو يعتمد بحسن نية القانون يخوله أياها ، والاعتداد بحسن النية أو سوء النية إلا في حالات القتل الخطأ .
- يحوز إثارة مسألة حسن النية أو سوء النية لدي القاضي إذا باشر أعمالاً لا يخوله القانون مباشرتها .
3- الحماية القضائية علي أعمال القضاة حماية كاملة شاملة لكل ما يصدر من أحكام وقرارات قضائية ولا يستنثني منها إلا في حالة القتل الخطأ طبقاً لنص المادة 45 من قانون العقوبات لسنة 1983م.
الحـكــــم
5/ شوال 1405هـ.
الموافق: 22/6/1985م.
القاضي: د. علي إبراهيم الإمام.
هذا الطلب لاستئناف يتقدم به الأستاذان أحمد إبراهيم الطاهر ومحمد الحسن الأمين نيابة عن المتهم القاضي السابق دكتور المكاشفي طه الكباشي.
يطعن المستأنفان في قرار جنايات أمدرمان وسط الذي رفض بمقتضاه طلبهما بشطب البلاغ ضد المتهم القاضي السابق المكاشفي طه الكباشي على أساس أن الطلب سابق لأوانه ولا يمكن البت فيه قبل اكتمال التحريات.
هذا البلاغ خلف ونتاج (Offspring) لإجراءات المحاكمة الشهيرة باسم محاكمة محاسب مدرسة وادي سيدنا وتتحصل وقائع تلك المحاكمة في أن المحاسب المتهم وآخرين قدموا في القضية أ/82/1984م للمحاكمة أبان فترة الطوارئ التي فرضت في العام الماضي أنشئت بموجبها محاكم استئنافية سميت في البداية باسم محاكم الطوارئ.
قدم المتهم وبقية زملائه للمحاكمة أمام محكمة الطوارئ رقم 7 المشكلة برئاسة دكتور المكاشفي طه الكباشي وعضوية العقيد سعد سيد أحمد والمقدم معاوية غندور بناء على البلاغ ضد الشاكي حالياً والمتهم وقتئذ الفاتح عبد الرحمن أحمد تحت المواد 362 و351 و408 و410 من قانون العقوبات وذلك لاختلاسه مبلغ سبعة وأربعين ألف وأربعمائة وثلاثين جنيهاً وستمائة وثمانية وعشرون مليماً (47.434.628) من الخزينة العامة ومن المال العام الذي كان في عهدته.
أدانت محكمة الطوارئ رقم 7 برئاسة القاضي آنذاك والمتهم حالياً دكتور المكاشفي طه الكباشي – أدانت الشاكي حالياً والمتهم وقتئذ الفاتح عبد الرحمن أحمد تحت طائلة المادة 320 (2) السرقة الحدية (وفات على تلك المحكمة أن المادة 320(2) مادة تعريفية وأن من يدان في بجريمة السرقة الحدية يدان تحت المادة 321(2) وليس بموجب المادة التعريفية).
وعاقبت محكمة الطوارئ برئاسة القاضي السابق والمتهم حالياً عاقبت الشاكي في هذا البلاغ والمتهم في بلاغ الاختلاس بقطع يده اليمني من مفصل الكوع أي الكف والغرامة مبلغ 47.343 جنيه و628 مليم وبعدم دفعها السجن لمدة ثلاثة سنوات.
وفي مرحلة لاحقة في 23/2/1985م أسقطت عن المتهم الفاتح عبد الرحمن عقوبة الغرامة وعقوبة السجن وأطلق سراحه بعد أن نفذت فيه عقوبة القطع في 1/6/1984م.
