مكافحة الفساد في عيون المواطن
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
ناصر بن سلطان العموري
abusultan73@gmail.com
الفساد أكثر كلمة مُتداولة على محركات البحث؛ بل تكاد تكون أكثر كلمة اتعبتها الألسن علكًا والأفواه مضغًا، ولم لا والفساد آفة الضياع والدمار لكافة الشعوب وأسباب تراجعها وإخفاقها، والمصيبة حينما يستغل ممن ائتمنوا ووضعوا في مناصب المسؤولية وظائفهم لخدمة مصالحهم الخاصة وهنا يضيع الوطن والضحية أبناءه المواطنين ممن لم ينعموا بخيراته ويتمتعوا بما حباه الله من موارد طبيعية.
في الآونة الأخيرة، أطلق جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة الخطة الوطنية لتعزيز النزاهة (2022- 2030) بعنوان "محاور نرسمها ونتائج نحققها"، وتكونت الخطة من عدة محاور وأهداف رئيسية، ورغم أن الخطة مُحددة بتاريخ زمني معين، إلّا أننا نعتقد أن الجهاز إنما يريد بذلك رصد النتائج المتحققة على أرض الواقع، وأن الإطار الزمني للخطة يهدف لتقييم ما تم إنجازه.
ومع خالص التقدير لرجال جهاز الرقابة على جهودهم الواضحة للعيان، لكن المواطن البسيط لا يهمه معرفة التفاصيل الدقيقة للخطة من محاور وأهداف ونتائج، ولا أظنه سوف يفقه الكثير كونها معلومات تخصصية بحتة؛ بل ما يهمه هو تعديل القوانين وتفعيل أدوات الرقابة لتكون أداة فاعلة للضرب بيد من حديد لكل من تسوِّل نفسه استغلال موارد الوطن وخيراته باسم الوطنية وتحت عباءة المسؤولية؛ فبعض القوانين لدينا بحاجة للتجديد ولنقل بالمصطلح الحالي "التحديث" كي توائم هذا العصر وما به من غرائب وعجائب. هناك من يحتمي بعدم جواز التشهير في الكشف عن المتسبب في الفساد، وهو يتصور أن هذا القانون يضعه في مأمن، ولو بعد حين، وأنا أجزم أنه في حالة سن تشريع جديد ينص على التشهير بالفاسدين، لوجدنا تراجعًا كبيرًا في معدلات الفساد، ولقطعنا دابر الفساد من جذوره وسيصبح كل فاسد عبرة لغيره.
إذا أردنا أن نحارب الفساد، فليكن الجميع سواسية دون استثناء وأن يكون صالح عمان ورفعتها فوق كل اعتبار، وأن يخضع الجميع للقانون مهما كان منصبه ومركزه، والقاعدة القانونية تقول "الجميع سواسية أمام القانون"، ومكافحة الفساد يجب أن تبدأ من تفعيل مبدأ "من أين لك هذا؟"، من خلال إقرار الذمة المالية للمسؤول الحكومي وأن يُلزم بهذا الإقرار كل موظف على رأس وظيفته ابتداءً من الوزير إلى الغفير.
كما يجب أن لا نغفل عن مراقبة ومحاسبة الشركات الحكومية والتي من المفترض أن تدر أرباحًا للدولة تستفيد منها في مشاريعها التنموية وسداد ديونها، لا أن تكلِّفنا خسائر تكون عبئًا على الموازنة العامة، وهناك أمثلة للعديد من الشركات والتي عقدت عليها الآمال لتحقيق أرباح ترفد ميزانية الدولة ولكنها للأسف أصبحت عالة لا سندًا معينًا.
إنَّ مكافحة الفساد باختصار ينبغي لها النفس الطويل والتكاتف بين جميع فئات المجتمع، وأن يكونوا يدًا واحدة لاجتثاث هذا المرض العضال، والأهم من كل هذا وذاك أن تطوَّع القوانين لهذا الغرض؛ فمتى ما استؤصل الفساد عاش الوطن والمواطن في أمان واطمئنان.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
استراتيجية ترامب.. إرباك الجميع لكسب كل شيء
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، محملًا برؤية أكثر تطرفًا وأجندة سياسية تفيض بالجرأة والاندفاع. على الرغم من أنه يبدو وكأنه يسير بلا ضوابط، إلا أن تحركاته ليست وليدة اللحظة، بل تنبع من عقلية سياسية تمزج بين الشعبوية العدوانية، والفكر التجاري القائم على المكسب والخسارة، والبحث عن النفوذ بأقصى درجات البراجماتية. فما هي حقيقة شخصية ترامب؟ وما السر في قدرته على تحدي العالم بأسلوب يوحي بأنه عقد صفقة مع الشيطان؟.
