الوطن:
2024-07-06@15:51:17 GMT

شهاب خالد يكتب: حياة أخرى

تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT

شهاب خالد يكتب: حياة أخرى

أى سبيل إلى نفسى غير الكتابة ومناجاة الأقلام؟ وأى مشغلة للفراغ أجمل من قضاء الوحدة بالكتابة، أو بالجلوس مع الكُتّاب أو بالجلوس بين صفحات كتاب، نحن نكتب لأننا نحتاج إلى الكتابة لكى نُفرغ المكنون فى صدورنا، نكتب لأننا لا نجد من يحتضننا غير الورق، نحن نكتب ما نعجز عن وصفه، نكتب لنفصح عن الأحزان التى تسكن فى دواخلنا، نكتب لأننا مُغرمون بالقلم، كما الليل قد أغرم بالنهار، نكتب لأننا نعشق القلم كما الظلمة قد عشقت الفجر.

مثلما قال «عباس محمود العقاد» عن الكُتب، فإن الأقلام كذلك مثل البشر منها الوقور ومنها الكئيب، والظريف، والجميل الرائع، والثورى، والساذج الصادق، والكاذب، والخائن، والوضيع، والورق يتسع لكل هذه الأقلام. الورق هو الصدر الرحب لكل هذه الأقلام، الورق هو الباب الذى لا يغلق فى وجه أى قلم، الورق هو الشىء الوحيد الذى يستطيع أن يتحمل كل هذه الآلام والأوجاع التى تسكن فى دواخلنا ولا نستطيع أن نبوح بها.

القلم هو ذلك الكائن الذى بإمكانه أن يجمع الآلاف بل الملايين ويحركهم كيفما يشاء، القلم له سحر فهو يشرح ويعبر ويحلل، ويربط الأحداث بشكل خرافى مبهر، القلم له سلطة يستطيع أن يتكلم ويحكى ويقُص دون أن يُوقفه أحد، الله عز وجل أول ما خلق، خلقَ القلم، الله سبحانه وتعالى كرّم القلم، وجعل له سورة كاملة فى النص الخالد اسمُها سورة «القلم» فالقلم يكتب وينسخ، ويخط كل ما بداخل الإنسان، وما يدور فى الحياة، فالقلم هو الذى يخط حسناتنا وسيئاتنا.

نكتب لنخرج من عالمنا المعتاد إلى عوالم أخرى لم نسمع عنها من قبل، نكتب لكى نتقابل ونتحاكى مع الكُتَّاب الكبار الذين رحلوا ولم نرهم، نتحاكى مع (العقاد) نتحاكى مع (الرافعى) نتحاكى مع (محفوظ)نتحاكى مع (الحكيم) ليس وجهاً لوجه، بل قلماً لقلم.

أما أنا فلماذا أكتب؟ هل أكتب لكى أحظى بوجود اسمى بين الكُتَّاب؟ أم لتبقى سيرتى بعد مماتى؟ أكتب كى لا أكون كالذى يمر على الدنيا كعابر سبيل، ويعيش حيناً من الدهر ولا يعرفه أحد. أصبحت أكتب لأنى بالكتابة أصير سيدهم، أكتب لأنى خُلقت من رحم الكتابة، أكتب حتى يكون لدى حياة أخرى، أكتب لأن القلم استدعى أشياء لا بد لها أن تُكتب قبل أن تندثر فى سجل المهملات، أكتب لنفسى، أكتب للاستمتاع الذاتى، أكتب لأنى من خلال الكتابات أستطيع أن أعبر عما أعجز عن وصفه، أكتب لكى أقتل الوحدة التى لازمتنى، أكتب من أجل البقاء لكلماتى، أخيراً أدركت أنى أكتب لأنى أريد أن أكتب.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الكتابة عباس محمود العقاد

إقرأ أيضاً:

إنسان العصر المغترب عن ذاته

من الفلاسفة الذين تشدنى كتاباتهم وآراؤهم  جان جاك روسو فيلسوف القرن الثامن عشر الشهير سواء فيما كتبه فى كتابه الشهير عن «العقد الاجتماعى» أو فى بحثه الأشهر «مقال عن الفنون والآداب» الذى كتبه قبل «العقد الاجتماعى» بعشرين عاما، وكم كان ملهما ورائعا حينما قال فى ذلك البحث بلغة فلسفية رائقة وشفافة تكشف عن رؤيته التنويرية المختلفة عن لغة معاصريه من فلاسفة عصر التنوير « انه لمنظر جليل وجميل أن ترى الانسان يرفع نفسه من العدم بجهده الخاص، ويبدد بنور عقله تلك الظلمات التى لفته بها الطبيعة، انه ليرفع نفسه فوق نفسه، وينفذ بروحه الى أطباق السماء وينطلق كالشمس بخطوات جبارة عبر الفضاء الشاسع للكون، وأما الامر الذى يبقى هو الأعظم وهو الأصعب فهو أن يعود الى نفسه ليدرس الانسان ويعرف طبيعته وواجباته وغايته»!
انه فى ختام هذا النص البديع يلمح الى اغتراب الانسان عن ذاته رغم التقدم العلمى والصناعى والتكنولوجى الهائل الذى الذى حققه منذ أن خلقه الله على الأرض، وهو يضيف اليه يوما بعد يوم انجازات جبارة جعلته يكاد يطال عنان السماء ويكتشف أسرار الكون الشاسع!، ان نفس الانسان الذى حقق كل هذا التقدم اغترب عن ذاته فى النهاية ولم يعد يعرف حقيقة ذاته وغايتها فى هذا الوجود  وماذا عليه أن يفعل حتى يعود اليها من جديد ؟! وكم كان روسو صادقا فى ذلك وواعيا بأن هذا التقدم التكنولوجى والصناعى الذى يحققه الانسان سيقوده فى النهاية الى أن يخسر ذاته ويغترب عنها! 
وبالفعل ها نحن وبعد أكثر من قرنين من الزمان نعيش عصرا طغت فيه الآلية والمادية على كل شيء ولم يعد ثمة قيمة للإنسان فى ذاته، عصرا مليئا بالتناقضات السافرة ؛ فنحن ندعو للعودة الى الطبيعة بغرض التقليل من الآثار والمخاطر البيئية المدمرة  وفى ذات الوقت نواصل وندعم التقدم الصناعى وخاصة صناعات الأسلحة الفتاكة التى لا أعرف كم الذعر الذى كان سيتملك هذا الفيلسوف الانسان لو أنه سمع عنها !، وندعو الى الحب ونحلم بالرومانسية فى الوقت الذى انكشفت فيه العورات وذاعت العلاقات الجنسية الشائنة ولم يعد للحب قدسية ولم يعد للجسد حرمة ! وشاعت الجنسية المثلية بل وتم تقنينها وأبيح الزواج المثلى ! ويا لغرابة تعدى الانسان على الطبيعة وتكسيره لقوانينها التى يعرفها ويحترمها ويطيعها الحيوان بالغريزة، بينما يتمرد عليها الانسان العاقل بدعوى أنه «حر» وأن الشعور بالحرية أهم من احترام تلك التقاليد الأخلاقية المتخلفة  البالية! وكم كان روسو صادقا أيضا وهو يصف انسان عصره وكأنه أيضا يصف انسان القرن الحادى والعشين حينما قال « ان الصداقة الخالصة، والتقدير الحق، والثقة الكاملة، قد انمحت من نفوس الناس، أما الغيرة والشك والخوف واللامبالاة والتكتم والخداع والكراهية فقد بقيت باستمرار متخفية تحت ذلك اللباس والحجاب الخادع للأدب الذى ندين به الى نور هذا العصر»!، إن روسو ينتقد معاصريه فى ذلك النوع من النفاق الاجتماعى الذى ساد عصره حيث كان يُظهر الناس من القيم النبيلة والخلق الرفيع مالا يؤمنون به  فعلا، انه يتهمهم بالنفاق الاجتماعى  حيث يظهرون عكس ما يبطنون ويقولون غير ما يفعلون! 
لكن مازاد الطين بلة فى عصرنا الحالى أن الناس تجرأوا على القيم والمبادئ العليا لدرجة أنهم أصبحوا يتباهون بعكسها، وكلما ازدادت اخلاق المرء وضاعة وتدنيا كلما كان ذلك مثار الفخار والاعجاب !! لقد انقلب سلم القيم رأسا على عقب ـ ولم يعد هناك اهتمام يذكر من جانب البشر الا بكل ما يزيد من ثرائهم المادى أيا كانت الوسيلة !، الا بكل ما يشبع غرائزهم الحيوانية بصرف النظر عن العاطفة والجمال ! ولا عزاء للحب الصافى والعشق النبيل والإنسانية الحقة ! اننا فى عصر اغترب فيه الانسان عن ذاته وعن انسانيته وتناسى طبيعته الأصيلة! والسؤال هو : هل يمكن أن يكون هناك طريقا للعودة ؟!

مقالات مشابهة

  • محمود أبو هلال .. إلى احمد الحسن الزعبي “لن نيأس”
  • أحمد عبد العال يكتب: «حياة كريمة».. نموذج رائد لتحقيق التنمية
  • محمد علي رشوان يكتب: أساس النجاح.. على اللاعبين أن يدركوا أهمية المشاركة والسير على البرنامج التدريبي وتقليل الفسح والتنزه
  • السودان الذى كان
  • إنسان العصر المغترب عن ذاته
  • ألقاب الكتـّـاب ومقاييس الأوراق وأنواعها
  • يورو 2024.. مبابي: رونالدو أسطورة لكننا نأمل الفوز غدًا
  • د. محمد ممدوح يكتب.. التحالف الوطني.. رحلة نحو حياة كريمة
  • مخالفات المرور 2024.. طريقة الاستعلام و خدمة الدفع
  • عادل حمودة يكتب: في صحة أحمد زكي