وفي 23 / شعبان 1405هـ الموافق 13/مايو /1985م تقدم الأستاذان محمد عبد الله مشاوي وأحمد عثمان الحاج نيابة عن المتهم الفاتح عبد الرحمن أحمد بعريضة شكوى لقاضي الجنايات ضد القاضي السابق المكاشفي طه الكباشي لفتح بلاغ جنائي ضده بمقتضى المادة 138 من قانون العقوبات مقروءة مع المادتين 323 و278 من نفس القانون تأسيساً على الآتي: -
1- مثل الشاكي أمام القاضي السابق المكاشفي طه الكباشي متهماً بارتكاب جريمة التزوير المنصوص عليها في المادة 408 وأضاف له القاضي السابق المشكو ضده تهماً أخري تحت المادتين 160 و320(1) بسوء نية العقاب وعاقبه بقطع اليد اليمني (عقوبة السرقة الحدية).
2- اعتمد المشكو ضده – رغم الوقائع التي لا تثبت السرقة الحدية على مذهب الإمام مالك لتبرير عقوبة السرقة الحدية مع أن المبلغ يعمل محاسباً ويكون بذلك قد خالف مصادر التشريع الجنائي الإسلامي.
3- معلوم شرعاً وفقهاً وكما قال الرسول الكريم ليس على الخائن أو المنهب قطع، وأن الفعل الذي أتاه المحكوم ضده لا يبرر إقامة الحد وإنما التعزير على فرض ثبوته.
4- لم يراعي المبلغ ضده المحاذير التي تمنع شواذ الأحكام والاقتداء بها مع وجود النص، كما أنه لم يحترم نص المادة 70 من قانون الدستور الدائم (المعطل حالياً) والتي تحظر العقوبة بلا نص.
استجابة لعريضة الشكوى فتح البلاغ رقم 3516/1405هـ بمركز شرطة أم درمان الأوسط ضد القاضي السابق المكاشفي طه الكباشي ونيابة عنه قدم طلب لشطب البلاغ تأسيساً على المادة 45 من قانون العقوبات ورفض ذلك بمقولة أنه سابق لأوانه. ومن ثم كان هذا الاستئناف الذي يؤسس على أن المتهم المكاشفي طه الكباشي كان يمارس سلطات قضائية خولها له القانون لمحاكمة الشاكي الفاتح عبد الرحمن وأن المادة 45 من قانون العقوبات تغطي حالته تغطية كاملة وتضفي عليه حصانة كاملة فيما يتعلق بالأحكام التي يصدرها وأن الطلب بشطب البلاغ ليس سابقاً لأوانه إذ يقع في علم المحكمة القضائي أن المتهم كان قاضياً وقد قام بمحاكمة الشاكي بصفته تلك ولذا فليس ثمة من يتطلب الإثبات.
بعد هذا العرض الموجز للوقائع والحجج والأسانيد التي قدمها السادة المحامون نيابة عن المتهم المكاشفي وضده تستعرض النصوص والمبادئ القانونية التي تحكم موضوع الشكوى الجنائية التي تقام ضد القاضي فيما يتعلق بأحكامه وقراراته التي يصدرها بتلك الصفة ذلك لأن أسباب الشكوى وحدها لا تكفي لفتح بلاغ في مثل هذه الحالة المتفردة ليس لأنها شكوى مقامة ضد قاضي سابق ولكن لأنها مقامة بسبب ما أصدره من أحكام بصفته تلك.
ورغم أني لا أود أن أغفل أسباب الشكوى إغفالا تاماً إلا أنني سوف أتعرض إليها باقتضاب وفي أيجاز شديد لأن الأمر في الأساس الحماية القضائية المكفولة للقضاء ضد المسئولية الشخصية الناجمة عن أفعال تصدر عنهم بحكم وظائفهم.
Judiciai immunity freedom personal
Liability stemming from official action.
فيما يتعلق بأسباب الشكوى لا أخالني أضيف جديداً لما سبق أن قيل حولها محاكمة الشاكي أمام محكمة الطوارئ 7 ذلك الحكم الذي أثار كثيراً من الجدل القانوني والنقاش وربما النقد في كافة أجهزة الإعلام وغيرها.
فقد سبق أن قيل – وبحق – عن ذلك الحكم أنه قد تجاوز النص وأنه قد عاقب محاسباً أو بعقوبة السرقة الحدية على جريمتي الاختلاس والتزوير وشتان ما بين السرقة وخيانة الأمانة.
