أى سبيل إلى نفسى غير الكتابة ومناجاة الأقلام؟ وأى مشغلة للفراغ أجمل من قضاء الوحدة بالكتابة، أو بالجلوس مع الكُتّاب أو بالجلوس بين صفحات كتاب، نحن نكتب لأننا نحتاج إلى الكتابة لكى نُفرغ المكنون فى صدورنا، نكتب لأننا لا نجد من يحتضننا غير الورق، نحن نكتب ما نعجز عن وصفه، نكتب لنفصح عن الأحزان التى تسكن فى دواخلنا، نكتب لأننا مُغرمون بالقلم، كما الليل قد أغرم بالنهار، نكتب لأننا نعشق القلم كما الظلمة قد عشقت الفجر.
مثلما قال «عباس محمود العقاد» عن الكُتب، فإن الأقلام كذلك مثل البشر منها الوقور ومنها الكئيب، والظريف، والجميل الرائع، والثورى، والساذج الصادق، والكاذب، والخائن، والوضيع، والورق يتسع لكل هذه الأقلام. الورق هو الصدر الرحب لكل هذه الأقلام، الورق هو الباب الذى لا يغلق فى وجه أى قلم، الورق هو الشىء الوحيد الذى يستطيع أن يتحمل كل هذه الآلام والأوجاع التى تسكن فى دواخلنا ولا نستطيع أن نبوح بها.
القلم هو ذلك الكائن الذى بإمكانه أن يجمع الآلاف بل الملايين ويحركهم كيفما يشاء، القلم له سحر فهو يشرح ويعبر ويحلل، ويربط الأحداث بشكل خرافى مبهر، القلم له سلطة يستطيع أن يتكلم ويحكى ويقُص دون أن يُوقفه أحد، الله عز وجل أول ما خلق، خلقَ القلم، الله سبحانه وتعالى كرّم القلم، وجعل له سورة كاملة فى النص الخالد اسمُها سورة «القلم» فالقلم يكتب وينسخ، ويخط كل ما بداخل الإنسان، وما يدور فى الحياة، فالقلم هو الذى يخط حسناتنا وسيئاتنا.
نكتب لنخرج من عالمنا المعتاد إلى عوالم أخرى لم نسمع عنها من قبل، نكتب لكى نتقابل ونتحاكى مع الكُتَّاب الكبار الذين رحلوا ولم نرهم، نتحاكى مع (العقاد) نتحاكى مع (الرافعى) نتحاكى مع (محفوظ)نتحاكى مع (الحكيم) ليس وجهاً لوجه، بل قلماً لقلم.
أما أنا فلماذا أكتب؟ هل أكتب لكى أحظى بوجود اسمى بين الكُتَّاب؟ أم لتبقى سيرتى بعد مماتى؟ أكتب كى لا أكون كالذى يمر على الدنيا كعابر سبيل، ويعيش حيناً من الدهر ولا يعرفه أحد. أصبحت أكتب لأنى بالكتابة أصير سيدهم، أكتب لأنى خُلقت من رحم الكتابة، أكتب حتى يكون لدى حياة أخرى، أكتب لأن القلم استدعى أشياء لا بد لها أن تُكتب قبل أن تندثر فى سجل المهملات، أكتب لنفسى، أكتب للاستمتاع الذاتى، أكتب لأنى من خلال الكتابات أستطيع أن أعبر عما أعجز عن وصفه، أكتب لكى أقتل الوحدة التى لازمتنى، أكتب من أجل البقاء لكلماتى، أخيراً أدركت أنى أكتب لأنى أريد أن أكتب.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الكتابة عباس محمود العقاد
إقرأ أيضاً:
إبراهيم النجار يكتب: غليان في العالم!
هل فعلا الأمن العالمي في خطر ولماذا؟ ماذا يحدث في العالم من حولنا، هل نحن علي مشارف حرب عالمية ثالثة، كما يقولون؟ الكثير من القوي العالمية الوازنة، أطلقت صيحات استغاثة، وتحذيرات جدية من خطر محدق في العالم. حيث أكد فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي، علي انتشار الصراعات حول العالم، وأن بوادر حرب عالمية ثالثة تلوح في الأفق.
بوتين، وجه حديثه إلي خصوم روسيا، وقال بصراحة، عندما يدرك الغرب مدي استعداد موسكو، للرد علي أي تحديات سيفهم أن الوقت قد حان للبحث عن حلول توافقية. ووصف العلاقات بالغرب بــ "الكاذبة". وأعطي مثال علي ما حدث باتفاقية "مينسك"، عندما اعترف كل القادة الأوروبيين بأنهم كذبوا، من أجل تسليح أوكرانيا، وتجهيزها لمدة 7 أعوام. وشدد علي أن العمليات العسكرية الروسية، كان يجب أن تبدأ في وقت مبكرا. وأن لا يصدق الغرب. وهنا ألمح بوتين، إلي ما يبدو خديعة جرت في سوريا، وإلي عدم الوفاء بالوعود أيضا.
ولا سيما وعود الغرب، الذي أعلن عنها سيرجى لا فروف، وزير الخارجية الروسي، في قطر، قبل دخول فصائل المعارضة السورية إلي حمص.
الصين كروسيا، تستشعر خطرا جديا علي السلام الدولي، وتشير بوضوح إلي " غليان" العالم، وليس في منطقتنا المشتعلة فحسب، بل في أماكن عديدة. مثل القضية مع تايوان وأوكرانيا. تعزو موسكو وبكين وطهران، نهج الحروب هذا إلي السلوك الأمريكي. تتقاطع تلك المواقف، مع كلام المرشد الإيراني، علي خامنئي، الذي قال، إن مخطط أمريكا لفرض هيمنتها علي بلد ما، يعتمد علي تنصيب نظام استبدادي يخدم مصلحتها. أو علي إثارة الفوضى.
اليمن كذلك في صلب المعركة، فالتطورات علي ساحته متسارعة وخطرة. ولا سيما علي مضيق باب المندب الاستراتيجي، وحسب مراقبون، أن هذا الملف نفسه يمكنه إشعال حرب كبري. خصوصا مع المواقف الروسية الايجابية تجاه اليمن.