طوفان درنة.. إهمال أم انتقام
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
من الوهلة الأولى ليس هناك وصف لطوفان درنه إلا أنه كارثة ألمت بسكان تلك المدينة، جرفت البشر والشجر والحجر لتلقي بهم في غيابات البحر. ليست المرة الأولى التي تعرضت فيها درنه لفيضانات الوادي العتيد، ولكنها الأعنف على الاطلاق، في سنة 1941م وخلال الحرب العالمية الثانية حدث فيضان للوادي جرفت مياهه دبابات وسيارات وأليات القوات الألمانية الى البحر، ثم فيضان 1959 الذي أودى بمئات القتلى جراء السيول المنهمرة من أعالي الوادي، تلاء ذلك فياضانات 1968 و1969.
مع تكرار الفيضانات قررت هيئة الموارد المائية، إقامة سد على الوادي وأسند تنفيذه لشركة يوغسلافية لتنتهي منه سنة 1977م، بعد قرابة عشر سنوات إي سنة 1986 وبعدها في سنة 2011م تم تنفيس السد للتخلص من المياه المتراكمة جزئيا وهو إجراء احترازي نتج عنه فيضان على ضفتي الوادي ولكن أضراره كانت قليلة. بعد نصف قرن من إنشاء السد أي سنة 2022 كان هناك تقرير من الباحث عبدالونيس عاشور من جامعة عمر المختار يقول أن السد يحتاج إلى صيانة وتطوير ويحذر فيه أن إنهيار السد سيكون كارثة على المدينة. ورغم تلك الحوادث فان نواقيس الخطر دائما لا تجد لها اذان صاغية لخصوصية المدينة من عدة نواحي: درنة لها مجتمع متعلم حضري جله قادم من المنطقة الغربية والجنوبية، تلاشت عنده النزعة القبلية، ولذا فهي مدينة مشاكسة تمثل التنوع الديموغرافي الذي احتضن تنوع التعايش، وإزدهر على جنباتها العلم والفن والثقافة في بحر من الانتماءات القبلية البدوية.
في سنة 1805 م ناصرت المدينة أحمد باشا ضد أخيه يوسف في طرابلس بمساعدة الجنيرال إيتون، ودخلها جيش يوسف باشا القره مانلي بعد طرد أخيه منها، وفي عهد القذافي رجع الليبيون الأفغان إليها، فوجدها النظام دريعة للانتقام منها، إرسل جيوشه فاحرق القذافي جبالها بالنابلم، وقوات الضفادع البشرية تمشط هضابها بحثا عن المعارضين للنظام. بعد ثورة 2011 كانت درنة سباقة للتحرر من قبضة النظام السابق، ولكن لم يدم الزمن طويلا حتى وجدت نفسها معارضة لطغيان حفتر وقواته الغاشمة طوقت وجوعت المدينة، ثم دعت الطيران المصري ليصب الحمم على سكانها، بدعوى وجود داعش، واستمر ذلك من سنة 2014 الى سنة 2017م. ورغم إذعان المدينة للسلطة العسكرية للكرامة قصراً إلا أنها لم تستكين، هاجر جل المثقفين منها وتركوها لإهمال السلطات العسكرية. أخيرا قبل كارثة الطوفان بأشهر كان هناك انتخابات بلدية، افضت إلى مجلس بلدي مختلط من سكان المدينة، رفضته كثيبه أوليا الدم التابعة لحفتر لأسباب تتعلق بالولاء للقيادة العامة.
الامر المحير جداً هو ما حدث منذ ضرب عاصفة دانيال الشواطئ اليونانية في بداية سبتمبر ثم تحولها إلى تركيا، ثم إلى ليبيا يوم 11 سيتمر 2023م، ففي حين أن الأرصاد الجوية الدولية قد حذرت من العاصفة ولذلك كان عدد الوفيات في اليونان وتركيا بضعة قتلى، كانت ضحايا درنة بالألاف رغم وجود زمن طويل وكفيل باجراءات كثيرة لتلافي تلك الطامة الكبرى.
هذه الاحداث التاريخية وما تلاها يضعنا عند فرضيتين لا ثالث لهما، وهما إما الإهمال (وهي سمة العسكر ومنظومات ما قبل الدولة) أو الانتقام وهي سمة مخابراتية تهدف إلى جني المكاسب لأطراف الصراع ومن تمثل من دول الجوار أو القوى العالمية. لكلا الافتراضين أسسه وشواهد تدعمه، رغم أنها متداخلة ومتقاطعة في الكثير من أحداثها.