وقد قيل أيضاً – وبحق – لا اجتهاد مع النص الصريح الواضح الذي يضع لكل جريمة أركاناً وعناصراً وضوابطاً يلزم توافرها كي تصح الإدانة تحت طائلتها ولكن يبدو أن المتهم – ربما في غمرة حماس – اعتقد أنه غير مقيد بالنصوص ويحق له أن يجتهد رأيه أو أن يقتدي برأي القاضي العادل أياس بن معاوية الذي أوجب القطع في حالة الاختلاس (راجع الجزء الثاني من كتاب بداية المجتهد لابن رشد ص546) كما اقتدي برأي الإمام القائل بقطع من يسرق من الغم أو من بين المال أي من يسرق من المال العام الذي تقوم فيه شبهة أن له فيه حقاً يدرأ عن الحد (راجع نفس المصدر سالف الذكر ص553) بجانب تجاوز النصوص فقد اعتمد المتهم في حكمه علي الرأي المرجع مخالفاً بذلك جمهور الفقهاء والأئمة – ولكن مهما يكون من أمر – فهو رأي يستند علي اجتهاد وقد اعفي الإسلام المجتهد المخطئ من المسئولية وجعل له أجراً واحداً والمصيب أجرين وفي هذا الشأن قال الرسول صلي الله عليه وسلم :"إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر" وقد قال النبي الكريم هذا لعلمه بخطورة منصب القضاء " من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين" خلاصة القول أن هذا الحكم قد جانبه التوفيق أن لم نقل الصواب رغم استناده إلي رأي مرجوع وهو رأي الإمام مالك والقاضي العادل اياس بن معاوية لك لأنه قد خالف صريح النص وهو خيار الشارع والذي يفترض علمه بآراء الفقهاء والأئمة المختلفة واختياره لما يراه مناسباً وملائماً بالتطبيق وذلك لانه لو فتح الباب لاجتهاد الأفراد لكل قاضي ليقضي بما يشاء حسب علمه وفي حدود قناعته الشخصية مع وجود النص الواضح الصريح لاختلافت واختلت الموازين والأحكام ودخل الناس في حالة فوضي وعربدة قضائية تصبح مضرباًَ للأمثال في التهكم والسخرية .
ولكن بالرغم ما قيل حول الحكم من أراء وما صاحبه من نقد عنيف منذ صدوره لأول وهلة وقبل أن يجف المداد عن القرطاس الذي كتب فيه – رغم كل ذلك فهو حكم قضائي صادر من شخص بصفة تلك ولا أظن أن هنالك خلافاً حول هذه القضية التي لا نحتاج لأخذ علم قضائي بها (Judicial notice) لأن الشاكي نفسه في عريضة شكواه أن يشكو من حكم أصدرته محكمة المكاشفي ضده وهي مخطئة آنذاك بإصدار هذه الحكم وغيره من الأحكام في القضايا الجنائية. ولهذا فالقول بأن طلب شطب بالبلاغ سابق لأوانه أو قول غير سديد ومردود وعليه بأن ليس هناك ثمة ما يدعو للتحري في هذا الشأن الذي أثبته الشاكي نفسه في عريضة شكواه الأمر هنا ليس أمر تحري أو تحقيق وإنما يتعلق بتفسير نصوص وتطبيقها على الوجه السليم.
والقاضي حينما يفسر القانون ويطبقه ليس له مطلق الحرية في تجاوز النصوص كما يشاء – وكما فعل المتهم المكاشفي في القضية موضوع هذه الشكوى – بل هو مقيد بالنصوص – والمبادئ الراسخة المستقرة، فهو ليس فارساً مغواراً يصول ويجول كما يحلو له.
حرية القاضي في التفسير والتطبيق مهما بلغت فهي محدودة. وفي هذا المعني قال قاضي المحكمة العليا الأمريكية كاردوزر (B.N Cardozo).
