نوافذ :من أزيز البنادق إلى السلام
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
يقترب المشهد في الأزمة اليمنية من الحسم خلال المرحلة المقبلة، بعد أن وصلت جميع أطرافه إلى قناعة بالاحتكام لصوت الحكمة والعقل التي ميزت اليمانية طوال تاريخهم.
يقترب هذا المشهد من الحسم التاريخي مستندا إلى الجهود التي بذلت وفي مقدمتها جهود سلطنة عمان التي لم تفقد الأمل يوما في أشقائها باليمن العزيز وقناعتها أنهم سيجنحون للسلم آجلا أم عاجلا، وأن ارتفاع سقف مطالب المتخاصمين على قيادة اليمن سينخفض إلى مستواه المعقول والذي معه يمكن الحل، وهذا ما اتبعته الجهود العمانية في تبريد جبهات الصراع من خلال هدنة متدرجة إلى مفتوحة تهيئ لحوار هادئ عقلاني تعلو فيه مصالح الوطن اليمني متجاوزة النظرة الشخصية والفئوية.
إنجازان مهمان من أبريل العام المنصرم 2022 إلى اليوم، وهي الهدنة والتي بفضل الله تعالى حفظت مئات الأرواح وقاربت من مواقف المتضادين في هذا الملف، والثاني تخلي التحالف العربي العسكري عن المواجهة العسكرية إلى الانخراط في التفاوض يدفعه إعادة العلاقات السعودية الإيرانية وحرص الرياض على يمن آمن مستقر وباذل للجهود وصولا إلى حل شامل يعيد اليمن إلى مساره الطبيعي.
كل هذا المقاربات بين الفرقاء نتيجة عمل كبير لمسقط سواء في الداخل اليمني أو في المحيط الإقليمي الذي تستهدف منه سلطنة عمان تعزيز الأمن الإقليمي، وتصفير الصراعات في المنطقة ومشاركة الجميع في بناء مرحلة الازدهار الاقتصادي الذي تنشده شعوب المنطقة.
هذه الرؤية البعيدة لم تتغير لمسقط التي نادت بالحوار من اليوم الأول للأزمة وعدم التأجيج واتباع نهج الاحترام المتبادل وحفظ الأرواح ومعالجة القضايا والخلافات الداخلية والإقليمية على مبدأ المصالح المشتركة والحق للجميع في التشارك وبناء الأوطان.
تغيرت القناعات الأخرى وعادت إلى مسار الحوار وأدركت أن الحل لا يولد من فوهات البنادق ولا من اغتيال الأبرياء ولا هدم البيوت على رؤوس ساكنيها ولا من إسالة الدماء أو تفخيخ المنشآت والمرافق ولا من زهق الأرواح.
ولم تتغير قناعة مسقط أن السلام يولد من الحوار ومن أهمية بناء الثقة المتبادلة والتفاوض على مبدأ المصالح المشتركة بين الأطراف وتقديرها لدور جهود سلطنة عمان في إنهاء الأزمة والوصول إلى حلول توافقية تبنى عليها أحلام اليمنيين.
يتطلع المواطن العربي إلى اكتمال كل الترتيبات التي تقودها مسقط وأشقاؤها في دول مجلس التعاون، والتي تتابعها الأمم المتحدة والإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي لتوقيع الاتفاق التاريخي بين جميع الأطراف في اليمن الشقيق لتعود الحكمة اليمانية، ويعود اليمن السعيد سعيدا.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
جمعة رجب.. ذكرى الدمار والمؤامرة التي هزّت اليمن والعالم
تحلّ علينا ذكرى جمعة رجب، التي ارتبطت بأحد أكثر الأحداث دموية في تاريخ اليمن الحديث، تفجير جامع الرئاسة في 3 يونيو 2011. هذا الحادث الذي هزّ وجدان اليمنيين استهدف الرئيس اليمني الأسبق الزعيم علي عبدالله صالح وكبار قيادات الدولة أثناء أدائهم صلاة الجمعة، في جريمة وصفها العالم حينها بأنها عمل إرهابي استهدف استقرار الدولة وأمنها.