فرضية الإهمال، نعم لها شواهد، مثل عدم التواصل بين الجهات المشرفة على السدود والارصاد الجوي، ومعرفة مقادير المياه المحتمل سريانها وإجراء تنفيس للسد قبل وصول ارتفاع المياه إلى الدروة وحدوث الكارثة، الإهمال في الاعتقاد أن تأثير العاصفة يكون من البحر على شكل تسونامي وليس من إنفجار السد، أخر الإهمال هو الإذعان للتعليمات القاتلة بالزام البيوت وقت العاصفة، وهذه الأمور كلها أدت إلى الإهمال في إجلاء السكان من بيوتهم لتلافي الماء أي كانت من البحر أو السد، فكانت الكارثة.
أما الفرضية الأخرى، فإن المدينة لم تركع يوما لجلاديها ولذا تستباح من العسكر على مر السنين، ما يؤيد فرضية تفجير السد، أن هناك فرقعة سمعها الكثير من سكان درنه في الساعات الأولى من يوم الانفجار، علما بأن فيضان السد الترابي وإنهيارة لا يحدث أصوات تفجير تسمع لمسافات بعيدة، الامر الاخر هو توجيه أنظار الناس إلى تسونامي البحر وامر المواطنين بالبقاء في البيوت، رغم التاريخ الطويل لذاكرة المدينة مع فيضانات السد وتقارير وجوب صيانته، كما أن التفجير يفتح باب الابتزاز لحكومة الوحدة الوطنية والمصرف المركزي الموحد لتخصيص مبالغ ومعونات لا تنتهي تصرف جلها على القوات المسلحة في الشرق الليبي كمؤسسة وكأفراد ضمن حلقة الفساد المستشري منذ سنوات. أخير أن التدخل المصري الكبير، واحتياجه لحل مشاكله الاقتصادية بتشغيل شركاته العسكرية على الأراضي الليبية حافزا للقيام بعمل مخرب. فلقد فازت مصر بمعظم عقود إعادة إعمار بنغازي وعقود الطرق بين جالو واجدابيا وعقد الطريق الدائري الثالث بطرابلس، ولكن ذلك كله لن يحل مشاكل الانهيار الاقتصادي المصري، فهل من مزيد.
رغم ظهور النائب العام في مشهد الحدث، إلا أن العدالة بعيدة في الظروف الحالية وتحت مؤسسات موازية، لم يقوم النائب العام بإصدار أمر قبض بالمتسببين لحرب 4 ابريل 2019 واكتفي بالتنفيذيين ولا بمجازر ترهونه، ولم يستطيع النائب العام تقديم التهم للمليشيات المتقاتلة بالغرب الليبي ناهيك عن دك المساكن في سرت وأبونجيم ودرنه وأباري. مثل هذه الفاجعة تحتاج إلى تحقيق دولي كما حدث في إغتيار الحريري وتفجير مرفاء بيروت.
أما النهج العاطفي بتحول المحنة إلى منحة، بإعادة اللحمة الوطنية والتواصل بين الشرق والغرب وتغيير المواقف في الشرق الليبي، وهو ما يشار اليه بوجود لواء 444 إلى جنب اللواء طارق بن زياد، فذلك مجرد أماني لا يدعمها الواقع. لا يزال مجلس النواب متربع على عرشه بنوابه الداعمين لجيش الكرامة، ولن تتوقف مصر من دعم جيش حفتر وبرلمان عقيلة ولو دخلت حروب أخرى، والمتابع يرى رسوا بواخر حربية مصرية في ميناء طبرق ووصول وفود عسكرية مصرية إلى بنعازي لمعاينة الضرر وربما للاستعداد لتوقيع العقود، على المستوى الشعبي أثرت هبة المساعدات الشعبية في جل مواطنين المنطقة الشرقية ولكن لن تغيير من قناعاتهم بأن ممثليهم في مجلس النواب والجيش هم الضامن لحقوقهم في زمن كفر الجميع بالمؤسسات الوطنية المتشظية شرقا وغربا. وحتى يحدث التحقيق لكشف الحقيقة، والتغيير الذي يجعل الجميع يؤمن بحق المواطنة لك الله ياليبيا.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
إقرأ أيضاً:
الموارد المائية بالحكومة الليبية تؤكد خلو سد وادي جازة من المياه
أكدت وزارة الموارد المائية بالحكومة الليبية برئاسة أسامة حماد، إن سد وادي جازة خالٍ تمامًا من المياه، مشددة على السيطرة الكاملة على الوضع، مع تحذيرات هيئة الأرصاد الجوية من تقلبات الطقس على المناطق الشرقية في البلاد.
ولفتت الوزارة في بيان اليوم الأحد، إلى إجراء جولة تفقدية للسد؛ حيث قام مدير مكتب الوزير ومدير إدارة السدود بمراجعة الوضع الحالي له والتي أسفرت عن تأكيد السيطرة الكاملة على الوضع، مع الإشارة إلى أن السد خالٍ تمامًا من المياه.
وأكد المسؤولون أن جميع البوابات تحت السيطرة، مشددين على أن الجهات المعنية ستستمر في مراقبة السد بشكل منتظم لضمان استدامة الأمن والسلامة.