The judge even when he is free is still not wholly free. He is not in innovate at pleasure. He not a knight –errant roaming at will in pursuit of his own ideal of beauty of goodness. He is to draw his inspiration from consecrated principles”
ولهذا يتعين عدم معالجة الخطأ القضائي بخطأ قضائي آخر مهما كانت الأسباب.
الخطأ الذي وقع فيه المكاشفي يتجاوز النصوص يجب إلا يعالج بخطأ آخر يتجاوز النص مرة أخري والنص هنا واضح وصريح وهو وارد في المادة 45 من قانون العقوبات لسنة 1983م والتي تقرأ: -
فيما عدا حالات القتل الخطأ لا جريمة فيما يقع من الشخص عند مباشرته أعمال قضائية بصفته محكمة أو كعضو في محكمة مستعملاً أي سلطة يخوله إياه القانون أو يعتقد بحسن نية أن القانون يخوله أيا.
وهذه المادة تقابل المادة 57 من قانون العقوبات الصادر في 1899م وكذلك المادة 45 من قانون العقوبات الصادر في عام 1925م وكذلك المادة 45 من قانون العقوبات الصادر في 1974م والتي تقرأ: -
"لا جريمة فيما يقع من الشخص عند مباشرة أعمالاً قضائية بصفة محكمة أو كعضو في محكمة مستعملاً أي سلطة يخولها له القانون أو يعتقد بحسن نية خولها له.
يتضح من هذا أن السودان قد عرق مبدأ الحماية القضائية المقنن منذ أمد بعيد والفرق بعيد والفرق بين النصوص الواردة في قانون 1974م وقانون 1983م هو أن النص الأخير سلب هذه الحماية وحجمها عن القاضي في حالة القتل الخطأ ويبدو أن العلة من هذا التعديل الجذري في نص المادة وفيما استقر من مبدأ هو صيانة الدماء ووجوب الدية في حالة القتل الخطأ لقوله صلي الله عليه وسلم " لا يضيع دم امرئ مسلم هدراً" والله أعلم.
علي كل فقد ظل مبدأ الحماية القضائية قائماً بالرغم مما طرأ عليه من تعديل يستلزم الوقوف عنده والتأمل فيه كثيراً، وما طرأ عليه من تعديل لا يغير في موقف هذه الشكوى لأنها لا تتعلق بعقوبة قتل وإنما بعقوبة قطع، والحماية التي نصت عليها المادة 45 في قانون 1983م
هي حماية كاملة وشاملة لكل ما يصدر من أحكام وقرارات قضائية ولا يستثني منها إلا حالة القتل الخطأ التي أشار إليها بوضوح وصراحة وورد بخوضها في كتاب التشريع الجنائي الإسلامي – الجزء الثاني ص 74 ما يأتي: -
والقاضي إذا حكم بالإعدام على شخص ظلماً وهو عالم بذلك ومتعمد له اعتبر قاتلاً للمحكوم عليه عمداً.
وبما أن الحالة التي أمامنا ليست حالة حكم بالإعدام فإنها مشمولة بالحماية القضائية المنصوص عليها في المادة 45. رب قائل أن المتهم لم يكن حسن النية عندما أصدر حكمه موضوع هذه الشكوى ولكن مسالة حسن النية وسوء النية أو القصد لم ترد في الشق الأول من المادة 45 من قانون العقوبات والتي تنقسم إلي شقين أساسين أولهما شخص يباشر أعمالاً قضائية بصفة محكمة أو عضو محكمة ويعتقد مجرد اعتقاد بحسن النية أن القانون يخوله تلك السلطات.
في الحالة الأولي يمارس الشخص سلطات يخوله أياها القانون وفي هذه الحالة مسألة حسن النية كشرط غير وارده حتى يطلب إثباتها طالما كان الشخص يمارس أعمالاً قضائية خولها له القانون – الحماية في هذه الحالة مطلقة (absolute) ولكن في الحالة الثانية ما لم يكن يعتقد بحسن النية أن القانون يخوله مباشرة تلك الأعمال.