في يوم التفجير، تحوّل جامع الرئاسة إلى مسرح للدماء والألم، حيث أودى الانفجار بحياة العديد من المصلين من كبار قيادات الدولة على رأسهم الدكتور عبدالعزيز عبدالغني رئيس مجلس الشورى، وإصابة أكثر من 200 مدني وعسكري على رأسهم الزعيم علي عبدالله صالح تعرض لجروح بليغة، لكنه نجا بأعجوبة، مما أثار تساؤلات حول الجهات التي وقفت خلف هذه الجريمة.
وأشارت أصابع الاتهام إلى تنظيمات متشددة، وتكشّفت لاحقًا معطيات خطيرة تُظهر أن جماعة الإخوان المسلمين في اليمن ومليشيا الحوثي المدعومة إيرانياً وبعض القوى السياسية المتحالفة معها قد لعبت دوراً بارزاً في التخطيط والتنفيذ، في محاولة لإضعاف القيادة الشرعية وإحداث فراغ سياسي يخدم أجندتها، ويسهل لها تنفيذ انقلاب.
في سياق الأحداث اللاحقة، أطلقت مليشيا الحوثي عقب سيطرتها على السلطة إثر انقلابها في سبتمبر 2014، سراح مجموعة من المساجين على ذمة قضية جريمة التفجير، وذلك ضمن صفقة تبادل أسرى مع حزب الإصلاح في محافظة مأرب. هذه الصفقة أثارت الكثير من التساؤلات حول طبيعة العلاقة بين الحوثيين والإصلاح، وسط اتهامات بالتخادم السياسي والعسكري بين الجانبين.
وفي أكتوبر 2019، تمت صفقة تبادل الأسرى في محافظة الجوف المحاذية لمحافظة مأرب شرقي صنعاء، بوساطة قبلية في أجواء سرية حيث أفرجت المليشيا الحوثية عن خمسة من الضالعين في جريمة التفجير مقابل إطلاق حزب الإصلاح أربعة عشر أسيرا حوثيا من بينهم قيادات بارزة في المليشيا.
تحالفات مبطنة
هذه الصفقة لم تكن مجرد إفراج عن أسرى، بل كانت إشارة واضحة إلى التحالفات المبطنة التي استغلت الأزمة السياسية في اليمن لتحقيق مكاسب على حساب الشعب وأمنه. فقد بدا أن التخادم بين الطرفين يسعى لتقاسم النفوذ في ظل الفوضى التي عمّت البلاد.
جمعة رجب ليست مجرد ذكرى أليمة، بل تذكير صارخ بالمؤامرات التي طالت اليمن ومؤسساته القيادية. هذا اليوم المشؤوم يمثل بداية فصل من الصراع المعقد الذي لا يزال اليمن يعاني من تبعاته حتى اليوم، ويؤكد الحاجة إلى تحقيق شفاف يكشف الحقائق ويعيد للضحايا حقوقهم.
ويجمع الكثير من المراقبين، على أن الفلتان الأمني والانقسامات التي تشهدها البلاد وتنوع التشكيلات العسكرية جاء مخاض عملية التفجير الإجرامية التي دأبت الجماعات المتطرفة والعميلة لقوى خارجة على تنفيذ أجندة دولية، دون أدنى حسابات وطنية.
وأشارت إلى أن الزعيم علي عبدالله صالح حذر مراراً من مغبة الفوضى التي خططت لها القوى الدولية واستخدمت لها أذرعها العميلة في الداخل، غير أن العمالة التي تشربتها هذه الجماعات أعمت بصيرتها واستمرت بتسويق الشعارات الزائفة للشعب اليمني حتى قصت على معظم مقدراته ومنجزاته، ليصبح اليوم فاقداً لأبسط حقوقه وهي الرواتب والخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والكهرباء والطرقات... وغيرها.
ورغم المؤامرات الخارجية والداخلية، لم يتخلَ الزعيم علي عبدالله صالح عن شعبه ووطنه، وبقي وفياً مخلصاً له، ومدافعاً عن حقوقه في وجه الجماعات الدينية والطائفية حتى ارتقى شهيداً في الرابع من ديسمبر 2017، بعد أن قاد انتفاضة شعبية ضد مليشيا الحوثي الإرهابية دفاعاً عن الثورة والجمهورية ومنجزاتها وحقوق الشعب المنهوبة من عصابة سلالية استولت على السلطة والثروة في سبتمبر 2014، وادعت الحق الإلهي في كل ذلك.