يتميز ترامب بشخصية مركبة تمزج بين الاستفزاز العلني والدهاء السياسي، مستندًا إلى أسلوب غير تقليدي يجعله دائمًا في موقع المبادر والمسيطر. فهو يتقن لعبة خلق الأزمات ثم استثمارها لمصلحته، مستخدمًا أسلوب "الصدمة والترويع" ليضع الجميع في حالة دفاعية مستمرة. لا يمكن تصنيفه كسياسي كلاسيكي، بل هو أقرب إلى قائد شركة عملاقة يعتقد أن الدول تدار كما تدار الصفقات، حيث لا يوجد ولاء دائم، بل مصالح متغيرة.
ولا يملك ترامب رؤية ثابتة، لكنه بارع في تحويل الأزمات إلى أدوات ضغط. من خلال إعلانه خططًا كبرى مثل إعادة النظر في قناة بنما، أو فرض ضرائب خانقة على كل الدول، أو تهديد حلف الناتو، ينجح في دفع خصومه إلى حالة ارتباك، مما يمنحه حرية فرض شروطه على طاولة المفاوضات.
وفي حالة مصر والأردن، لم يوجه تهديدًا مباشرًا، لكنه لجأ إلى التلاعب بالمشهد الدولي، محاولًا إقناع الجميع بأن رفض الدولتين تهجير الفلسطينيين يفرض عليهما مسؤولية إيجاد "حل بديل"، دون أن يدخل في مواجهة مباشرة معهما.
وبدلًا من التعامل مع حلفائه التقليديين على أنهم شركاء استراتيجيون، قرر ترامب معاملتهم كعملاء مطالبين بالدفع مقابل الحماية. فكرة "الدفع مقابل الأمن" ليست مجرد شعار، بل تعكس نظرته التجارية للعلاقات الدولية، حيث تتحول التحالفات إلى معاملات مالية بحتة. هذا التحول يثير تساؤلات حول مستقبل حلف الناتو إذا استمر ترامب في الضغط على أوروبا للتمويل، ما قد يدفع بعض الدول إلى البحث عن بدائل أمنية.
وعلى الرغم من عدوانيته الظاهرة، لم يظهر ترامب حتى الآن تحديًا واضحًا لروسيا، مما يفتح الباب أمام احتمالات متعددة. هل يعود ذلك إلى تفاهمات خفية؟ أم أنه يرى في موسكو عامل توازن استراتيجي يمكنه استغلاله ضد الصين وأوروبا؟ في كل الأحوال، ترامب ليس رجلًا عشوائيًا، بل يختار معاركه بدقة ليضمن أنه لا يخوض أي مواجهة دون مكاسب محسوبة.
فالتعامل مع نهج ترامب السياسي يحتاج إلى استراتيجيات مبتكرة وذكية تحول نقاط قوته إلى نقاط ضعف يمكن استغلالها ضده، مثل إعادة توظيف استراتيجيته ضده فهو يعتمد على مبدأ الصدمة لإرباك خصومه لكن يمكن للدول الأخرى استخدام الأسلوب ذاته عبر مبادرات دبلوماسية واقتصادية مفاجئة تجعله في موقف الملاحق بدلًا من المهاجم، وبناء تحالفات موازية، فيمكن للدول المتضررة من سياساته إنشاء شراكات اقتصادية وأمنية جديدة تقلل من الاعتماد على الولايات المتحدة مما يحد من قدرته على فرض شروطه، واستثمار الرأي العام الأمريكي، فرغم قوته يظل ترامب بحاجة إلى دعم الداخل الأمريكي، لذا على الدول المتضررة التأثير على الرأي العام الأمريكي عبر وسائل الإعلام واللوبيات السياسية لتشكيل ضغط داخلي عليه، والمناورة الاقتصادية فبما أن ترامب يعتمد على العقوبات والرسوم الجمركية فإن تطوير شبكات تجارية بديلة قد يقلل من نفوذه الاقتصادي ويحد من تأثير سياساته.
ومهما كان الموقف من سياساته لا يمكن إنكار أن ترامب يجيد تحريك رقعة الشطرنج السياسية بطريقة غير متوقعة، فالبعض يرى فيه زعيمًا غير تقليدي يقلب المعادلات بينما يراه آخرون تهديدًا للاستقرار العالمي، لكن المؤكد أن التعامل معه يتطلب ذكاءً استراتيجيًا وليس مجرد ردود فعل تقليدية.. والسؤال الذي يبقى مطروحًا هل سيستطيع العالم احتواء ترامب أم أنه سيفرض قواعده الجديدة دون مقاومة حقيقية؟.