والحالة الماثلة أمامنا ينطبق عليه الشق الأول من المادة 45 من قانون العقوبات ذلك لأن المتهم كان يمارس سلطات قضائية خولها له القانون كرئيس محكمة مختصة ينظر القضية الجنائية المقامة ضد الشاكي وآخرين ولهذا فلا مجال للحديث حول حسن نيته أو سوء قصده.
حري بالذكر أن مبدأ الحماية القضائية (Judicial immunity) من المبادئ التي تعارفت عليها القوانين في مختلف أنحاء العالم لحكمه معلومة هي تكريس مبدأ استقلال القضاة وحمايتهم من كافة أنواع التأثير علي عملهم وممارستهم لسلطانهم حتى لا يتهددهم سيف البلاغات الكيدية وتلاحقهم الشكاوي الجنائية والمدنية أثناء فترة عملهم وبعدها بسبب أحكامهم فيصابوا بالذعر والخوف ينتهي بهم إلي الاحباط والفشل والتردد في اتخاذ القرار وإصدار الأحكام ويذهب بهيبتهم وهيبة القانون أيضاً ، وهو عكس ما ينتظره الناس من القضاء والقضاة الذي ينظرون إليهم بعين التجلة والتوقير ، وفي هذا المعني قال رئيس القضاء الأمريكي السابق وارن.
Pierson V. Ray Chief Justice warren Chief
386 U.S.547. S.C 1213 (1967)
New doctrines were more solidly established at common law that the immunity of judges from liability for damages for acts committed within their judicial jurisdiction, as this Court recognized when it adopted the doctrine in Bradley V. Fisher, 13 wall 335 (1872). This immunity applies even when the judge is accused of acting maliciously am corrup???? It is not for the protection or benefit of a malcious or corrupt judge but for the benefit of the public, whose interest it is that the judges should be a liberty to exercise their function with independence and without fear of consequences. (Citation). It is a judge’s duty to decide all cases within hid jurisdiction that are brought before him, including controversial cases that arouse the most intense feelings in the litigants. His errors may be corrected on appeal, but they should mot have that fear that unsatisfied litigants may found him with litigation charging malice of corruption. Imposing.
Such a burden on judges would contribute not to principled and fearless decision – making but to intimidation.
وفي شرحه للمادة 77 من قانون العقوبات الهندي والتي تقابل المادة 45 من قانون العقوبات السوداني قال العلامة راتنلال في مؤلفه قانون الجرائم – الطبعة العشرين ص 135.
Under this section a judge
Is exempted not in these cases in which he proceeds irregularly in the exercise of a power which the law gives him. But also, in cases where he in good faith exceeds his jurisdiction and has lawful power.
وقد استشهد راتنلال بما جاء في أحدي السوابق السودانية قالت المحكمة فيها:
I he duties which
he (Magistrate) usually performance of such a nature as to render it absolutely necessary for their due performance that he should have that protection. He has generally either to punish an offence or to vindicate the right of a private individual; and if he were hampered by fear of the consequences which might arise from a mistaken conclusion, he not has that independence of mind which is essential to the discharge of such functions as these. This protection is not confined to persons holding and exercising a regular judicial office but it extends to any person whose duty it is to adjudicate upon the rights or pettish the misconduct of any given person, whatever from the proceedings may take, or however informal they may be. This has been so
held in England, and I do not see any reason to doubt that the same would be held here.
يبين مما تقدم أن مبدأ الحماية القضائية مبدأ راسخ ومستقر لأسباب سالفة الذكر وقد نصت عليه في المادة 45 من قانون العقوبات لسنة 1983م، وأن كان بصورته الراهنة لا يصلح كدفع في كل الحالات إلا أنه يغطي حالة المتهم في هذا البلاغ لما سبق ذكره وتوضيحه.
ولهذا واستجابة لطلب الاستئناف – يشطب البلاغ وتحفظ الأوراق.
alaaggean@outlook.com
حسين إبراهيم علي جادين